ارسال الرسل والانبياء ، آدم ليس نبيا وتبعات ذلك وشروط بعثة الانبياء وختم النبوة .

 تساؤلت تلقها الشيخ احمد المُهري وقدم اجباته ونشرت عبر المجموعة ، نعيد نشرها في مسارين الاولى هذا اولهما يتعلق بـ : الرسالة والنبوة وختم النبوة في هذا الجزء يقدم الشيخ محتوى اجابته في الآتي : 

اولا : آدم ليس نبيا و لا رسولا . 

ثانيا : في قصة الطوفان لم يقل الله تعالى انه اغرق البشرية جمعاء . 

ثالثا : الله يأخذ النماذج من الامم وانبيائهم لغيرهم من الامم .و يكتفي ربنا بارسال تم نماذج من بعض الامم ليقيس بهم غيرهم . 

رابعا : المسيح توفاه الله تعالى اليه ولم يقتل ، وليس هناك رسول يقتل بل هم جميعا مشمولين بالسلام بتصريح القرآن الكريم . 

خامسا: اول عهد سماوي للبشر هي التوراة . 

سادسا : شروط ارسال المرسلين الى الامة التي تتقبل وجود الخالق ، وانكاره في اي امة يفقدها شرط استقبال الرسل . 

سابعا : خلق الانسان للعبودية لله تعالى والملائكة تسبح المولى ولا تعبده ، الا انهم اي الملائكة جديرة بالعبادة لو ان الله منحها الاختيار . 

ثامنا : كل البشر خلفاء لله تعالى . ويشير هذا الى القوة والارادة الممنوجة لهم وهي قوة خاصة بالله تعالى . 

تاسعا : متى متنا نفقد تلك الارادة الى الابد ، ويحتاج فهم الارادة الى مقال آخر . 

عاشرا : نحن مخلقون ضمن نظام الطبيعة متأثرين ببعض ما ورثناه من آبائنا وامهاتنا الا اننا وكل جيل خلق لزمان آخر . وتلك هي سنة التطور الضرورية لمنحنا الارادة 

حادي عشرة: لو بعث اليوم رسول لكان ظلما .

ثاني عشرة : نتحدث اليوم عن وجود علماء في كل المجالات كالفيزياء وغيرها من العلوم ولا نعني بوجود علماء كبار غيرهم فرجال الدين ليسوا علماء في التفسير القرآني . 

يمكنكم الاطلاع على المقال مفصلا ادناه مع نبدأه باستفسار الاخ ابو زهراء : 

من رسالة الأخ ابوزهراء

لماذا قطع الله اتصاله بالبشر؟

تعود اقرب تعاليم الديانات الى 15 قرنا مضت…كانت اعداد البشر لاتجاوز النصف مليار في كل الكرة الارضية…حياتهم بسيطة ساذجة…حركتهم محدودة…طعامهم محدود…حروبهم محدودة…علاقاتهم محدودة…ادواتهم محدودة…علاقتهم بعناصر الطبيعة ظاهرية محدودة…شرورهم محدودة…مع ذلك نرى تلك الازمنة تتوافر على الانبياء والرسل…منهم من ارسل لقرية ومنهم من ارسل الى قومه 

أبو زهراء العبودي

اجابات الشيخ أحمد المُهري حول : ارسال الرسل والانبياء ، آدم ليس نبيا وتبعات ذلك وشروط بعثة الانبياء وختم النبوة . 

الأخ الفاضل أبو زهراء العبودي رعاه الله تعالى

قرأت ما نشره سيادتك حول تمنياتك لاستمرار النبوة. بالطبع أن ما تفضلت به يدل على اهتمام منك بالارتباط بالسماء وهو ممدوح عندي وكمسلم مؤمن بالقدوس جل جلاله أشكرك عليه. بداية نحتاج إلى أن نعرف سياسة رب العالمين في إرسال الرسل ثم نعرف السبب في انتخابه بعض الأماكن دون بعض ثم نعرف السبب في تجاهله سبحانه الشرق الأقصى كاملة مع أن عدد النفوس لديهم يزيد على عددها في الشرق الأوسط سواء اليوم أو كما يحتملونه في العهود السحيقة.

وقبل أن نناقش الموضوع ولو باختصار أحب أن أقول لكم بأن الاتصال موجود بيننا وبين الله تعالى والقرآن يوضح ذلك وسوف نناقشه بإذن الرحمن. هناك شرط صعب قليلا وهو الذي يجعلنا نظن بأن الاتصال مقطوع وهو أن استلام الوحي متوقف تماما والاتصال مع الله تعالى شخصي فقط ولن تجدوا أحدا من المرتبطين بربهم يعلنون لنا ما استوحوه من ربهم. هذا هو الفرق اليوم الذي يجعلنا نتحسر على غياب الأنبياء عليهم جميعا سلام الرحمن ولهم جميعا حبنا واحترامنا.

