الرسول ليس مشرعا والشريعة كلها لله تعالى

الرسول ليس مشرعا والشريعة كلها لله تعالى

 

ISLAM1

 

نحن في مركز تطوير الفقه الإسلامي مسلمون والمسلم يهتم بالإنسان بصورة عامة سواء كان منا أو لم يكن مثلنا في الدين. إن كل إنسان مؤهل لأن يصبح مسلما مؤمنا صالحا متفوقا على غيره حتى درجات الأنبياء. هذه إحدى معاني عدالة السماء. فالمجال مفتوح للجميع ليستبقوا الخيرات. قال تعالى في سورة المائدة: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43). الآية تعني بأن بني إسرائيل واليهود عامة محتفظون بالتوراة وهي تنطوي على حكم الله تعالى فهم مستغنون عن الحكم السماوي لأنه عندهم. فتنبؤنا الآية الكريمة بعدم وجود فروق جوهرية بين التوراة والقرآن. بالطبع أن المقصود هو التوراة الأصلية المنزلة على موسى عليه السلام.

ثم تتابع الآيات فيقول عز من قائل بعد ذلك: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44). فلا يجوز لمن يريد الآخرة ورضوان الله تعالى أن يحكم بغير ما أنزل الله تعالى. لم ينزل الله تعالى على المسلمين كتابا غير القرآن. هو عين الكتاب الذي حمله رسولنا المصطفى وعمل به وقد أوصله الله تعالى إلينا دون تغيير. فكل من يحكم بغير ما أنزل الله من السماء فهو كافر. بالطبع لا تعني الجملة بأنه خارج عن جماعة المسلمين لكنه كافر بما أنزله الله تعالى بالكيفية التي يريدها الله سبحانه فهو خاسر لآخرته بالطبع.

ثم تتحدث الآيات عن القصاص وتؤكد مرة أخرى وجوب الحكم بما أنزل الله فقط فيقول سبحانه: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45). والإنجيل أيضا كتاب مصدق للتوراة وعلى أهل الإنجيل أن يعملوا بإنجيلهم الذي يأمرهم بالعمل بالتوراة: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47).

وبعد ذلك يؤكد العلي العظيم بأنه هو الذي أنزل القرآن ويجب العمل على أساس التنزيل السماوي وليس على ما يقوله أو يفتي به الناس: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48). لعل الإخوة والأخوات انتبهوا حتى هنا بأن الاختلاف طبيعي باعتبار ما ينطوي عليه كل من علم من أمور الحياة الدنيا شيئا ويجب ألا نهتم كثيرا بهذه الاختلافات فإن هناك يوم يتوحد فيه الفهم العام لكل ما أنزله الله تعالى بأنه هو سبحانه سوف يعلمنا ما اختلفنا فيه؛ وذلك يوم القيامة. سمى سبحانه الذي سنسمعه غدا من ربنا نبأ، والنبأ يعني الخبر العظيم. ولذلك فنحن قد لا نصل إلى أعماق آيات الله تعالى في الدنيا ولا بأس في ذلك ما دمنا مخلصين له وبانتظار يوم الفصل أمام ربنا الديان العظيم.

لكن علينا في حياتنا الدنيا أن نستبق الخيرات. فنناقش ونسعى للمزيد من الفهم دون أن يجادل بعضنا بعضا بل نطلب المزيد من مكارم الله تعالى. المهم إخواني وأخواتي أن نترك التعصب الأعمى لما توصلنا إليه فقد نكون خاطئين. والواقع أننا جميعا خاطئون هناك نسبة ضئيلة جدا بيننا قد يكونوا على صواب في بعض ما يقولون. لا ننس بأننا لا نفسر مقولاتنا الشخصية ولا أقوال البشر بل نفسر قول الذي يعلم السر في السماوات والأرض جل جلاله.

أطلب ممن يقرأ ما أكتبه اليوم أمرا واحدا في الآيتين التاليتين وهما تاليتان لما سبقتهما دون فصل وهو أن الرسول ليس مشرعا بل هو ناقل لتشريع السماء فقط: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50). ليس للرسول عليه السلام أي دور في أحكام الله عدا البيان والتبليغ فحسب.

