4 نقاش هادئ حول اشكالات القبنجي وسروش – الاشكالات البلاغية

ثانيا: إشكالات القبنجي البلاغية

ثم انتقل القبنجي إلى الإشكالات البلاغية احتمالا، فقال: يقولون بأن القرآن أعجزَ العرب فهو من الله تعالى. وفي مقام الرد:

قال القبنجي إنه :

ألف: يثبت بأن القرآن ليس معجزة، لكن دعنا نقبل ذلك على سبيل الفرض. ولكن أليس الملائكة والجن أقوى من البشر، فهم الذين وضعوا القرآن وكلامُ الملائكة والجن معجزة بالنسبة لنا.

و أقول أنا أحمد المُهري:

إن المنطق القرآني يقول بأن التسميات وإطلاق الأسماء أمر مختص بالبشر. بمعنى أن الإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الكوكب الذي يضع الكودات للمجموعات والأفراد ليشير إليها بسهولة فيتمكن من الكتابة والقراءة بعد أن يضع الأسماء والجمل والكتب.

والإنسان مزود بحاستين تساعدانه على ذلك هما: السمع والنطق الصوتي. وللبصر دور كبير في مساعدة الإنسان أيضا. ولكن الملائكة والجن ليست لديها آذان وألسن أو عيون فهي لا تملك في خلقتها الأدوات الضرورية لصناعة الكتب. قال تعالى في سورة البقرة:

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33).

يعني بأن الله تعالى علم آدم كل الأسماء وهو يعني بأن آدم كان قادرا على تعلم الأسماء للكائنات العينية والمعنوية وللأفعال وللربط بينها، فعلمه ربه. ثم قال سبحانه للملائكة أن يضعوا أسماء للذوات فأظهروا العجز لأن الله تعالى لم يعلمهم التسمية و إطلاق الأسماء ولم يعطهم أدواته. بالطبع فإن الله تعالى لم يعلمهم لأنهم عاجزون على التعلم وإلا لعلمهم. إنه سبحانه ليس ضنينا على الغيب. والعلم من الغيب طبعا لأنه غير ظاهر للكائنات ويظهر بعد أن يسعوا إليه.

وبما أن الملائكة قد خلقوا قبل الجن وبما أن الجن خلق قبل الإنسان كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك فإن الجن لا يعرفون الأسماء أيضا. ولو كانوا يعرفون ذلك لما جاز لله تعالى أن يحتج على ملائكته بآدم كأول مخلوق يعرف شيئا غفل عنه الملائكة. ما يقوله الأخ القبنجي هو من كلام العرب والروايات من ذلك الكلام ولا حجة في كلامهم على القرآن العظيم.

باء: قال الأخ القبنجي: لقد تحدى القرآنُ الكريم الجنَّ والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن. ما معنى هذا الكلام؟ فهل يمكن أن ننتظر من الفرنسيين أو الصينيين أن يأتوا بقرآن عربي؟ ثم ما معنى تحدي الجن وانتظار تعاونه معنا نحن الإنسيين، فهل لنا أن نجتمع معهم ونأتي بقرآن مجتمعين ونحن نعرف بألا يوجد ارتباط بيننا وبينهم؟ ثم استنتج بأن كلام القرآن غير صحيح.

أقول مازحا:

إنك يا أخي اعترفت بالعلاقة بين الإنس والجنّ حينما قلت بأنهم أفصح منا فكيف تنكر ذلك بعد دقائق رغم أنك لازلت في نفس المعترك وفي نفس الموضوع من جلستك؟ عموما إليك الآن العلاقة بين الجن والإنس كما تُفهم من القرآن الكريم.

يصرح القرآن الكريم بوجود كائنات طاقوية مخلوقة من الطاقة النارية سميت الجنّ. ويشير القرآن الكريم أيضا إلى أن هذه الكائنات لا تملك سلطانا على الإنس ولكنها قادرة على بث الوساوس في نفوسهم جميعا بمن فيهم أنبياؤهم. ويعزو القرآن ذلك إلى أنّ الله تعالى أذن لهم بذلك ليختبر الإنس والأنبياء لأن الجميع موعودون بالجنة إن هم آمنوا وعملوا الصالحات وبالنار إن هم كفروا وصدوا عن السبيل.

