المؤمنة كاترين 25- زواج بغير المسلمين

المؤمنة كاترين

المقطع الخامس والعشرون

زواج غير مرتقب

وفي اليوم التالي دعت كاترين بعض زميلاتها وزملائها إلى منزلها لحضور حفلة مختصرة لعقد القران. فوجئوا جميعا بالخبر لكنها مفاجأة سارة في حقيقتها.

ساترين:

منذ مدة طويلة أشعر بأن هناك شيئا ما يدور في الخفاء بين علوي وكاترين. وحاولت مرارا أن أستكشف الخبر ولكن كاترين في كل مرة تتحدث عن مسائل أخرى وكأنها تكره الحديث عن العلاقات الغرامية بينها وبين رئيسها.

توم:

قلت لكم بأن كاترين أسلمت حينما لبست الحجاب وذلك إكراما لعلوي.

فريجا:

كنت أظن بأن الظاهر يكشف عن الباطن. ولكنني كنت مخطئة. وكنت أظن بأنني متفرسة قادرة على كشف الحقيقة من النظر إلى الوجوه والاستماع إلى أحاديث الناس ولكن ما أراه اليوم غير ما كنت أفكر فيه. على كل حال فأنا فرحانة جدا بهذا الخبر السار وأتمنى لكاترين وعلوي مستقبلا مشرقا مليئا بالحبور.

سارا:

أكمل فريجا؛ وأتمنى لنفسي ما تمنيته لزميلتي!

ضحك الحاضرون والحاضرات وابتهجوا وتمنوا للعروسين كل خير.

كاترين:

هل تعلمون بأنني فكرت في الحب قبل أيام فقط. وأن مسألة الزواج عرضتها صديقتي الجديدة ماري التي جاءت قبل أسابيع من فرنسا للسياحة في الكويت والسباحة في البحار الحارة. لا أنا ولا علوي تحدثنا عن هذا الأمر قبل الليلة الماضية. لعلكم لا تقبلون ذلك، ولكنكم سترون ماري الليلة وتطلعون على قدرتها الغريبة على فهم نفسيات الآخرين وشجاعتها الفائقة على الربط بين الفتيان والفتيات وبكل يسر. كما ستشعرون بطيب نفسها وواقعية ما تفعله وحبها العميق للإنسان وأخيرا إنسانيتها الفواحة العبقة. كل ما تسمعونه اليوم عني هو فعل ساعة من ساعات ماري التي تحب أن تجلب السعادة للآخرين وكأنها تستمتع بأن ترى البشر في نعيم. إنها تؤمن بأن الحياة الطيبة هي أن تشاهد نفسك عضوا في مجتمع كبير اسمه مجتمع الإنسانية وليست الأنانية المفرطة إلا ضربا من الجنون التي تؤدي أخيرا إلى انهيار الرباط البشري الذي شرعه الله تعالى بين أبناء آدم.

تعجب الحاضرون من ماري ومن حقيقة الزواج الجديد أكثر من تعجبهم من الحب بين علوي وكاترين. كل منهم أعد نفسه ووعدها بأن ترى ماري وتطلع على تلك اللباقة والكياسة والمحبة الإنسانية التي سمعوها عنها من زميلتهم كاترين.

ثم جاء علوي وذهبوا جميعا لتقديم التحية والتبريكات والتمنيات بمناسبة ارتباطه الزوجي المرتقب مع زميلتهم كاترين. لم يروا من علوي إلا الخجل والحياء ممزوجا بقليل من التبسم وشكر خافت لهم جميعا.

خرجت كاترين من البنك متفقة مع ماري لإعداد طعام للمدعوين وتم ذلك وحضر الضيوف تباعا في الموعد. وبعد الاستقرار في مقاعدهم داخل شقة كاترين بدأت ساترين بتوجيه السؤال التالي إلى كاترين.

ساترين:

عزيزتي كاترين أرجوك أن تسمحي لي بتوجيه هذا السؤال المحرج قليلا إليك لأنني أحب أن أزداد معرفة بزملائي وزميلاتي لأتعلم فقط.

كاترين:

أنت حرة وكذلك الباقون أحرار في الاستفسار عن كل ما تريدونه حولي وبدون أي شعور بالانحراج.

ساترين:

شكرا والسؤال هو هل أنت لا زلت مسيحية وتتزوجين مع مسلم أم أنك أسلمت يوم أن لبستِ الحجاب.

