يوسف ايها الصديق 10- امرأة العزيز1

تواصلا مع شرح سورة يوسف :

يوسف أيها الصديق ح10 – امرأة العزيز 1

Shepherds are looking what has happened in Bethlehem.

امرأة العزيز:

لهذه المرأة دور حيوي في تعليم يوسف ولكن المسكينة انهارت أمام علم يوسف وفهمه فظنت بأن الارتواء الجنسي منه يشفي غليلها.

ولو قال أحد بأن الزوجين كانا يتنافسان على تعليم يوسف ويتباريان فيكسب العزيز وتخسر امرأته لما اعتبرتُ قولَه مجافيا للحقيقة.

فيوسف في مدرسة الحُكم وتأويل الأحاديث والمعلم الأول هو الوزير ثم زوجته التي أمرها بإكرام مثوى يوسف.

وقد عطف الله تعالى قصتها المشينة على قصة تعلم يوسف وأنه كان يحسن التعلم والفهم. بالطبع أن ما يقال من أن يوسف كان جميل الوجه مثيرا للنساء كلام غير دقيق برأيي ولا دليل عليه من كتاب الله تعالى.

اهتمت امرأة العزيز بإكرام يوسف بأن تعلمه وتدربه على استقبال كبار الضيوف وتُفهمه الثقافة المصرية وثقافة القصور وثقافة الحكام.

والإكرام هنا لا يعني تقديم الأكلات الطيبة فذلك متاح لمن يدخل قصر العزيز وهو أحد أركان الدولة المصرية الكبرى. دولة احتضنت حضارة مرموقة لا زلنا نسعى بعد آلاف السنين لنفهم عمق مقوماتها وندرك مدى توسعها وانتشارها.

كان الزوجان يفكران في اتخاذه ولدا لهما والمهمة مناطة بامرأة العزيز. وواضح أن المرأة محببة للوزير بعقلها وربما بجمالها أيضا لكني لا أحمل دليلا قرآنيا على جمالها. وهي في نفس الوقت تهاب زوجها وتشعر بأنها تحت رحمة هذا الزوج ذا المقام الخطير في الدولة.

التقى يوسف بالكثير من الوزراء الذين يزورون العزيز واشتهر بينهم بعقله وذكائه واستدراكه لأخطائهم في مقولاتهم وأفكارهم. حتى الملك كان يعرفه ولذلك سماه باسمه حينما جمع زوجات الشخصيات الكبرى ليسألهم عن السر في استمالتهن ليوسف.

وهذا أمر طبيعي بالنسبة لإنسان بعظمة يوسف وهو في نفس الوقت محبوبُ زعيمِ القصر وزوجته فكانا بالطبع يقدمانه لضيوفهما كنوع من إبراز ثروتهما البشرية في القصر.

وكان الملك من بين الذين يحلّون أحيانا ضيوفا على العزيز بطبيعة الحال. كل الملوك وكبار الشخصيات يزورون كبار موظفيهم ولا يمكن أن يبقوا محصورين في قصورهم. ليس بمقدور فرعون أن يسير براحة في شوارع مصر ولكنه بكل راحة يدخل قصر وزيره ويتخلى عن البروتوكولات ليشعر بأنه إنسان مثلهم.

فاشتهر يوسف العبد بين كل أقطاب مصر بأنه فتى امرأة العزيز. والفتى يعني العبد المحبوب المدلل. ذلك لأن الفتى في الواقع يعني الذي يعطي غيره وعلى هذا الأساس أطلق على الكريم وعلى البطل الذي يدافع عن أهله وأمته ووطنه وعلى الشاب القادر على إدارة البيت وهكذا الشابة القادرة وقد استعير للذين يقدمون شيئا لغيرهم أو يعرضونه فوقعت الكلمة بكثرة على المدللين الشباب من العبيد والإماء.

والواقع أن الذين تملك أيمانهم ذلك النوع من الفتيان والفتيات فهم يحبونهم جميعا لما ينتظرونه منهم من عطاء حتى لو كان العطاء أعمالا مفيدة تصدر منهم لصالح الأسياد.

