الامام الغائب يتحرك بسرعة الضوء


استمعت إلى شريط من معمم من بني جلدتي يسكن في ميشيغان كما يبدو وهو يسعى لإثبات إمكانية أن يعيش المهدي المفترض أكثر من 1200 سنة دون أن يشيخ بل يبقى شابا أو كهلا. بالطبع أنها محاولة غير ناجحة لإثبات وهم المهدي ولكن الشيخ كما يبدو لي لم يكن صائبا حتى في إثبات إمكانية الحياة الطويلة دون أن يشيخ المرء أو يموت. والشريط مرفق.

إنه ينقل حكاية من الشيخ وحيد الخراساني حينما كان يدرس في مدينة مشهد بأنه سمع من أستاذه الشيخ أحمد الكفائي. الشيخ وحيد هرب من مشهد وعمره 15 عاما إلى طهران ثم إلى النجف وهو يعيش اليوم كمرجع للتقليد في قم وعمره أكثر من 98 سنة اليوم كما أظن. بمعنى أن الحكاية سمعها من أستاذه قبل أكثر من ثمانين سنة. أنا أعرف الشيخ وحيد معرفة كاملة وأحترمه كثيرا على أنني أرفض آراءه المغالية في الأئمة. هو إنسان طيب وصادق وليس من أهل الكذب ولكن هل يجوز لنا نحن المسلمون أن نبني عقائدنا على حكاية نقلها الشيخ من مشيغان عن الشيخ من قم عن الشيخ من مشهد؟ الشيخ المشهدي المرحوم أيضا إنسان محترم وهو ابن الآخوند الخراساني صاحب كفاية الأصول والذي تتلمذ على يده كل كبار مراجع النجف في القرن الماضي تقريبا. لكن القصة تنطوي على عدة مسائل مرفوضة قرآنيا:

1. شيخ يخبر عن الغيب في صحن الإمام علي عليه السلام في النجف ولم يذكر اسمه. والقرآن الكريم يرفض علم الغيب حتى لرسولنا. قال تعالى في سورة الأنعام آمرا رسولنا: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50).

2. الشيخ يتحدث عن شخص تحرك من الصين إلى مشهد إلى مصر ووو. خلال حديثه. والشيخ الميشيغاني يريد إثبات أن صاحب الزمان قد يتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء! بمعنى أنه يتحرك من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي خلال أقل من عشر الثانية. وما تحدث به ذلك المخبر بالغيب يتجاوز الثواني. والواقع أن التحدث عن شخص يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء بأنه في الصين ثم في مشهد ثم في مصر غير معقول. لو قال بأنه في الأرض لا هو قريب من الشمس لا هو انتقل إلى منظومة شمسية أخرى لكان مقبولا عقليا فقط وليس واقعيا طبعا.

3. هل هذا المهدي المفترض مجنون يدور حول الأرض بسرعة قريبة من الضوء ولأي غرض. ولو فرضنا أنه يتحرك بصورة عمودية فسوف يتجاوز القمر خلال ثانية وجزء من الثانية وسوف يتجاوز الشمس خلال 10 دقائق وهلم جرا. هذا مجنون بقدرة غير طبيعية وليس إماما ينتظره الشيعة.

4. الشيخ الميشيغاني يقول بأن المهدوية جزء من نظام الألوهية. هذا الكلام غيب ويحتاج إلى وحي من السماء أو آية قرآنية لم يأت بها فهو يتكلم كلاما أشبه بمقولات المشركين.

5. هناك حدود لتحمل الجسم الإنساني السرعة. وهو قد يعرف بأن الإنسان يمكن أن يركب كبسولة متحركة بسرعة سباق (acceleration) محدود ليصل إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء. لكن أين لنا هذا المركب السريع وعلينا بأن نحسب سرعة السباق الممكن للبدن الإنساني لنتمكن من احتساب الزمن الذي تحتاجه الكبسولة لتصل إلى تلك السرعة دون أن تؤثر في حياة الراكب الإنساني. هو على كل حال زمن طويل يتجاوز السنوات حتى تصل إلى سرعة ما يقرب من 300000 كيلومترا في الثانية. وما الذي يفعله ذلك المجنون المفترض ومتى يعود إلى الأرض ليمارس مهامه ووو.

