القصة الحقيقية للثورة المصرية 9- حكاية الشايقي والجعلي

القصة الحقيقية للثورة المصرية 9- حكاية الشايقي والجعلي

حكاية الشايقي و الجعلي

مدخل: ( لن يسعد الشيخ حسن على الإطلاق أن ينظر إليه الناس على أنه المفجر الحقيقي لثورة الخامس والعشرين من يناير.  يردد الشيخ حسن دائما أن المفجر الحقيقي لهذه الثورة, والقائد الحقيقي لهذه الثورة, هو الشعب المصري وحده ولا أحد غيره. )

إذا كان الحاج محمود قد تصور لحظة أن قصة الحمام تكفي لإزاحة القلق عن صدور أهالي كفر نفرة فقد كان, بدون أدنى شك, مخطئًا.  ارتفعت الأصوات مبينة أن قد حان الوقت للكشف عن القصة الحقيقية للثورة المصرية, وأنه لم يعد من الجائز حجب الحقائق عن أهل الناحية.  كانت هناك رغبة حقيقية في المعرفة يكاد المرء يمسك بها بين أصابعه.  وعليه قرر الحاج محمود أن يخبرهم  عن الدور الذي قام به الشايقي في حماية الثورة المصرية. 

والشايقي هذا جمل تعود أصوله إلى أصول سودانية وإن كانت أسرته قد استوطنت مصر منذ عشرات السنين وأصبحت أسرة مصرية تماما بحيث لم تعد قصة الأصول السودانية هذه أكثر من ذكرى لم يتبقَ منها سوى اسم هنا أو كلمة هناك.  عملت أسرة الشايقي في عديد من الأعمال بدءًا بالتجارة على درب الأربعين ما بين مصر والسودان, مرورًا بالفلاحة في المنوفية, وانتهاءً بالعمل في قطاع السياحة في منطقة نزلة السمان.  

ذكر الحاج محمود كيف تعطلت السيارة يومًا على محور المريوطية في طريقهم من المقطم إلى الزراعي حين اقترب أحد الجمال من الشيخ حسن وألقى عليه السلام.  رد الشيخ حسن التحية بأحسن منها.  سأل الجمل الشيخ حسن بكل أدب عما إذا كان لديه الوقت لسماع ما يود إخباره به.  أخبره الشيخ حسن أنه حتى لو لم يكن لديه وقت لخصص له وقتا, فهو على ثقة من أن الجمل لديه أسباب قوية ليترك عمله من أجل الحديث مع الشيخ حسن.  قال الجمل إن الموضوع الذي جاء للحديث عنه لا يخصه هو شخصيًا وإنما يخص صديقًا له اسمه “الشايقي”.  وهو جمل طيب لم يسيء يومًا إلى أحد في حياته ولم يقم يومًا بعمل يندم عليه – باستثناء ما حدث يوم “موقعة الجمل” حين انطلقت الجمال, والخيول, والحمير من نزلة السمان للهجوم على الثوار في ميدان التحرير. 

بين الجعلي – هذا هو اسمه – أن الشايقي لم تكن لديه أدنى فكرة عما بيته الفلول, وأن كل ما دار في خاطره وهم ذاهبون إلى ميدان التحرير أن المسألة لن تخرج عن احتفال هنا, أو حفلة هناك, من أجل وفد أو آخر من الوفود السياحية المعتادة.  أكد الجعلي أن الهجوم على الثوار قد أتى كمفاجأة كاملة لأغلب الحيوانات التي شاركت فيه وخاصة الشايقي.  فالشايقي جمل مسالم لا يعرف أصلاً كيف يرد الهجوم عن نفسه ودعك من الهجوم على الآخرين.  بين الجعلي أن الشايقي قد أصابه الاكتئاب من يومها وفقد كل رغبة في الطعام وأن الجمال تخشى عليه أن يصيبه الهلاك إن لم يخرج من حالة الاكتئاب هذه. 

جاء رد الشيخ حسن هادئًا مطمئنا.  طلب الشيخ حسن من الجعلي أن يخبر الشايقي بأن الشيخ حسن يهديه السلام ويطلب منه ألا يستمع إلى كلام الشيطان الذي لا يريد به خيرا.   بين الشيخ حسن أن قادة الثورة يعلمون أن حيوانات مصر كلها – وليس الشايقي فقط – لم تكن تعلم بما بيته الفلول.  أكد الشيخ حسن أن على الشايقي الآن أن يعمل على أن تكون كل حيوانات مصر على بينة بما يقوم به الفلول وأن لا تخدع مرة أخرى.  أكد الشيخ حسن أن الوقت ليس وقت اكتئاب ومرض وإنما وقت تفاؤل وعمل, كما بين أنه إذا كان الشايقي جملا وطنيا حقا – وهو أمر لا يشك فيه أحد – فعليه أن ينفض عن نفسه تراب المرض والاكتئاب هذا ويعمل على نشر الوعي الثوري بين حيوانات مصر.  مصر الآن في حاجة إلى كل حيوان وعلى كل حيوان يحب هذا البلد أن يعمل على حماية الثورة.   على الشايقي أن يعي أن الاكتئاب في هذا الوقت بالذات هو عمل معادٍ للثورة.  شكر الجعلي الشيخ حسن وعاد إلى عمله.   نظر الحاج محمود في عيون أهل الناحية الذين كان العجب قد استولى على عقولهم, وبين لهم أن هذا هو السبب في أن حيوانات مصر لم تشارك من يوم موقعة الجمل في أي عمل معادٍ للثورة.  قام الشايقي والعديد من الحيوانات الأخرى بتشكيل ائتلافات ثورية تهدف إلى حماية حيوانات مصر من خداع الفلول. 

