اللباس والطعام في القرآن- عن الحجاب والطعام

بسم الله الرحمن الرحيم

حديثنا اليوم حول اللباس والطعام في الإسلام. ونبدأ باللباس. لا نقصد باللباس كل ما يلبسه الناس بمختلف أجناسهم فهي ليست شأنا قرآنيا والله تعالى خيرنا بحق في شؤوننا الشخصية والحضارية. لكنه سبحانه شرع بعض الأوامر التي تساعدنا على صيانة أنفسنا وعوائلنا وأممنا في الدنيا وتجلب لنا الرضوان في الآخرة. فليس في القرآن أي حديث عن اللحية والملابس الطويلة والقصيرة ولبس الذهب والفضة وكل توابعها والتي يتعرض لها الفقه الإسلامي وكذلك المحرفات اليهودية. لم يأمر الله تعالى أنثى بأن تلبس الجلابيب أو الخمر أو الثياب بل كانوا يلبسونها ولكن الله تعالى أمر المسلمين بأن يستفيدوا من نفس الملابس للمزيد من الصيانة والوقاية.

ثم إنني أنا لست من دعاة خلع الحجاب بل أنا من الذين يشجعون الحجاب الإسلامي للأخوات الكريمات ولكن ليس من حقي ولا من حق غيري أن نقول بأن الله تعالى أوجب شيئا لم يذكره سبحانه في القرآن بصراحة ووضوح. ولنكن واقعيين فإننا كمسلمين نؤمن برسالة نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي احتضن كتابا واحدا اسمه القرآن وكل المسلمين وهكذا الذين عاصروا الرسالة المجيدة من اليهود والنصارى معترفون بأن هذا القرآن هو قرآنهم. لم يخلف الرسول أي كتاب آخر ولم يكن له ولصحابته أي كتب أخرى عدا القرآن المصون الباقي والتوراة والإنجيل الذين تعرضا للتحريف. كل الأحاديث  والروايات كتبت فيما بعد ومرت جميعها على حكومات العباسيين المهتمة بالأحاديث لتوطيد كيانها. لم يتعهد الله بصيانة أي كتاب غير القرآن وليس بيدنا أي كتاب ولو ادعاء بتأليف الرسول أو أي من صحابته أو أي من الخلفاء الراشدين أو أي من التابعين.

فكلما يُنسب إلى الله تعالى خارج القرآن باطل ومردود ولا عبرة به عند المحققين من المسلمين.

لكننا في نفس الوقت نعيش على سنن غير واردة في القرآن ولا يمكننا التخلي عنها مثل:

كيفية الصلوات اليومية وبقية الصلوات الواجبة والمستحبة.

الكفن والدفن للموتى.

ذبح الحيوانات بقصد التذكية لتكون صالحة شرعا للأكل.

رمي الجمار في الحج. وبعض السنن الصغيرة مثل:

الدفن في مقابر المسلمين؛

الختان للذكور فقط؛

طقوس الزواج من الخطبة والنكاح والزفاف مع ما يصاحبها من تقديم الأكل والحلويات وغير ذلك كإعلان لتشكيل أسرة جديدة.

الوصية قبل الموت. ووو

لكن الخلافات المذهبية التي بدأت خلافات سياسية ثم اشتدت وتفاقمت وتحولت إلى نصوص دينية تفيد تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة وكل منها إلى مذاهب صغيرة مختلفة؛ هذه الخلافات صاحبتها أحكام وتشريعات خاصة بها لتميزها عن غيرها. هذه الخلافات مرفوضة من أساسها قرآنيا وباطلة ولا يجوز الالتزام بها إطلاقا لو كنا نعتقد بالقرآن الكريم لكنها موجودة. كل أصحاب المذاهب يسعون لأن ينسبوا تشريعاتهم الموسعة إلى الرسول أو إلى ذريته ويوصلونها إلى الله تعالى معتبرينها وحيا ثانيا خارج وحي القرآن. معاذ الله.

ولذلك لا يمكننا كمسلمين نحب الله تعالى ورسله الكرام وكتبه السماوية الشريفة أن نتبع ما يقوله أصحاب المذاهب؛ كما لا يمكننا أن ننسب السنن الموروثة إلى هذه الكتب والزبر البشرية غير المرتبطة بالوحي. فمن حقنا أن نصلح السنن لو رأيناها تخالف القرآن لنعيدها إلى أصولها.

Vector – arab family with placard, muslim people, saudi cartoon man and woman. Muslim family with sign.

سنة الحجاب:

ولننظر الآن إلى سنة الحجاب المنتشرة بين المسلمين بأشكال مختلفة:

1. النقاب الكامل بحيث لا يرى أحد أي شيء من جسم المرأة أو حجم جسمها وبعض المتشددين يسعون ألا يذكروا أسماء الفتيات والنساء بل يشيرون إليها بالكنى أو يختلقون أوصافا لهن.

2. تغطية وجه الأنثى من ساعة ميلادها حتى موتها بحيث لا يراها أبوها وإخوانها وزوجها! و ليت شعري كيف تتزوجن؟؟

3. الحجاب المعروف اليوم بالحجاب الإسلامي وهو تغطية الشعر وبقية البدن عدا الوجه والكفين.

4. الحجاب الإسلامي المصغر الداعي إلى وضع لفافة على الرأس فقط وترك الوجه والرقبة واليدين وحتى الساقين أحيانا مكشوفة بارزة.

فليست هناك سنة واضحة متوارثة من أيام الرسل المكرمين في الواقع بل الأمر خلافي بكل معنى الكلمة. وكل هذه الأنواع من الحجاب موجودة لدى اليهود وبعض المسيحيين مما يدل على أنها كانت معروفة بين أصحاب الديانات السماوية برمتها وكلها مختلفة وغير متفق عليها.

