المؤمنة كاترين 10 – مفاجأة سارة 1

Happy and smiling pretty young girl with glasses, writing diary on her working desk. Vector illustration character, cartoon, outline, thin art line, linear, hand drawn sketch design, simple style.

المؤمنة كاترين

المقطع العاشر

مفاجأة سارّة (1)

همت الفتاتان كاترين وماري للعودة من البلاج نحو سيارة كاترين ولكن كاترين التفتت إلى أن زميلها السيد علوي جالس مع طفلين في زاوية بعيدة على البلاج وهو وإياهما يتطلعون إلى البحر. رق قلبها لما تعرفه من أمر هذين الطفلين البريئين فنبهت صديقتها الجديدة إلى وجود زميلها وذهبتا سوية لإلقاء التحية على علوي.

كاترين:

السلام عليك يا علوي، ماذا تفعل هنا؟

علوي: 

وعليك السلام يا كاترين، أروض إبنيّ هذين في الحدائق والشواطئ بكل عطلة لينسيا أحزانهما في مفارقة أمهما رحمها الله.

تألمت كاترين ولم تمتلك دموعها التي سالت قطرة بعد قطرة على قسمات وجهها كقطرات الندى على ورود الفلق في أصباح الربيع، فكل مؤمن ومؤمنة لا يتحمل رؤية الطفل اليتيم دون أن يضطرب قلبه ويرق فؤاده. حاولت الزميلة أن  تتكلم ولكن بصعوبة:

كاترين:

هل لنا أن نأخذ هذين الريحانين معنا إلى البيت فلعلي أنا وماري نخفف عنهما ونسعفهما بما نشاء من الحنان الأنثوي. إن ابنيك هما كابنينا ونحن أقدر منك بتمثيل دور الأم؟

علوي:

ولم لا؟ فأنا أثق فيك كما كنت أثق في حبيبتي التي اختارت جوار الله.

كاترين:

شكرا.. وهمت لتأخذ الطفلين، لكنهما تسابقا على أحضان كاترين التي سرت كثيرا وأعجبت بأدبهما كما أعجبت بأدب مربيهما علوي.

ماري هي الأخرى عرفت قصة هذين البريئين فشاركت كاترين في الحزن والفرح وفي البكاء والضحك.

علوي:

شكرا كاترين هداك الله وإيانا، ولسوف آتيك مع مغيب الشمس لآخذهما.

كاترين:

ليتك تتعشى معنا فماري معزومة عندي على العشاء وهذان الطفلان سوف يتهنآ كثيرا إذا أكلا معك، عن إذن ماري طبعا.

ماري:  

يسعدني التعرف على زميلك في العمل وأتمنى مشاركته معنا ومع هذين الضيفين البهيين. أنا واثقة بأنهما سيملآن يومنا هذا بهجة وحبا.

علوي: (لم ير بدا من الموافقة فأجاب وهو يمسح خده الذي تندى من الخجل):

شكرا كاترين وماري وأنا معجب جدا بكما وأتشرف بأن أشارككما الأكل مع  ولديّ.

انفرد علوي في سيارته وخرجت كاترين ومعها ماري وزيد ولبيد من البلاجات باتجاه شارع فهد السالم. تنهدت كاترين بعد أن جلست خلف مقعد السياقة وقالت في نفسها: حرام على علوي أن يعيش فريدا. إنني أشعر بأنه أحب الناس إلي فهو لي أكثر من رئيس عمل. ليتني كنت معه أواسيه وأخفف عنه وعن ولديه الطيبين. دخلت كاترين في أفكار غريبة قلما فكرت فيها من قبل. فهي مجتهدة في وظيفة البنك ولكنها غير مهتمة بالحب وبالعلاقات الثنائية. حاولت أن تسيطر على أفكارها ولكنها ترسخت في ذهنها فكأنها شعاع علوي استولى على قلبها فلم تتمكن من تناسيها.