كاترين:

طبعا ليس للحجاب أي علاقة بديني. فأنا حتى هذه اللحظة لا أؤمن بالحجاب ولكنني ألبسه لأحمل إشارة “كلا” لمن تسول له نفسه التحرش بي فقط. وأما اعتناق الدين الإسلامي فأنا منذ مدة طويلة أشعر بأن المسيحية الحقيقية هي عين الدين الإسلامي وأن الرسول محمدا هو مكمل لشريعة المسيح كما كان المسيح مكملا لشريعة موسى عليهم جميعا سلام ربنا. ولذلك شعرت ذات يوم بأنني قد أكون مقصرا مع ربي إن بقيت رافضة لذكر محدث أنزله علينا بعد وفاة المسيح بعدة قرون فقط والقرآن بيننا منذ أكثر من 14 قرنا. ولذلك أسلمت شاعرة بأنني لا زلت مسيحية وبأن المسيح لو كان حاضرا لكان هو من السابقين في الإسلام.

والإسلام لا يعني التسليم لبشر إطلاقا بل يعني التسليم لله تعالى وهو روح الشريعة المسيحية الحقة.

ساترين:

في أي مسجد شهدت الشهادتين؟

كاترين:

الإسلام وكل الأديان ولا سيما الأديان السماوية الثلاث المعروفة تمثل علاقة كل إنسان بربه وليس لأحد أي دخل في علاقتي مع ربي. لو كان الرسول محمد حاضرا لذهبت إليه لإعلان إسلامي لعلي أضيف على أنصار الإسلام يوم ضعفه شخصا واحدا وليس ليكون ديني مقبولا. أما الذين يذهبون إلى المساجد ليسلموا ويظنون بأن الشهادة أمام شخص معروف برجل الدين ضروري لإشهار الإسلام فهم يجهلون حقيقة دين الله تعالى مع الأسف. وكان ذلك قبل أن أفكر في أي ارتباط عاطفي مع علوي. لكنني كنت أخفي إسلامي إكراما لأسرتي حتى يحين وقته. وهكذا ماري مسلمة منذ أمد وكانت تخفي التزامها الجديد بدين محمد عليه السلام ولكنها اضطرت لإظهار إسلامها قبل أيام لأخينا الكريم محمود التمار.

ساترين:

يهمني أن أعرف بأن الزواج بين المسلم والمسيحي ذكرا أو أنثى جائز في دين الإسلام وهل هناك فرق بين الجنسين في هذا الخصوص. بمعنى أن هل هناك سماح للرجال بالزواج من المسيحيات وعدم سماح للمسيحيين بالزواج من المسلمات كما نسمع من بعض رجال الدين؟

كاترين:

أظن بأن العم محمود هو خير من يمكنه الرد على استفهامك بكل تفصيل وأتمنى بأن يكون راضيا للرد؛ وبما أن البحث قد يطول فاسمحي لي بأن أستأذن من الحاضرين أيضا رأيهم بهذا الخصوص.

الجمع:

موضوع مهم قد يفيدنا جميعا.

محمود:

بكل سرور. دعونا نناقش الموضوع عمليا ثم قرآنيا. ذلك لأنني أرى بأن تشريعات السماء جاءت لتعلمنا كيفية التجاوب مع ما خلقه الله تعالى في الطبيعة فمن الضروري أن يراعي التشريع ضروراتنا الاجتماعية والأسرية في نفس الوقت. أنتم جميعا تعملون في دائرة بنكية واحدة فلو تفكرون في مناقشاتكم مع بعض من حيث المواضيع والآداب والرفض والقبول وتقارنوا بينها وبين محاوراتكم مع من لا يعمل معكم لتروا فرقا كبيرا بين ما يدور بينكم في الحالتين. فأنتم هنا لا تتحدثون عن الاعتمادات المستندية بصورة تخصصية لأن هناك شخصا غير متخصص بينكم ولو اضطررتم للحديث فأنتم ستسعون إلى عدم استعمال المصطلحات البنكية المرتبطة بعملكم. فلو أنكم لم تراعوا هذه المسألة فسأكون مضطرا لأخرج أو أقوم بعمل آخر مثل قراءة جريدة. فالتوافق اللغوي والتقارب المهني ضروري بين الذين يريدون بناء حياة مشتركة متداخلة بالضرورة.