ولعل السبب في تسمية ما يصدر من المفتي بالفتوى هو أن المفتي يمنح غيره من عطائه العلمي والعلم عند الله تعالى.

وامرأة العزيز باعتبارها امرأة شابة ترى بوضوح أمارات العبقرية على يوسف مما لا يوجد نظير له في زوجها وهو رجل قوي في الدولة.

وسنرى في سرد قصتها بعد قليل بأنها شديدة الذكاء قوية الشخصية مدبرة مفكرة لا تقوم بعمل دون سابق تدبير. حتى القصة الشهوانية التي نحن بصدد بيانها الآن فهي لم تبادر بها دون سابق تدبير. وإن صدور مثل هذه المراودة المشينة من امرأة حكيمة ليس عاديا. فلا بد من أن تكون هناك دوافع كبيرة في قلب سيدة القصر بحيث لم تتمكن من تجاوزها فطغت الدوافع على حكمتها ورزانتها فوضعت نفسها في اختيار فتاها ليقضي منها وطرا.

ثم إن مسألة مثل هذه لا يمكن بيانها بكل صراحة في كتاب الله تعالى ولعلها تكون غير مجدية ولا مصيبة لأهداف القرآن، ولذلك اختصر الله تعالى الموقف الذي يحتاج في عرفنا نحن البشر إلى شرح طويل جدا. ونحن احتراما لكتابنا العزيز فسوف لا نسهب في بيان القصة كثيرا. ونكتفي باحتمال الدوافع فلعل القرآن يساعدنا حينما يوضح بأنهما أرادا اتخاذه ولدا.

هناك دون شك نقص في أحدهما مما يحول دون إنجابهما. و مما لا شك فيه بأن كلا من الزوجين يحتمل العلة في شريكه ولو لم يتهم الآخر بأنه السبب. وحتى لو لم يفتحا قلبيهما فإن كلا منهما يبحث عن الأسباب لإثبات أن النقص ليس فيه.

ولعل اهتمام امرأة العزيز كان يفوق اهتمام العزيز نفسه. والسبب أنه كان مشغولا بتصريف شؤون وزارته واستقبال ضيوفه وحضور المجالس والضيافات الكثيرة والكبيرة التي يُدعى إليها بينما هي  قلما تشارك زوجها في غدوه ورواحه ولطالما بقيت في منزلها تهتم بشؤون القصر. إنها لم تكن تزاول أية مهنة في القصر عدا الإدارة بطبيعة شخصيتها كزوجة لأحد المقربين من فرعون مصر العظيم.

ونعرف بأن الأفكار المتضاربة تزاحم الذين تقل أعمالهم ومسؤولياتهم وتخيم عليهم منغصاتها. حتى شعورها بالضعف الإداري والمالي أمام زوجها يحثها على عمل شيء لإثبات أن النقص منه  هو وليس منها هي. 

نعرف هذا من كون الزوجة برمجت بكل دقة للخيانة الزوجية وفكرت ومكرت للحمل المتوقع من يوسف في حين أنها لم تحمل من زوجها بعد أن مرت فترة غير قصيرة على زواجهما. سوف تتجلى الخيانة للزوج ولم يكن في حوزة الماضين وسائل للتخلص من الجنين في أي عمر كان.

ومما لا يمكن تجاهله أنها كانت منتبهة تماما لما يمكن أن تؤدي اليه الدعوة المعيبة إلى عواقب خطيرة.

ولذلك فإني أظن بأنها كانت تطلب الحمل من يوسف لتري زوجها إن حملت بأنها ليست السبب في عدم الإنجاب.

وجدير بنا أن نعرف بأن تلك الأسرة لم تكن على نفس التفكير الشائع بين معتنقي الأديان السماوية حول العفة الجنسية، فلم يكن وقع الحادث قاسياً على المجتمع آنذاك. لعل أهمية إثبات قدرتها على الإنجاب كانت في منطقهم أهم بكثير من البقاء على الأمانة الزوجية.

غب تفكير امرأة القصر الأولى في مشاكلها ثم عزمها على مواقعة يوسف جنسيا فإنها جلست تبرمج للعملية.

