احتمالات الاخطاء النحوية

لأعتذر قبل البدء بالبيان. أرسل إلي أحد إخواني الكرماء أظنه الشيخ أحمد الكاتب قبل أكثر من عشر سنوات مقالة كتبتها سيدة فاضلة اسمها أمل عبد الله حول إشكالاتها النحوية على القرآن الكريم. بدأت بالرد عليها في حين أنني كنت مريضا مرضا صعب العلاج. ثم توقفت عن الكتابة كلية وطالت السيطرة على المرض الذي لا زلت أعاني منه ولكنه تحت السيطرة بحمد الله تعالى. هناك عدة مقالات نسيت إكمالها في ما بعد حتى تذكرت قبل أيام تلك المقالة وبحثت عنها فوجدتها ناقصة فعلا. فأعتذر من الذي أرسلها إلي وكذلك من الأخت الفاضلة كاتبة المقال أو المقالات إذ أنني أرد عليها في وقت قد لا يكون فيه جدوى لهم. على كل حال أنشرها لعلها يفيد من اطلع على مقالات الأخت أمل عبد الله. وهي هذه وترون في آخرها نص مقالات الأخت الكريمة.

احتمالات أخطاء القرآن النحوية

كثيرا ما نسمع عن الأخطاء النحوية في القرآن ونرى المؤمنين يردون على الذين يستشكلون بردود لا تتناسب مع شأن القدوس جل جلاله الذي أنزل هذا الكتاب العظيم ووعد بصيانته. إنني أعطي الحق لمن يشك في القرآن ولكنه وقبل أن يأخذ طريقه إلى الإلحاد مثلا فهو يسعى لمناقشة الموضوع مع الذين لهم بعض العلم. وأرجو من الجميع ألا يتوجهوا إلى أصحاب الإعلانات والألقاب والملابس الضخمة الذين يستفيدون من القرآن الكريم فهم الذين سببوا لنا مشكلة الشك الجدي في كتاب لا يمكن أن نتصور الخطأ فيه وإلا فهو عمل بشري لا يمكن الاعتماد عليه وليس لنا أن نركن إليه ونحن في طريقنا إلى المجهول الغامض الذي يفوق العقل والتصور وهو الوقوف أمام سيد الكائنات جل جلاله. ولو كان القرآن خطأ والعياذ بالله فإن من حق الناس أن يشكوا في الله تعالى وفي يوم الحساب أيضا. لكنه ليس كذلك.

وإننا قبل الخوض في هذا الموضوع الجاد كمؤمنين بالخالق العظيم علينا أن نفصل فصلا كاملا بين القرآن وبين أية مقولة أخرى فهي جميعها من صنع البشر. حتى الكتاب المقدس الذي استند إليه المفسرون الكرام لتكميل القصص القرآنية مثلا فهو كتاب بشري بشهادة الكنيسة نفسها. ونرى أسماء المؤلفين مرفقة بالكتاب عادة والكثير من الكتب الأصلية فيها مسماة باسم الذين كتبوها. حتى التوراة المضمونة في الكتاب المقدس وهي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم فهم يقولون بأن النبي الأمين موسى عليه السلام قد كتبها. فذلك الكتاب باعتراف الذين ينادون باسمه ليس منزلا بإصحاحاته وجمله من العزيز الحكيم. إنما يظنون بأن الكاتبين قد استوحوا المسائل من الله تعالى ثم حولوها إلى كتب بلغاتهم وبأساليب كتابتهم. إنك ترى كتاب حزقيل واضح البيان جميل التركيب ومميزا عن بقية الكتب من حيث الإبداع البلاغي مثلا كما ترى المزامير تعبيرا واضحا عن الخيال الإنساني وهلم جرا.

وأما تفاسير المسلمين للقرآن فهي ليست ملزمة للكتاب المنزل وقد تكون خاطئة كما أنها فعلا كذلك. ولعل من الخير لنا أن نكتفي بهذا التقديم البسيط ونتولى معا قراءة بعض الآيات التي تحتوي على أخطاء نحوية كما تتراءى للقارئ في البداية ولكن علينا فعلا أن ننفصل مرة أخرى عن أمرين آخرين:

هما كل المعاني التي ترسخت في أذهاننا كموروثات ذهنية بنينا عليها الكثير من عقائدنا وعباداتنا ونتقبل أنها قد تكون خاطئة أيضا.

والأمر الثاني هو أن القرآن منزل قبل كتابة النحو واللغة فلا يمكن إلزامه بالنحو في الواقع بل يمكن تخطئة أئمة النحو فيما كتبوه وسعوا سعيا كبيرا للتوفيق بين قواعدهم الموضوعة وبين الجمل القرآنية. وإنني لم أر فيما نشروه من أخطاء نحوية وصلتني وحطت عليها ناظرتي أية اختلافات نحوية من هذا النوع ولكني بنفسي وأنا من الذين يمعنون في الكتاب العظيم ولا يعتمدون أبدا على غيره لفهم معناه، فإني بنفسي في محاضراتي ذكرت بعض تلك الاختلافات وأوعزت الإشكال إلى أئمة النحو وسوف تُكتب جميعها في التفسير بإذن الله تعالى. لكنني هنا أعلق فقط على الأخت أمل عبد الله  ولنبدأ:

قالت الأخت الفاضلة أمل عبد الله فيما نُشرت باسمها يوم 3/9/2007 وقد وصلتني قبل أيام عن طريق أحد إخواني المتتبعين بأنها تركت الطرق الروتينية وخرجت على البنيان المعروف باسم رجال الدين أو الفقهاء أو المفسرين حسب تعبيري طبعا؛ فأخذت الأخت طريق الإلحاد لتتخلص من الوصايات والتعقيدات التي ينسبونها إلى الله تعالى بزعمهم. إنني بداية أكبر فيها هذه الشجاعة وأدعو الجميع بأن يتخلصوا من هذه الوصايات ويأخذوا سبيل البحث العلمي بكل راحة. لا أريد أن أدافع عن القرآن الكريم فلو كان القرآن بحاجة إلى دفاع أمثالي فهو ليس كتاب الله تعالى. إنني أدافع عن نفسي وعن الشجعان الذين خرجوا على هذه العمارات الكرتونية التي لا تنطوي على علم كبير ليكونوا على نور إذا أخذوا طريق الإلحاد لا سمح الله. هناك فهم أحسن حالا من المقلدين دون شك أمام ربهم يوم الحساب. ذلك لأن الله تعالى لم يدع إلى التقليد ولا إلى التبعية بل دعا إلى التدبر والتفكر حتى بالنسبة للذين عاصروا الرسول الأمين محمد بن عبد الله عليه السلام. قال تعالى في سورة ص: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). فلم يقل لنبيه ليقلدوك فيه بل قال له ليتدبروا بأنفسهم آيات الكتاب.

وقال سبحانه بتفصيل أكبر في سورة النساء: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (81) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83). فالرسول مأمور ببيان الأوامر الوقتية في الواقع أكثر من بيان التماسك العلمي في القرآن. هناك الذين يتدبرون القرآن وهم قادرون بأنفسهم أن يُلاحظوا عدم وجود الاختلاف في آيات الكتاب الكريم. ذلك بأن كل أمة ومجموعة بل كل فئة علمية حتى في أيام الرسول نفسه فهم على نوع مغاير من العلم مع محمد بن عبد الله عليه السلام؛ والقرآن يجب أن يبرز لهم جميعا بأنه كتاب متماسك لا ينطوي على أي اختلاف. ولذلك فإني أكبر الذين يشككون في القرآن لو فعلوا ما فعلوه بحسن نية ولا أواجههم إلا بما أوتيت من العلم لعلي أكون عونا لهم في فهم القرآن.