لكننا كمسلمين ننظر إلى التاريخ الإسلامي على ما ينطوي عليه من مفتريات لنجد بأن الرسول عليه السلام عاش مع الصحابة الرجال والصحابيات وكلهم يروون عنه. ولم يكن للرسول سماعات ولا أجهزة تلفاز بل جلسوا معا أمامه في مجلس واحد. كان الأمر كذلك برواية المؤرخين أيام الخلافة الراشدة وأيام بني أمية ولكن بني العباس فصلوا بين الرجال والنساء في مجالسهم.

والتاريخ المسيحي يذكر بأن المسيح تحدث إلى الجنسين معا ونرى عمليا بأن مسألة صعود المسيح عليه الصلاة والسلام إلى السماء بعد دفنه منسوبة إلى امرأة وليس إلى رجل كما يعتقد به المسيحيون.

ولا يذكر اليهود المتشددون أي تاريخ لديهم بأن موسى فرق في مجالسه بين النساء والرجال بقدر معلوماتي المتواضعة.

ولننظر الآن إلى الطقوس الدينية:

إن أهمها هي الحج بالنسبة للأديان الثلاثة فنرى بأن الجميع يزورون القدس والكعبة وحائط المبكى دون تفريق بين الجنسين. المسلمون والمسلمات يختلطون تماما في الطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام ولا يفرقون بين الجنسين ولا يهتمون بأن تقف النساء خلف الرجال. كل المذاهب المختلقة بشريا تحرم تغطية الوجه للمرأة. وكلهم يقولون بأن أهل مكة كانوا يفرقون في الطواف بين الجنسين فيطوف الرجال في النهار وتطوف النساء في الليل ولكن الرسول منع من ذلك وأمر بأن يطوف الرجال والنساء معا ولا تغطي امرأة وجهها.

فمن أين أتى النقاب؟ ليس النقاب إسلاميا ولا مسيحيا ولا يهوديا.

إنه عادة بابلية ومجوسية للتفريق بين الحرائر والإماء ولا ارتباط لهذه العادة السيئة بالأديان السماوية.

ولننظر إلى القرآن لنختصر الطريق:

قال تعالى في سورة الأحزاب: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)

فلننظر بدقة إلى الآيات التي سبقت ولحقت آية الحجاب لنراها تتحدث عن توجيه البهتان إلى بعض المؤمنات من قبل المنافقين وبأن حكم الحجاب نزل لحماية المؤمنات من مثل هذه التهم. لا تأمر الآية بإضافة أي لباس إلى المرأة بل تأمر بالاستفادة من جلابيبهن ليدنينها عليهن. والسبب في ذلك هو أن يُعرفن بالشرف والفضيلة فلا يتعرضن للأذى.

ثم لننظر إلى السبب الداعي إلى أن يأمر النبي وليس الرسول أزواجه وبناته بأن يدنين عليهن من جلابيبهن. ألا يعني ذلك بأن بعض أزواج النبي على الأقل وبعض بناته لم تفعلن ذلك من قبل؟ ومن هن بنات النبي؟ أنا شخصيا لم أر في القرآن أي بنات للرسول عدا فاطمة كما أنه عليه السلام لم ينجب ذكورا. قال تعالى في سورة الأحزاب: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40). ولو كانت الآية آية حجاب فإنهن لم يكن محجبات.

ثم ما معنى يدنين عليهن من جلابيبهن؟ لنقرأ آية الحجاب الثانية لعلنا نعرف المعنى:

قال سبحانه في سورة النور:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31).

لنمعن النظر في الآيتين:

1. هناك أمر للمؤمنين والمؤمنات معا بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. فكما أن المرأة مسؤولة عن غض البصر حماية للفروج فإن الرجل مسؤول أيضا دون تفريق بينهما. الغض يعني تخفيض النظر أو الصوت. فليس هناك منع كامل من النظر ولكن هناك منع من التعمق في البصر حماية للفروج. فمعناها بأن النظر غير المؤدي إلى الشهوات مباح ولكن النظر المصاحب للشهوات محرم على المؤمن وعلى المؤمنة على السواء. والآية تأمر كلا منهما أن يغضا الطرف حماية لفرجه وليس حماية لفرج الآخر. ولم يذكر القرآن الكريم عقابا لمن يخالف هذا الأمر فهو أمر إرشادي أكثر من يكون أمرا تشريعيا.

فما معنى الفرج: الفرج كما يقولون هو الشق بين شيئين وكني بنفس الكلمة عن السوأة حسب تعبيرهم فاستعمل الله تعالى الفرج للعضوين التناسليين للذكر والأنثى.

ولكنني أظن غير ذلك. وظني لا يغير المعنى ولكنني أظن بأن كلا العضوين فرجان ولكن العضو الذكري مقفول على باطنه وهو الجزء الحساس والعضو الأنثوي مصنوع على الأصل ولذلك اكتشفوا اليوم بإمكانية تحويل الجنس إلى جنس آخر دون إيجاد عضو الإنجاب أو الرحم وكذلك مستلزمات الرضاعة لدى المرأة. فاستعمال الفرج في القرآن للعضوين قد يكون استعمالا مقصودا وابتدائيا لعلم الله تعالى بهذه الحقيقة فهو قد يكون بمثابة إعجاز قرآني في الزمن الغابر.

فيعني بأن على المؤمن ألا يسعى لتحريك شهوته بالنظر إلى المؤمنة وعلى المؤمنة مثل ذلك. فقولهم بأن على النساء ألا يحركن شهوات الرجال غير وارد في هاتين الآيتين. لكن العقل يحكم بذلك لأن تحريك شهوة الفرج مشترك بينهما لكن التأكيد على حماية النفس أكثر من التأكيد على حماية الغير. فمن حمى نفسه من طغيان الشهوة فإنه يحمي الطرف الآخر أيضا فيتحقق الحكم العقلي بهاتين الآيتين الكريمتين.