سياسة الله تعالى في إرسال الأنبياء:

ليس بمقدور أي شخص غير الله تعالى نفسه أن يتعرف على سياسة ربنا وحكمته. لكننا نكتب في حدود معلوماتنا البسيطة وفي حدود ما نستوحيه من القرآن الكريم. لم تكن النبوة موجودة قبل الرسول نوح كما نظنه حينما نتصفح الكتاب السماوي. الذين ظنوا بأن أبانا آدم رحمه الله تعالى كان نبيا فليس لهم دليل قرآني. لكنني أقدم دليلا قرآنيا على أنه لم يكن نبيا. قال تعالى في سورة طه:وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115). فهل يمكن أن نتصور نبيا أو رسولا من الله تعالى وهو فاقد العزيمة؟

ودعني أشرح أمرا غريبا سار عليه سلفنا. ظنوا بأن هناك رسل أولي عزم ورسل ليسوا أولي عزم بناء على قوله تعالى في سورة الأحقاف: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35). الآية لا تعني بأن هناك رسل غير أولي عزم كما ظن قليلو العلم. إنها تعني بأن هناك أولو عزم من غير الرسل وأولو عزم من الرسل. كل أولي العزم يصبرون بما فيهم الملوك الذين هم أولو عزم غير مؤمنين في الغالب. إن أكثرهم فاسقون ولكنهم أصحاب عزيمة ومثابرة وجد واجتهاد. لا يمكن القول بأن أبا بكر وعمرا وعليا وأباذر وعمار وغيرهم من الصحابة لم يكونوا أولي عزم. إذن لم يصب سلفنا. والواقع بأن كل رسول وكل نبي يجب أن يكون من قبل أن يتسلم عهد الله تعالى من أولي العزم. وقد شرح الله مقصوده من أولي العزم في نفس الآية بقوله الكريم: فنسي ولم نجد له عزما. معناه بأنه رحمه الله نسي العهد مع الله تعالى. ولم نجد له عزما نتيجة لنسيانه والذي ينسى العهود غير لائق لأي عهد سماوي بما فيه النبوة.

سارت البشرية قرونا طويلة نحتمل أنها كانت في حدود 300 قرنا بلا رسل ولا أنبياء حتى جاء نوح عليه السلام. وهاهنا خطأ آخر وقع فيه المسلمون والمسيحيون واليهود ونحن مضطرون لاكتشاف ذلك الخطأ لأهميته في معرفة جزئية لسياسة السماء في تعيين الرسل.

تظنن المحققون في الأديان الثلاثة بأن هناك إغراقا كاملا لكل بني آدم مع نزول عذاب الغرق من السماء ولم يبق إلا نوح وعدد قليل من الذين آمنوا معه في الكرة الأرضية برمتها. لم يقل الله تعالى ذلك في القرآن وليس الأمر ممكنا في عملية مائية واحدة. بل هو غير ممكن في الكرة الأرضية التي نعيشها لعدم وجود المياه التي يمكنها أن تغمر كل الكرة الأرضية في ساعات محدودة أو يوم واحد. والمياه السماوية ليست إلا من المياه الأرضية التي تجمعت في السماء القريبة على شكل غيوم. ولقد ناقشت بعض إخواننا المسيحيين هنا في لندن فتشبث الذي ناقشني بالأوهام وقلت له بأنني لا أؤمن بالأوهام إطلاقا. ثم قال وهو عالم، مثل ما يقوله السذج من الناس بأن الله تعالى قادر على كل شيء. قلت له كما أقول للسذج: هل الله تعالى قادر على أن يخلق إلها مثله؟ وأقول لمن يقول لي نعم: بأن الإله الثاني حينئذ مخلوق وليس خالقا. والحقيقة أن الله تعالى قادر على كل شيء ممكن ولكن غير الممكن فهو محال في حد ذاته كما أن قدرة الله تعالى لا تعني بأنه سبحانه سيقوم بتفعيل قوته في كل ما نتخيله بل نحتاج إلى أن نسمع منه سبحانه بأنه قام به فعلا.