إشكالها الأول

رفع المعطوف على المنصوب 
جاء في ( سورة المائدة 5: 69) : ” إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ” . وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول: والصابئين في كما فعل هذا ورد فى البقرة 2: 62 والحج 22: 17 

قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69). ولكنه سبحانه قال في البقرة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62). وقال سبحانه في الحج: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17).

بالطبع أن الذي ذكر الموضوع ثلاث مرات وأصاب مرتين منها نحويا – كما تراءى للأخت – فهو يعرف بأن المعطوف تابع لا يجوز تغيير آخره إلا إن لم يكن معطوفا. فدعنا نفكر في معاني الآيات الثلاث لنميز بين المعطوف وغير المعطوف.

فآية الحج تتحدث عن عدم تمكن غير الله تعالى من الفصل يوم الحساب بين الناس وهم يحملون عقائد مختلفة ومتباينة وكل أمة مأخوذة بما آمنت به وما تعقلته وليس بغير ذلك. فكيف للبشر أن يفصلوا بين اليهود والنصارى والمسلمين والصابئين والمشركين والمجوس؟ ذلك لأن سورة الحج جاءت لرفض الشفاعة الأسطورية الكاذبة بالدرجة الأولى والتي آمن بها اليهود بوحي من الشيطان ثم اتبعهم النصارى والمسلمون. وقد أثبت الله تعالى لليهود حينما كانوا محتضنين نبيهم موسى بأنه لن يتشفع لهم. أثبت لهم مرتين إحداهما يوم عبدوا العجل ليكون العجلُ رمزا مشيرا إلى رسولهم موسى حتى يعود إليهم موسى أو يبقوا على عبادتهم معتبرين موسى وسيطا بينهم وبين الله وهو شرك بالطبع إذ لا وسيط بين العبد وربه في منطق الرحمن سبحانه وتعالى. هنالك تخلى عنهم موسى كما في سورة الأعراف: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151). ومرة أخرى حينما استنكف بنو إسرائيل عن محاربة أهل القدس -ولعلهم الفلسطينيون القدامى- ليحرر القدس منهم حيث قال موسى كما في سورة المائدة: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25). فكل الذين في آية الحج معطوفون على بعضهم البعض لأنهم في موقف واحد. كلهم عاجزون عن الفصل بين الناس يوم القيامة.

وأما آية سورة البقرة فهي تتحدث عن اهتمام بني إسرائيل بأسرتهم وبأن الله تعالى فضلهم على العالمين ويعترف الله تعالى لهم بذلك ولكنه سبحانه يؤكد لهم بأن التفضيلات الدنيوية لا شأن لها في الآخرة ولا يفرق الله تعالى هناك بين إنسان وإنسان إلا بالتقوى. فقد ذكر سبحانه حالهم في بدايات السورة هكذا: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49). ونلاحظ أنه سبحانه بدأ مباشرة بعد أن وضح لهم عدله ورفضه لأية شفاعة يوم القيامة بأن تفضيلهم في الدنيا لم يكن تفضيلا شاملا بل فضل عليهم الفراعنة حيث ساموهم سوء العذاب. فلو كان التفضيل شاملا لما جعلهم تحت رحمة المصريين الأقباط. في هذه السورة يعطف الله تعالى الأقوام على بعضهم البعض ليؤكد عدم اهتمام الله تعالى بالأسر وبالتفضيلات الدنيوية وعدم تفريقه بين الناس يوم القيامة باعتبار مذاهبهم الدنيوية التي انتقلت إليهم عن طريق التحزب والوراثة لا غير بل إنه سبحانه سوف يهتم بالتقوى والإيمان به وباليوم الآخر فقط باعتبار أنهما حقيقتان لا يمكن للعقل أن يرفضهما.

وأما آية المائدة فإن السورة تتحدث عن العقود المبرمة بين الله تعالى وبين خلقه. وهذه العقود والمواثيق قد تكون طبيعية كما هي في التفريق بين وحدتي الجينات الحاملات لكروموزومات تنطوي على المجموعة الأنثوية من المجموعة التي تنطوي على كروموزومات الجنس الذكري. وقد تكون تشريعية مثل الكتب التي ينزلها الخالق العزيز على مجموعة بشرية في زمان ومكان محددين ليأخذ منهم النماذج ثم يطبق عليهم بقية البشر تحقيقا للقسط الذي وعدنا به يوم القيامة. بالطبع أن هذه المواثيق تكون ملهمة لمن أراد أن يعرف تشريع السماء أيضا. وليس في الكوكب الأرضي أكثر من تشريعين كاملين هما تشريع التوراة وتشريع القرآن. هذان الميثاقان أرسلهما الله تعالى تشريعا للأمتين المعروفتين أيام موسى ومحمد عليهما السلام ثم وافق عليهما بالوكالة عن الأمتين تكوينا باعتباره وكيلا على كل شيء لأنه يملك كل شيء جل جلاله. ويُعتبر هذان التشريعان ملزمين لهما كما يُعتبر تشريعات الملوك العاديين ملزمة لأممهم وكذلك عقودهم التي يبرمونها مع الأجانب ملزمة لشعوبهم أيضا. ووكالتهم عن الأمة أضعف بكثير من وكالة الله تعالى عن الأمة وهو سبحانه قد تولى خلقهم ومنحهم الحياة وتولى رزقهم وتعليمهم وتطويرهم ورعايتهم.

فهو سبحانه وفي هذا المجال يؤكد على اليهود والمسلمين عدم جدوى احتضانهم للتوراة والقرآن يوم القيامة بل العبرة كل العبرة بالتقوى والإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر وعمل الصالحات ليكون العمل تأكيدا على خوفهم الحقيقي من ربهم ومن اللقاء به. كل ذلك للتأكيد على عدالة السماء. فالذين آمنوا وهو تعبير قرآني عن المسلمين الأوائل إن جاء مطلقا، والذين هادوا وهو تعبير قرآني عن بني إسرائيل حين نزول التوراة عليهم؛ هما المقصودان في آية المائدة وليس الباقين. لكنه سبحانه أضاف الباقين إليهم ليقول بأن المواثيق الكاملة أو عدم وجود ميثاق تشريعي لا يمكن أن يؤثر إيجابيا يوم الحساب لصالح من أرسلت إليهم المواثيق. فالواو في”والصابئون” ليس واو عطف بل هو واو استئناف. ومعناها بإذن الله تعالى هو: إن الذين آمنوا والذين هادوا (من آمن بالله…) وهكذا الصابئون والنصارى (من آمن بالله…). ولكنه سبحانه اختصر باعتبار أن رفع الصابئين واضح لعدم وجود العلة في آخره كالنصارى المعتلة الآخر أو الموصول بالذي كالذين هادوا. والسبب في تقديمه الصابئين على النصارى هو أن عناية السورة الكريمة هو في رد النصارى باعتبار شدة غلوهم في نبيهم واعتبارهم إياه شريكا حقيقيا مع الله في منطقهم الثالوثي. بالطبع أن المسيحيين الذين أتوا فيما بعد مثل شهداء اليهوه ورفضوا الثالوث فهم غير مقصودين في الآية لغيابهم الزماني.

