اشكالات القبنجي 10- الحل لدى العرفاء

اشكالات القبنجي 10- الادعاء ان الحل لدى العرفاء 

ادعاؤه أن الحل لدى العرفاء

وبعد ذكر القبنجي لما سماها إشكالات على كتاب الله تعالى انتقل إلى مسألة ظنية أخرى لإثبات أن المبدأ العرفاني هو المبدأ الذي يمكن أن ينجينا ويحل كل هذه المشاكل. فقال ما معناه بأن القرآن هو فعلا كلام النبي ولكنه كلام إلهي بمعنى أن النبي كان يحمل في قلبه نورا إلهيا. بالطبع أنه توسع في كلامه أكثر من هذا ولكني أظنه أطنب، فلا أرد على قوله بأن في قلب كل إنسان إله صغير! لعله كان يقصد بأن كل إنسان يعرف قليلا عن الله تعالى فمعرفته لله تخلق في نفسه تصويرا عن الله تعالى. إنه بهذا التصوير يتحدث عن الحقائق متأثراً بتلك الصورة الخيالية عن الله تعالى. لعله قصد ذلك. إنني أحب أن أكون متفائلا حتى لا أصير فريسة للشياطين أو أصير مظهرا من مظاهر الشيطان والعياذ بالله.

بالطبع إنه أراد أن يصحح بعض ما قاله ضد عقائد المحيطين به وضد اهتمامات أهله وقومه وأمته من اعتماد على القرآن الكريم واعتقاد جازم بأنه كتاب الله تعالى. فلعله في قرارة نفسه لا يؤمن كثيرا بالله تعالى كبعض العرفاء. و العرفاء يجمعون بين المتناقضات دون أن يشعروا. لعلهم لا يؤمنون بالله تعالى ولكنهم يسايرون أقوامهم. ولذلك دعنا نكتفي بتحليل أقوال أخينا لنفهم ما أراد قوله لنا. ولندخل إلى صلب الموضوع تدريجيا:

1.   قال القبنجي بأن محمد بن عبد الله الذي نؤمن نحن المسلمون بأنه عبد لله تعالى ورسول منه إلى نفسه وإلينا ليكون للعالمين نذيرا؛ قال بأنه يحمل في قلبه نوراً إلهيا يخوله بأن يكتب أو يقول القرآن. ولذلك فلا مانع أن ينطوي الكتاب على بعض الأخطاء والهنات، معاذ الله. بالطبع أنه لم يوضح نتائج إيمانه بالنور المتواجد في قلب النبي ولكني أعرف بأن هذا الكلام يعني بأن محمدا كان ينطوي على إشعاع غيبي مرتبط مباشرة بالله تعالى. هذا النور أو الإشعاع يكشف أمام قلبه الغطاء عن بعض الحقائق المجهولة لدى عامة الناس فيتكلم صاحبه بما يتراءى لهم بأنه معجزة. هذه المعجزة تُعجز قومه في زمانه ومكانه ولا تُعجز غيرهم. لا أعرف كيف ينظر الأخ القبنجي إلى الله تعالى. ولكن لازم هذه العقيدة في رسول الله تعالى أن يتأثر النور الإلهي في قلبه بمجتمعه وأفكاره الشخصية فتختلط الحقائق لديه بالأفكار البشرية الناقصة فيقول ما يقول ناقصا ولكنه يتخذ شكلا خلابا لقومه. إن العرفاء في هذه الحالة إنّما يعتبرون دور النبوة دورا بشريا محضا خاصا بزمانها ومكانها.

دعني أقول لهم: لعلهم يجهلون بأن النور القوي يسيطر على الأنوار الضعيفة فلا يمكن للأنوار الضعيفة الشخصية أن تترفع على النور القوي، بل تخمد كلها أمام إشعاعاته. يمكننا أن نلمس ذلك وجدانا بملاحظة المسائل الموجودة في ذهننا من الصغر بجوار العلوم التي كسبناها فيما بعد فنرى بأن نفوسنا لا تتبع المعلومات القديمة بل تتركها وتتوجه نحو معارفنا ومعلوماتنا الحديثة التي قد تكون أصدق وأقوى من القديمة. فوجود النور الإلهي في قلب محمد يبعده عن مجتمعه القبلي ويبعد عنه أفكاره القرشية وغيرها ويجعله دقيقا جدا. فلا يمكن أن نتصور محمدا مع النور الإلهي المسيطر وهو يخطئ إلا إذا  اعتقدنا بأن الله تعالى يجهل بعض المسائل. معاذ الله.