ثم يؤكد سبحانه بعدها بأننا مغايرون لليهود والنصارى ويجب أن تكون علاقاتنا محدودة لا تصل حد التبعية فيقول عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51). إنهم ظالمون لأنهم كذَّبوا رسول الله عليه السلام ومن يتبعهم فهو ظالم أيضا ولا ينتظر الهدى من الله تعالى الذي وعد أن يهدي المتقين فقط دون الظالمين. ثم تتحدث الآيات عن العلاقات التجارية وما شابهها بين المسلمين الجدد وبين اليهود والنصارى فيقول القدوس عز اسمه: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53). خشية الفقر والخسائر المادية لا تخولك لتتولى اليهود والنصارى. قد يغير الله تعالى المعادلات فيندم الذي سارع في التقرب إليهم. قد يأتي يوم تنكشف فيه حقيقة الذين نافقوا فاحتفظوا بعلاقات خاصة مع اليهود والنصارى وهم يدعون بأنهم مسلمون فسوف يفضحهم الله تعالى.

ثم قال العزيز سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54). ليس هناك ارتداد عن الدين في الواقع بالمعنى المعروف بيننا بل هو ارتداد عن اتباع ما أنزل الله تعالى فمن لم يعمل بما أنزله ربه بعد أن أعلن إسلامه فهو مرتد عن دينه في الواقع ولو أنه لم يعلن ارتداده. وعد الله تعالى بأن يتعامل معهم فلو كثروا فقد يغير الله تعالى كل التماسك الاجتماعي ويأتي بقوم آخرين أكثر حبا لله تعالى. إنهم الذين يحبهم الله تعالى وهم يتواضعون للمؤمنين ويتكبرون على غيرهم. سيكونون مستعدين للجهاد ضد الذين كفروا بدين الله تعالى. لا تنسوا بأن الحديث لا زال دائرا حول اليهود والنصارى. تصوروا بأن كان هناك احتمال بأن يأمر الله تعالى المسلمين المحيطين بالرسول للجهاد مع اليهود والنصارى. فهم مرفوضون عند الله تعالى ويجب أن تكون علاقاتنا معهم محدودة. لعل من المسموح لنا أن نتبادل المصالح معهم في المعاملات التجارية والصناعية وفي المعاهدات السياسية ولكن يجب أن لا تتجاوز العلاقات لتصل حد تكوين العائلات وتكوين التجمعات الدينية معهم لأنهم ضالون رافضون لطريق الهدى مع الأسف.

ولا ننس بأن رسولنا كان مؤمنا بدين المسيح عليه السلام إذ لا يمكن أن نتصور الله تعالى يختار نبيا يبلغ رسالاته وهو غير مؤمن بدين الله تعالى. كانت الديانة المسيحية آنذاك تمثل دين الله تعالى. لاحظوا كيف كان عليه السلام متألما من أن بني دينه لا يتبعونه. قال تعالى في سورة الكهف: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا ِلآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6). باخع نفسك يعني قاتل أو هالك نفسك أسفا عليهم.

نعود إلى آيات المائدة. وبعد أن منع الله تعالى المسلمين من تقوية روابطهم وعلاقاتهم مع اليهود والنصارى فإنه يأمرهم بأن يعتبروا أنفسهم أعضاء في حزب الله. هذا الحزب حزب مفتحة أبوابه للمسلمين جميعا دون غيرهم فيقول القدوس جل جلاله: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56). أرجو أن يعلم الجميع بأن الله تعالى بهاتين الآيتين جعل المسلمين الذين يتبعون الله ورسوله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة بكل خضوع أعضاء في حزب. لعلكم تعرفون بأن الحزب يمثل المجموعة التي تشترك في أهدافها ومناهجها فيقوي بعضهم بعضا. فحزب الله في واقعه هو المجموعة التي تسعى لتحقيق أهداف الله تعالى في عبيده سواء في تطويرهم وتعليمهم وهو الهدف الأساسي للجبار عز اسمه أو في تقديم المساعدات الأخرى لهم. وكذلك التجمعات التي تسعى للدفاع عن الأوطان والأملاك وعن العهود والسياسات المتقاربة. المهم بأن الله تعالى يحب أن يشكل المسلمون حزبا بينهم قائما على أساس أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن القرآن كتاب الله. ثم ينتهجون منهج القرآن وهو إقامة الصلاة في أوقاتها والاهتمام بالمشاكل المالية للبشر فيحاربون الفقر والمجاعة بقدر المستطاع دون أن يتكبروا على خلق الله تعالى بل يدفعوا مال الله لعبيد الله وهم راكعون لربهم الذي من عليهم بشرف العطاء باسمه الكريم. وبالنسبة لرسولنا في حضوره فإن الله تعالى وعدهم وعدا جديا بالغلبة على أعدائهم.