وقد ذكر ابن هشام في مغني اللبيب مثالين لواو الاستئناف هما نهاية الآية 282 من سورة البقرة: … وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؛ وكذلك الشعر التالي:

على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى        قضيتَه أن لا يجورَ ويقصدُ.

وأنا أعتبر واو الاستئناف متضمنا معنى العطف أيضا ولعل النحاة أو بعضهم يوافقني في ذلك ولكنه ليس من التوابع اللفظية. فقد عطف الله تعالى إكرامه للناس بالتعليم، على أمره إياهم بالتقوى في الحقيقة. ذلك لأنه سبحانه يُعلِّم الذين اتقوا ولا يُعلِّم الذين لا يتقون طرقَ كسب الرضوان. كما أنه سبحانه في آية المائدة يعطف الصابئين والنصارى على المسلمين واليهود في مسألة إقامة القسط يوم القيامة ولكنهم غير معطوفين عليهم في استلام التشريع الكامل. واستلام التشريع الكامل يمكن أن يكون سببا للشعور بالأفضلية ولكن المسيحيين الذين استلموا تشريعا ناقصا فهم يغلون في نبيهم أضعاف غلو اليهود في موسى كما أن المسلمين الذين غلوا فيما بعد في نبيهم فإن غلوهم لم يصل إلى غلو المسيحيين في المسيح عليه السلام. ويمكن للأخت أن تقرأ السورة بعد بياني هذا وتطمئن من صحة كلامي والعلم عند الله تعالى.

الإشكال الثاني

نصب الفاعل
جاء في ( سورة البقرة 2: 124): ” لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” . وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول: الظالمون .

قال تعالى في سورة البقرة: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124). فكلمة “الظالمين “حسب رأيها فاعل للنيل ويجب أن تكون مرفوعة. والحقيقة أن الإخوة المفسرين الكرام لم يعرفوا معنى الآية مع الأسف. لقد ظنوا بأن إبراهيم سأل ربه أن يعطي عهد الإمامة لذريته والحال أنه سأل ربه أن يجعل ذريته ضمن الناس الذين يؤمهم فقال له الله تعالى بأن إمامة إبراهيم عهد إلهي لا يمكن أن يصل إلى الظالمين. فكل من لم يظلم من ذريته فهو نائل عهد الله وهو مستفيد من إمامة إبراهيم وليس غيرهم. فالظالمين هنا مفعول للنَّيل وليس فاعلا للنيل. ومعنى الجملة لا يصل عهدي إلى الظالمين.

فأما تفسيري لنال بمعنى وصل هو قوله تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94). فتناله أيديكم تعني تصله ايديكم. وهكذا فإن لا ينال عهدي الظالمين يعني لا يصل عهدي الظالمين. فالظالمين مفعول للنيل وليس فاعلا.

وأما ادعائي بأن المقصود هو أن يكون المرء مستفيدا من إمامة إبراهيم هو قوله تعالى في سورة آل عمران: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68). فإبراهيم وحده هو إمام الناس الذين أتوا بعده بمن فيهم الأنبياء. وهو إمامة تشريعية غير تكوينية ولا يوجد في القرآن إمامة تكوينية وهو محض خيال لدى الذين يؤمنون بها.

ومحمد بن عبد الله هو تابع لإبراهيم ويستحق ذلك لأنه ترك عبادة الأصنام في حين كان أفراد عشيرته يعبدونها قبل الإسلام وكثير منهم بعده أيضا. وقد وضح الله تعالى متعلَّق إمامة إبراهيم بعد الآية بأن أمره بتطهير مكة وبنائها كمدينة تستضيف الزائرين من الناس جميعا بغض النظر عن كونهم مؤمنين أو فاسقين. ومكة بيت الله تعالى لا باعتبار العبادة فيها بل باعتبار أنها ورشة عمل رب العالمين. إنه سبحانه طيلة مئات الملايين من السنين خلق وطوَّر فيها الأنعام الثلاثة المشتركةِ حليَّتُها بين اليهود والمسلمين، وخلق فيها الإنسان الأول. والله تعالى يخلق عادة عن طريق التطور لا غير فيأخذ وقتا طويلا. وهو الطريق المناسب لشأنه عز اسمه ولكن الإخوة المفسرين اليوم لا زالوا يقلدون الذين مضوا وهم أقل من هؤلاء علما دون شك.

الإشكال الثالث

تذكير خبر الاسم المؤنث

جاء في (سورة الأعراف 7: 56 ) : ” إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ ” . وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول : قريبة .

قال تعالى في سورة الأعراف: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56). هذا إشكال غريب صدوره ممن درست النحو فقريب صيغة مبالغة على وزن فعيل وهو وفعول يشتركان في التذكير والتأنيث. بمعنى أن الصيغتين يمكن استعمالهما للمذكر والمؤنث معا بدون الحاجة لإضافة علامة التأنيث.

الإشكال الرابع

تأنيث العدد وجمع المعدود

جاء في ( سورة الأعراف 7: 160): ” وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ” . وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول: اثني عشر سبطاً .

قال تعالى في سورة الأعراف: وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160). فكان يجب أن يُذكّر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول: اثني عشر سبطا. كما قالته الأخت الفاضلة أمل.

والحق أن أسباطا هنا ليس تميزا للعدد بل المقدر هو أمة بغض النظر عن تناسلهم الأسري. وقد أشار إليهم سبحانه في نفس الآية حينما استنتج بعد ضرب العصا بأن كل أناس قد علموا مشربهم. والمسألة واضحة بأن الله تعالى يخالف بني إسرائيل في الاهتمام بأولاد يعقوب وكأنهم زهرة الأرض. إنهم يسمون أنفسهم الأسباط باعتبارهم أولاد يعقوب والله يسميهم الأمم باعتبارهم كتلة من الناس اتفق أن كانوا أولاد عم أيضا. والله تعالى يريد أن يستفيد أيضا من بعض المزايا اليهودية لينصح الآخرين بألا يفوتهم هذه المزايا الطيبة ولكن عليهم بألا يختالوا على غيرهم. كقوله تعالى في سورة النساء: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26). والسنن هي سنن اليهود في اختيار الزوج ألا يكون عبدا أو أَمَة. ذلك لأنه سبحانه قبل الآية منع المسلمين من الزواج بالإماء قبل أن يتمكنوا من إعادة الحرية إليهن. ولعل السبب هو أن الأم تمثل العنصر الأساسي للنسل وأهميتها أكثر بكثير من الأب فشعورها بعدم التساوي مع زوجها يؤثر تأثيرا بالغا في تطور النسل، ولا يمكن تجربة التطورات الجينية بسهولة ولكن الله تعالى علَّم المسلمين إلا أنهم مع الأسف اتبعوا شهواتهم ولم يستمعوا إلى إرشادات ربهم.

