المؤمنة كاترين ح 1

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤمنة كاترين

المدخل

        دخل قاعة البنك واستكان خلف طاولته ودخلت معه (كاترين) لتستقر في المكتب الموازي وهكذا دخل (توم وفريجا وسام وسارا وساترين) وبقية موظفي قسم الاعتمادات في البنك (المدني) بشارع (المصابيح) في الكويت.

        الجو مغبر وقد مال التراب في الجيوب بعد هبوب [بوارح الدهناء] الشديدة المحملة بالتراب الناعم الأحمر. هذه الرياح تعصف بالديرة (الوطن لدى الخليجيين) عصفا فتحجب الشمس وتغيم كالسحب لكنها تمطر التراب والرمال الناعمة بدلا عن الماء.

        الحمد لله على السلامة، يقولها المزور الذي يشاهد الزائر قبل أن يفتح عينيه بعيدا عن المسحوق الهادر. الغياب وصدمة السيارة والمستشفى عوضا عن العمل هي من مقارنات هذه العواصف العاتية.

        الكل متأخر ولا فرصة لتصفح الجرائد، فالزبائن سيأتون قريبا وأعمال يوم الخميس لم تنته بعد.. هل دققت كل اعتمادات الخميس يا كاترين؟ قاله (علوي)، رئيس قسم الاعتمادات بالبنك.

كاترين:

لا يا علوي، هناك سبع اعتمادات لم تكتمل بعد. 

علوي:

إذن هات البقية حتى نتخلص منها.

كاترين:

هناك ثلاثة اعتمادات مطلوبة فتحها لصالح شركات مدرجة بالقائمة السوداء. ماذا أفعل بها؟ هل أعيدها أم أنتظر؟

علوي: 

ماذا تنتظرين يا كاترين؟ ما معنى القائمة السوداء وقد تصالحت المنظمة مع الإسرائيليين وتم التعانق بين أبي عمار وإسحاق رابين ولم يعد هناك داع للمقاطعة؟

كاترين:

علاقات الكويت رديئة مع المنظمة ولكن لا أعتقد أن الحكومة سوف تستجيب للواقع المفروض بهذه السرعة. على كل حال، فنحن ننفذ القانون ونرفض فتح هذه الاعتمادات، ولكن الموقعين على الطلبات أشخاص غير عاديين يا علوي، إنهم [هوامير]. من الذي يقوى على ردهم؟ إنني أخاف على وظيفتي التي أنا بحاجة إليها، وأرجو أن تبتكر حلا معقولا.

علوي: 

ارفضيهم وأنا الذي سوف أوقع على الرفض ولا تخشي على وظيفتك، فهو نوع لا حقيقة له من الوسواس يا كاترين.

كاترين:

لا، يا سيدي، فالأمر أعمق من ذلك، لقد اتصلوا معي هاتفيا ساعة دخولي البنك في هذا الصباح قائلين: إن المقاطعة سوف ترفع قريبا، تجاهلي القائمة السوداء وافتحي الاعتمادات على مسئوليتنا. كان المتحدث هو من كبار الشخصيات ويستعمل لحنا شديدا أشبه بالأمر منه إلى الطلب.

حتى البضائع مشبوهة، ونحن في البنك نرفض -عادة- هذا الإيجاز القابل لكل تفسير. لقد اكتفوا بكتابة “بضائع عامة” في خانة البيانات، مع أن قيمة الاعتماد أكثر من مليون دولار أمريكي!

علوي: 

أرني إياه يا كاترين.

وتطلع عينا رئيس الاعتماد ات على الطلبات المشبوهة، وجعل يقلبها ويتطلع إليها فترة وهو لا يدري ماذا يفعل! لم يمض نصف ساعة حتى نادته كاترين:

ها هو (غيهب) وراء الخط ويطلب رقم اعتماد [العم].  أجاب علوي: قولي له انشا الله سوف نتصل معهم بعد دقائق.

هرول علوي نحو غرفة مدير البنك ملتمسا تعليماته في هذا الشأن. المدير، كان يتطلع إلى ساعته، فلقد حان موعد جلسة مجلس الإدارة.

كانت مفاجأة رئيس الاعتمادات تنطوي على إحراج شديد لإدارة البنك من أحد [الأعمام] الكبار!! لم يكن للمدير العام بد من إبلاغ رئيس مجلس الإدارة، هذا الطلب الشاذ والغريب من [العم] بو ناصر.

حاول رئيس مجلس الإدارة الاتصال مع العم بو ناصر، فأبلغوه بأن سعادته قد استقل طائرته الخاصة صباح هذا اليوم قاصدا لندن، وأعطى تعليماته لمدير أعماله بإرسال فاكس بتفاصيل الاعتماد قبل ظهر هذا اليوم إلى الشركة المستفيدة.

