صحيح البخاري:  لم يعد من الضروري أن تكون مضطربًا عقليًا كي تكون مسلما

 

صحيح البخاري:  لم يعد من الضروري أن تكون مضطربًا عقليًا كي تكون مسلما

 

 صحيح البخاري.jpg

 

أرسل إلينا سيادة الأستاذ رشيد أيلال حورًا نشره في إحدى المجلات المغربية.  يعلن هذا الحوار عن أولى الخطوات التي تأخذها الأمة الإسلامية بعيدًا عن “الاضطراب العقلي” وباتجاه “العقلانية”.  لم يعد يتوجب على الواحد منا أن يكون بدائيًا, دمويًا, شريرًا, مضطربًا عقليًا كي يكون مسلما.  الآن يمكنك أن تكون إنسانا متزنا, طيبًا, عقلانيًا, وأن تكون في نفس الوقت مسلما.  

                                                                                 

  هوجم كتاب “صحيح البخاري نهاية أسطورة” (دار الوطن- الرباط/2017) للمفكر المغربي والباحث في نقد التراث الديني وعلم مقارنة الأديان رشيــد أيــلال، بشكل يكاد يكون منقطعَ النظير في الأوساط العلمية والثقافية بالمغرب. ووصل الهجوم إلى حد الدعوة إلى سجن الرجل، وجلده وهناك من دعا إلى قتله، وهناك من صرّح بتحريم قراءة الكتاب، ودعا إلى إحراقه بعد اتهام صاحبه بالإلحاد. لكن بالرغم مما لقي الكتاب وصاحبه من هجوم ومضايقات، ومنْعٍ من العرض في بعض المكتبات، ومصادرة نسخ منه من المطبعة، ومَنْع إقامة حفل توقيع للكاتب في مراكش؛ ازداد الإقبال على اقتناء الكتاب الذي تصدر نسب المبيعات في المكتبات.

 

  • قمتَ بتشريح مخطوطات صحيح البخاري التي استطعت الحصول عليها، وما قاله أئمة الجرح والتعديل من الحُفَّاظ والمحدِّثين “أهلِ الاختصاص” ووقفتَ على حقائق صادمة تم تغييبها أو إخفاؤها بشكل خطير من قبل هؤلاء الشيوخ، لِتَخْلصَ في الأخيرِ إلى أن هذا الكتاب يشْمَلُ عددا كبيرا من الخرافات والمَرْوِياتِ غيرِ الصحيحة التي وصفتَها بالخطيرة والأضاليل، لأن عددا منها يسيء إلى مقام الألوهية والنبـوة كما استنتجت أن هذا الكتاب لا علاقة له ب”صاحبه”.

ما هي الأسباب وراء كل هذه الأضاليل التي أحيط البخاري وكتابه الذي وضع حوله “فيتــو” ضد كل من يحاول نقده؟

– كتاب صحيح البخاري حوى بين طياته مجموعة من التبريرات التي مهدت للحكام العباسيين، لتبرير مجموعة من التصرفات التي قاموا بها، كعملية التوسعات التي تمت تحت عنوان الفتوحات الإسلامية، حتى أنه تم إفراد كتاب داخل صحيح البخاري بعنوان كتاب المغازي تم تقسيمه إلى أزيد من ثمانين بابا ويعتبر أحد أطول الكتب في صحيح البخاري، ورويت أحاديث تدعـو إلى قتل كل من لا يؤمن بالإسلام، بل أحاديث تحث حتى على قتل المسلم واعتباره كافرا، لمجرد أنه رفض بيعة أمير من الأمراء، وأحاديث تبين أن الرسول كان يمتهن الغزو ويقتات منه “جُعِل رزقي تحت ظل رمحي”، كما تم تبرير أيضا تصرفات هؤلاء الحكام الجنسية الشاذة كالزواج من الصغيرات اللواتي مازلن في مهدهن أي رضيعات، كما نجد إقصاء كبيرا لبيت النبوة فلا نكاد نجد إلا أحاديث قليلة، فرغم ما ذكر في الأحاديث عن فضل الإمام علي وعلمه وأنه باب مدينة العلم، وأنه كان ملازما للرسول صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره إلا أنه لم يرد له في كتاب صحيح البخاري إلا 35 حديثا، في حين لا نكاد نجد ذكرا لأئمة آل البيت في رواة أحاديث هذا الكتاب، الذين كانوا يشكلون المعارضة آنذاك أو متمردون على حكم بني العباس الذي قتل الكثير من معارضيه على رأسهم أعلام وأئمة أهل البيت ونُكِّلَ بهم أيما تنكيل، لذلك فمن الطبيعي أن يوضع سياج قوي حول هذا الكتاب لأنه شكل دستور بني العباس والذين جاءوا من بعدهم، إليه يختصمون ويحتكمون.