وقد أشار إليهم مرة أخرى بعد عدة آيات بقوله الكريم: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168). فالتميز في الآية 160 مقدر وهو الأمة. وأصل الجملة احتمالا: وقطعناهم اثنتي عشرة أمة إذ جعلنا كل سبط منهم أمة. إنه سبحانه يذكر قصة تحويلهم إلى أمم وقبولهم لذلك بأنهم تفرقوا في المشارب وهذا يدل على تفككهم الأسري الذي يتبجحون بعكسه أمام الغير. ولكنه سبحانه ينسبهم إلى إسرائيل في أماكن كثيرة كاسم علم يجمعهم ويدل على اهتمامهم بإسرائيل عليه السلام. هو ضرب من المديح كما أنه ضرب من الاحتجاج عليهم بأنهم مع احتفاظهم ببعض أصول التماسك الأسري ولكنهم في الواقع أنانيون في أنفسهم يفضل كل منهم نفسه على الآخرين. فيصير ذما يوضح عقدهم النفسية أيضا. ثم إن الله تعالى لا يمانع أن ينسب أمة أو أمما من البشر إلى أنبيائه الكرام كما ينسب أصحاب النبي وأكثرهم من بني إسماعيل إلى إبراهيم وإسماعيل. ذلك تشجيع لعبيده أن يتأسوا ببعض مزايا آبائهم ولا يتباطئوا في اتباع إيجابياتهم المفيدة. والخلاصة أن أسباطا سوف يكون بعد كل هذا بدلا عن الأمة التي هي تميز العدد وأما أمما فهي بدل عن أسباطا حيث أن الأممية حلت محل السبطية في الواقع فهو بدل الكل من الكل حقيقة. هذان البدلان يوضحان لنا التميز المقصود وهما المقصودان في الحكم والعلم عند الله تعالى.

الإشكال الخامس

جمع الضمير العائد على المثنى

جاء في ( سورة الحج 22: 19) : ” هذا نِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ “. وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول : خصمان اختصما في ربهما

قال تعالى في سورة الحج: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19). والمفروض أن يقول اختصما حسب رأي الأخت أمل.

فلو نعود إلى ما سبقتها من آيات نرى بأن الله تعالى وزع الذين يؤمنون بالله على عدة أصناف وبين لنا بأن الخصام بينهم جميعا حول الله تعالى وليس حول الأنبياء وغير الأنبياء. ثم إنه سبحانه يريد أن يوضح مكان كل مجموعة منهم في الحياة الأبدية فإنه قسمهم إلى كافر وغير كافر. ذلك لأن العبرة هناك بمن يجحد الحقيقة وليس بمن انحدر من أصول مؤمنة أو غير مؤمنة في مقابل الذي يقبل الحقيقة وهما الكافر والمؤمن. وكل مجموعة منهم يمثل فريقا في مقابل الفريق الآخر. إن هدف السورة أن يعزو كل أنواع العداء بين الناس حول الدين إليه سبحانه. ذلك بأن كل مجموعة يشرك من يحبه بربه بشكل من الأشكال. فالخصام حول الله في الواقع وليس حول الأنبياء ولا حول أصحاب المذاهب. والمقصود من كل ذلك أن يتخلصوا من النار بسهولة وأن يدخلوا الجنة من الباب الخلفي كما عبر به أحد إخواني المؤمنين. فهذان يعود إلى الفريقين الجاحد للحقيقة والخاضع للحقيقة. وأما الاختصام فهو بين أفرادهم في الواقع فأصحاب الفريقين بأفرادهم اختصموا مع بعضهم البعض. بالطبع أن فهم الآية يحتاج إلى مقدمات كثيرة غير مألوفة للناس العاديين ولا مجال لذكر كل شيء في هذا المختصر.

الإشكال السادس

أتى باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً 

جاء في ( سورة التوبة 9: 69 ) : ” وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا “. وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين خاضوا 

ذكرت الأخت المحترمة مقطعا من الآية التالية من سورة التوبة وعلقت عليه بأنه كان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين خاضوا.

بالطبع تلك مسألة بسيطة جدا وهي أن المقصود ليسوا هم بل عملهم. فقال سبحانه بما معناه خضتم كخوضهم. فجملة خاضوا مؤولة بمصدر.

الإشكال السابع

جزم الفعل المعطوف على المنصوب
جاء في ( سورة المنافقون 63: 10 ) : ” وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين ” َ وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون

ليس كذلك أختنا الفاضلة. أليس معنى الجملة هي: إن أخرتنِ أصدَّقْ وأكنْ. هي جملة شرطية ولكن الشخص يريد أن يؤكد على ما سيقوم به إن أخره الله تعالى وهو أن يتصدق. فيقول ذاكرا نتيجة تأجيل موته بأنه سوف يتصدق جزما فنتيجة التصدق أن يكون من الصالحين. ولذلك عطف أكن على محل أصدَّق وهو الجزم باعتبار أن محله جواب الشرط.

الإشكال الثامن

 جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً
جاء في ( سورة البقرة 2: 17 ) : ” مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ” . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول: استوقد… ذهب الله بنوره .

قال تعالى: فلما أضاءت ما حوله بمعنى فلما أضاءت النار ما حول الذي استوقد النار. والذين هم حول الذي استوقد النار هم زملاؤه المنافقون الذين قال عنهم الله تعالى: مثلهم. فهم استفادوا من النور فأذهب الله تعالى عنهم النور الذي استفادوا منه. إنه نور الله تعالى باعتبار ملكه ونورهم باعتبار أنهم هم المستفيدون وليس الله تعالى. هذا مثل قوله تعالى في سورة الشعراء على لسان فرعون: قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27). فموسى رسول الله تعالى ولكنه رسولهم باعتبار أنه مرسل إليهم.

الإشكال التاسع

نصب المعطوف على المرفوع
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ
جاء في ( سورة النساء 4: 162 ) : ” لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ  بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ” . وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول : والمقيمون الصلاة .

الآية كما في سورة النساء متحدثة عن أهل الكتاب: لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162). هناك اختلاف كبير بين المفسرين من النحاة وعلماء اللغة حول إعراب هذه الآية. ولي رأي مغاير معهم. فباختصار أقول:

إن حالة المؤمنين في كل ما يأتون به فردي عدا حالتهم في الصلاة فهي حالة جمعية وليست فردية. والحالة غير التوجه الذي يجب أن يكون فرديا بين المؤمن وخالقه ليكسب رضوان ربه. فكل مصل له حالة جمعية وتوجه فردي كما أن كل الآخرين لهم حالة جمعية وتوجه فردي إلى الله تعالى. فيكون الشكل الكامل للآية إعرابيا هكذا: الواو الأولى للبيان طبعا، وأصلها: والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، والواو قبل المقيمين واو عطف على المفاهيم لا على المصاديق. ويكون شكل الجملة: والذين يقفون مع المقيمين الصلاة؛ فالمقيمين مجرور وليس منصوبا. والذين يؤتون الزكاة والذين يؤمنون بالله وباليوم الآخر…

ولنعلم الفرق بين الجملتين: الذين يقفون مع مقيمي الصلاة والذين يقفون مع المقيمين الصلاة. فالأولى تشمل كل من يقيم الصلاة والثانية خاصة تقتصر على الذين أقاموا الصلاة مع رسول الله محمد خاتم النبيين. فـ أل قبل المقيمين للتعريف.