لقد قام (غيهب) فعلا بإبلاغ الشركة بأن الاعتماد سيفتح هذا الصباح في البنك المدني وطلب منها على أساسه البدء بإنتاج البضاعة المشبوهة. الشركة المنتجة أبلغتهم أمس بأنها ستشتري المواد الخام فورا إثر تأكيد العم بو ناصر باعتبار الاعتماد وكأنه مفتوح، إذ لا رادّ لطلبه المؤكد من البنك المدني.

[العم] بو ناصر هو أحد كبار المدينين [بالمديونيات الصعبة] وأحد كبار المودعين بالبنك المدني أيضا. [للعم] بو ناصر مجمع تجاري كبير في منطقة (الجهراء)، وقد ساهم البنك المدني في تمويله من جهة ثالثة. هذا التمويل غير داخل في المديونيات الصعبة، فهو من أجل بناء مجمع تجاري كبير للأجيال القادمة. علاوة على ذلك فإن العم بو ناصر يمثل عدة شركات أمريكية وبريطانية وفرنسية، وقد فاز بعدة مناقصات كبيرة بعد تحرير الكويت من مخالب لصوص البعث!!

 إنه حريص جدا على إعادة إعمار بلده، ولذلك فإن حقيبة السفر لا تفارقه. إنه يستأجر في كثير من الأحيان كل مقاعد الدرجة الأولى في الطائرة لنقل الوفود التجارية من وإلى الكويت. نشاطه ملحوظ في أوساط الحكومة. وهو إلى جانب كرامته العائلية وفضله الأسري من عائلة (بن برّاك)، فإن خدماته الكبيرة في المشاركة الجادة بالمناقصات التي ضمن كسبها قبل أن تعلن، يفيض على شخصيته الرائعة عظمة لا تجارى.

احتار رئيس مجلس الإدارة -وهو أيضا من الأعمام- ماذا يفعل؟ ماذا يفعل بهذه الحادثة المريبة، وكيف يرفض هذا الطلب الصغير من إحدى الشخصيات الكويتية الكبيرة، بل من الأكبرين!! ثم ماذا يفعل مع الوطنيين في مجلس الأمة، وكيف يحتمل وخزاتهم الموجعة؟ سوف تعصف به هذه القضية إذا بلغت مسامع بعض النواب الذين لا يهابون [الأعمام] والشخصيات الكبيرة. ماذا يفعل؟ ماذا يفعل؟ … لا يدري. كل دقيقة تأخير يعني اقتراب أجله وأجل البنك.

شلت حركة مجلس الإدارة وتوقفت عزائم أصحاب القرارات الكبرى في البنك. الكل خائف والعيون تتطلع إلى رئيس مجلس الإدارة وهم جميعا بانتظار تعليماته التي ستنقل إليهم عبر الهاتف. إن مكالمة واحدة من [العم] بو ناصر يكفي لقطع دابر (البنك المدني)، واستئصال جذوره وقواعده.

الهمسات ترددت بين الكبار ومنهم إلى المدراء ورؤساء الفروع والأقسام، ثم بدأت تتسرب إلى صغار الموظفين.

عادت كاترين مرة أخرى لتقف أمام مكتب رئيسها وتنتظره عدة دقائق حتى يستعيد أنفاسه، وتلقي إليه اعتمادا آخر من طلبات يوم الخميس وهو من [عم] آخر وبنفس النمط. أسرع علوي إلى غرفة مستر (هولنجزورث) مدير (البنك المدني) ورمى أمامه الاعتماد المماثل الآخر، وقام المدير الإنجليزي بإبلاغ العم (محمد الأسطوري) والمعروف بـ (بو جسوم)، رئيس مجلس الإدارة، الطلب المشبوه الثاني. لم يجد الرئيس بدا من الاتصال بسرعة مع الوزير المناط به مكتب المقاطعة. ومكتب مقاطعة إسرائيل هذا، تابع لدائرة الجمارك التي تدور بين وزارتي المالية والمواصلات تبعا لرغبة الوزير الذي لا يتخلى عنها. (كان الجمارك تابعا لوزارة المالية في الكويت ولكنه ألحق بوزارة المواصلات لأن رئيس الجمارك صار وزيرا للمواصلات!).

اتصل العم بو جسوم مع معالي الوزير. احتار الوزير وطلب صور الطلبات لتقديمها إلى أول جلسة لمجلس الوزراء.

يتبع: (نفخة صور العم بو ناصر)

أحمد المُهري

5/1/2019

ملاحظة: هذه قصة طويلة تتناول مسائل سياسة واجتماعية ودينية؛ سنوافيكم بها أسبوعيا بإذن الله تعالى راجين من ربنا إصلاح بلادنا الأصلية وتعريف أهلها بحقوقهم وواجباتهم تجاه أوطانهم وأهلهم.

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلاميhttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.