  • ماهي بعض هذه المرويات والخرافات الصادمة التي تحدثت عنها؟

– حاولت داخل كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة) أن لا أتطرق لكل الأحاديث غير المعقولة والمسيئة للإسلام في كتاب صحيح البخاري، لأنها كثيرة جدا فهي بالمئات إن لم نقل بالآلاف، لكن حاولت أن أذكر نماذج منها فقط، كاتهام الرسول بأنه كان بذيئا، وأنه صلى بدون وضوء، وأنه حث على تعلم الدين من الشيطان، وأنه كان يدخل على امرأة متزوجة في غياب زوجها وينام عندها وهي تفلي رأسه من القمل، و أنه حاول الانتحار، وأنه كان معدما بما يخالف قوله تعلى “ووجدك عائلا فأغنى” وأنه كان يُكره الناس ليكونوا مؤمنين، على عكس ما أمره الله به في كتابه، وأنه سُحر حتى أصيب بالهذيان، وأنه أيضا تم طعنه من طرف الشيطان في جنبه على عكس نبي الله عيسى وأمِّه مريم، وغيرها من الأحاديث التي تسيء بشكل واضح للرسول، كما تطرقتُ للأحاديث التي تهين المرأة وتعتبرها مصدرا للتشاؤم وفي ذلك تم وضع باب خاص لما يُتقى من شؤم المرأة في صحيح البخاري.

  • لماذا كتاب البخاري دون غيره من كتب الحديث؟

– لقد توقعت أن يطرح هذا السؤال عليَّ قبل أن أنهي كتابي (صحيح البخاري نهاية أسطورة) لذلك أجبت عن هذا السؤال في مبحث خاص داخل الكتاب، وعلى العموم أود أن أشير إلى أن من الأسباب التي جعلتني أتناول كتاب صحيح البخاري دون غيره من كتب الحديث، لأنه الكتاب الوحيد والأوحد الذي تم رفعه إلى درجة التقديس حتى قورن بالقرآن كلامِ الله، فاعتبر هذا الكتاب كاملا دون غيره، من طرف “رجال” الدين السنة، حتى أن ابن كثير في البداية والنهاية قال عنه: “هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بزدزبه الجعفي مولاهم أبو عبد الله البخاري الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه وكتابه الصحيح يستسقى بقراءته الغمام وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه وكذلك سائر أهل الإسلام “!!

ونسبوا إليه خصائص ليست لكتاب الله فكان لزاما علينا أن نقوم بواجبنا إزاء الحقيقة، التي مضمونها أن كل ما صدر عن البشر لا يمكن أن يكون كاملا، واتخذنا كتاب صحيح البخاري نموذجا فقط وما يقال عن كتاب صحيح البخاري يقال عن باقي كتب الحديث، فهي في الهم سواء.

  • في الفصل الأول تصف تدوين الحديث بالآفة، وتتوقف عند مجموعة من التناقضات التي رافقت تدوين حديث الرسول(ص). ما هو الجديد الذي تقدمه في هذه المسألة خصوصا أن علماء الحديث لا يخفون المشاكل الكثيرة التي رافقت تدوين الحديث؟