ماري الغربية فكرت أيضا بأن من خير كاترين وعلوي أن يعيشا معا ويتعاونا في حياة مشتركة أكثر بهاء وحسنا من العمل. وهي كسائر الغربيات لم تخف أفكارها على صديقتها فقالت لها بكل أدب:

ماري: 

كاترين، لماذا لا تحبين علوي؟

كاترين: (دون التفات)

وكيف لا أحبه؟ ثم انتبهت فأعقبت ذلك: إنه زميلي في العمل وهو الذي علمني الكثير طيلة الأيام التي قضيناها معا في البنك. إنه شاب وسيم ورقيق ومؤدب وليس في البنك من لا يحبه.

ماري: 

أقصد حبا خاصا أجمل من الحب العام يا كاترين، فهو يستحق منك حنانا واقترابا أشد مما أنتما عليه الآن. ثم إلى متى تستأنسين بالوحدة وقد كبر سنك وجاوزت الأربعين. سوف يذبل هذا الوجه إذا انعزلت عن الناس أكثر من ذلك. إن الله منحك الجمال وأنت لا ترينه ولكن غيرك الذي يراه فلماذا تحرمينه من بشرتك ونعومتك.

كاترين:

أشكرك على اهتمامك بي وبعلوي ولكن ….

ماري: 

ولكن ماذا؟ يا كاترين، تكلمي وردي علي دون أن تشعري بأي حرج.

كاترين:

على أي حال فهو مسلم وأنا مسيحية.

ماري: 

وما المانع؟ أليس الله هو الذي يقول في قرآن المسلمين، سورة المائدة:5  “اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان”.

كاترين:

أما قرأت الآية 10 من سورة الممتحنة التي يقول فيها: “ولا تأخذوا بعصم الكوافر”، فلعل المقصود من الحل هنا هو المتعة أو الزواج المؤقت الذي يختص بالأزمنة الحرجة مثل الحروب وليس النكاح  الدائم. والذي يقوي هذا الاحتمال هو أن الله سمى المهر هنا أجرا وليس صداقا كما في آية الزواج.

ماري: 

إنك مخطئة فإن الله يقول للنبي محمد في آية أخرى في سورة الأحزاب:50  “يا أيها النبي إنّا  أحللنا لك أزواجك اللائي آتيت أجورهن”. فالأجر يعني المهر ويقول في  آية أخرى في نكاح المؤمنات من نساء الكفار في نفس الآية 10 من سورة الممتحنة “ولا جُناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن”. ثم الكوافر ليسوا هم المسيحيين. نحن نؤمن بالله وحده ولا نشرك به شيئا. ليس كل المسيحيين يعتقدون بالثالوث، فالموحدون منهم يعتقدون بأن المسيح وأمه عبدان لله وليس المسيح شريكا له تعالى كما أن الروح القدس ليس شريكا له. إن المسيح هو الذي كان يدعو الله فهل يدعو الشخص شريكه ويلتمس منه الاستجابة؟

كاترين:

صحيح ما تقولينه يا ماري العزيزة، وقد قال ذلك شارلز راسل من قبلك أيضا. ولكن شهداء اليهوه  من أتباع شارلز راسل يقولون بأن الله خلق المسيح والمسيح هو الذي خلق الكون فهذا شرك والله يقول في سورة البقرة :221 “ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم”. ومن الخير لنا أن نناقش أستاذا عارفا بمسائل الإسلام وبخفايا القرآن العظيم.

ماري:

على كل حال فإنني مسيحية ولا أؤمن بأن المسيح خُلِقَ قبل ميلاده بل هو إنسان مثل بقية الناس إلا أنه بلا أب بمشيئة الله تعالى.

كاترين:

ما تقولينه هو المسيحية التي انقرضت بعد نبينا عيسى، أما اليوم فهناك مذاهب مسيحية معروفة والمسيحي من يعتنق إحداها. لعل الذين أباح الله الزواج بهن من المسيحيات في الآية التي قرأناها هن أمثالك أنت. مثلك خير لها أن تسلم وتترك المسيحية. ولعلهن أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد ولذلك أضاف الله كلمة (من قبل) بعد (أوتوا الكتاب). على كل حال فإنك تفتحين أمامي نوافذ جديدة من العلم القرآني وأنا متعجبة من إصرارك على البقاء على دين آبائك.