والقرآن الكريم يوضح بأنه تعالى يريد أخذ النماذج حين إرسال الأنبياء وليس غيره. قال تعالى في سورة البقرة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143). الحديث مع نبينا وصحابته والله تعالى يريد أن يجعل الرسول شهيدا على صحابته ويجعل الصحابة شهداء على الناس. الشهيد هنا تعني النموذج فالرسول نموذج لصحابته ليعملوا مثله والصحابة نماذج لنا لنعمل مثلهم. لكننا حينما ننظر إلى آية أخرى نشعر بأن نموذجيتهم ليست لأن نعمل مثلهم بل لأمر آخر.

قال تعالى في سورة الحج: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78).

وقال تعالى في سورة النساء: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41). وقال أيضا في نفس السورة: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159). ولعل هناك حاجة لأشرح الآية الأخيرة باختصار شديد. إنها تتحدث عن اليهود والنصارى وبأن ابن مريم عليه السلام شهيد عليهم. هناك من يظن من أهل الكتاب بأنه عليه السلام قُتل بتحريض من اليهود. الحكاية صحيحة ولكنه لم يُقتل بل شُبه لهم. إنما مات ورفعه الله إليه كما هو مذكور في القرآن. ليس هناك رسول يُقتل بل هم جميعا مشمولون بالسلام بتصريح القرآن الكريم. قال تعالى في سورة الصافات: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181). ذلك لأن قتل الرسول يعني بأن الرسالة لم تتكامل ولم يبق الرسول الفترة الضرورية لتختمر دعوته في أذهان غالبية الحاضرين. وآية سورة النساء أعلاه بصدد بيان أن عيسى بقي في قومه زمنا كافيا ليؤمن به من هو مؤهل للإيمان قبل موت المسيح. ولكن المفسرين الكرام مع الأسف أخطأوا في فهم الآية كعادتهم.

 إذن يريد ربنا سبحانه أن يتخذ من الرسول شهيدا على صحابته حتى يصبح تثبيتُ العدالة ممكنا يومَ القيامة، ولا يريد أن يأخذ الحجة على جميع الناس.

تبعات عدم نبوة آدم:

قال تعالى في سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35). تدل الآية على أن الأنبياء لم يُبعثوا بعد والخطاب لبني آدم وليس لآدم وتتضمن الآية وعدا بأن يأتي إلى بني آدم رسل منهم في المستقبل. بالنسبة لهم فيكفيهم أن يتقوا الله ويصلحوا إلى أن ينزل الهدى في المستقبل. هذا الدليل إضافة إلى ما ذكرته أعلاه من سورة طه تدل على أن النبوة لم تبدأ بعد. فما هو آثار عدم إرسال الأنبياء؟ قال تعالى في سورة المائدة:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ َلأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ َلأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32). نلاحظ في تلك الحكاية بأنه تعالى إذا أنزل عهدا فإن مؤاخذته تكون بقدر العهد. ولعلنا نعلم بأن التوراة تمثل أول عهد سماوي مكتوب لكل البشر ولكل الجن. وقد أنزل الله تعالى التوراة على موسى وقومه غب مجموعة من الاختبارات القاسية وتحت ضغط سقوط جبل مهدم على قوم موسى. تماما كما نرى بأن عهود الأمم المتحدة اليوم التي لم تكن مقبولة لدى البشرية من قبل الحرب العالمية الثانية قد سجلها وأقر بها البشرية بعد أن قاسوا ما قاسوا من ويلات الحرب المدمرة الطويلة.

فقوله تعالى: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل؛ تدل دلالة واضحة بأن إرسال الرسل البشرية والرسل الكتابية مقدمة لأخذ الناس بجدية أكثر وتحد واضح لمن سمع القول من ربه ثم كفر به أو لم يعمل به. لكن الذين لم يتعرفوا على تشريع السماء فإن الله تعالى لا يمكن أن يؤاخذهم بالدين المنزل بل يؤاخذهم بما هو واضح لدى كل إنسان. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63). لا ننس بأن الكتاب في الآية أعلاه لا يعني الكتب السماوية بل يعني كتاب الأعمال لكل فرد ولكل مجموعة أو زمرة كما أظن. يهمني الانتباه إلى نهاية الآية 63 “ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون“. فهناك عبرة أخرى بالأعمال التي يشعر بهاكل إنسان بما هو إنسان بأنه عمل غير صحيح أو بأنه عمل طيب.