دعنا الآن نختبر صحة كلام القرآن بالإمعان في أفعال الإنس طيلة التاريخ البشري حتى يومنا هذا لنرى آثار التعاون والتناحر والتأثير المتبادل بين المعشرين:

1.   كلنا نشعر بأن وراء حركة البشر إرادة قوية تهدف لتحقيق التطور الفكري المتناغم مع حركة التطور العددي والتكاثر البشري. وقد اشتهر بين تلك الجهود مفهومي:

الديمقراطية: لتثبيت حكم الإنسان على نفسه.

 والعَلمانية: للنظر العقلاني إلى واقع الحال الموجود والتأقلم معه.

وقد استخدم الله سبحانه وتعالى مصطلح ” العُرف” للتعبير عن مضمون تلك المفاهيم وأوصى نبيه بأن يأمر بها وينهى عما يناهضها مما اسماه “المنكر”. ويرى أصحاب النظر والفكر بأن العَلمانية والديمقراطية تدفعان الأمم إلى الأمام وتقويان العزيمة البشرية على مكافحة الظلم والمرض والفقر بين مختلف شعوب الأرض في كل الأصقاع والأرجاء. هذا التحرك الصحيح يُشعر الإنسان العاقل المنصف بأن الله تعالى وراءه وهو الذي يدفع عبيده دفعا للمزيد من الحرية والراحة والعلم والمعرفة. وبجوار هذه المسيرة الإنسانية التقدمية نرى مجموعات بشرية ترجع إلى الوراء وبكل إصرار مزينين لأنفسهم التقليد والسلفية والتشبه بالعهود البائدة. وهناك تحركات حزبية لإحياء الاستبداد الديني والقومي والعرقي. إنهم يتشبثون بالأساطير والأوهام ويعبدون الموتى والأصنام التي صنعوها بأيديهم ويستنجدون بالقتل والسلب والنهب ويعدون أنفسهم بجنات دنيوية وأخروية خيالية وهمية ما أنزل الله تعالى بها من سلطان. الحركة الصحيحة الأولى حركة تقدمية يريدها الله تعالى لكل أهل الأرض بغض النظر عن السلالات العرقية والأديان والقوميات. والحركة الثانية يديرها أشخاص آخرون يسميهم القرآن الكريم بالشياطين والجن. هناك بشر يتعاونون لنشر التوعية باتجاه التحرك الأول فهم يمثلون تعاون البشر مع الملائكة الذين يديرونها بأمر الله تعالى. والمسيرة الخائبة الثانية تُديرها طبقة أخرى من البشر بوحي ودعم من الشياطين الذين يمثلون طبقة معينة من الجن.

2. هناك قناعات طبيعية لدى عامة الناس في الأرض بالنسبة للتعاون والتآخي ومحاربة الفقر والحروب والانتهاكات. هذه القناعات من وحي الملائكة الذين يساعدون البشر دون التوجه إلى عقائدهم الدينية ومواريثهم باعتبار الحياة الدنيا التي يريدها الله تعالى أن تكون مجالا ملائما لأداء اختباراتهم النفسية. وهناك في المقابل قناعات تخالف سير الطبيعة يتبناها أناس أوقعوا بأنفسهم أسرى للماضي فاستمرأوا جَلد الذات والبكاء على الماضي أو إتلاف أجسادهم بالتدخين والإدمان على الخمور والمخدرات وغير ذلك. هذه القناعات المخالفة للطبيعة هي من وحي الشياطين وهم يتعاونون مع أوليائهم لبث الإهمال والتمتع بالأمجاد البالية والمفاخر النسبية التي لا قيمة لها في أي ميزان بشري أو إلهي. إنهم بالتعاون مع الموسوسين لهم من الجن وبعض المتسلطين على رقاب الناس بالخداع والدجل والتجهيل يبثون المزيد من طرق الخداع وتزيين الخسارة والفقر والاندحار والهزيمة وإعادة تسميتها بالمنافع الأخروية والتجارة مع الله تعالى والاستعداد للمواجهة المستقبلية والانتصار على الشيطان. والله تعالى يؤكد بأنه ينصر من نصره و يدعو الناس أن يعبدوا الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. إنهم يخادعون الناس بوحي من الشياطين ولا يمكن أن يكون ذلك بوحي من الرحمان جلّ جلاله.