2. يضيف الله تعالى حكما آخر على حكم غض البصر للمؤمنات وهو: ولا يبدين زينتهن. فما هي الزينة أولا؟ إن الزينة مشروحة في آخر الآية الكريمة وهو: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. والزينة الخفية التي تظهر بضرب الرجل هي الخلخال الذي يطوق الساق. نعرف من المقطع من الآية الكريمة بأن الحديث عن المؤمنة التي تخفي سيقانها فنعرف بأن إظهار السيقان غير مسموح. فليست الزينة بدنية ولكنها الحلي والمجوهرات التي تزين البدن.

3. نحن نعرف من آية سورة النساء بأن العم والخال مَحرمان للمرأة ولكنهما غير مذكورين في الآية الكريمة؛ كما نعرف بأن العبد غير محرم مع المرأة ولكنه من المسموح له بأن يتعرف على زينة مخدومته. ونعرف من سورة يوسف بأن علاقة الشهوة بين العبد ومولاته غير مصانة بل هي قابلة للظهور بقوة كما حصل من زوج العزيز بالنسبة ليوسف. مع ملاحظة هذه المسائل يضطرب موضوع الحجاب من هذا المقطع من الآية على الأقل. فبداية الآية عن الحجاب ولكن عدم إظهار الزينة ليس مرتبطا بالحجاب. والتفسير المعقول لهذا المقطع الكبير من الآية الكريمة هو أن الله تعالى يريد المحافظة على النساء من اللصوص الذين يطمعون في سرقة زينة النساء فقد تصاحب السرقة اعتداء على شرفهن أيضا. ولذلك يفقد العم والخال أهمية درايتهما بما تملك المرأة من زينة لسبب آخر وليس لبيان المحرمية. لكن الله تعالى سمح للمرأة ألا تخفي زينتها عن صديقاتها بقوله نسائهن وكذلك عن خدمها لأنهم يعرفون ما تملك سيدتهم من زينة ولا خطر عليها من ناحيتهم. وأما العم والخال فقد يكونا فقيرين ويريدان أن يطلبا يد الفتاة الغنية لأحد أولادهما فالله تعالى يحب ذلك كما يبدو لي ولكن لا يحب أن تبدي الفتاة الغنية زينتها لهما فيخجلا أو يتباطئا في طلب الزواج. بالطبع هذا مجرد احتمال.

4. وأما ما ظهر من الزينة المذكور في بداية المقطع الكبير من الآية فهي القطع الذهبية الصغيرة التي تتحلى بها النساء كالخواتم والأسورة التي لا تنطوي على المزيد من الذهب وغير ذلك.

5. والآن نعود مرة أخرى إلى المقطع الكبير من الآية بعد انتهاء الأمر بغض البصر لنراها مؤلفة من جملتين مختلفتين. فالنهي من إبداء الزينة مكررة يبدأ بموضوع كامل ثم تبدأ جملة أخرى حول عدم إبداء الزينة. الجملة الثانية اقتصادية والجملة الأولى ليست اقتصادية في الواقع. إن تلك الجملة هي التي تمثل حقيقة الحجاب الواجب وهو واجب على كل المؤمنات سواء كن حرائر أم إماء. هي هذه فلنقرأها مرة أخرى ونفكر فيها: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ. هكذا فرق الله تعالى بين المؤمن والمؤمنة في وجوب حماية الفروج بإضافة هذه الجملة الكريمة في الآية المباركة. فيجوز إظهار بعض الزينة التي هي فوق الجيوب وهي الزينة المضافة إلى الوجه ولكن الجيوب غير مسموحة. فما هي الجيوب؟

الجيب والجوب متقاربان في المعنى وهو الخرق ولكنهم استعملوا الجوب لقطع الصخور ولقطع الكلام جوابا واستعملوا الجيب لخرق في القميص ليدخلوا فيه الرأس. وأما الجيوب المتعارفة بيننا فهي لم تكن مستعملة يوم نزول القرآن احتمالا. وبما أن النساء كن ولازلن مهتمات بتضخيم الشعر أحيانا كسمة من سمات الجمال وكن يستعملن الدهون والزيوت المعطرة ولذلك كن يكبرن جيوب القمصان ليدخل الرأس في القميص دون أن يمس الشعر. ولا ننس بأن الخيوط المطاطية والأزرة لم تكن متوفرة آنذاك. ولو كان الله تعالى يريد إخفاء الشعر لأمرهن بأن يقلصن من فتحات الجيوب لكنه سبحانه لم يفعل ذلك، كما أنه سبحانه لم يأمر بإضافة قماش أو منديل لتغطية الصدر بل قال: وليضربن بخمرهن على جيوبهن. بمعنى أنه سبحانه علَّمهن أن يضربن وهو مثل يرمين طرفا من أطراف خمرهن على جيوب القمصان حتى يخفين الصدور لأنها أكثر الأعضاء إثارة للجنس الآخر.

فقولهم بأن الخمار يمثل غطاء الرأس لهو قول سخيف فهل يُعقل أن نتصور بأن النساء كن يغطين شعورهن ولكنهن يفتحن صدورهن؟ لو فعلت أنثى ذلك لقلنا بأنها تدعو إلى الفاحشة وتريد أن تتنكر حتى لا يتعرف عليها أهلها وهذا الأمر غير وارد في أمة مسلمة تحتضن أعظم كتاب في الأرض وتحتضن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. فالخمار ليس غطاء الرأس وسبب تسميته بالخمار هو باعتبار أن الخمر يُسكر فهو لباس جميل يسكر الجنس الآخر وقد يكون هو المرط أو الجلباب أو أن يكن ملابس مشابهة لها ذيول.