2.   النتيجة الحتمية لكلام القبنجي ذاك هو أن الله تعالى قد أخطأ وأثر في محمد وليس محمد بنفسه. ذلك لأن محمدا لم يُترك وشأنه بل غُزي بإشعاع قوي جدا هو إشعاع الربوبية التي تؤثر و لا تتأثر. هنالك يعني بأن الاعتقاد بخطإ القرآن يعادل الاعتقاد بخطإ الله تعالى والعياذ بالله. ولا يمكن أن يكون هناك إله يخطئ. فلازم الألوهية وهي تعني إخضاع الكائنات لنفسه، أن لا يأتي إلا بالصحيح السليم. إنه أساس الوجود فأن نتصور أي خطإ في أية جزئية من أفعاله يعني عدم التوازن في جانب من الخلق وبالتالي عدم القدرة على البقاء والاستمرار. مثاله مثال الخطأ في جزئية أولية من برنامج التشغيل أو برنامج الكتابة الأساسية أو برنامج الجمع والطرح في الكمبيوتر. إن أي إشكال ولو بسيط في ذلك يوقف عمل الكمبيوتر بالكامل لعدم تراكب الجزيئات العددية مع بعضها البعض.

3.   إن مقولة العرفاء التي تجمع بين الإنجيل الفعلي والتوراة الفعلية المليئة بالمسائل المرفوضة عقليا وأخلاقيا مثل نسبة الزنا إلى الأنبياء دون أن تتأثر ذواتهم بتلك الأفعال القبيحة فيبقون رسلا لله تعالى، وبين القرآن الذي عجزوا أن يأتوا بخطإ واحد فيه؛ لهو في عمقه تناقض واضح يجمع الشيء ونقيضه فيجمع العلم واللا علم. كما أنه تضاد أحيانا فيجمع الظلام مع النور والجهل مع العلم.

4.   إذا كان الأخ القبنجي وبقية الذين رأيتهم ممن يفكرون بنفس منهجيته يعتبرون كل الأديان صحيحة وكل الأفكار صحيحة وكل ادعاءات العلم صحيحة وكل ما نسمعه في النهاية صحيح، فلما ذا يتعبون أنفسهم للرد على مناوئيهم؟ لماذا أتعب الدكتور سروش نفسه مثلا ليكتب كتبا ومقالات تعلن بأن التشيع الفعلي يناقض الاعتقاد بختم النبوة. فإذا كان يعتقد بأنه هو صحيح وبأن الذي يؤمن بعكسه صحيح أيضا فما معنى الرد عليهم؟. وهكذا الأخ القبنجي، كان من الأفضل لهما أن يجمعا الناس على شربة مسكرة ودقة مطربة ورقصة مهيجة ليستمتع الحضور بما هو ممتع فعلا بغض النظر عن أنه معصية أم لا. والاهتمام بالعلم والبحث العلمي يصبح محض هجو لا داعي له سيّما في المسائل غير المادية أو المتافيزيقية. يقول القبنجي بأن القرآن أخطأ علميا وأخلاقيا وعقليا وبلاغيا ويأتي بالأمثلة عوضا عن الدلائل ثم يقول بأن نظرية العرفاء تصحح كل شيء فكل شيء صحيح والقرآن صحيح وما في الإنجيل صحيح وما قاله السلف صحيح مع اختلاف مذاهبهم ومشاربهم!