3. هناك توافقات كثيرة بين أصحاب الحديث مع اختلاف مذاهبهم ومشاربهم. هذه التوافقات لا يمكن أن تحصل دون إمداد غيبي بين أناس لم يحضروا عصرا واحدا ولا مكانا واحدا وكانوا يحاربون بعضهم البعض. هناك الكثير مما يسميه المسلمون مثلا اتفاق علماء المذاهب السنية والشيعية – مما يخالف كتابهم السماوي في الغالب- كما أنّ هناك اتفاقٌ بين المسيحيين على مخالفة إنجيلهم الذي يأمرهم باتباع التوراة فيتبعون أشخاصا آخرين غير الأربعة الذين كتبوا الأناجيل. إنهم يستحلون الخنزير باعتبار ما أحله لهم بشر ادعى بأنه استلم وحيا من الله تعالى. المسلمون يؤمنون بالمعراج والقرآن يرفض أي نوع من الخروج إلى السماوات في نفس سورة الإسراء. ليس في القرآن غير حكم واحد للزنا ولا يمكن تحقيقه فهو مجرد حكم للمنع من الاستهتار الجنسي أمام الناس. ولكن المسلمين متفقون على أبشع حكم بشري وهو الرجم بالنسبة للزاني والزانية في حالة الإحصان وهم يُنفِّذون هذا الحكم الظالم باسم الله تعالى الذي لم يذكر عنه أيَّ شيء في قرآنه العظيم. كيف يحصُل هذا التوافق بين مختلف الطبقات طيلة القرون دون وجود تعاون مع كائنات لا نراها هي التي توحي من تولاها من الإنس بما يخالف نصوصهم السماوية التي يؤمنون بها؟. هذا هو مظهر آخر من مظاهر التعاون بين الجن والإنس.

4. هناك أناس يعبدون الله تعالى ويصلون له ويصومون انصياعا لأمره ويحجون طلبا لمرضاته ولكنهم يقتلون إخوانهم البشر بأبسط الأعذار ويغتصبون الفتيات وغيرهن بتشريعات وهمية باطلة. هل يمكن التصور بأن مجرد فتوى المفتي أو المرجع الديني تشجعهم على مخالفة ربّ يسجدون له في كل يوم 34 مرة على الأقل دون وجود حوافز باطنية نفسية؟ تلك هي مظاهر أخرى من تعاون أصحاب الفتاوى ومن ورائهم الحكام المستفيدون أو من في حكمهم من أصحاب المطامع مع الشياطين الذين يساعدونهم بالوسوسة والتزيين في نفوس الضحايا الذين أصبحوا فريسة لهم.

5. هناك علوم ضرورية يبثها الله تعالى بين البشر لتنظيم حياتهم وخاصة بعد التزايد السكاني مع تباين أشكالها طيلة القرون السبعين الماضية حتى اليوم. والقرآن يعزو هذا النشر إلى الملائكة الذين يساعدون العلماء بغض النظر عن أديانهم لأنهم في الدنيا وعملهم يفيد البشرية والله تعالى يحب البشر دون شك لأنهم جميعا عبيده ولا يفرق بينهم أبدا في العطاء في عالم الاختبار والتمحيص. وهناك طبقة أخرى من البشر يستعمل نفس الإمكانات الطيبة من كهربائيات والكترونيات وإشعاعات مفيدة ومواد كيماوية تفيد البشر كثيرا؛ يستعملونها في صناعة الأسلحة الفتاكة لقتل البشر. لا يمكن أن نتصور تعاون الملائكة مع هؤلاء ولكنها تمثل تعاون الشياطين معهم. ولولا هذا التعاون الغيبي لما وجدت القنبلة الذرية في زمان واحد تقريبا لدى دولتين متناحرتين هما الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق. كما أننا نرى الحركات المفيدة في أزمنة متقاربة بين مختلف الدول. فمثلا نرى الحضارة البابلية تنجح في تطوير الزراعة في العراق وفي نفس الزمان تُقام نفس الحضارة في السند وبينهما بعد المشرقين. واضح بأن هناك تحركات في الغيب تمد هؤلاء وأولئك سواء في الخير أو في الشر.