ثم يؤكد الله تعالى بأن السبب في منعه المسلمين من اتخاذ الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبلهم أولياء هو أنهم اتخذوا دين الله تعالى هزوا واتخذوا الدعوة إلى الصلاة الإسلامية هزوا ولعبا لأنهم لا يعقلون ولا يميزون الحق من الباطل كما يبدو لي. فيقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59).

وفي النهاية يؤكد الرحمن لليهود والنصارى بأن المسلمين أكثر واقعية وأكثر اتباعا لتشريعات السماء لأنهم تقبلوا التوراة والإنجيل والقرآن وعملوا بها جميعا واتبعوا كل رسل الله فلماذا يسعون للانتقام من المسلمين الذين هم يدينون بدينهم ويضيفون إليه ما أحدثه الله تعالى من أوامر سماوية. فالذي فسق عن أمر الله تعالى هو الذي رفض دين الله وليس الذي رضخ لكل ما أنزله الله تعالى. وأرجو من القارئ الكريم أن يفكر في سورة الممتحنة ليعلم بعدم جواز أن نسر إليهم بالمودة الخاصة ونكتفي معهم بالود الجمعي والمحبة التقليدية بين البشر والآداب العامة وتبادل المصالح فقط.

وأرجو أن يعلم الإخوة والأخوات المكرمون بأن ما أكتبه هنا ليس تفسيرا للآيات الكريمة. لقد أخذت مني تلك الآيات 13 محاضرة بطول 13 ساعة عدا الوقت الذي صرفناه في المناقشات مع الزملاء الكرام. نحن هنا نتحدث عن موضوع واحد وليس عن كل مواضيع الآيات الكريمة. ذلك هو موضوع التزاوج بين المسلم والمسيحي والمسلم واليهودي ومشروعيته من عدم مشروعيته. أرجو أن يعلم المسلمون بأننا نحتاج إلى استثناء قرآني لنسمح لأنفسنا بأن نسر الحب والود العاطفي الشديد مع من يرفض بأن يدين بدين الرحمن وإلا فنحن فاسقون مع الأسف. ليعلم الجميع بأن الزواج مسألة حساسة جدا عند الرحمن وحتى ينتبه الإخوة والأخوات فإني أرجو منهم ملاحظة أن العلاقات الجنسية محرمة بين المثليين تحريما شديدا ولكن الدين الإسلامي لم يعين عقابا دنيويا لهم بل أمر بمنعهم فقط لو كانوا ذكورا وبحبسهن لو فعلن ذلك أمام الملأ حتى يأتي من يتزوج بهن أو يأتيهم الموت كما أظن؛ ولكنه سبحانه أمر بعقاب الزاني والزانية المتجاهرين 100 جلدة كما في سورة النور.

قال تعالى في سورة المائدة: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16).

العقاب الشديد للزنا يدل على اهتمام الله تعالى بالعلاقات الطبيعية التي وضعها سبحانه لتحديد وتحسين النسل وهو أمر مهم في تشريعات السماء. فليعلم الزوجان بأن الله تعالى وعد بمساعدتهما مساعدات كبيرة في القرآن وسوف نتحدث عنها مستقبلا. وليعلم الجميع بأن الشهوة التي خلقها الله بين الأزواج فهي ليست ممدوحة عند الله تعالى بل مسموح بها فقط في حدود. قال تعالى في سورة المعارج: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31). وقال سبحانه مثلها في بداية سورة المؤمنون. فكل العلاقات الجنسية خارج الزواج الشرعي بأي اسم كان فهي محرمة ويعاقب عليها الله تعالى يوم القيامة.

وأؤكد مرة أخرى بأن القرآن لا يحبذ تلك العلاقة الشبيهة بعلاقة الحيوانات ولكنها ضرورة التكاثر فنحن غير ملومين فقط. والعلم عند المولى عز وجل.