ثم نلاحظ الالتزام بالتشريعات. فالإنسان الذي لا يؤمن بتشريع أو لا يلتزم به فهو بالطبع غير جدير بأن يوثق به ثقة كاملة. لا يمكن للوجدان وحده أن يردع الإنسان من عمل السوء ومن الظلم عند الحاجة بل يعوزه الإيمان برصد غيبي يراه ويراقبه حتى يتقوى نفسيا ويتشجع لإظهار تمسكه بمعتقداته وتمسكه بالعمل بها بدقة. وكيف يمكن للمرء أن يلتزم بفكرة لا يؤمن بها؟ وكيف يمكن لشخصين يؤمنان بفكرتين مختلفتين ليعيشا بوئام كامل؟ كيف يمكن لك أن تعيش مع شريك يؤمن بأن رسولك كذاب افترى على الله تعالى وادعى رسالة لا يحملها؟ إنه في قلبه يلعن الكذابين والمفترين فهو أو هي قد يلعن من تؤمن برسالته ليقنع نفسه بأنه على حق. لولا ذلك لعاش مع ضمير يؤنبه لأنه يؤمن برسالة جديدة دون أن يلتزم بها. لو أن اليهودي تقبَّل المسيح عليه السلام ولم يتهمه بالكذب فعليه بأن يتنصر ويترك دينه وإلا فهو مخالف لوجدانه ولا يمكن الاعتماد عليه. وهكذا المسلم والمسيحي. يمكن لهما أن يحملا علاقة تجارية أو صداقة أو سفرا أو مرحا أو زمالة مهنية مشتركة باعتبار أن كل ذلك موقوت يوميا وفصليا. فقد ينفصلان في أية لحظة ولا توجد أية مشكلة.

لكن الزوجين الصادقين يعلمان بأن الزواج رباط وثيق في غاية الأهمية وهناك نتاج مشترك في غالب الأحيان والنتاج يعتمد على أفكار وعقائد الأبوين ليبني لنفسه مستقبلا يعتمد على الصدق والصحة والأمان. المسلم يؤمن برسالة المسيح ولكنه ممنوع من أن يخالط المسيحيين في كل شيء. فلا يجوز له أن يأكل من بعض أكلات المسيحيين ويجب عليه أن يطمئن بأن ما يأكله من اللحوم مباحة عند ربه وإلا فهو آثم.

وأما قرآنيا.

قال تعالى في سورة البقرة: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221). قد يقول أحد بأن المقصود من المشركين هم الذين كانوا متواجدين في بدايات الإسلام وهم لم يكونوا مؤمنين بالرسل البشريين وكانوا يعبدون الأصنام باعتبارها تقربهم إلى الله تعالى. لكنه سبحانه وضح سبب المنع في آخر الآية الكريمة بأن المشركين يدعون إلى النار ولذلك منع من الزواج معهم. قال تعالى في سورة التوبة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31). فاعتبر المسيحيين واليهود مشركين عمليا لأنهم يعبدون غير الله تعالى مع الله فيخضعون لأحبارهم ورهبانهم ورسلهم وهو شرك بالله تعالى.

وقال سبحانه في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51). بالطبع أننا ندعو إلى التسامح وكسب الأصدقاء واحترام كل الناس بأنهم بشر مثلنا ولكننا لا يجوز أن نتخذ من غير ديننا أولياء. فما معنى نتخذهم أولياء؟ قال تعالى في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (1). ليس اليهود والنصارى أعداء للمسلمين ولكنهم أعداء لله تعالى إن كانوا فعلا على علم برسالات السماء. آية الممتحنة تتناول الذين حضروا رسالة خاتم النبيين وجحدوا بها فاعتبرهم الله تعالى أعداء له. ذلك لأنهم علموا بأن محمدا يحمل رسالة السماء ثم جحدوا برسالة الله تعالى فهم رفضوا الله في الواقع. والعداوة مع الله تعالى ليست مشابهة للعداوات التي نسمع عنها هنا وهناك. العداوة مع الله تعالى تعني رفض دعوة الله تعالى لك إن علمت به. هناك تُعتبر عدوا لله تعالى لأنك قابلت نعمته بالكفر بدلا من الخضوع والشكر. فعلى المؤمن ألا يوالي عدو الله تعالى.

لنجمع هذه الآية مع آيات أخرى في نفس سورة الممتحنة: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10). فالتعامل معهم في حدود التجارة ومصادقتهم والسلام عليهم واحترامهم وإكرامهم مكارم إنسانية طيبة يجب أن يتحلى بها المسلمون ولكن الحديث فعلا عن الزواج مع الذين كفروا. والذين كفروا كما عرفنا من بداية سورة الممتحنة هم الذين رفضوا القرآن وجحدوا به (وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ).