اختارت نفس غرفة نومها لتدعو فيها فتاها فتوحي لأهل القصر بأنها تحتاج إلى تنظيم أو استشارة ديكورية أو مناقشة مسألة أو تقديم تعليمات خاصة للذي يُعتبر تلميذا للسيدة الأولى.

كانت غرفة النوم ذات عدة أبواب لا أقل من ثلاثة. وهذا شائع لدى الشخصيات الكبيرة أن يهيئوا لأنفسهم مخارج كثيرة لما يطرأ من احداث كمهاجمة لصوص وإرهابيين أو ربما ضد اشتعال النار أو أية مشكلة مشابهة أخرى.

وهذا سبب آخر لاختيارها لهذه الغرفة. بالطبع أنها فكرت بكل دقة في مفاجأة زوجها لها فربما كانت تنوي أن تُخرج يوسف حينئذ من باب آخر بسرعة قبل أن تفتح الباب للزوج.

أما استعدادها البدني من ملابس خاصة وزينة وعطور فتستخدمها لإثبات حبها لزوجها وبأنها مستعدة لاستقباله بكل ترحيب. أكملت امرأة العزيز التخطيط لليوم الموعود وشعرت بالسعادة والبهجة باستكمال الخطة. وليس غريبا إن قلنا بأنها أرادت متعمدة أن تقوم بالمراودة قبيل موعد عودة زوجها لتثبت له بأنها تزينت من أجله.

لعلها فكرت في أن مفاجأة الزوج ممكنة في كل لحظة فلو فاجأها فترة طويلة قبل الموعد العادي ورآها متزينة فسوف يشك فيها. ولذلك كانت امرأة العزيز في ضيق وقتي شديد لا يمكن تحاشيه.

حان الموعد المدبر وانشغل كل عمال القصر ومسؤولوه بالأعمال المناطة بهم،

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿23﴾

جميل هذا التعبير القرآني الشامل مع قصر الجملة، فلقد عبر الله سبحانه وتعالى عن مجموعة من المسائل في جملة متوسطة الحجم.

1.      تبدأ الآية بالدفاع عن يوسف بأنه كان في بيتها وتحت خدمتها فلا بد له من الانصياع للدعوة الأولى بالحضور في غرفة النوم.

2.      تذكر الآية مراودتها له قبل الدفاع ليكون للدفاع عن نزاهة يوسف معنى في هذه القصة المشابهة للقصص الغرامية. ليست السورة ولا الآية قصة غرام أبدا. كل الغرام المحتمل وجوده في العبارة إن وجد فهو ما يوحي به المقطع الأول من الآية وهو أقصر بكثير من المقطع الثاني إن قطعنا منه جملة الدفاع (التي هو في بيتها).

3.      دخل يوسف غرفة النوم انصياعا لعقد التملك المعترف به بحوزة سيد القصر وسيدته. من الواضح أن الذي يريد أن يعلمه من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب، يعرف تماما بأن يوسف الآن في معرض اختبار خطير ولكن يوسف أهل لهذا الاختبار طبعا. وهذا، بالمناسبة، يؤكد لنا بأن التعيينات الأولية للأنبياء كما فعل سبحانه بيوسف وموسى وعيسى ليست إلا بيانا لتثبيت النبوة المشروطة لهم فهم أنبياء بالقوة  لا بالفعل.

4.      قامت امرأة العزيز بإغلاق الأبواب بيدها بعد دعوة يوسف لغرفة النوم لتضمن عدم مفاجأة أحد. شتان بينه وبين غيره فهو فتى مملوك تخدمه سيدته بيديها. لقد أغلقت الأبواب من أجله ثم من أجلها. ذلك لأننا رأينا بأنها تمكنت من التخلص من عقاب زوجها حتى بعد ثبوت محاولتها مراودة يوسف عن نفسه ولكن يوسف هو الذي دخل السجن حماية لشرفها، وأي شرف!!.