الإشكال العاشر

نصب المضاف إليه

جاء في (سورة هود 11: 10 ) :” وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ” . وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول: بعد ضراءِ

ضراء نحويا مضاف إليه فعلا ولكنها ممنوعة من الصرف باعتبار ألف التأنيث.

الإشكال الحادي عشر


 
أتى بجمع كثرة حيث أريد القلة

جاء في (سورة البقرة 2:) 80 : “ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ” . وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول: أياماً معدودات

الإشكال الثاني عشر

أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة

جاء في ( سورة البقرة 2: 183 و184 ) : ” كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَات ” . وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول: أياماً معدودة.

أوزان جمع القلة والكثرة ليست أوزانا عربية قديمة وإنما هي أوزان احتمالية ظنها النحاة وقالوا بأنها تكون كذلك على الأكثر. فهي ليست قاعدة نحوية. ولعل الأستاذة الفاضلة تعرف بأن النحو بصدد إصلاح أواخر الكلم وليس بصدد وضع الأعداد القياسية.

الإشكال الثالث عشر

الحوار المتمدن – العدد: 2028 – 2007 / 9 / 4

عزيزي القارئ، لنتابع سلسلة الأخطاء النحوية في القرآن، ولكن قبل أن أوضحها يوجد لي اسئلة بحاجة إلى أجوبة عقلانية، إذا كان القرآن قد دون في اللوح المحفوظ منذ آلاف السنين قبل مجيء الرسالة الإسلامية وقبل مجيء النبي محمد لماذا لم ينتبه الله لتلك الأخطاء ولم يصححها قبل أن ينزلها في قرآنه؟! وكيف يخطئ الله في اللغة وهو العالم بكل شيء؟ وكيف يقولون أن الله يعلم بالغيب وهو لم يعرف أن القرآن يحوي أخطاء كثيرة؟إن الأخطاء الحاصلة في القرآن تجعلنا نقف عند نقطة في غاية الأهمية وهي أن هذا الكتاب لم يكن تحت رقابة إلهية! وإلا فلماذا وجدت تلك الهفوات إذا كان القرآن تحت الرعاية الإلهية وتحت وصايته الخاصة؟ 

لم يقل الله تعالى بأن القرآن المنزل على الرسول محمد عليه السلام هو في اللوح المحفوظ قبل آلاف السنين. اقوال المفسرين ليست حجة على القرآن فهم بشر يكتبون ما يبدو لهم. واللوح في اللغة العربية يعني ما يُكتب فيه كما يقول علماء اللغة. وأما تعليقات السيدة الفاضلة فمن حقها لأنها ظنت فعلا بأن القرآن ينطوي على أخطاء. نتمنى من ربنا أن يغفر لنا جميعا.

الإشكال الرابع عشر

جمع اسم علم حيث يجب إفراده
جاء في : ” سورة الصافات 37: 123-132 ” : ” وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ… سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ … إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين ” . فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد؟ فمن الخطالغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّفوجاء في (سورة التين 95: 1-3 ) : ” وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِين “ِ . فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء؟ فمن الخط الغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف

أظن بأن الكاتبة العزيزة بحاجة إلى أن يراجع الشعر والنثر العربي القديم ثم يتحدث عن السجع المتكلف. ونحن لا نعرف المقصود من إلياسين في الواقع لأننا لا نعرف الرسول إلياس عليه السلام. ولكن هذا ليس إشكالا علميا. وأما طور سينين فهو غير طور سيناء. طور سيناء هو الجبل الذي كلم الله تعالى فيه موسى عليه السلام. وطور سينين كما نحتمل هو المكان المسور بالعنب احتمالا حيث نقل الله تعالى آدم وحواء إليها ليبعدهما عن الحيوانات الموجودة في مسقط رأسهما مكة. المقصود ألا يطلعا على الحركات الجنسية قبل أن ينضجا. والعلم عند المولى عز اسمه.

الإشكال الخامس عشر

أتى باسم الفاعل بدل المصدر 
جاء في (سورة البقرة 2: 17 )  ” لَيْسَ َالبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ“. والصواب أن يُقال: ولكن البر أن تؤمنوا بالله لأن البر هو الإيمان لا المؤمن. 

الآية عامة تشمل معنى البر ومصاديقه ولذلك اهتم ربنا بأن ننظر إلى ما يقوم به المؤمنون الصادقون من أعمال خيرية فهم نماذج لغيرهم أيضا. فهناك مقدر في الآية وهي (بِرُّ). بمعنى ولكن البر بر من آمن بالله. ودأب القرآن الاختصار لأن العرب في الماضي كانوا يختصرون ولذلك اكتفى بقوله أن تؤمنوا. وهناك مسألة أخرى وهي أن البر عند الله تعالى لا يقتصر على العقيدة والإيمان بل يجب أن يقترن بالعمل أيضا. فالآية بالشكل الذي نراه أكثر عمقا من الشكل الذي تصورته الأخت الكريمة كما أحتمل.

الإشكال السادس عشر

نصب المعطوف على المرفوع
جاء في (سورة البقرة 2: 177): ” وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ “. وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول: والموفون… والصابرون

أظن بأن الأخت الفاضلة لم تسع جاهدة لفهم معنى هذه الآية التي يصعب فهمها فعلا. ولذلك أتت بإشكال غير وارد برأيي المتواضع. العرب كانوا يغيرون حركة آخر الكلمة حين المدح أو الذم أو حينما يريدون المزيد من التأكيد. هناك صناديد عربية حضروا الرسالة المجيدة ورأوا وسمعوا هذه الآيات ولم يعترضوا كما أن هناك مسيحيون غير موافقين مع سماوية القرآن وقد كتبوا كتبا نحوية واستشهدوا بالقرآن الكريم ولم يعترضوا. الصابرين مفتوحة لبيان المزيد من المدح لهم. وهناك في ميراثنا الشعري ما يشابه ذلك وأقدم شعرا مماثلا نقله الطبرسي للفراء:

إلى الملِك القَرْمِ وابن الهِمام      وليثَ الكتيبةِ في المُزدَحَم

وذا الرَّأي حين تَغُمُّ الأمور        بذاتِ الصَّليلِ وذاتِ اللُّجُم

فنصب ليثَ الكتيبة وذا الرَّأي على المدح. وحتى لا يظن أحدٌ الخطأ فإن الهِمام بالكسر هو جمع الهُمام بمعنى الشجاع.

وهذا الشعر لذي الرمة:

لقد حملت قيسُ بن عَيلانَ حربَها        على مُستقِلٍّ للنوائبِ والحَربِ

أخاها إذا كانت غِضاباً سما لها         على كلِّ حالٍ من ذَلولٍ ومن صعبِ

فنصب الشاعر أخاها على المدح.

وهناك نصب على الذم كقوله تعالى: وامرأتُه حمّالةَ الحطب. وقال البعض بأن حمالةَ منصوب على الفعل. أو قوله تعالى في سورة الأحزاب: لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61). فملعونين منصوب على الذم كما يقول الكثير من النحاة. وهناك أشعار عربية أيضا منصوبة على الذم مثل شعر عروة بن الورد:

سقوني الخمر ثم تكنفوني     عداةَ الله من كذب وزور

فأظن بأن الأخت الفاضلة لم تلاحظ كل فروع النحو العربي بدقة أو لم تطلع على فقه النحو. 