ماري: 

إنني صححت الكثير من معتقداتي وأرى نفسي أحيانا أشك في أنني مسيحية أم مسلمة. حتى أنني أهيم أحيانا للدخول إلى المسجد والصلاة خلف إمام المسلمين. لقلما يفوتني صلاة جمعة دون أن أستمع إلى الخطبة ولو من الإذاعة. وما تدري لعل الله يهديني وإياك يوما لاختيار الدين الصحيح.

كاترين:

لقد اقتربنا من البيت، ودعني أقول لك بأنني أنا مثلك شاكة في ديني، ولكنني مهتمة بالكشف عن أخطاء آبائي ومستعدة لقبول الحق أينما كان. لازلت أبحث عن الحقيقة في كل مكان وعلوي يساعدني كثيرا كما أن العم محمود التمار أيضا يفيض علي من علمه الكثير الوفر. وقد فكرت في مشكلة صديقتك المطلقة ولسوف أعرض المسألة على العم محمود لعله يفك العقدة.

ماري: 

ومن هو العم محمود يا كاترين؟

وصلت السيارة للبيت فنزلتا وحملتا الطفلين الذين أصرا على المشي بمعيتهما والصعود إلى شقة كاترين. دخل الطفلان بيتا منظما ونظيفا وتذكرا أمهما التي كانت تهتم كثيرا بأناقة البيت وسلامة الزوج والأطفال. قال أكبرهما وهو في سن الخامسة:

يا ماما لماذا لا تأتين إلى بيتنا وتساعدين البابا على تنظيف البيت. لقد تغير البيت منذ أن توفت أمنا ونحن صغار غير قادرين على تنظيف الشبابيك أو الطبخ أو غسل المناشف كل يوم وبابا يقضي أكثر وقته في البنك؟

تهيجت كاترين وبكت داخل قلبها حينما تعرفت على بعض مشاكل علوي الداخلية وأحست بما يعانيه الصبيان. لقد تحملت الكثير للامتناع عن العويل وإظهار البسمة أمام الطفلين الذين فقدا أمهما. فكرت كثيرا فيما تجيب به هذا الطفل البريء الذي لا يقصد شيئا غير ما يقوله. إنه لا يعرف المداهنة والمراءاة ولا يدين بغير الصدق. توقفت كاترين عدة دقائق وهي لا تدري ما ذا تقول وكيف ترد على هذا الطلب الذي بدأت تتمنى تحققه فعلا منذ أن ركبت السيارة بعد أن ودعت علوي.

أحست ماري بما تعانيه صديقتها من الإحراج أمام هذا الطفل البريء  فتدخلت قائلة:

ماري: 

ستأتي كاترين إلى بيتكم قريبا يا ابني وستعين البابا في كل أعمال البيت كما تساعده في أعمال البنك. إنني متفائلة وسيفتح الله عليكم جميعا.

ذهبت كاترين نحو الثلاجة وأحضرت البوظة و قدمتها لزيد ولبيد وماري. أشفقت كاترين على الطفلين اللذين فقدا أمهما وغمرتهما بحنانها وحبها وأعطتهما الكثير من كل قلبها وهي مسرورة بما تفعل فلقد غسلتهما وأطعمتهما وروتهما من السوائل كما لاعبتهما بكل لطف وود. كانت ماري تتسابق معها على مداعبة زيد ولبيد حتى امتلأ الطفلان حبا لهما وكانا يخاطبانهما خطاب الأمومة فيخوضان شغاف قلبي الفتاتين عطفا ورقة. ومن يدري فلعلهما -كاترين وماري- قد هزا أذيال السماء ليفتح ربهما عليهم أبواب الرحمة من كل جانب. إن الله يبعث بالرحمة إلى الأرض كما يفيض على أهل السماوات ولكن ما السبب في ما نراه من  معالم البؤس والشقاء لدى الكثير من البشر؟

هذا ما يبديه كتابه المنزل على نبيه محمد بقوله جل وعلا: “وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن   كلا بل لا تكرمون اليتيم   ولا  تحاضون على طعام المسكين   وتأكلون التراث أكلا لمّا   وتحبون المال حبا جما”.