فإن لم يكونوا في حرب معنا فنحن نحسن إليهم ونحترمهم ولكن الزواج معهم لا يجوز. الزواج هو أجلى أنواع الولاية. قال تعالى في سورة الأنفال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71). لنعلم بأن الزواج عند الله مسألة مهمة جدا وميثاقه ميثاق غليظ بينهما. وقال سبحانه في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21). فالإنسان ذكرا أو أنثى يسكن ويرتاح نفسيا إلى زوجه بإذن الله تعالى والله تعالى جعل بينهم المودة والرحمة. فالمودة بين الزوجين تتعارض مع أن يعتقد أحدهما بأن الرسول الذي يدين به زوجه كذاب مفتر على الله تعالى. فلو كان غير المسلم ذكرا أو أنثى ملتزما بدينه فسوف يشمئز من صاحبه وهو يخاطب المسيح عليه السلام بالرب والمخلص. كما أن الآخر يشمئز من أن يسمع صاحبه يشهد كل يوم عدة مرات بأن محمدا رسول الله في حين أنه يعتبر ذلك أمرا باطلا!!

ماري:

وما تقول يا عم محمود في الآية التالية من سورة المائدة: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5).

محمود:

وهل أحكام الله تعالى وتشريعاته التي أنزلها على رسوله محمد مختلف مع ما أنزله على من سبق؟ قال تعالى في سورة فصلت: مَا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43). تشريعات السماء طبيعية تلائم الطبيعة فلا يمكن أن تكون مختلفة مع بعضها البعض. فمثلا لا يمكن أن يحرم الله ارتباط المثليين للمسلمين ويحلها على من سبق. فلماذا يقول سبحانه: اليوم أحل لكم الطيبات؟ الطيبات كانت وستبقى حلالا إلى يوم القيامة.

ومن جانب آخر فإن الله تعالى حرم الخنزير في نفس سورة المائدة وفي آيتين قبلها ثم يأتي ويقول بأن طعام أهل الكتاب حل لنا والمسيحيون منهم يأكلون لحم الخنزير!! فهل يجوز للمسلم بناء على الآية الكريمة أن يأكل لحم الخنزير في بيوت المسيحيين باعتبار أنه تعالى يصرح في الآية بأن طعامهم حل لصحابة الرسول؟ ثم ما معنى قوله تعالى فيها: وطعامكم حل لهم؟ فهل اليهود بعد هذه الآية أكلوا لحم الجمل مثلا؟

ماري:

فعلا غريب أمر هذه الآية!! كنت أستدل بها على جواز الزواج بين المسلم وبين المسيحي واليهودي وما انتبهت إلى الطعام فهو فعلا غير ممكن وهو جزء من الآية! لو قلنا ذلك فنحن نعني بأن القرآن الكريم يناقض نفسه؛ فما معنى الآية إذن يا عم؟

محمود:

الآية لا تتحدث عن تشريع فلن تجد مشرعا يبدأ قانونه بكلمة: اليوم. اللهم إلا القوانين المؤقتة مثل قوانين الحروب في الإسلام مثلا. فالإسلام لا يجيز إشعال أي حرب بدون إذن مسبق من الله تعالى وينتهي الإذن بانتهاء الحرب. أو حكم تحريم شحوم الأنعام على اليهود حيث يصرح سبحانه بأن الحكم كان عقابيا مؤقتا. لكن تشريع الزواج لا يمكن أن يكون مؤقتا. ولو نلاحظ الجملة الكريمة الأولى: اليوم أحل لكم الطيبات؛ فهل الطيبات كانت محرمة عليهم قبل ذلك اليوم؟

ولو نمد طرفنا إلى الآية السابقة لها حيث يقول سبحانه: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4). فقد وضح سبحانه بأن الطيبات أحلت لهم فلماذا يكرر في الآية التي تليها نفس الكلام. إنه تكرار غير ضروري. ولذلك نقول بأن الآية التالية لها والتي استندت عليها ماري ليست آية تشريعية وإنما هي آية تبين ما منَّ الله تعالى به على الذين آمنوا من أهل مكة من الذين سبق لهم الشرك بأنهم في ذلك اليوم بفضل الإسلام أصبحوا إخوانا للمسلمين الذين سبق لهم أن كانوا أهل كتاب سماوي وهم اليهود والنصارى. ولا ننس بأن إطلاق صفة “أهل الكتاب” على الذين آمنوا بالله وبرسله قبل المشركين يمثل تشريفا وتكريما لأهل الكتاب. لقد سبق لهم الإيمان الكامل بالله تعالى ولا سيما أتباع المسيح منهم حيث تقبلوا الدين السماوي المحدث فمن حقهم أن يفتخروا بما كانوا عليه.