الإشكال السابع عشر

وضع الفعل المضارع بدل الماضي

جاء في : ” سورة آل عمران 3: 59) : ” إنّ مثَل عيسى عند الله كمثَل آدمَ خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون ” . وكان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول :قال له كن فكان .

ليس الأمر كذلك. كن فيكون بمعنى أن الله تعالى حينما يأمر بحصول أمر فإن أمره سبحانه يجعل المأمور يبدأ بالتجاوب. فأمره سريع ولكن تجاوب المأمور تابع لنظام الطبيعة. فهل كان خلق آدم عبارة عن كلمة قالها الله تعالى فجاء آدم إلى الوجود، أم أن خلق أول إنسان مر على مراحل تطورية كبيرة خلال مئات الملايين من السنين؟ وذلك مشار إليه في القرآن أيضا. قال تعالى في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9). فالآيات الكريمة تشير إلى أن الله تعالى أراد أن يطور نبتة من البداية لتصير إنسانا في النهاية فهو سبحانه بدأ خلق الإنسان من طين ولم يخلقه فورا من طين.

الإشكال الثامن عشر

لم يأت بجواب لمّا 
جاء في ( سورة يوسف 12: 15 ) : ” فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ” . فأين جواب لمّا؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى 

هناك في الشعر العربي الكثير مما يكون جواب لما فيه مقدرا مثل شعري امرئ القيس هاذين:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى     بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل

هصرت بفودي رأسها فتمايلت     علي هضيم الكشح ريّا المخلخل

غالبية شارحي المعلقات لا يعتبرون الشعر الثاني جوابا لـ فلما. ولا داعي لذكر السبب هنا فسوف يطول وتملون. إنهم يعتبرون جواب لما مقدرا، تقديره طاب حالنا أو استقر بنا المقام أو أمنا عيون الناس وما شابه ذلك.

وأما آية يوسف فلا يمكن أن يكون وأوحينا إليه جوابا لـ فلما ذهبوا به؛ إذ لا علاقة للوحي بحكاية ذهاب الإخوة بيوسف وإجماعهم على جعله في غيابة الجب. والواقع أن الإشكال أكبر مما جاء في بالها. فاسمحوا لي بأن أوضح الموضوع وباختصار شديد.

حتى نقرأ الآية بتحليل واضح ننظر إليها هكذا:

فلما ذهبوا به

ولما أجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب

ولما أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا.

الجواب المقدر هو كما أظن والعلم عند المولى: علم يوسف بأن حلمه بدأ يتحقق وما حصل هو مقدمات تحقق الحلم. لو لم نقدر الجواب فإن القضايا الثلاث تبقى بلا فائدة. لو لم يكن هناك جواب مقدر غير موجود في الجملة لقال سبحانه مخبرا:

ذهبوا به

وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب

وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون.

لكن الله تعالى عادة ما لا يُخبرنا بشيء لا جدوى منه إلا لتكميل القصة مثلا كما يفعل كتاب الروايات. والقصة على كل حال ناقصة روائيا لأن تكميل القصة أكثر من ذلك يُخرج القرآن من حالته السماوية ويتحول إلى كتاب روائي. وقد يكون فائدة ذكر الوقائع الثلاث هي أن يبلغنا سبحانه بأن يوسف على أنه وأباه فسرا الرؤيا ولكنه لم يكن ليعرف متى تبدأ فعلية ما احتملاه. بتلك الحكايات الثلاث علم يوسف بأن تفسيرهما كان صحيحا وبأن المسيرة بدأت فعلا.

الإشكال التاسع عشر

أتى بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى
جاء في (سورة الفتح 48: 8 و9 ) : ” إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ” . وهنا ترى اضطراباً في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد إلى خطاب غيره. ولأن الضمير المنصوب في قوله تعزّروه وتوقروه عائد على الرسول المذكور آخراً وفي قوله تسبحوه عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى. وليس في اللفظ ما يعينه تعييناً يزيل اللبس. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط. وإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الله يكون كفراً، لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه!!

كلا، أختنا الكريمة وزملاؤها الكرام. كلامكم بأن الله تعالى لا يحتاج إلى من يعزره ويقويه صحيح ولكن المقصود ليس ذلك. المقصود من هذه النشأة العظيمة أن يختبر الله تعالى الكائنات المدركة المختارة في كل أرجاء الكون. ليس لحاجة منه إلى الخلق ولا إلى عبادة الخلق. لكن هذا شأن الله تعالى أن يعبده بعض الكائنات ليفيض عليهم من كرمه باستحقاق. والعبادة بمعنى إظهار مظاهر العبادة مثل الطاعة والحب والشكر باختيار وليس بإجبار. فالملائكة لا تعبد الله تعالى لأن كل ما تفعله ناجم عن طبيعتها وليس عن إرادة تريدها واختيار تختاره. لكن الملائكة لا تستنكف عن عبادة الله تعالى لو أن الله منحها الاختيار والإرادة كما منحنا. ولذلك سمى عبادتنا له وهي الخضوع الاختياري بلاء واختبارا في الحياة الدنيا. ولكننا حينما نموت فإن مؤمننا وكافرنا سوف يخضع لله تعالى جبرا كما هو عليه الملائكة المكرمون وكما هو عليه الكون كله بكراته الغازية والصلبة وبهوائه وفضائه وكل ما هنالك من مادة في الكون المهيب.

وأما فهمنا للآية فإنه تعالى خاطب الرسول بالجملة الأولى وخاطب الرسول ومن كان حاضرا وقته بالجملة الثانية. فيكون المعنى هكذا:

إنا أرسلناك يا محمد شاهدا ومبشرا ونذيرا.

لتؤمنوا أنت وقومك بالله ورسوله وتعزروا الله وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا.

وقد وضح سبحانه بعدها بأن الذين يبايعون الرسول فهم يبايعون الله ولا يبايعون شخص محمد. فلنقرأ الآيات الثلاث كما ظهر في القرآن: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10).

إن محمدا هو رسول الله تعالى إلى نفسه وإلى غيره. إن من واجبه أن يؤمن بأن محمدا رسول الله ويقول ذلك في الأذان والتشهد كما يقول غيره. ولا يمكننا أن نتصور بأن الذين يبايعون شخص محمد إنما يبايعون الله إلا إذا فصلنا بين شخص محمد وشخص رسول الله. بمعنى أن نعتبر حالة محمد حين استلام الوحي وإبلاغه مغايرة لحالته العادية. وبما أنه عليه السلام لم يكن سفيرا لله تعالى بل كان رسولا إلى قومه ولكنه كان يعمل بنفسه بالرسالة كما يعمل به المؤمنون من قومه. فيد الله تعالى فوق يدي محمد وقومه معا لو أنهم جميعا بايعوه على الرسالة. ولذلك كان محمد عليه السلام يصلي ويصوم ويحج ويدفع الزكاة مثل باقي الناس. قال تعالى في سورة الأنعام: قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14) قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15).