5.      “هيت لك” لغة غير واضحة لنا نحن العرب الذين نعيش 15 قرنا بعد نزول الكتاب المجيد. ويدّعي البعض بأنه ترجمة لتعبير قبطي أو أنه نفس لفظ التعبير القبطي القديم لتفعيل هذه الدعوة ولعلهم على حق. ولو نراجع كتب اللغة العربية فقد لا نصل إلى نتيجة. لكننا بكل سهولة نلمس رسالة الآية الكريمة في استعمال هذه الكلمة الغريبة وهي أن امرأة العزيز عرضت نفسها متبسمة على يوسف وهمت لتضمه إلى صفحة بدنها. لا أظن بأن هناك كلمة قيلت بل هي تمايلت إليه بدون مناقشة. لكن الله تعالى عبر عن رسالتها العملية بقوله: (هيت لك) وتعني إظهارها لكامل الرغبة وبأن الغرفة في أمان ولا خوف عليه. هي في مثل هذه الحالات رسالة طبيعية لا تحتاج المرسلة معها إلى استعمال تركيبات لغوية، فهي بعملها قالت ما يمكن أن يقال في مثل تلك الحالة.

6.      وفي نفس الآية المتوسطة التي هي أقرب إلى الآيات القصيرة، بيَّن الله تعالى ردّ يوسف القاطع. سنعرف في الآية التي تليها بأن هناك اضطراب طبيعي وقع ليوسف ثم فاجأها بالجواب ولكن الله تعالى كره أن يذكر اضطراب يوسف أو لحظة وجومه واضطرابه واكتفى بجوابه الذي أخرج السكوت المطلوب في هذه الأجواء الغرامية. فيوسف قد قال جملة ألقمتها حجرا دون شك: معاذ الله. فقال لها لا يمكن ذلك، كما قال لها بأنه يخاف من ربه، كما أضاف إلى رسالته بأنه يلجأ إلى ربه لينجيه من هذه الورطة المربكة التي يصعب التخلص منها.

7.      أعلن الله تعالى بأن يوسف كان إنسانا يحمل نفسا إنسانية قوية شاعرة تساعده على ألا يستسلم لأية غواية مهما كانت قوية ليثبت شكره لربه الكريم الذي أحسن مثواه. فقال يوسف لسيدة القصر وأفهمها بأنه يعزو كل ما يراه منها ومن زوجها وبقية أهل القصر من احترام وإكرام يلقاه منهم إلى الله تعالى الذي قدَّر له كل ما أُكرم به. حقا أثبت يوسف بأنه يحترمهم تعاقديا واتباعا للأصول الشرعية وليس اتباعا فطريا وراء العادات السائدة لدى عامة الناس. كانت الجملة ضربة قاضية لآمال المرأة المتعالية في تلك اللحظة على الأقل. لقد شعرت بأن التدبير لم يكن دقيقا فعلا قبل أن يأتي الإمداد الغيبي من رب يوسف لعبده يوسف.

حقا، أنها قد غدرت به، وقد خانته،

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿24﴾

 من الثابت أنها قد همت به حينما تحركت لتضمه وتسقيه من جاذبيتها فلو أنّ يوسف لم يعر أي اهتمام لها ولإغراءاتها لقلنا بأن يوسف لم يتأثر نفسيا ولم يستولِ عليه أي ميل للتجاوب معها لأنه كان عنينا أو حصورا مبتلى بالبرود والعجز. لكن يوسف لم يكن كذلك بل همَّ بها ولو بحصول الاضطراب في كيانه أو تقدم بقدر حركة الرأس شيئا بسيطا إلى الأمام ثم الالتفاف نصف دائرة أو بقدرها ليأخذ طريقه إلى الهروب باتجاه نفس الباب الذي طرقه العزيز الذي صادف قدومه في اللحظة الحاسمة.

بالطبع أنها ليست صدفة بل تقدير من العزيز العليم لمساعدة يوسف.

وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه.

ظاهرُ مقطع الآية يدل على عدم حصول أي تقدم من يوسف باتجاه المرأة المصممة على الغواية. هناك في القرآن آية بل آيات أخرى شبيهة بهذه الآية مثل قوله تعالى في البقرة:

فذبحوها وما كادوا يفعلون.

والواقع أنهم لم يذبحوها ولذلك قال سبحانه: وما كادوا يفعلون، يعني ما فعلوا. وهنا أيضا تعني بأن يوسف كان على أتم الاستعداد نفسيا وقد فارت شهوته بصورة طبيعية ولكنه فكر في برهان ربه.