ونكتفي بهذا القدر من نماذج التعاون بين المعشرين حتى لا يملّ القراء الكرام. فلو أراد الإنس أن يأتوا بقرآن مماثل فإن هناك طبقات من الجنّ وهم الشياطين على أتمّ الاستعداد لمساعدتهم علميا وفكريا. لكن الأخ القبنجي ظن بأن التعاون المقصود في الآية هو في مجال اللغة والبلاغة ولم يقل القرآن ذلك. وليكن واضحا للإخوة والأخوات الكرام بأن الجن لا يمكنهم أن يتعلموا لغة البشر إطلاقا لأنهم لا يسمعوننا ليتعلموا لغاتنا. قال تعالى في سورة الشعراء: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212). فالشياطين لا يمكن أن تتعلم اللغة عربية أو غير عربية لأنها لا تسمع أصواتنا فكيف تتعلم لغاتنا؟ ومعلوم بأننا نحن البشر قد صنعنا اللغات ولذلك نشاهد لغات مختلفة في الأرض. الملائكة المكرمون والجن والشياطين يرتبطون بنفوسنا الطاقوية ولا علاقة لهم بأبداننا وتبعات أبداننا من لغة ورسوم وصناعات وموسيقى وغيرها.

ودعنا نناقش التحدي القرآني بشكل آخر أبسط مما قلناه أعلاه. لو ننظر إلى النهايات العلمية التي وصل إليها البشر اليوم وهي كما ذكرت ناجمة عن تعاون الإنس مع الجن كما مع الملائكة. فلوازم الخير تُصنع بجوار أسلحة الشر والدمار. هل تمكن البشر من حلّ لغز البداية؟ لقد وصلوا إلى الانفجار الكوني وهو مسألة جدُّ صحيحة برأيي باعتباري من تلاميذ القرآن، لكنهم لم يتمكنوا من فكّ لغز المادة التي انفجرت ولم يتمكنوا من إيجاد مصدر الحرارة التي فجرت تلك المادة الغريبة حسب ظنهم.

بالطبع أن تلك المادة التي لا تزيد عن سنتيمتر مربع حسب قولهم وبعد البرودة تحولت إلى بحر مواج من الكيماويات بلغت حرارتها غبّ التبريد عشرة بلايين درجة مئوية حسب تقديرهم. ولك أن تقدّر بالخيال تلك الحرارة المهيبة التي قامت بذلك التفجير العظيم. إن هذا الأمر بالنسبة لنا اليوم دليل واضح على عدم تمكن الجنّ والإنس من الإتيان بمثل هذا القرآن فبالاعتماد على القرآن الكريم يمكننا الإجابة عن كثير من تلك الأسئلة التي حار العلماء فيها حول نشأة الكون. فضلا عن عشرات الأمثلة الأخرى على عجز التعاون بين معشر الجنّ والإنس عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي بين يدينا. ودفعا للضياع فإن غالبية المسائل العلمية في القرآن غير منشورة وما نراها منشورة فليست كلها صحيحة للعلم.

إنك أخي القبنجي تحتاج إلى أن تفتح عينيك قليلا وتترك التبعية لمقولات العرفاء وإن شئت قلت الشعراء فهم جميعا ليسوا عرفاء برأيي وأنا أعرف ما أقول وأعرف المدى الذي يمكن لإشاراتي أن تبلغه والحمد لله. إنني أحترم شعرهم وبلاغتهم وأدبهم ولا أهتم بتخيلاتهم أو ما أسموه بالإشراقات دون دليل أو برهان.

يتبع

أحمد المُهري

#تطوير_الفقه_الاسلامي

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلاميhttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.