الإشكال العشرون

نوَّن الممنوع من الصرف
جاء في ( سورة الإنسان 76: 15 ) : “وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ” بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟ إنها على وزن مصابيح
وجاء في ( سورة الإنسان 76: 4 ) : “إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً ” . فلماذا قال سلاسلاً بالتنوين مع أنها لا تُنوَّن لامتناعها من الصرف؟ 

أظن بأن هناك إشكالا في النقل، فلم يقل ربنا قواريراً ولم يقل سبحانه سلاسلاً. بالطبع أنني ما اطلعت على كل طبعات القرآن الكريم في الكرة الأرضية ولكن القراءة المعروفة التي أشهرها الله تعالى احتمالا في الأرض ويُطبع منها عشرات بل مئات الملايين من النسخ سنويا وهو قراءة حفص عن عاصم لم نجد فيها التنوين. فمعذرة، أظن بأن هناك تسرعا من الإخوة والأخوات في النقل.

الإشكال الحادي والعشرون

تذكير خبر الاسم المؤنث 
جاء في ( سورة الشورى 42: 17 ) : ” اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ” . فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول: قريبة؟

هذا الإشكال شبيه بالإشكال الثالث أعلاه ودعني أضيف هنا الأوزان النحوية التي يستوي فيها المذكر والمؤنث وهن صيغ المبالغة كما كتب بعض النحاة طبعا وهن:

فعول: صيغة مبالغة بمعنى فاعل.

فعيل: صيغة مبالغة بمعنى مفعول وتأتي أحيانا بمعنى فاعل.

مفعل ومفعلة: بكسر الميم وهما اسما آلة أيضا.

مفعال: بكسر الميم وهي اسم آلة أيضا.

فعّال؛ فَعول؛ فَعِل؛ فِعِّيل؛ فُعَلة؛ فاعول بالإضافة إلى أوزان قليلة أخرى. وأظن بأن مجمع اللغة العربية هي التي حددت صيغ المبالغة ولذلك نراها أكثر مما درسناها في الكتب النحوية القديمة.

كما أرجو من الأخت الكريمة الانتباه إلى أن الحروف المشبهة بالفعل لا علاقة لها بالتوابع. فليس من الضروري أن يتبع الخبر اسم إن وأخواتها. فلا نحتاج أن نعتبر الآية التالية من سورة النور خطأ والعياذ بالله: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11). فلا ضرورة في أن نقول إن التي جاءت بالإفك لتتساوى مع العصبة أو نغير العصبة مثلا بكلمة فاسدون.

الإشكال الثاني والعشرون

أتى بتوضيح الواضح 
جاء في (سورة البقرة 2: 196) : ” فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ ” . فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيا لإيضاح الواضح، لأنه من يظن العشرة تسعة؟

لنقرأ الآية بالكامل بداية وهي: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)من الواضح أن الكفارة هنا هي عشرة أيام من الصيام بدلا عن الهدي. فلنفترض بأن شخصا أراد أن يصوم الأيام العشرة كلها في مكة فهو مصيب طبعا ولا إشكال في عمله. ولكن لو كان أهله بعيدين عن مكة أو هو مضطر للسفر مع القافلة أو لديه تذكرة طائرة فيجوز له أن يؤخر صيام سبعة أيام من العشرة حتى يصل إلى منزله أو إلى مكان آخر خارج مكة. هناك يجوز له التأخير لو كان يعيش أهله فعلا خارج منطقة المسجد الحرام. فلزم بأن يؤكد سبحانه بأن مثل ذلك الشخص يجوز له تأخير سبعة أيام من الصيام ويتقبل الله تعالى مجموع ذلك بدل صيام عشرة أيام في الحج.

الإشكال الثالث والعشرون

أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل

جاء في ( سورة الأنبياء 21: 3 ) : “وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا ” . مع حذف ضمير الفاعل في أسرّوا لوجود الفاعل ظاهراً وهو الذين . 

من الضروري أن نقرأ الآيات الثلاث من بداية سورة الأنبياء لنتعرف على مراجع الضمائر: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3).

السور القرآنية مترابطة والناس ليسوا جميعا في غفلة معرضين. فالحديث عن مجموعة من الناس وأظن بأنهم هم الذين ذكرهم الله تعالى في نهاية السورة السابقة طه. وتعلمون بأن لكل سورة خواصها والمواضيع الموجودة فيها تناسب أهداف السورة وخواصها. فالذين قالوا لولا أرسلت إلينا رسولا هاديا المذكورين في الآية 134 من سورة طه هم نفسهم المعرضون وهم نفسهم الذين وصفهم الله تعالى في الآيات الثلاث مع الآيتين الرابعة والخامسة من سورة الأنبياء.

فهم لاهية قلوبهم بمعنى أنهم يلعبون بقلوبهم حينما يحضرون مجلس رسول الله. إنهم يحضرون مجالس الرسول ليتصيدوا أخطاء ثم يُضللوا المغفلين. فالذين ظلموا مفعول لـ أسروا النجوى. هؤلاء هم رجال دين المشركين أو رجال دين مجموعات أخرى من مخالفي الرسالة المجيدة والعلم عند الله تعالى. فيمكن أن نقرأ مقطع الآية الثالثة المتنازع عليها هكذا: وأسر الذين كانت قلوبهم لاهية (فاعل)، الذين ظلموا (مفعول وهم غير الذين حضروا الرسالة لاهية قلوبهم). ما ذا قال المضللون للذين ظلموا:

هَلْ هَذَا إِلاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5).

الإشكال الرابع والعشرون


الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل إتمام المعنى 
جاء في ( سورة يونس 10: 21 ) : ” حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ” . فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصحّ أنيستمر على خطاب المخاطب

أختنا الفاضلة: هذه من فنون البلاغة طبعا ولا علاقة لها بالنحو. لقد ذكر علماء البلاغة وبعض المفسرين السبب في الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وهو كثير في كلام العرب وحتى في كلام الفرس والإنجليز بقدر علمي المتواضع. واسمحي لي بأن أذكر الآية الكريمة والتي بعدها ليتبين سبب الالتفات: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23).

قالوا بأن السبب هنا هو أن الذين يدخلون الفلك هم كل الناس مؤمنين وفاسقين ولكن الذين ينسون الله تعالى إلا إذا أحيط بهم هم الفاسقون من الناس ولا سيما لو كانوا في البحر فإنهم يلوذون هناك بربهم. فالآيتان فيما تلا المقطع الأول من الآية 22 فإنهما تتحدثان عن الفاسقين دون المؤمنين. فكأنه تعالى يخاطب المؤمنين والفاسقين ليخبرهم جميعا عن أحوال الفاسقين. ولعله سبحانه يريد أن يوضح للجميع معايب الابتعاد عن الله تعالى عندما لا يشعر الإنسان الحاجة إلى ربه، معاذ الله.

الإشكال الخامس والعشرون

أتى بضمير المفرد للعائد على المثنى 
جاء في (سورة التوبة 9: 62 ) : ” وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ” . فلماذا لم يثنّ الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول: أن يرضوهما.

لأن الرسول هنا ليس أصيلا بل هو ناقل لكلام ربه فقط. إن الله أحق أن نرضيه لأنه الذي يساعدنا والرسول أحق بأن نرضي الله تعالى أمامه لأنه سوف يشعر بأن رسالته أضحت مفيدة وبأنه عليه السلام بلغ هدفه. ولو قال سبحانه: يرضوهما؛ فسوف يعني بأن هناك فرق بين أمر الله وأمر رسوله. ولا فرق بينهما ولا سيما حينما يوزع الرسول بعض الغنائم المخصصة صرفها بأمر خاص من الله تعالى وهو مورد الآية كما أظن.