والآن نرجع إلى الآية الأولى التي تركناها من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59).  فالجلباب كالخمار لباس كن يلبسنه وله ذيول أيضا ولكن الجلباب احتمالا يغطي قسما من الصدر ولعلهن كن يلبسنه حينما يصنعن شعورهن على شكل ضفائر دون نفش فقال سبحانه بأن يدنين من هذا الجلباب شيئا إلى أبدانهن ولم يتحدث عن الجيوب. فالجلباب أيضا ينطوي على ذيول قد يغطي المتن وتنزيلُه باتجاه الصدر يساعد على تغطية الصدور فيختفي عضو الجاذبية في الصدر. هذا كل الحجاب في القرآن ولم يذكر الله تعالى أي عقاب لمن لا يعمل بالحجاب فكل ما يقولونه من عقاب دنيوي أو أخروي فهو كلام بشري لا ارتباط له بالقرآن الكريم ولو نسبوه إلى الله تعالى اعتبرناه فرية وكذبا على الله العظيم جل جلاله.

وفي الختام أعود فأكرر رأيي بأن تلتزم الأخوات المكرمات بالحجاب لسبب آخر وهو ليس سببا شرعيا ولا دينيا ولكنه اجتماعي. واسمحوا لي أن أشق ذلك السبب شقين:

الشق الأول: أن الحجاب أصبح علامة المرأة المسلمة الملتزمة كما أنه علامة المرأة اليهودية والمسيحية الملتزمة فكيف يروق لأخواتنا المكرمات أن يرين المسيحيات واليهوديات المؤمنات يرتدين الحجاب المعقول وهو تغطية الرأس وإظهار الوجه وقسما من اليدين ولكنهن يتمثلن بغير الملتزمات؟

الشق الثاني: هو أن الله تعالى أمر رسوله بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومدح أهل مكة بأنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف كما قال في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110).  والمعروف اليوم بين نساء المسلمين أن يرتدين هذا الحجاب البسيط الذي لا يخالف أمر الله تعالى بأن يتعاون الناس مع بعض وبأن يسير الجنسان جنبا إلى جنب كما هو في مركزنا الأساسي في مهبط الوحي الختامي مكة. ومن المؤكد أن النقاب وما شابهه يفصل المرأة عن الرجل وقد يكون محرما لأسباب أخرى لا مجال لذكرها هنا.

وأما الطعام:

و مقصودنا من الطعام هو اللحوم المحللة وطريقة تذكيتها. سوف لا نتحدث كثيرا عن المحللات وسوف نركز على التذكية ونبين معنى أمر الله تعالى بأن نذكر اسم الله عليها بكل تفصيل بإذن الله تعالى.

وقبل البدء يجب أن نعرف قليلا عن المدلولات اللفظية لأننا نعرف القرآن أو مفاهيم القرآن عن طريق اللغة والألفاظ والجمل المستعملة لبيان الأحكام والمفاهيم التي يريد الله تعالى أن يوصلها إلينا.

فالقرآن يصرح بأنه منزل بلسان الرسول الأمين وأهله. قال تعالى بالنسبة لكل الرسل في سورة إبراهيم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4).

وقال سبحانه في سورة مريم بالنسبة لرسولنا الكريم: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97).

وقال سبحانه في سورة الزخرف بأن القرآن له ولقومه: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44). كما أكد سبحانه في الآية الكريمة بأن رسولنا وقومه سوف يُسألون عن هذا القرآن وعن استمساكهم بالقرآن. والذي نلمسه مما وصل إلينا هو أن المسلمين لم يخلفوا كتابا غير هذا القرآن وبأن كل ما كتب بعد الرسول يعود تاريخها إلى ما بعد وفاة آخر صحابي ممن عاشوا مع رسول الله. فالوحي هو هذا القرآن وليس غيره وهو ثابت لدى جميع المسلمين ولدى جميع المؤرخين من غير المسلمين أيضا.

وأما اللسان فهو ما نطق به الذين احتاجوا إلى التواصل مع بعضهم البعض من قديم الزمان. كانت هذه الحاجة موجودة لدى الحيوانات والإنسان ولكنها ليست بدرجة واحدة. فالحيوانات تأكل وتشرب الموجود ولا تقوم بأية معالجة مثل الطبخ والتخمير والعصر والتبخير وغير ذلك. كما أنها لا تضحك ولا تقتني الملابس ولا تبني البيوت ولا تقيم المصانع ولا تستعمل المراكب ولا تقوم بالتسويق ولا تمارس أي نوع من أنواع المبادلات التجارية.

وأما الإنسان وباعتبار النفس الإنسانية يحمل القوة على خلق اللغة ولكنه يسعى للاستعانة بقدراته عند ظهور الحاجة. وقد ظهرت الحاجة بالتكاثر وانطلقت الألسن بما نسميه اليوم اللغات وانتهى الأمر. جاء القرآن من بعدهم واستعمل لسانا عربيا متكاملا لبيان ما يريد الله تعالى أن يبلغه لعبيده وهو لسان أهل مكة. استعمل القرآن لسانا موجودا فلا يمكن لنا أن نخترع قواعد لاستكشاف معاني سواء على أساس الأصوات أو على أساس المناهج اللفظية الأخرى. كلها مناهج جميلة وبديعة ولكنها لا يمكن أن تخدمنا لفهم كلام منزل من قبل أن نتطور في استحداث كلمات ومعاني جديدة. كلما نفعله لو وافقت عليه الأمم البشرية فهو يفيد المستقبل ولا يمكن أن يمثل الماضي.

أما بعد هذه المقدمة القصيرة نأتي إلى مفهوم التذكية الواردة في القرآن مرة واحدة فقط ونقرأ الآية الكريمة من سورة المائدة:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3).