شروط إرسال النبيين:

مما لا شك فيه ولا ريب بأنه سبحانه لم ينزل رسلا على أقصى الشرق كما لم ينزل رسلا على من هم في القارة الأمريكية برمتها. الذين يعيشون في تلك المناطق أكبر عددا بكثير من الذين عاشوا ويعيشون في الشرق الأوسط التي أنزلت فيها الرسالات السماوية كما نظن. فما السبب في ذلك؟ هناك أوليات لو لم تتواجد لدى أمة من الأمم فإنها لن تكون مستعدة لاستقبال رسل الله تعالى. وأهم مسألة هناك هو أن تتقبل الأمة وجود إله خالق خلق السماوات والأرض وهو حي قيوم يراقب خلقه. فلو لم تكن تلك الخاصية موجودة فلا معنى لإرسال نبي من الله تعالى إليهم. إنهم لا يعرفون الله سبحانه ولا يؤمنون به فهم يفقدون أهم شرط لاستقبال رسول من الله تعالى. الأمة التي تؤمن بالله تعالى ولكنها تخطئ في العبادة هي الأمة التي تستحق استقبال رسول هاد من الله تعالى. وبما أنه سبحانه كريم يحب أن يوسع على خلقه من رحمته فإنه يختار من بين الأمم عددا قليلا لاتخاذ شهداء منهم فقط.

 قال تعالى في سورة هود: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119). تعني الآيتان بأنه سبحانه خلق الناس ليرحمهم ولذلك نراه سبحانه لم يرسل رسلا في كل مكان وفي كل زمان كما أظن.

قال تعالى في سورة الفرقان: وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلاّ كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51).

فهو سبحانه قادر على أن يبعث في كل تجمع بشري متكامل قادر على استضافة الغير رسولا ولكنه لم يفعل للسبب أعلاه احتمالا. ولذلك يكتفي ربنا بأخذ النماذج من بعض الأمم ليقيس بهم غيرهم. بمعنى أننا سوف نُحشر يوم القيامة في زمر وراء من يشابهنا من صحابة الرسل. يعني ذلك أن الله تعالى في يوم القيامة وعن طريق الملائكة الكرام ينظر إلى حال كل شخص بأنه لو كان حاضرا أيام الرسول فسوف يكون مثل مَن مِن الصحابة. والصحابة تشمل كل من حضر الرسالة مؤمنهم وكافرهم بلا استثناء. هذه هي ضرورة إرسال الرسل والعلم عند المولى.

ختم النبوة:

لعلنا نقبل بأن الله تعالى الذي لا يحتاج إلى أي شيء لم يخلق البشر والجن إلا باعتبار شأنه سبحانه. قال تعالى في سورة الذاريات: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57). ليس الله تعالى محتاجا للعبادة ولكن هناك مسألتان على الأقل تستوجبان خلق كائنات مدركة مختارة واختبارهم. المسألتان هما أنه سبحانه من حقه أن يُعبد ولا يكفي أن يسبحه من يسبحه. قال تعالى في سورة البقرة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30). فالملائكة تسبح ولا تعبد ولكنها جديرة بالعبادة لو أن الله سبحانه منحها الاختيار. والخلافة هنا ليست خاصة بآدم بل كل البشر خلفاء الله تعالى. قال تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165). والخلافة هنا تشير إلى قوة الإرادة الممنوحة لنا وهي قوة خاصة بالله تعالى. ولا ننس بأنها معنا ما دمنا في الحياة الدنيا فإذا متنا فسوف نخسر الإرادة إلى الأبد. لعلنا نحتاج إلى فهم حقيقة الإرادة وأتركها لمقالة أخرى في المستقبل بإذن الرحمن.

ولعلنا نعرف أيضا بأن الله تعالى خلق الإنسان ليختبره فنحن مخلوقون ضمن نظام الطبيعة لنأتي بصورة طبيعية متأثرين بعض الشيء بحقائق آبائنا وأمهاتنا ومميزين عنهم بأننا خلقنا لزمان غير زمانهم وهكذا أولادنا الذين يكونون عادة أكثر منا إحاطة بالعلوم وأكثر منا قدرة على التفكر. ذلك هو سنة التطور الضرورية لمنحنا الإرادة. بمعنى أننا نتطور شيئا فشيئا ولا يمكن أن نأتي من أول يوم متكاملين. ذلك يعني بأننا أتينا بإرادة خاصة من ربنا بعيدين عن سنة التطور. لو فعل الله تعالى ذلك لما كان صحيحا أن يسمينا مريدين مختارين. سنة التطور واضحة ولا تحتاج لفهمها إلى تفكير عميق. يكفيك أن تنظر إلى تطور الحياة خلال العقود التي عشتها وإلى أولادك لتراهم يبدؤون حياتهم بشكل مغاير لما بدأت به حياتك ويعيشون في جو أكثر منك تطورا وفهما لما حولهم.