5.   أليس صحيحا أخينا القبنحي بأنك أتعبت نفسك لتقول بأن المتناقضان يجتمعان لو كنا عرفاء؛ وهو عند العقلاء جهل مطبق؟ أتمنى أن أكون مخطئا. اسمح لي أخي الكريم أن أقدم لك شيئا يمكن أن تسميه النصح. لو كنت تريد أن تكسب سمعة طيبة في مجتمعك فعليك بأن تتخذ لنفسك مذهبا معقولا لا يدعو إلى الهمجية. العرفاء كما رأيتهم وحاولت فهمهم يمثلون مجموعة من الأدباء والشعراء وهم أهل ضلال وغواية دون أن يعلموا بأنهم كذلك. إن جهلهم مركب مع الأسف ولا يمكن للعاقل أن يعتمد عليهم. كيف يمكن لعاقل أن يعتمد على قول أحد مشاهيرهم بأن المسجد والبار سيّان لا فرق بينهما؟ إن حقيقة المسجد هي الدعوة إلى محاربة الشهوات والبارات إنّما تقوم على تحريك الشهوات فكيف يجتمعان في صفّ واحد؟ نعم يجتمعان عند العرفاء لأنهم لا يملكون منطقا أو يظنون بأن المخاطبين أرانب لا تعرف شيئا وأنهم يتأثرون بشعر أحمق يغير عقيدتهم الصلبة في ربنا العظيم خالق السماوات والأرض ومنزل القرآن هدى للعالمين.

عفوا من هذا الكلام الشديد ولكني لا أقصد به إلا أن أقف وقفة صلبة ضد الدعوة إلى سلب العقل وسلب المعقولات. يفقد العقل دوره تماما إذا قبلنا المتناقضات واعترفنا بالمتضادات. هناك سوف لا نميز بين القاتل والمقتول والظالم والمظلوم والله والعبد والخالق والمخلوق.

6.   ولو أنّك دققت أخي القبنجي في كلام العرفاء فسوف تراهم كذلك. هؤلاء العرفاء هم الذين أوحوا إلى القتلة أن يقتلوا الناس بحجة الدعوة إلى الذي خلق الناس. هم الذين أوحوا إلى أهل قطر كبير أن يكتبوا على قبر عمار بن ياسر: هذا قبر سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي قتله سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه!! هم الذين أوحوا إلى أهل علم مشهورين بالحضارة الوراثية أن يؤمنوا بأن الذين ماتوا من الطيبين فهم يطيرون في الجنان وفي نفس الوقت يقفون أمام قبورهم ويطلبون منهم المعونة والتوفيق. فهل هم في الجنان أم في القبور؟ وهل الموت هو عين الحياة؟ هم الذين أوحوا إلى أهل بلد طيب ثالث أن يستعملوا كل التكنولوجيا الغربية بجانب الدعوة لقتل الغربيين جميعا لأنهم مشركون. فلماذا يستفيدون من صناعاتهم ويعالجون مرضاهم في مصحاتهم؟ وأقول بأنهم يتحدثون من وحي العرفاء باعتبار أن كل الذين يعلمونهم يظنون بأنهم عرفاء وهم لا يعلمون إلا قليلا. هم تماما مثل الذين أشهروا أنفسهم بأنهم عرفاء وهم يحملون أدبا كبيرا وأخلاقا فاضلة وعلما حسنا باللغة والشعر لكنهم لا يعلمون كثيرا عن حقائق الوجود وعن الحقيقة المطلقة جل جلاله. مصيبتهم جميعا هي الظنّ بأنهم عُلماء وهو أمر لا يبدو بأن له أساس في الواقع .

7.   ولعل الأخ القبنجي وصديقي الجديد والأستاذ الفاضل سروش جميعا يقولون بأننا يجب أن ننظر إلى كل كتاب وكل دعوة في ظروفها الزمانية والمكانية. هذا كلام جدّ صحيح وينطبق على غالبية الكتب البشرية، بل على كل كتبهم. ولكن هل بمقدور ربّ العالمين إن كان هناك ربّ للعالمين أن ينزل كتابا لا ينحصر في الزمان والمكان؟ هذا ما سنناقشه في البحث المختصر القادم.

يتبع ….

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي 


https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.