ذكى يعني شعل وذكّى يعني أشعل. لم يأت أحد بشاهد عربي من شعر أو نثر ليعطي معنى آخر. لكن أرباب اللغة قالوا بأن العرب استعملوا الجذر لبيان شدة الذكاء كقولهم: فلان شعلة نار، بمعنى شديد أو حاد الذكاء. كما وصفوا الشيخ مذكيا باعتبار تجاربه ورياضاته.

وقال ابن فارس في مقاييس اللغة:

الذال والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ واحد مطّردٌ منقاس يدلُّ على حِدَّةٍ [في] الشَّيء ونفاذٍ. يقال للشَّمس “ذُكاءُ” لأنَّها تذكو كما تذكو النّار. والصُّبح: ابنُ ذُكاءَ، لأنّه من ضوئها. ومن الباب ذكَّيتُ الذَبيحة أُذكّيها، وذكّيت النّار أذكّيها، وذَكَوْتُهَا أذْكُوها.   انتهى قول ابن فارس.

ولعمري لم يقولوا كيف صار حدة النار أو شعلة النار بمعنى ذبح الحيوان؟ لم يدروا ولا أدري. لقد استعملها العرب بمعنى شدة الرائحة فكأن العبير يشتعل لكن ليس بيدنا أي دليل على أنهم استعملوا الجذر لذبح الحيوان أو لما يقارن الذبح.

وكلي ظن بأن أول من وظف الجذر بمعنى ذبح الحيوان المعد للأكل أو ما يقارن الذبح ليصير الحيوان حلالا هو القرآن الكريم.

وجاء من بعد القرآن من أيد القرآن. ذكر ابن منظور في لسان العرب:

والذَّكاءُ في الفَهْمِ: أَن يكون فَهْماً تامّاً سريع القَبُولِ. ابن الأَنباري في ذَكاءِ الفَهْمِ والذَّبْحِ: إنه التَّمامُ، وإنّهما ممدودانِ.   انتهى قول ابن منظور.

إن ما قاله ابن الأنباري رحمه الله تعالى لا يزيدني إلا ضحكا. ذكاء الفهم وذكاء الذبح؛ إنها محاولة يائسة بائسة وليست محاولة صائبة برأيي والعلم عند المولى جل وعلا.

وقالوا بأنهم لو وصلوا إلى الحيوان المقتول بسبب آخر غير الذبح وبه رمق أو حسب تعبيرهم الخاطئ روح ثم قطعوا أوداجه صار حلالا.

لا أظن بأننا يمكن أن نستنتج هذا المعنى من شبه جملة: إلا ما ذكيتم. ولو قال أحد بأن التذكية تعني إشعال النار في الحيوان الميت لكان أصح من قول المفسرين ولكنه بالتأكيد ليس صحيحا. فليس لإشعال النار في الميتة أثرا لتحليل الحيوان؛ ولو فرضنا بأن إشعال النار في الحيوان هو لإحراق الحيوانات الميكروبية الضارة فلا فرق حينئذ بين الحيوان الذي هو في طريق الموت بسبب غير الذبح والحيوان المذبوح.

فالتذكية مرتبطة بأمر بعيد عن بدن الحيوان وهي شبيهة بالذكاء بمعنى الفطنة المشتعلة أو حدة الذهن. لا يكفي بأن ترى الحيوان في غمرات الموت ثم تقطع أوداجه برأيي ولكن يجب أن تقطع الرقبةَ والحيوانُ بكامل شعوره بمعنى أن أسباب الموت المذكورة في الآية لم تكن قد أثرت في إحساس الحيوان بالحياة وفي الدفاع عن نفسه.

وما يقوله العلماء بأن الإدراك مرتبط بالتفاعلات الكيماوية في بعض أعضاء البدن لا يزيدني إلا ضحكا أيضا. إن كل ذي وجدان يشعر بأن الحيوانات كلها حتى التي ليس لها مخ مثلنا كالحشرات فإنها تتميز عن النبات بوجود مركزية حاكمة في كيانها مما يَفقدها الأشجار والنباتات برمتها. فلا تشعر الشجرة بأننا قطعنا أغصانها ولا تدافع عن نفسها ولكن الذبابة تشعر وتدافع عن نفسها. فللذبابة شيء شبيه بالنفس ولكنه ضعيف يكفي لإشعار الذبابة بوحدة كيانها وبأن كل أعضائها تُدار بتلك الطاقة المركزية تماما كالنفس المدركة لدى الإنسان.

والتذكية برأيي تعني تحريك النفس الحيوانية الشاعرة بأمر مرتبط بذكر اسم الله تعالى عليها، فلننتقل إلى هذه المسألة.

قال سبحانه في بداية نفس الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ. فما معنى أُهلَّ بداية؟

أُهلَّ هو المبني للمجهول من أَهلَّ وهو في الأصل بمعنى رفع الصوت حين رؤية الهلال. ثم استعملوا الفعل لكل أمر مهم أو مفاجئ مطلوب يستقبلونه بالنداء والصوت. قال يزيد لعنه الله تعالى حينما قدموا له رأس الحسين عليه السلام في أشعاره السخيفة التي يرجو فيها أن يكون أسلافه حاضرين ليروا حفيدهم الفاسد الطاغي كيف انتقم لهم من بني هاشم:

لأهلوا واستهلوا فرحا      ثم قالوا يا يزيد لا تشل

شلت يداه في النار. وهو يعني بأنهم سوف يهلهلون بأصواتهم فرحا بالانتقام من قتلى بدر. والإهلال بالله تعالى على الحيوان يعني قول لا إله إلا الله أو ما في حكمه عليه. والعرب تستعمل هذه الكلمات المختصرة لبيان بعض الجمل المعروفة:

حوقل أو تحولق: قال لا حول ولا قوة إلا بالله.