والمسألة الثانية هي أن الله تعالى وعد بأن يجمعنا جميعا مع آبائنا ومن يأتي بعدنا جنا وإنسا في يوم واحد أمامه ليحكم بيننا. قال تعالى في سورة المرسلات: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38). كيف يمكن أن نجتمع نحن الذين نعيش في عصر غزو الفضاء مع أبينا آدم الذي كان يجهل كيف يؤهل الحمار ليركبه ويجهل كيف يعبر المياه بالسفن وغير ذلك من الفروق بيننا؟ إن التطور الفكري اليوم أوسع بكثير مما مضى فجدودنا الأولون ليسوا متساوين معنا لنقف معا في صف واحد. ولذلك فإن عدالة الله تعالى تقتضي بأن يرسل النذر بما يتناسب مع التطور الفكري لكل مجموعة من خلقه. كان آدم وزوجه وهكذا إبراهيم ولعل غيرهما ممن عاشوا في ذلك الزمن الغابر وبطول ما يزيد عن 300 قرنا احتمالا يسمعون نداء من الله تعالى. قال تعالى في سورة الأعراف: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22). وقال تعالى في سورة الصافات: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104). نحن لا نعرف كيفية النداء ولكنهم سمعوا ما لم نسمعه نحن. وموسى أيضا سمع نداء يوم التكليم الأول وأظن بأنه سمع فعلا صوتا يناديه.

الشيء الذي يساعدنا لمعرفة المسألة هو التطور مع عدالة السماء. نحن نستلم وحي السماء بصورة أخرى مغايرة للطريقة التي بها استلموا وحي ربهم. نحن نفكر كثيرا ثم نرى بأننا توصلنا إلى فكرة لم تخطر ببالنا وليس في ذاكرتنا النفسية ما تساعدنا على ذلك. فمثلا كيف توصلت البشرية إلى فهم الصفر في الأعداد؛ أو التفكير في الإلكترون؛ أو احتمال أن الأرض تدور حول نفسها وليس الشمس تدور حولنا أو أن المياه في الأرض لم تزدد ولم تنتقص وهلم جرا. تلك مسائل لا يمكننا أن نجد مماثلا لها في أذهاننا. إنها تمثل وحيا سماويا لمن يسعى سواء كان مؤمنا أو كان فاسقا. المهم أن يسعى ويكون الوقت مناسبا ليتعلم أمرا جديد يساعد البشرية على حياة تناسب التكاثر. فمثلا أوحى الله تعالى إلى البشرية بأن باطن الأرض ينطوي على الوقود اللازم لكم ولكن في زمن يمكنه أن يعرف بأن ذلك الوقود لا يمكن التفريط به فهو محدود.

لكن ليس من العلماء من سمع صوتا كموسى أو نداء من نوع آخر كآدم وزوجه أو إبراهيم. فعدالة الله تعالى تقتضي بأن يراعي إمكانات الناس بحيث يجوز له وبمنطقه سبحانه أن يجمعنا جميعا في صف واحد يوم القيامة. فلو بعث الله تعالى لنا رسولا اليوم مع هذا التطور الهائل في المعلومات فسيكون ذلك ظلما على الذين سبقونا آلاف السنين. ولذلك ترك الله تعالى الأمور لنا بأنفسنا لنفكر فنكون في الحقيقة وفي منطق العدالة قد استلمنا حقائق سماوية بنسبة متساوية مع الذين عاشوا في بلاد وفي ظروف وفي أزمنة أخرى.

نحن البشر لدينا علماء كبار وبرلمانات مختلفة وإمكانات تحليل واسعة في كل حيثية ويمكننا بالأحكام الموجودة في القرآن أن نصل إلى حقيقة الحكم عند ربنا أو قريبا منها. بالطبع أقصد بالعلماء الكبار علماء الفيزياء وبقية العلوم الأخرى ولا أقصد المعروفين برجال الدين فهم في واقعهم ليسوا علماء في التعبير القرآني كما يبدو لي. قال تعالى في سورة فاطر: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28). الآيتان لا تتحدثان عن تحليل أخبار السابقين التي يعكف عليها المعروفون برجال الدين فهي في الواقع ليس علما. إنهما تتحدثان عن فهم الألوان وما تشير إليها من مفاهيم علمية فيزيائية ليست سهلة الفهم وليست في متناول العامة من الناس. أولئك لو أنصفوا فهم يخشون الله تعالى من بين عباده. والعلم عند مولانا جل وعلا.

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/


اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.