علمانية وعلمنة وتحديث…………

علمانية وعلمنة وتحديث…………

في حين لا زال الجدل ساخنا في الوطن العربي حول “العلمانية”، يجب التنبيه هنا الى الفرق بين العلمانية Secularism والعلمنة Secularization .العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة ومنع تدخل الدين في الشؤون السياسية والمجال العام.وبهذا التعريف تحتاج العلمانية لاجماع سياسي وتعديل دستوري وقانوني حتى تصبح قابلة للتطبيقأما العلمنة فهي العملية التطورية التي ينتقل فيها المجتمع من التقليدية إلى الحداثة، ومن التقاليد الدينية إلى المدنية، ومن الخرافة إلى العقلانية. بهذا المعنى فالعلمنة مسيرة حتمية وضرورية ،لا يمكن ايقافها، ولا تنتظر التعديلات الدستورية والقانونية والتوافق السياسي رغم اهميتها.التعليم الحديث باكمله تعليم علماني يهدف إلى هدف دنيوي هو بناء المواطن المؤهل والكفؤ والملتزم بالقانون وقيم المواطنة، وقد انفصلت علاقته بالتعليم الديني القديم الذي كان مرتبطا بالجامع وبتعليم الاحكام الدينية.الجيوش الحديثة جيوش معلمنة هدفها الدفاع عن الوطن وليس الجهاد .الدولة الحديثة جهاز علماني هدفه حفظ النظام وتوفير الخدمات للمواطنين وضمان رفاههم الدنيوي، وصارت مهمة رئيس الدولة “سياسة الدنيا” فقط ولم يعد له علاقة بـ”حراسة الدين” كما كان الحال مع الحاكم الديني في الماضي. وبدلا من حراسة الدين صارت احدى مهام الدولة حماية حرية التدين والاعتقاد (اي حراسة كل الاديان) وهو هدف مدني علماني.حتى المفاهيم التي تحكم حياتنا اليوم (المواطنة، الديمقراطية، حقوق الانسان، المساواة..) كلها مفاهيم علمانية.و الديمقراطية والانتخابات ورقابة الامة على الحاكم كلها مفاهيم علمانية حديثة. حتى الدين نفسه يصبح دينا متعلمنا، فيتحول هدف الدين من النجاة في الاخرة الى النجاح في الدنيا (إسلام التنمية البشرية).المجتمات تتجه نحو العلمنة وهذه عملية لا يمكن ايقافها.. بل ان التحديث لا يمر إلا من خلال العلمنة وتتداخل عملية التحديث مع العلمنة بطريقة تجعل من الصعب الفصل بينهما.كلنا متعلمنون حتى دون أن نعي ذلك.هل أريد التذكير هنا إن العلم بحد ذاته مفهوم علماني (دراسة الطبيعة وفهمها والتحكم فيها بالعقل والتجربة والبرهان).محاولة “اسلمة” الحداثة فشلت لانها تزيف مفاهيم معلمنة وتحاول طلاءها بصبغة دينية فخسرنا بسببها الدين والحداثة معا.كان ماكس فير يقول ان الحداثة هي “نزع السحر عن العالم”..السحر هنا هو الخرافة واللاعقلانية والتقاليد البالية. ونزع السحر بهذا المفهوم مهمة العلم والديمقراطية والعقلانية أو باختصار مهمة العلمانية في الفكر والمجتمع والسياسة.

حسين الوادعي

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.