– الجديد الذي أقدمه من خلال كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة) في مسألة تدوين الأحاديث هو مناقشة تبريرات المحدثين للتناقض البيِّن بين تدوينهم لها وورود أحاديث تمنع تدوين أحاديث الرسول، بل وجدنا أن الخلفاء الأربعة امتنعوا أيضا عن كتابة الحديث، وقد بينت في مبحث “عذر أقبح من زلة “، من فصل آفة تدوين الحديث، تهافتَ التبريرات التي يقدمها هؤلاء الشيوخ، حيث قالوا :” إن منع الحديث جاء في صدر نزول الوحي حتى لا يختلط على الناس كلام الرسول بكلام الله فلا يميزون هذا عن ذاك”، وهذا كلام خطير جدا، يلغي ضمنيا الإعجاز البلاغي لكلام الله، بمعنى أن العرب آنذاك وهم جهابذة اللغة وسادتها، وأبناء بَجْدَتِها، عاجزون عن التمييز بين كلام الله المعجز لكل البشر، وبين كلام البشر، وهم الذين سُحِروا ببلاغته وبيانه، حتى وصفوا رسول الله بالساحر، وحتى قال فيه أفصح فصحاء العرب في الجاهلية قولته المشهورة التي حكاها ابن هشام في سيرته ” والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة – قال ابن هشام : ويقال لغدق – وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل” فسرعان ما تحول الناس عن القرآن لتصبح قبلتهم المرويات التي نعرف جيدا سياق ومساق تدوينها بل صناعتها، وكيف قام الحكام بلعب دور كبير في ذلك ترغيبا أو ترهيبا لمن وضعوها من الشيوخ.

 

  • بعد “آفة تدوين الحديث” تتطرق إلى آفة أخرى لا تقل خطورة وهي “آفة علم الحديث”. ما الذي يجعل من هذا المبحث آفة ؟

– اعتبرت هذا المبحث آفة لأن المعايير التي استعملها في قبول الرواية كانت معايير غريبة ولا تمت للعلم بصلة، فأن تستدل على الرواية بالراوي فهذا أمر غريب، حيث أن معايير قبول الحقيقة يجب أن تكون مطابقة للواقع، والعقل والمنطق، فاستدلوا بشكل غريب على الرواية بالراوي، حتى قالوا إن الرواية فرع عن الراوي، وسرعان ما تم تحويل “علم” الحديث إلى شيء قابل للنقد أو المناقشة، وأنا أتساءل هل هناك علم يبقى جامدا مدة 12 قرنا، فمن خصائص العلم عدم الثبات، ومن خصائصه التطور، إلا أن “علم” الحديث بقي على حاله وسذاجته في التثبت من صدق المعلومة ومصداقيتها رغم تطور العلوم بشكل مذهل، في هذا المجال، ليتحول الحديث و”علومه” إلى آفة تكرس تخلفنا، وتسهم فيه، فرفض استعمال العقل والاستفادة من علوم العصر من أكبر ما يخيم على ما يسمى بالحديث الآن.

  • من أهم أسس علم الحديث : (الإسناد) أو (علم الرجال) الذي يبحث في جرح الرواة وتعديلهم وأحوالهم وشروط روايتهم للحديث…. هذا العلم اعتمده العلماء طيلة قرون في تمحيص الأحاديث. لماذا كان هذا العلم بالنسبة إليك أكذوبــة ؟

– لأن أصحابه يدَّعـون أنهم بواسطته يمكن أن يعرفوا صلاح الشخص من عدمه، وهذا أمر مستحيل عقلا وشرعا، فلا يمكن أن نحكم على أي شخص حتى لو عاشرناه، فسيكون حكمنا نسبيا عليه، فكيف بنا نحكم على أشخاص لم نرهم ولم نلتق بهم وبيننا وبين وفاتهم عشرات السنين، بل مئات، ثم أنه من أغرب الغرائب في صحيح البخاري مثلا أن نجد فيه روايات عن خوارج ونواصب بدعوى أنهم ثقات، بينما لا نجد حديثا واحدا عن أئمة أهل البيت، فما الذي منع من الأخذ عن أئمة أهل البيت هل هو العلم أم السياسة أوالولاء المذهبي؟ إننا حقا أمام أكذوبة فيها الكثير من الادعاء، ومن المضحك أيضا على صعيد ما يسمَّى بعلم الرجال وتعديلهم أو تجريحهم، فلا نكاد نجد فقيها أو محدثا سلم من التجريح، حتى البخاري نفسه تم تجريحه من طرف شيخه “الذهلي” الذي أفتى بعدم أخذ الحديث عنه، وحرم حضور مجلسه بفتواه الشهيرة حول “لفظي بالقرآن مخلوق” المنسوبة للبخاري، كما اتهمه الذهبي بالتدليس في كتابه أعلام النبلاء، فعن أي علم نتحدث وكيف يتم قبول تدليس فلان ولا يقبل تدليس فلتان وكيف نأخذ الحديث من شخص مطعون في عقيدته ولا نأخذ من آخر لا نتهمه في عقيدته؟ سوى أن يكون التعصب المذهبي والسياسي والعرقي أحيانا حاضرا في هذا العمل.