بسمل أو تبسمل: قال بسم الله الرحمن الرحيم.

حي: قال حيهل كما نقول في حي على الصلاة وتعني حيهل على الصلاة.

أهل أو استهل: قال لا إله إلا الله.

والمقصود من الإهلال هو الاستبشار بأمر كما عرفناه من شعر يزيد. فحينما يسوقون الحيوان للذبح بقصد الأكل فإنهم يستبشرون به ويقولون أمرا يدل على الشكر أو إظهار الفرح. فالإهلال بالحيوان كان مرسوما ولكن الله تعالى منع أي إهلال لغير الله تعالى. فلا يجوز أن نهل على الحيوان حتى باسم رسول الله عليه السلام. ليس هناك في الأرض من يقوى على دفع قيمة هذه الحيوانات التي مر على تطويرها مئات الملايين من السنين ولكننا ندفع قيمة التنازل عنها فقط والمالك الحقيقي هو الله تعالى الذي طورها بقصد أن تكون غذاء لنا فعلينا بأن نشكره سبحانه ولا نذبح الحيوان باسم غير الله تعالى. وهذا برأيي غير التسمية الواجبة عند الذبح أو النحر.

قال تعالى في سورة الحج: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28). هذا هو الإهلال بالحيوان وليس كل الحجيج يذبحون ولكنهم جميعا يذكرون اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام. هناك بين الحجيج فقراء يأتون إلى الحج ليأكلوا مما يذبحه الأغنياء.

ولنعرف معنى ذكر اسم الله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام:

لاحظت أن فقهاء الشيعة يذكرون نوعا خاصا من التكبير يوم عيد الأضحى وهذا التكبير لا علاقة له بذبح الحيوان، فيقولون: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا والشكر له على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.

أظن بأن هذا هو المقصود من آية سورة الحج لكل من يدخل مكة أو يصلي صلاة عيد الأضحى في بلده بأن يتذكر خلق الأنعام الثلاثة الصغيرة، البقر والمعز والضأن في مكة ويشكر الله تعالى عليها. ولذلك لم يقل سبحانه ليذكروا اسم الله عليها بل قال ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

ولنعد إلى الآية الأصلية مرة أخرى لنقرأها متلوة بآيات أخرى موضحة فالأولى وهي في سورة المائدة كما ذكرت: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3).

وأما الآيات الموضحة لذكر اسم الله تعالى فنعود إلى سورة الحج ونقرأ كل هذه الآيات:

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40).

لنلاحظ الآية الأخيرة فهل ذكر اسم الله في الكنائس والمساجد والبيع والصلوات تعني شيئا غير أن نأتي باسم الله تعالى فيها بصوت مسموع؟ وهل هناك من يقوم بعمل غير هذا في أماكن العبادة؟ لاحظوا بأن الآيات متتالية وهي في سورة واحدة.

والآن لنتحدث بكل صراحة عن الأمر الذي حدا بالإخوة المكرمين أن يدعونا إلى هذا البيت البديع وهذه الأسرة الكريمة لنتحدث عن موضوع الطعام. أنا شخصيا أحب كل الناس بلا استثناء بغض النظر عن الدين والمذهب ولكنني أكره القتلة وأتمنى موتهم حتى لو كانوا مسلمين أو كانوا من أقرب الناس إلي. كما أحب كل أعضاء المودة وهي الجمعية التي أسسها الإخوة وتشرفت بالعضوية فيها بلا استثناء لأنهم جميعا اجتمعوا لفهم القرآن كما أحترم آراء أفرادهم فردا فردا.

ولذلك فأنا هنا لا أنتقد شخصا بعينه ولكن من حقي بل من واجبي أن أنتقد الفكر وفي هذه المسألة بالذات فإن ذلك الأخ الكريم هو الذي انتقد كل اليهود وكل المسلمين وكل الرسل الذين أتوا مع موسى حتى خاتم النبيين وانتقدني أنا أيضا. فأنا هنا لست منتقدا ولكنني أرد على انتقاده فقط. لا يوجد في الأرض كتاب ولا قصة ولا تمثيلية قديمة أو حديثة حتى يومنا هذا ولا صور ولا قصص تقول بأن اليهود أو المسلمين قتلوا الحيوانات لأجل الأكل بدون الجهر باسم الله تعالى عليها. إنه بالنسبة لي أول من قال وبنى أساس بحثه على تفسير خاص به للألفاظ التالية فقال:

الذكر: هو استدعاء الأمر من مكان الحفظ.

الاسم: هو الرمز القادر على ربط وتفعيل العناصر المكونة للاسم حتى يكون فاعلا.

الله: هو القانون المسيِّر لهذا الكون.

وكتبت ردا مختصرا عليه وردا مفصلا. نشرت المختصر واستفسرت عن من يطلب المفصل فلم يطلب أحد ذلك فاكتفيت بالمختصر ولا زال الرد المفصل محفوظا عندي لمن شاء أن يطلبه مني فأتشرف بإرساله إليه. واسمحوا لي في أن أقرأ عليكم الرد المختصر مشفوعا ببعض البيان إن كان لدينا وقت:

الذكر: هو استدعاء الأمر من مكان الحفظ.

الاسم: هو الرمز القادر على ربط وتفعيل العناصر المكونة للاسم حتى يكون فاعلا.

الله: هو القانون المسيِّر لهذا الكون.