والبرهان هو الحجة القوية التي تقطع المحاجة كأن يشك أحد في طلوع الشمس ثم تخرج الشمس من تحت الغيم فهو برهان واضح لوجودها في السماء.

وأظن أن الذي فكر فيه يوسف هو ربوبية الله تعالى الذي أكرم مثواه إلى تلك اللحظة لأنه كان من عباده المخلَصين. ولذلك أضاف سبحانه البرهان إلى الربوبية لا إلى الألوهية. عرف يوسف أن أقل لمسة قاصدة منه للطراوة المعطرة التي تفوح من المرأة المغمورة بالشهوة الجنسية، سوف تؤثر سلبيا في تلك المكرمة العظمى التي نالها بوفرة طيلة إقامته في ذلك القصر الفاخر.

إنها خيانة كبيرة للعزيز الذي تولى تنفيذ مكرمة الله تعالى ولله تعالى نفسه فهو شرك بالله. إنه سيكون مشركا شهواته مع ربه.

اضطرب يوسف متأثرا بوساوس المرأة المهيأة له ثم اضطرب مرة أخرى وبنفس اللحظة ولكن في مرحلة متأخرة خوفا من الله تعالى.

هكذا يحفظ الله تعالى عبيده المخلَصين من شياطين الجن والإنس. حقا إن المؤمنين يهتمون بالسلام الحقيقي من ربهم ولا يفضلون السلام المؤقت للتخلص من شهواتهم على السلام بجوار ربهم .10

( هامش 10:  قبل أن ننتقل للمرحلة التالية من الحكاية لنحاول فهم الفرق بين السوء والفحشاء في الآية الكريمة.

ظن البعض بأن يوسف عليه السلام همَّ بضرب سيدته أو رفع يده عليها أو أهانها بأي شكل من الأشكال ليفرقوا بين السوء والفحشاء. ذلك لأن الفحشاء تدل على الزنا فلا معنى لإضافة السوء إليها كما تصوروا.

بالطبع أن ذلك مستحيل فيوسف كان مؤدبا بآداب القصور وكان تلميذا حقيقيا لامرأة العزيز التي بقيت تحبه وأظهرت ذلك مرة أخرى أمام صديقاتها ولم تقل لهن بأن يوسف قليل الأدب. قالت فقط بأنّه لم يستجب لها وإن لم يفعل ما تأمره ليسجنن.

الذين ظنوا المعنى المشار اليه في اعلاه اعتقد أنهم لم يتصوروا بدقة معنى رفع اليد على سيدة القصر أو الإهانة الكلامية التي تعتبر كبيرة جدا غير قابلة للغفران وسوف يُعاقب عليها الفاعل ولا يمكن أن يبقى حب في قلب امرأة العزيز تجاه يوسف. إن أهم أمر عند أهل القصور هو صيانة رفعتهم وسيادتهم ويأتي الحب والعواطف والغرام في المرحلة التالية.

وأظن بأنهم لم يدققوا في الكتاب الكريم أنه سبحانه يتحدث عن السوء والفحشاء في عدة آيات  أخرى في القرآن العظيم. فنعرف من ملاحظة هذه الآيات الكريمة بأن السوء والفحشاء تأتيان معا في القرآن لبيان أن الزنا فاحشة باعتبار الإثم وسبيل سيء للتكاثر. وللعلم فإن السبيل في القرآن غالبا ما يعني سبيل التكاثر.

ففي سورة البقرة يتحدث سبحانه في الآية 169 بصورة عامة بأن الشيطان يأمر بالسوء والفحشاء. لكنه سبحانه يوضحها في السور الأخرى، فيقول عز من قائل في سورة النساء:

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22).

 فالفاحشة سبيل سيء للتكاثر. وفي سورة الإسراء يقول سبحانه:

وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32).

وأخيرا في سورة العنكبوت يوضح السوء والسبيل ببيان مختصر وكامل لا نحتاج معه إلى المزيد من البحث حيث يقول تعالى:

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29).     نهاية الهامش 10.)

يتبع …

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.