أحمد المُهري

10/8/2018

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

تعليق واحد
  1. ambmacpc :

    زواج الفاسقة وفقدان الحس الإنساني

    أرسلت إلينا الباحثة الإسلامية الشابة, سيادة الأستاذة لميس فايد, رسالة تدين فيها رسالة كتبها فضيلة الشيخ أحمد المُهري عن زواج المسلمة بالكتابي. كل ما أستطيع أن أفعله هو أن أحيل الرسالة إلى فضيلته كي يتولى هو الرد على باحثتنا الشابة. من المهم كذلك أن أذكر أن رأي فضيلته لا يعبر عن رآي المركز. في حالتي أنا مثلاً فلا أقبل “نهائيًا” تفسير فضيلته للآيات القرآنية الخاصة بهذا الموضوع ولا أستطيع كذلك أن أقبل الفكرة التي يعرضها فضيلته عن لزوم “غياب الود” في علاقتنا مع إخواننا من غير المسلمين. يستحيل أن يطلب الله ممن آمن بالله وبأن محمدًا رسول الله أن يراعي مصالح المسلمين فقط ومشاعرهم. إنما يطلب الله منا أن نراعي مصالح ومشاعر كل خلق الله في كل عمل نقوم به. ليس من صالح الأعمال أن يقتصر الود على المسلمين فقط.

    خالص الشكر, والإعزاز, والتقدير, لباحثنا الشابة, سيادة الأستاذة لميس فايد, على كريم رسالتها.

    تقول سيادتها:

    “سلام عليكم وتحية طيبة وبعد،

    أتابع حوار زواج المسلمة من كتابي, وأود مشاركتكم أنه امر واقع بالفعل في ألمانيا هنا حيث أعيش والغرب عمومًا, وهو أمر يبيحه المركزالإسلامي الليبرالي في برلين رغم معارضة بقية المراكز لكن الدولة والقانون يحميان حق المرأة في اختيار شريك حياتها. ثانيًا, لا أخفي صدمتي في إحياء ما في بطون الفقه دون رده إلى أصله عن زواج الفاسقة المسلمة من كتابي فاسق, حيث إن الأمر ضبابي جدًا. القرآن أباح للزانية الزواج من “مشرك” ولم يذكر أهل الكتاب. هل بالفعل يحتقر المسلمون أهل الكتاب “الذكور” لهذه الدرجة حيث إنهم يكونوا عقابًا للمرأة المسلمة الفاسقة؟ ناهيك عما هو مقياس الفجور للقياس عليه من الأصل. كيف لي أو لآحد أن أقيم المسلمة أو الكتابي أخلاقيًا لأصمه بأنه فاسق وعقابًا لهما في الدنيا “حسب رؤية الفقهاء” يتزوج أحدهما الآخر. وماذا لو أنجب الطرفان من هذا الزواج؟ ماذا سيكون مصير الأطفال وإلى أي دين سيتم نسبتهم؟ هل الإسلام بالفعل قد ورث فكرة التوارة عن “خطايا الآباء” حتى أنه صارأعمى القلب لايفكر بمستقبل هؤلاء الأطفال في المجتمع وكيف لهم سيحيوا في مجتمع يرى ويحكم على أبويهم أنهم فاسقين منبوذين؟ هل هذا فقه واقعي؟ هل هذا فقه يحمي الكرامة الإنسانية ويفكر بالطفل, والأم, والأب؟ أم عقلية قبلية تبيح للذكر أن يكتسب أنثى يضمها في القبيلة دون النظر إلى مشاعرها الدينية وأنها ستكون أم أولاده؟ “الأم” التي هي بالفعل من يورث الطفل الدين, وتعاليمه, وتلقيه التربية الدينية؟ أذكرالجميع بفتوى الدكتور حسن الترابي رحمه الله وأنها بالفعل تتحدث عن أمور قائمة في جنوب السودان وكردفان حيث الزواج المختلط بين المسيحيين والمسلمين ومنهم نساء مسلمات. وهنا أيضًا في ألمانيا. أنا لا أبيح فتوى ولا أحب أمر الفتوى ولكن النظرة التي لا زال يُنظر بها إلى الأمور نظرة لا يمكن السكوت عليها وتشي بالكثير من العوار وفقدان الحس الإنساني، ناهيك أن هناك بالفعل حالات رأيتها من زواج المسلمة من كتابي هنا وبعد عدة سنوات اعتنق الرجل الإسلام (تمامًا كما توقع الشيخ حسن الترابي رحمه الله). وعمومًا الحالات فردية ولا يمكن التعميم.

    شكرًا.”

    #تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.