كيف يثبت أخي قصي بأن الله تعالى قصد هذه المعاني؟ إن الأخ قصي لم يتحدث أبدا عن إثبات هذه التعاريف من واقع القرآن ولا من واقع اللغة العربية. أو يثبت بأن ما قاله اللغويون في هذه المفردات مغاير لفهم الذين أنزل عليهم القرآن في البلد الحرام ويثرب. ثم إن كل التعاريف الثلاث مغاير لفهم الذين قرأنا عنهم من الماضين والحاضرين. هل هناك مسلم يقول بأن الله هو القانون؟ نحن المسلمون وكذلك إخواننا اليهود والمسيحيون نؤمن بأن الله تعالى هو شيء ليس كمثله شيء وهو وراء القانون وليس هو القانون. لو قلنا بأن الله هو القانون فقد نفينا وجود واجب مهيمن على كل المخلوقات بل أثبتنا بأن كل الحركات عبارة عن تفاعلات طبيعية مع بعضها البعض ضمن قانون الطبيعة مثلا. هذا التعريف الذي تفضل به الأخ قصي لله تعالى هو تعريف فلاسفة عصر التنوير في أوروبا الذين أرادوا إثبات عدم حاجة الكون إلى الله تعالى باعتبار أن قوانين الطبيعة تقي الكون وتتفاعل كل الكائنات مع بعضها البعض دون الحاجة إلى مدبر. 

ولو قلنا ذلك فما معنى اهتمام الزميل الفاضل بالقرآن وهو كتاب ينطوي على جمل ومقاطع لا يمكن أن ننسبها إلى الطبيعة بل هناك إله مهيمن وراء هذا الكتاب.

وهكذا تعريفه للذكر فهو غير منسجم مع أبسط فهم لبعض الآيات. فمثلا قوله تعالى في سورة البقرة: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152). فهل الله تعالى يستدعي أمرا من مكان الحفظ حينما يذكرنا وهل هناك مكان للحفظ في كيان الله تعالى؟ معاذ الله. إن كل أمر حاضر أمامه ولا يحتاج إلى أي استدعاء.

وأما بيانه للاسم؛ فإن نفس البيان يشتمل على دور باطل برأي المناطقة. لو كان للاسم عناصر مكونة غير حروفه فكيف يكون نفس الاسم قادرا على ربط وتفعيل العناصر المكونة لنفسه؟ سيكون معنى تعريف الزميل هو: الاسم رمز لتفعيل عناصر الاسم الذي هو رمز لتفعيل عناصر الاسم الذي هو رمز لتفعيل عناصر الاسم الذي هو رمز…. إلى ما لا نهاية. أو ببيان أكثر سهولة: الاسم رمز للاسم الذي هو رمز للاسم…. أليس هكذا تعلمنا حينما درسنا المنطق أم أننا نريد أن نرفض المنطق؟

وأما أصل الموضوع فإنكم تطرقتم لموضوع لا يختلف اثنان على أنه من أحكم المواضيع القرآنية. لعلك تقبل بأن آخر حكم أنزل على المسلمين هو حكم الذبائح وأن آخر حكم في التوراة هو حكم الذبائح أيضا. لعلكم لاحظتم بأن الله تعالى اعتبر بيان ذلك الحكم إكمالا للدين وإتماما للنعمة. فهل من حقنا أن نأتي بمعنى جديد للمحكمات التي سار عليها سلفنا؟ هل يجوز لنا القول بأن كل المسلمين لم يعرفوا معنى آية محكمة مثل آية الذبائح؟ هل لم يعر ف الرسول محمد عليه الصلاة والسلام معنى الآية الكريمة وهو الذي أمره ربه ليبين القرآن لقومه؟ إنه قام بالذبح وقام أهله وصحابته بالذبح مع ذكر اسم الله (بسم الله، الله أكبر أو ما يشابههما) بطريقة نرى اليوم كل المسلمين بمختلف طوائفهم يأتون بها فكيف يمكن أن نقول بأنهم جميعا أخطأوا؟

أخي الكريم: إنك تعرضت لسنة عملية سار عليها كل المؤمنين بالكتب السماوية على الأقل. سار عليه الذين هادوا قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة (ذكر اسم الله مع عملية الذبح) والذين قالوا إنا نصارى والذين آمنوا بالقرآن. ولو نمعن في الكتاب الكريم فسنرى بأن إبراهيم قام بنفس الطريقة فذِكر اسم الله تعالى باللسان هو سنة إبراهيمية وليست سنة محمدية. بمعنى أن تاريخ الذبح مع ذكر اسم الله تعالى يعود إلى حوالي أربعة آلاف وخمسمائة عام.

اسمح لي أن أوجه إليك سؤالا آخر مع مقدمة بسيطة. إنني أعرفك منذ فترة طويلة بأنك إنسان مؤمن موحد تؤمن بالله تعالى ولذلك تسعى لفهم كتاب الله وبيانه. لو لم تكن مؤمنا بالله لما اهتممت بالقرآن العظيم. ثم إنني أقبل بأن كلمة “الله” هو اسم للخالق العظيم جل جلاله باعتبار أنه أخضع كل شيء لنفسه. هذا الإخضاع ليس إخضاعا جبريا لكل كائن بل هو إخضاع باعتبار قوانين الألوهية التي تسير الكون. ولكن ليس الله هو القانون طبعا. 

فسؤالي هو: هل القوانين الصحية المرتبطة بسلامة الحيوان ومناسبته لاستهلاك البشر وما يتبعها من قواعد التخزين أو حضور المستهلكين القادرين على التمتع بأكل لحومها من قوانين الألوهية؟ قلتم بأن الله تعالى (والعياذ بالله) هو القانون المسير لهذا الكون، فما هو ارتباط قانون تسيير الكون بقواعد السلامة البشرية أو الحيوانية التي فسرتم بها ذكر اسم الله على الحيوان؟

نحن لا نعرف قوانين الألوهية ولكن يمكن لنا القول بأن قانون الجاذبية مثلا هو من قوانين الألوهية. ذلك بأن هذا القانون يُفرض على كل السيارات أن تسير في فلك معين تجنبا للاصطدام، فهو بالتأكيد يساعد الأفلاك على الخضوع لأمر الله تعالى في تسيير الكون. لكن قوانين السلامة لا ارتباط لها إطلاقا بقوانين الألوهية القاضية بإخضاع خلق الله تعالى لله.