  • ماذا تقصد بجناية الحديث؟

– ما جناه الحديث على الأمة من هجر كتاب لله لفائدة مرويات، حملت ما حملت من تأثر بتاريخها وما يعج فيه من تطاحنات وتلفيقات ودسائس وكذب صريح على الرسول، فأنتج داعش ومن يدور فلكها وما يدور من إرهاب وتعصب إلا نتاج هذه الأحاديث التي وُضعت لخدمة أهداف تبقى سياسية متنفذة في عصر من العصور، وفي مصر من الأمصار، هذه الأحاديث هي التي جعلت من العقل الإسلامي عقلا متكلسا يكتفي بما في الماضي ولا يحاول أن يجابه الحاضر ولا أن يستشرف المستقبل، فلا يعيش مع كامل الأسف متغيرات واقعه بوعي تام، بل يعيش على صراعات الماضي وأساطيره محاولا إعادة إنتاجها من جديد في عصرنا، تلك كانت الجناية.

  • المُطلع على الكتاب يكتشف أنك تتحدث عن أساطير بدل أسطورة واحدة؛ فهناك أسطورة شخص البخاري وسيرته التي وصفتها بالأحلام، والكتاب وأسطورة الحفظ عند البخاري… ألا يتبقى شيء من البخاري؟

– لا يتبقى من البخاري شيء إذا اعتبرناه دينا، إلا ما وافق كتاب الله، وهذا قليل جدا، لكن إذا تعاملنا مع صحيح البخاري كجزء من تاريخنا ندرسه في نسبيته التاريخية وظروف تأليفه، فلن يكون لدينا أي مشكل في التعامل مع نصوصه ومع الكتاب ككل، حيث أن مكانه الطبيعي عندها سيكون هو متاحف التاريخ وليس حياة الملسمين اليومية.

  • لا يخلو الكتاب من شجاعة علمية كبيرة تتجلى خصوصا في أنك – من داخل الوسط السني- تنفي أن يكون “جلّ- إن لم نقل كلّ- ما في الصحيح لا علاقة له بالإمام البخاري”. كيف اهتديت إلى هذه الفكرة التي اشتغلت على إثباتها مدة ستَّ عشرة سنة؟ ومن ألف صحيح البخاري؟

– السؤال حول علاقة الشيخ البخاري بهذا الكتاب المنسوب إليه، كانت قد وجهته إليَّ سيدة تدعى حسناء الإدريسي، بعد أن لاحظتْ رفضي للكثير مما ورد في كتاب الجامع الصحيح من أحاديث تسيء للرسول (ص) وللذات الإلهية وللمرأة وللإنسانية جمعاء، فحاولت أن أجيب عن هذا السؤال بالبحث في مخطوطاته، وبعد بحث طويل وبدون أي معلومات مسبقة كانت النتيجة صدمة لي قبل أي شيء، حيث خلصت بما لا يدع مجالا للشك بأن كتاب صحيح البخاري كتاب ملفَّقٌ ومزوَّر وحتى إذا كان الشيخ البخاري قد ألف كتابا اسمه الجامع المسند الصحيح المختصر من سنن رسول الله وأيامه والشهير بصحيح البخاري فإنه حتما ليس هو الذي بين أيدينا، سيما أن هناك نُقـولا موجودةً في الكتب المعتبرة لديهم كفتح الباري لابن حجر العسقلاني والتعديل والتجريح لأبي الوليد الباجي تؤكد على أن البخاري مات دون أن يكمل كتابه فقام التلاميذُ وتلاميذُ التلاميذِ بإكماله وإضافةِ العديد من الأحاديث إليه. لذلك فصحيح البخاري كان تأليفه تدريجيا مستغرقا قرون من الزمان.

  • ما هو في نظرك سببُ الهجوم العنيف على الكتاب وعليك أيضا؛ مع أن صحيح البخاري انْتُقِـدَ – في البيت السّني- على مر التاريخ؟

– ربما كانت الهجمة على كتابي بشكل أكبر لاعتبارات يمكن أن ألخصها في مجموعة من الأسباب، ولعل أهمها عنوان الكتاب، فمعظم الذين هاجموني مع كتابي صرحوا أنهم لم يقرأوا كتاب “صحيح البخاري نهاية أسطورة” وبالتالي فقد هاجموا كتابا لم يقرأوه أصلا، ولا علم لهم به وبمضامينه وبما يحتويه، بل رهنوا أنفسهم في العنوان وبدأوا يجادلون ويشتمون، مع العلم أنهم يعرفون جيدا أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لكن هؤلاء خرقوا القاعدة، وحكموا على كتاب بدون معرفة ما يحتويه.

