اشكالات القبنجي 12-استحالة النظر إلى الظروف المعاصرة للتنزيل:

اشكالات القبنجي 12-استحالة النظر إلى الظروف المعاصرة للتنزيل:

ومهما يكن من أمر فإن النظر إلى الظروف المكانية والزمانية لنزول القرآن غير ممكنة عمليا. ذلك لعدم وجود أية مدونة عربية أو غير عربية كتبت أيام الرسالة المجيدة. يبدو بأن القرآن الكريم هو المدونة الوحيدة التي وصلتنا في عصرنا هذا. ولو أردنا أن ننظر إلى القرآن في زمانه ومكانه فلا نملك كتابا مصانا يهدينا إليه فكيف نقوم بهذا النظر؟

لقد تمكن القرآن المشهور وهو ما عرف فيما بعد بقراءة حفص عن عاصم أن يبقى طيلة القرون الخمسة عشر دون تغيير. يطبع المسلمون سنويا عشرات الملايين بل مئات الملايين من هذه النسخة المباركة ولكننا لم نر أي كتاب يدعي بأنه كان معاصرا للقرآن فكيف ننظر إلى القرآن في ظروفه الزمكانية؟ لقد بدأ المسلمون عمليا كتابة التاريخ بعد أكثر من قرن من وفاة الرسول الأمين فما جدوى تلك الادعاءات باسم التاريخ الإسلامي؟ لو ينظر العاقل الحصيف إلى اهتمام المسلمين اليوم بالأحاديث والسيرة والتاريخ الذي كان مفقودا تماما لأكثر من قرن بعد الرسالة المحمدية ثم بدأ المسلمون في الكتابة، فسوف يرفض كل مدوناتنا عدا القرآن.

وما نسمعه من المؤرخين هو ما نقلوه من الأخبار من كتاب كتبه شخص باسم محمد بن إسحاق وهو الذي جمع الأحاديث وكتب السيرة والتاريخ. ويُقال بأنه بدأ بالكتابة بعد أكثر من قرن من وفاة الرسول وقد ضاع كتابه ولكن المؤرخين الذين جاءوا بعده ينقلون عنه!

كان الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ينفق عليه فلا يمكن الاستناد لا إلى شخصه ولا إلى ما نقله ولا إلى ما نقل عنه. وفي النهاية نرى كل المراجع التاريخية تعود إليه فهل يمكن تسمية هذا مرجعا تاريخيا صحيحا؟!

وأما كتب الحديث المشهورة عند السنة فيعود تاريخ كتاب المسند للإمام أحمد بن حنبل الى القرن الثاني الهجري وعاصره الإمام مالك في الموطأ. وقد ارتبط كلاهما بأبي جعفر المنصور وأما الإمام مالك فقد أكمل كتابه أيام هارون الرشيد وأشهره وأمر بالعمل به الرشيد نفسه. وأما الشيعة فقد أراحوا أنفسهم واعتبروا كل ما نسب إلى الأئمة صحيحا لا إشكال فيه. لكن ليس بين يدينا كتاب شيعي من تأليفات عصر الإمامين الباقر والصادق بل كتبت فيما بعد. ولعل كل كتب الحديث المشهورة دونت في القرون الثالث والرابع والخامس الهجري حينما ظهرت السنة والشيعة كمذهبين مختلفين.

فهل من العقل والحكمة أن نحكم على كتاب عظيم مثل القرآن بكتب مختلفة دونت بعد نزوله بأكثر من قرن؟

ما نقوله عن تلك الأيام الخوالي لا يتعدى الظنون والتخرصات التي لا يمكن الاستناد إليها. الطريق الوحيدة التي يمكن أن نصل بها إلى عصر الرسالة المجيدة هو ما ذكره القرآن نفسه من حوادث تاريخية لا غير. وتبدو عملية التوفيق بين قصة قرآنية واحدة مع ما هو مدون في كتب التفسير والحديث والتاريخ والسيرة مستحيلا. فكيف يمكننا الاعتماد على هذه الكتب لفهم القرآن في ظروفه المكانية والزمانية؟ إنه ادعاء لا يمكن تحقيقه وهدف يستحيل بلوغه مع الأسف.

ويقول صديقنا المحب للدكتور سروش أو الموالي له بأنه ينظر إلى كتب التاريخ المختلفة من مختلف القوميات ليقف على حقيقة ما حصل. ثم يستشهد بقصص كتبها غربي حول تاريخ احتلال الإسكندر المقدوني لإيران. لكنه لم يأت ولن يتمكن من الإتيان بتاريخ مخالف لأيام الرسول كما لا يمكن أن يأت بتاريخ موافق دونت أيامه. كل الغربيين يتحدثون عن الرسول من واقع تاريخ الطبري وأمثاله وليس من منطلق تواريخ كتبوها هم بأنفسهم. فلو كان استدلاله صحيحا فإنه لا ينطبق عمليا على العصر الرسالي لحبيبنا المصطفى عليه السلام. بالطبع أنني أرفض نظريته أيضا ولكن لا داعي لمناقشتها مع غياب المصداق.

يتبع ….

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.