إذا كان الحاج محمود قد نجح في إزاحة القلق من قلوب أهل الناحية فيما يتعلق بمستقبل الثورة والمكتسبات التاريخية للمنوفية, فإنه قد نجح كذلك في إثارة اهتمام الشباب بالخلفية التاريخية لثورة الخامس والعشرين من يناير.  حقًا, لم يُظهر أكابر البلد أي تعجب أو استغراب من الأخبار التي كانوا يسمعونها إلا أن الشباب صغير السن قد تلقى هذه الأخبار باهتمام شديد.  على العكس من أكابر البلد الذين كانوا دائمًا على اتصال بالمصادر الأصلية للمعلومات (حضرة العمدة, وسيادة البك المأمور, بل وسيادة المحافظ نفسه أحيانًا) لم تزد مصادر المعلومات المتاحة للشباب عن الأخبار التي تحدثهم عنها قناة الجزيرة.    كان واضحًا تماما للشباب أن أكابر البلد إما كانوا على علم بهذه الأسرار التي يحدثهم عنها الآن الحاج محمود وإما كان لديهم من العلم ما يمكنهم من توقع مثل هذه الأخبار.  وعليه, بدأوا في مطالبة الحاج محمود بالكف عن التكتم والبدء في الكشف بطريقة منهجية عن القصة الحقيقية للثورة المصرية.  من حق الشباب أن يعلم.

نظر الحاج محمود إلى الحضور.  كانت المندرة كبيرة واتسعت دومًا لكل الضيوف الذين دخلوا الدار.  لا يذكر الحاج محمود يومًا ضاقت فيه المندرة عن استقبال ضيوف الدار من يوم أن ولد إلى يوم الله هذا.  إلا أن المندرة اليوم قد ضاقت.  كان الحاج محمود ممزق القلب بين متعة الاستمرار في رواية القصة الحقيقية للثورة المصرية وبين الخوف من انهيار المندرة.  مازالت ذكرى انهيار نفس هذه المندرة عالقة في ذهنه.  حقًا, حدث ذلك أيام الملك فاروق.  حقًا, كان أيامها طفلاً لا يدري ما يدور حوله.  إلا أن الوالد والوالدة رحمهما الله لم يكفا يوما عن شكر الله على أن كل من كان بالدار كان يومها خارج الدار.  انهارت المندرة في غياب الجميع. 

نظر الحاج محمود إلى العيون التي أحاطت به وقال إنه سوف يتحدث.  إلا أنه يطلب من أهل الناحية ألا يحدثوا أحدًا عما حدثهم به, فهناك أشياء مازالت قيد التحقيق, فضلاً عن أنه ليس من مصلحة الأمن القومي في الوقت الحالي لفت الأنظار إلى الدور الذي قامت به كفر نفرة في تفجير الثورة المصرية.    أضف إلى ذلك أن الشيخ حسن لن يسعده على الإطلاق أن ينظر إليه الناس على أنه المفجر الحقيقي لثورة الخامس والعشرين من يناير.  يردد الشيخ حسن دائما أن المفجر الحقيقي لهذه الثورة والقائد الحقيقي لهذه الثورة هو الشعب المصري وحده ولا أحد غيره.  أضف إلى ذلك, كذلك, أن الشيخ حسن لن يشعر بالراحة أبدًا إذا بدأ الشعب المصري في النظر إليه على أنه قائد الثورة.  نظر الشيخ حسن إلى نفسه طوال حياته على أنه مجرد واحد من الناس.  هذا ما أراده, وهذا ما يريده, وهذا ما يرتاح إليه.  أن يكون مجرد واحد من الناس.

نظر الحاج محمود إلى أكابر الناحية الذين اصطفوا على المقاعد أمامه نظرة تقدير وإكبار وقال إنه يعلم أن هناك رجال في كفر نفرة يعلمون كل كلمة قالها, أو سيقولها.  ثم نظر إلى الشباب الذين ملأوا كل شبر في المندرة نظرة تشجيع ورجاء وهو يطلب منهم أن يقتدوا بهؤلاء الرجال, وأن يحافظوا على سرية ما سيخبرهم به مثلما حافظ هؤلاء عليها.  مسح الحاج محمود جبهته بكمه ثم بدأ في الحديث.

قال الحاج محمود إنه لا يدري من أين يبدأ, فالقصة طويلة والأحداث كثيرة, وهو يخشى إن ذكرها جميعًا أن يسبب ذلك الملل لأكابر الناحية.  ضحك الحاج عبد العاطي شاهين وقال للحاج محمود “لا تقلق يا حاج محمود.  الواحد منا لم يعد يذكر ما أكله منذ ساعة, ودعك من كلام سمعه منذ أسابيع”.   ضحك أكابر الناحية هم الآخرون وطمأنوا الحاج محمود أن الحاج عبد العاطي ليس الوحيد الذي يعاني من ضعف الذاكرة.  البركة الآن في الشباب.  الحمد لله.   طلب الحاج محمود من علي زيادة الخشب في المنقد فالليلة كانت ليلة شديدة البرودة وبدأ في حكاية السحلية وزة.

يتبع ….

كمال شاهين

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.