ثانيا الهجوم على الكتاب بهذا الشكل أيضا بسبب أني اعتمدت على أمهات كتبهم وعلى أقوال كبار أئمتهم الذين يعتبرون آراءهم الفيصل في هذا المضمار، وبيّنتُ الحقيقة التي يُخفيها الشيوخُ عن العـوام، وأخرجتُها من معاقلها في بطون الكتب، وبسطتها في كتابي هذا، فوجدوا أنفسهم محاصرين بكلام أئمتهم الطاعن في صحيح البخاري والمُنهي لقداسته وقداسة صاحبه البخاري المنسوب إليه.

أما ثالثا فلأن كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة كان أولَّ كتاب يدرس صحيح البخاري من جهة المخطوطات ليبين للناس أن هذا الكتاب المقدس لدى معظم المسلمين لا تربطه أي علاقة بالشيخ البخاري، وأن بين وفاة البخاري وبين كتاب الصحيح ستة أجيال(239 سنة) و أنه حتى القرن التاسع الهجري أي بعد وفاة البخاري بستمائة سنة لم يكن لصحيح البخاري نسخة موحَّدة بل كانت له ثلاثَ عشْرةَ نسخة مختلفة، وهذه الحقائق لا يمكن أن يُنكرها الشيوخ لأن ما أقوله مبثوث في كتبهم ويعرفونه حق المعرفة، لكنهم يخفونه لغاية في نفس يعقوب.

  • هناك عدد من خطباء المساجد صرحوا بعدم قراءة الكتاب، لكنهم ثاروا ضده وضدك، وبعض الدُّعاة اكتفوا في الرد بتعداد فضائل الإمام البخاري، وآخر وضع جائزة لأحسن رد على الكتاب. أولا : كيف تقيِّم ردود هولاء؟ ثانيا : ألم تتلقَّ استجابة لدعوتك هؤلاء إلى المناظرة؟

– هي ردود العاجزين المتشنجين الذين لا يتركون مجالا للحوار الهادئ العاقل المتزن، فأن تقوم بتحريم قراءة كتاب وإحراقه دليل على أنك لا تملك ما تفند به أدلة هذا الكتاب، وأن ترصد جائزة مالية للرد على كتاب، فهذا يدل على أنك عاجز عن الرد عليه، لذلك لم يستطع أيُّ واحد من الشيوخ المعتبرين أن يستجيب للمناظرة واكتفوا بالفتوى: تارة بتكفيري وتارة بإدخالي السجن بعد جلدي وبعض هؤلاء الشيوخ دعا إلى كسر قلمي وتأديبي بالضرب، وأنا أدعو هؤلاء الشيوخ إلى التحلي بشيء من الرصانة والتعقل، وليقرأوا كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة ليتمكنوا من الرد على ما يرفضونه منه بالدليل والحجة، حتى تعود ثقة الناس بهم إلى عهدها، وإلا فإن ردود أفعالهم المتشنجة قد هزت صورتهم لدى كثير من الناس، سيما فئة الشباب والمثقفين.

  • كلمة أخيرة :

– مسيرة التنوير انطلقت برموزها وروادها، وبكل أشكالها في الأدب والفن والفكر وأيضا في تجديد الخطاب الديني، وهي لن تتوقف بعون الله، وستُحَقق مزيدا من الانتشار بفضل الإقبال الكبير عليها واكتساب العديد من المؤيدين لها من كل الفئات، لكن على هذه المسيرة كي تنتشر وتستمر ألا تقع في فخ إقصاء غيرها، بل عليها التحلِّي بالصبر على المخالِف، ومقارعته بالحجة والدليل والحوار الهادئ العاقل، وقبول هذا الرأي بدون اتهام له ولا تعنيف، فحركة التنوير عليها أن تكون نموذجا للأخلاق العالية وأن تكون معركتها معركة استيعاب لا معركة إقصاء.

حاوره: ميلود لقـــاح

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.