حضّرت كاترين أكلة جزائرية لذيذة كما صنعت بعض الحلوى ورتبت الطاولة لاستقبال زميلها علوي، فلولا وجود ماري والأطفال معها لما تمكنت من دعوة زميلها إلى البيت. إنها فتاة كريمة الأخلاق مهذبة مؤدبة وفي منتهى الشرف. كاترين تقدس العفة وتتمتع بالحياء والإيمان، في حين أنها لبقة ورائعة.

أما علوي فقد اهتز من الأعماق حينما شاهد ابنيه يهمان نحو كاترين وهي تقبلهما وترأف بهما كأنهما ابناها. لقد كانت لفلتة كاترين حينما قالت: إن ابنيك هما كابنينا، لقد كانت لهذه الجملة البريئة رنة غير مفارقة في سمع علوي. كأن صحبة السنوات وزمالة العمل الطويلة قد صبت في قالب آخر خلال لحظات لتحول الزميل علوي إلى حبيب ولهان، وكأنه كان يحب كاترين منذ أن بدأت تعمل تحت رعايته. لقد تحولت كل كلمة سمعها من كاترين إلى أنشودة تحيي قلبه وتبدل كل سلام منها عليه إلى دعوة للحياة المشتركة.

لم يكن علوي يعرف ما دار في خلد كاترين ولم يدر ما حصل في غيابه بين ماري وكاترين والطفلين. لكنه ارتبط مع كاترين قلبيا فكان يستوحي كل معاني الحب المتبادل بصورة لاشعورية. كأن إحساسا غريبا لف قلبه بالدفء ليخيل إليه بأن كاترين لا تحب غيره. لكنه غير مطمئن من وحي الخيال فالتجأ إلى الله وهو يأخذ سبيله نحو صلاة الجمعة. دعا ربه بعد الصلاة أن يجمع بينهما وأن يهدي كاترين وإياه إلى الصراط المستقيم. كان يشعر بأن الدعاء ينزل على  شفتيه بكل سهولة لأنه كان يفسر حديث القلب ويصبه في قالب الابتهال. كان يصوغ الحديث المنمق مع ربه فيطمئن نفسه بما يصوغه من جمل الاستغاثة برب العباد.

لقد مضت ساعات طويلة جدا قبل أن تشرف الشمس على المغيب فيحين وقت لقاء الحبيب. لقد هم عدة مرات أن يتقدم على الوقت الموعود ليشفي غليله بالرؤية والحديث لكن الحياء منعته من ذلك بل فرضت عليه أن يتأخر قليلا. كان لا يدري بأن دقائق التأخير تعصر قلب كاترين وتبث إليها الوساوس خوفا على علوي الزميل القديم الذي دعته استجابة لنداء قلبها وليس من أجل المجاملة. ماري الذكية كانت تقرأ كل شيء على وجه كاترين وكانت تتأهب لتقرأ ملامح علوي حينما يحضر للعشاء.

فتحت كاترين الباب لعلوي الذي سلم عليها مع القشعريرة الواضحة والارتجاف البين: سسلام عل علي عليكم كاتترين. عرفت كاترين كل شيء وطلبت من بارئها أن يسهل عليهما هذه النشوة المتبادلة. ولا تسأل عن ماري فهي تقرأ الأنفاس قبل الألفاظ. اتضح كل شيء للجميع ولكنهم احتفظوا بالرزانة والهدوء ريثما يحين وقت البوح بأسرار القلوب. أقبل الصبيان على أبيهما وهما يذكران له مظاهر الحنان التي شاهداها من كاترين وماري فأضافا العطش على غليل علوي وربطا بطفولتهما عقل علوي ونفسه بكاترين.

أحمد المُهري

يتبع مفاجأة سارة (2)

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.