الإشكال السادس والعشرون

أتى باسم جمع بدل المثنى
جاء في ( سورة التحريم 66: 4 ) : ” إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ” . والخطاب (كما يقول البيضاوي). موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟

بالطبع إشكالكِ وارد ولا ألوم الذين لم يتمكنوا من فهم السبب. وأما الموجه إليهما الخطاب فأنا لا أعرف شيئا عنهما لأنهما غير مذكورين في القرآن.

النفس الإنسانية كما أعرفها من القرآن الكريم وليس من خارج القرآن عبارة عن ثلاثة كرات طاقوية (غير مادية). الكرة الأصلية تسمى القلب وهي في مركز النفس وهي التي تقوم بالمعالجات. مثالها مثال مركز الكمبيوتر المعرف بـ (CPU)وهي مختصر (Central Processing Unit). والكرة الثانية المحيطة بالقلب هي المعروفة بالفؤاد. وظيفة الفؤاد هي أن ينقل المعلومات من الصدر النفسي ومن الخارج إلى القلب النفسي ليساعد القلب بما يحتاج إليه من معلومات ليقوم بالمعالجات. وأما الصدر النفسي فهو كرة كبيرة تحيط بالفؤاد وه لا يقوم بعمل لكنه يحتفظ بالمعلومات التي تخزن فيها طيلة عمر الإنسان.

فنحن محرومون من الاتصال السريع متى ما شئنا بالصدر النفسي بل نتصل بخلايا المخ التي تحتفظ بكل مذكراتنا. الصدر النفسي أقوى بكثير من المخ وهو نفسه الذي يسميه البعض لا شعوريا بالحس السادس. هذا الحس السادس يمكنه أن يساعدك بالمعلومات التي تُمكِّنك من أخذ القرار السريع عند الحوادث. هناك محاسبات كثيرة لا يمكن للمخ أن يقوم بها بنفس سرعة النفس. هذه الكرات الثلاثة هي التي لا تموت أبدا وتبقى معنا إلى يوم القيامة وإلى الأبد. ولولاها لما كانت محاكمتنا ممكنة يوم الحساب. سنقول لربنا حينما يسألنا: لا نتذكر شيئا لأن معلوماتنا كانت مخزنة في خلايا المخ التي اندثرت واستحالت مادة أخرى وخسرت كل معلوماتها بعد الموت والتلاشي في القبور الدنيوية.

الآية الكريمة تشير إلى القلب والفؤاد معا فتصير المجموع أربعة. لقد سمت الفؤاد قلبا لأنها هي أيضا في وسط الصدر النفسي فهي في قلب الصدر كما أن القلب نفسه في قلب الفؤاد. وأما السبب في أنه تعالى قال: صغت قلوبكما ولم يقل صغت قلباكما بمعنى القلبين النفسيين لهما فقط فهو كما أظن بأن الفؤاد كرة حساسة جدا وهي التي تتأثر فتنقل المعلومات مع تأثراتها إلى القلب للمعالجة. لنلاحظ قوله تعالى في سورة القصص: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10). ذلك لأن حساسية الفؤاد أكثر بكثير من القلب والصدر فهو الذي يرتبط بكل مكان لجمع المعلومات. رأت أم موسى بأن فؤادها لا يبلغها أية معلومة ولذلك قال تعالى بعدها: وَقَالَتْ ِلأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11). فأرسلت ابنتها لتبحث عن موسى وتأتيها بخبر يريحها.

أو قوله تعالى في سورة النجم: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11). بعد أن نقل الله تعالى رسولنا إلى المسجد الأقصى ليوحي إليه وحيا مباشرا فيطمئن قلبه الشريف فإنه سبحانه ينقل لنا الحكاية بأن الذي رأى الآيات هو فؤاده وليس عضوا ماديا في كيانه. الفؤاد هو العضو النفسي المسؤول عن نقل المعلومات وهو في غاية الحساسية. فهو يسمع ويرى وينقل المعلومات والمعارف إلى القلب النفسي أو إلى الصدر. أو قوله تعالى في سورة هود: وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120). لأن العضو النفسي الذي يتأثر هو العضو الذي يرتبط بخارج النفس وبما في الصدر فهو شديد الحساسية ويحتاج إلى أن يطمئن ومعنى اطمئنان النفس هو اطمئنان الفؤاد ومن بعده القلب. والعلم عند الله تعالى.

الإشكال السابع والعشرون

خطـــــــــــأ آخر فى القرآن ” طفل أم أطفال ” 
سورة النور آية 31 ” وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” 

تفسير الجلالين : “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن” عما لا يحل لهن نظره “ويحفظن فروجهن” عما لا يحل لهن فعله بها “ولا يبدين” يظهرن “زينتهن إلا ما ظهر منها” وهو الوجهوالكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين والثاني يحرم لأنه مظنة الفتنة ورجح حسما للباب “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” أي يسترن الرءوس والأعناق والصدور بالمقانع “ولا يبدين زينتهن” الخفية وهي ما عدا الوجه والكفين “إلا لبعولتهن” جمع بعل : أي زوج “أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بنيأخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن” فيجوز لهم نظره إلا ما بين السرة والركبة فيحرم نظره لغير الأزواج وخرج بنسائهن الكافرات فلا يجوز للمسلمات الكشف لهن وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد “أو التابعين” في فضول الطعام “غير” بالجر صفة والنصب استثناء “أولي الإربة” أصحاب الحاجة إلى النساء “من الرجال” بأن لم ينتشر ذكر كل “أو الطفل” بمعنى الأطفال “الذين لم يظهروا” يطلعوا “على عورات النساء” للجماع فيجوز أن يبدين لهم ما عدا ما بين السرة والركبة “ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن” من خلخال يتقعقع “وتوبوا إلى الله جميعاأيها المؤمنون” مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره “لعلكم تفلحون” تنجون من ذلك لقبول التوبة منه وفي الآية تغليب الذكور على الإناث 

أما آية سورة النور فهي واضحة ولكن أختنا الكريمة لم تنتبه فقط. قال تعالى ضمن الآية التي ذكرتها أختنا بالكامل:.. أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء... فما ملكت أيمانهن والتابعين البعيدين عن الشهوات النسائية مثل الخصيان وجنس الطفل بغض النظر عن العدد ولكن بشرط ألا يكونوا قد ظهروا على عورات النساء. هكذا يخرج بها ربنا الأطفال الذين مارسوا الشهوات في الطفولة بأي شكل وكذلك العبيد أو الخصيان أو أي رجل آخر شريطة أن لا يعرفوا شيئا عن عورات النساء. بمعنى أن الذين كانوا قادرين ثم أصابهم ما قطع شهواتهم ممنوعون من الاطلاع على زينة المرأة. والآية ليست عن الحجاب كما ظنوا بل الحجاب جزء بسيط منها ولا مجال لبيانها هنا.

مع أجمل التحيات للأخت أمل عبد الله ولكل زملائها ولكل من يطلع على هذا ومع الاعتذار المجدد عن نسياني القيام بالرد في وقته.

أحمد المُهري

28/3/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.