6. سرعة السباق المقبول للبدن الإنساني غير ممكن احتسابها ولا تجربتها. الاحتساب في الواقع يحتاج إلى عدة تجارب غير ممكنة لأننا قبل كل شيء نحتاج إلى صاروخ يسير بسرعة مئات الآلاف من الكيلومترات في الثانية. هذه المركبة غير موجودة وبعيدة حتى عن الفكر الإنساني.

7. ما قاله المرحوم آينشتاين في النسبية الخاصة ليس لأبدان البشر ولا للكبسولات فلا يظن أحد بأن آينشتاين تحدث عن المهدي. آينشتاين يعلم بأن الجسم حينما يصل إلى سرعة الضوء لا بد وأن يفقد بعدا من الأبعاد الثلاثة المعروفة فسيتحول إلى ضوء أو أي إشعاع آخر. وكلما نبتعد عن سرعة الضوء كلما نتمكن من الاحتفاظ ببعدنا الثالث ولكن هل البدن الإنساني عبارة عن صخرة صماء أم بدن يحوي الكثير من الأجهزة الدقيقة التي تتحمل سرعات محدودة فأنى لأحد أن يصل إلى تلك السرعات؟ إنه متوهم أو لا يقول الحقيقة عمدا.

8. الشيطان والجن عموما عاجزون على أن يخرقوا الكواكب السماوية حتى الغازية منها وهذا يعني بأن الجن والإنس لا يمكن أن يتحولا إلى ما يمكن تسميته بثنائي الأبعاد. قال تعالى في سورة الرحمن: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36). فحدود الجن أيضا لا يتجاوز حدود الأجسام الرقيقة التي تحتاج إلى سلطان أو مركبة لينفذ في الأقطار السماوية فقط وليس ليسير بسرعة الضوء أو ما يقرب منها. والمهدي المزعوم واحد من ذرية آدم وزوجه فهو بشر مثلنا فكيف له أن يسير بتلك السرعات الخيالية.

وفي الختام أحب أن أنبه الإخوة والأخوات الذين يستمعون إلى هذه الخطب الوهمية بأن حل مشكلة من مشاكل العمر الطويل مع بقاء الشخص كهلا لا يدل على صحة فرضية وجود المهدي. يجب إثبات وجوده قبل كل شيء ولا يفيدهم هذه المساعي لحل المشاكل الجانبية. أظن بأن المسلمين لو سمعوا أمرا بهذه الأهمية من ربهم فسيقبلونه دون الحاجة إلى التبريرات التي قام بها الشيخ الميشيغاني. أنا سعيت كثيرا لأرى أية إشارة في كتاب الله تعالى بأنه سبحانه يريد أن يبسط العدالة في الأرض بصورة جبرية قبل يوم القيامة فلم أجد شيئا. بل رأيت العكس. إنه سبحانه يريد أن يختبر الناس في الحياة الدنيا ولا يريد أن يفرض العدالة قبل يوم القيامة. قال تعالى في سورة الأنبياء: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47). فالرسول عليه السلام ينذر الناس بالوحي وليس من خارج الوحي والشيخ الميشيغاني ينذرنا من خارج الوحي فهو يضع نفسه في موضع يفوق موضع الرسول. والله تعالى يضع الموازين القسط ليوم القيامة لا ليوم ظهور المهدي الموهوم مع الأسف.

أشعر بأن مقولة الشيخ الميشيغاني محببة لقلوب الكثير من المؤمنين الذين ينتظرون المنقذ ولكنها مقالة غير صائبة وبعيدة عن الحقيقة فمعذرة من كل من قد يتألم من رقيمتي هذه لكن الحق يجب أن يقال؛ والسلام عليكم جميعا.

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

5/6/2019

وإليكم عنوان الشريط المذكور

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.