ثم إن قوانين السلامة التي تفضلتم بها غير موضحة في القرآن كتفصيل للذكر والقرآن مفصلة بمحكماته دون شك. وقوانين السلامة مغايرة من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن أمة إلى أمة، فهل يأمر الله تعالى الناس أن ينفذوا قانونا غير واضح ويهددهم بالعذاب إن لم يفعلوا؟

وأخيرا ألستم فسرتم الذبح في محاضرتكم السابقة حول إبراهيم وإسماعيل بأنه يعني الإتعاب فكيف قلتم هنا بأن الذبح يعني إماتة الحيوان؟ سيكون جوابك كما أظن بأن فعل ذَبَحَ يعني طيفا واسعا من المعاني ابتداء من الإتعاب وانتهاء بالإماتة. هذا ما سمعناه منك سابقا، فلو كان هذا فعلا جوابك، فكيف تميز بين موارد ذكر الذبح في كتاب الله تعالى؟ هذا النوع من التعاريف يعني بأن كل شخص يمكنه أن يفسر كتاب الله تعالى كما يريد بأن ينتخب من الطيف ما يشاء من معاني ويلزقها ببعضها البعض. ولو نراجع السياق فما هو فائدة المنهج اللفظي الترتيلي الذي تدعون إليه إذن؟

أليس المنهج اللفظي يعني فيما يعني بأن نأتي بمعنى واحد لكل كلمة حتى يسهل علينا فهم القرآن كما قاله عالم النيلي الذي أحيا هذه الفكرة بعد ابن جني وابن فارس؟ لقد ذكرتم مرارا إصراركم على تبني هذا المنهج.

لا أريد الإطالة عليكم وعلى القراء الكرام وأرجو منكم التكرم بإعادة النظر في تلك المحاضرة. كما أنني أعتذر من الإخوة الذين طلبوا مني إبداء رأيي بأنني اختصرت الرد ولم أتطرق للرد على كل مقطع من مقاطع المحاضرة الجميلة. أكتفي بهذا ولو أرادوا مني التفصيل فإني على استعداد لذلك.

والسلام على أخي قصي وعلى جميع الإخوة والأخوات الذين يطلعون على هذا.

الطعام 2 :

كلمة الطعام في القرآن غير مخصصة للذبائح ولا لما نأكل وهكذا الرزق. ولكن حينما يتحدث القرآن عن الطعام الحلال والحرام فهو لا يقصد الحبوب وما ينبت من الأرض بل يقصد الحيوانات. وأما الطيور والأسماك فهي غير موضحة في القرآن الكريم ولكنها موضحة في كتاب سماوي آخر.

قال سبحانه في سورة آل عمران:

كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93).

وقال في سورة المائدة:

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5).

وقال تعالى في بداية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1).

وقال سبحانه في سورة الأنعام:

وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ (146).

قال تعالى في سورة آل عمران على لسان المسيح:

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50).  فمعناها بأنه عليه السلام أحل بعض ما حرم عليهم وهو شحوم الأنعام وأبقى بقية ما حرم عليهم حراما كما كان. نقول بأنها الشحوم لأن الله تعالى ذكر ما حرمه وما أحله في الآية 146 من سورة الأنعام وهي كل ذي ظفر إضافة إلى الشحوم وأردف سبحانه بأن السبب في تحريم الشحوم هو عصيانهم فهو سبب عقابي مؤقت وليس سببا طبيعيا دائما. وباعتبار الآيات التالية من سورة المائدة فإن المسلمين مأمورون بالعلم بالتوراة والإنجيل والقرآن معا.

قال سبحانه في المائدة: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68).

فالقرآن ليس ناسخا للتوراة بل مصدق للتوراة والإنجيل ولكنه ناسخ لبعض آيات التوراة فقط. ولمن يريد المزيد فإن سفري اللاويين والعدد في التوراة الفعلية التي هي جزء من الكتاب المقدس المعروف؛ فإن ذين السفرين يذكران الطيور والأسماك المحللة بالاسم وبرأيي فإننا كمسلمين علينا العلم بما في السفرين المذكورين وترك ما كتبه المحدثون وما أفتى به الفقهاء إذ لا ضمان لصحة ما قالوا. لكننا لو عملنا بالتوراة فإننا نحتمل بأن الله تعالى قد صان بعض المسائل في التوراة التي تم تحريف بعض مقاطعها ولذلك لم يوضحهما في القرآن. لكنه سبحانه ذكر الأنعام فقط باعتبار أن اليهود قد غيروا التوراة في ذلك المقطع وحرموا الجمل لأن أباهم يعقوب كان يكره أكل لحم الجمل كما يبدو. ولا يخفى بأن كُتّابَ التوراة والإنجيل المحرفتين كلهم تقريبا من بني إسرائيل. فمنهم من آمن بالمسيح ومنهم من لم يؤمن لكن الذين حرفوا الأناجيل هم النصارى من بني إسرائيل. هناك شك في واحد منهم بأنه من أنطاكية وأظن بأنه مرقس فهو كما يظن البعض من أصل وثني وليس من أصل يهودي.

والسلام على من اطلع على هذا ورحمة الله وبركاته.

أحمد المُهري

14/6/2014

المقالة تمثل مختصر المحاضرة التي ألقيتها في بيت الدكتور محمد التويج لبيان الطعام واللباس في القرآن الكريم.

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudenc

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.