لكن الإسلام الذي بدأ بالمشركين باعتبار أن الرسول كان منهم نَسبيا فهو الذي وحد صفوفهم وجعل المشركين إخوانا مع أهل الكتاب بعد أن كانوا دون مستواهم. كان أهل الكتاب يبتعدون عن أكل ذبائح المشركين لأنهم كانوا يذبحون على النصب ولا يهتمون بذكر اسم الله عليها كما كانوا لا يتزوجون من المشركين لأنهم مشركون رافضون للأديان السماوية. لكنهم اليوم أصبحوا إخوانا باعتبار أن أهل الكتاب بصورة عامة آمنوا بالإسلام. فالمسيحيون من أهل الكتاب الذين آمنوا تركوا أكل لحم الخنزير كما أن اليهود من أهل الكتاب لم يحرموا الجمل بعد أن أسلموا. هكذا أصبحوا إخوانا يتزوجون مع بعض ويأكلون من طعام بعضهم البعض.

فالتحليل في الآية أمر غير تشريعي مشابه لقوله تعالى قبل الآيتين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2). فشعائر الله تعالى يجب أن تبقى محرمة ولا يجوز حلها. بمعنى يجب أن يبقى احترامها محفوظا لدى الناس فعليهم ألا يستهينوا بها. فلو قلنا بأن لا تحلوا هو بمعنى الحلال والحرام فيجب أن يكون نفيه إثباتا. بمعنى أن على الناس أن يحرموا شعائر الله تعالى. فيعني قولهم بأن الإتيان بالشعائر محرم عليهم. ولكن المقصود غير ذلك. إن عليهم أن يحافظوا على شعائر الله فالاستهانة بها وعدم الإتيان بها عند الضرورة محرم. وهكذا آية تحليل الطيبات المقيدة باليوم فهي تعني بأن الطيبات أصبحت متاحة لهم في ذلك اليوم كما أن الزواج مع أهل الكتاب الذين أسلموا أصبح متاحا.

وأما الذين بقوا رافضين الدخول في الإسلام فهم لم يكونوا ليأكلوا الجمل ولم يكونوا ليأكلوا ذبائح أهل مكة من غير دينهم. فاليهود لا زالوا كذلك. لكننا لو نفسر الآية بأنها غير تشريعية بل يمنُّ الله بها على من كانوا مشركين فالمقصود من أهل الكتاب هم الذين آمنوا بالإسلام منهم لكانت المعاني صحيحة. لقد تغيرت عقائد الذين كانوا يهوداً وأصبحوا يأكلون من ذبائحهم ويتزاوجون معهم. هذا معنى الآية بإذن الله تعالى.

ماري:

شكرا يا عم محمود. لقد كنت في ضلال إثر قبولي للمعنى الشائع دون أن أفكر فيها بنفسي.

محمود:

كلامك صحيح يا ماري. على كل إنسان أن يرفض تقليد غيره ولا سيما الذين سبقونا من الطيبين. إنهم دون مستوانا ونحن بفضل الله تعالى أكثر تطورا منهم فعلمنا أوسع من علمهم وعلينا أن نفكر بأنفسنا. قال تعالى في بداية سورة الأعراف: المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). القرآن منزل على رسولنا عليه السلام ولكنه ليس له لوحده بل له ولمن آمن برسالته. على الذين آمنوا أن يتبعوا القرآن الكريم ولا يتبعوا الأشخاص. لا يتبعون محمدا عليه السلام إلا في رسالته ولذلك لم يقم المسلمون الأوائل بكتابة أحاديث الرسول ويُقال بأنه عليه السلام منع من تدوين أحاديثه. إنها فهم بشري لا يفيد من بعده. ولعله لا يفيد المؤمنين الذين كانوا يعيشون أيام الرسول في الصين مثلا.

وقال تعالى في سورة محمد: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24). قاله سبحانه لمن حضروا رسالة السماء بأن من واجبهم أن يتدبروا القرآن بأنفسهم ولم يقل بأن من واجبهم بأن يتبعوا فهم أخيهم محمد عليه السلام. بالطبع أننا نتبع فهم نبينا للصلاة كما أنه هو عليه السلام كان يتبع فهم إبراهيم عليه السلام للصلاة. الصلاة بأصلها تشريع ولكنها في طريقة الإتيان بها سنة عملية إبراهيمية. إنها سنة بدأت بإبراهيم ولا نجد في دعوات الأنبياء السابقين على إبراهيم أي أمر بالصلاة. ولذلك لا نرى أي تعارض أو تناقض في قوله تعالى التالي في سورة فصلت مع أن فريضة الصلاة لم تكن معروفة بين من سبق: مَا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43).

أصل الصلاة واجب على كل من سبق ولكن صلواتنا التقليدية لم تكن معلومة من قبل ولذلك لم يذكر الله تعالى لنا كيفيتها في القرآن. والعلم عند المولى.

يتبع: زواج مرفوض

أحمد المُهري

29/6/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.