في الإسلام, النص المقدس الوحيد هو كتاب الله

المقال من كتاب (نظرية ظهور العلم )

احصل عليه من هنا :

https://ambmacpc.files.wordpress.com/2016/12/d986d8b8d8b1d98ad8a9-d8b8d987d988d8b1-d8a7d984d8b9d984d985.pdf

 

  1.  في الإسلام, النص المقدس الوحيد هو كتاب الله

 

 

 

يستطيع القاريء أن يطمئن تمام الاطمئنان إلى أن الهدف الأول من هذا الكتاب من أول صفحة فيه وصولاً إلى هذه الصفحة كان هو الوصول إلى هذه الصفحة.  يعود ذلك إلى أن هدف الكتاب الأول هو بيان أثر الفقه السني القديم على فهمنا لدين الله ودنيا الله. 

 

لم يكن هدفنا من حديثنا عن سومر, وآشور, ومصر, وفينيقيا, وبابل, وفارس, واليونان إلا بيان أن “الحضارة” قد انطلقت من هنا إلا أن “العلم” لم ينطلق من هنا.  هنا في سومر تم اختراع الكتابة, وهنا في فينيقيا تم اختراع الأبجدية, وهنا في إريدو ظهرت أول مدينة في التاريخ.  هنا ظهرت “إريدو” وهنا ظهر أول إمبراطور, وهنا ظهرت أول إمبراطورية.  هنا في كل عاصمة من عواصمنا كان هناك إمبراطور, وكانت هناك مكتبة, وكانت هناك مدارس.  هنا في سومر ظهرت أول مدونة قانونية في تاريخ البشرية.  هنا في شوارعنا سار أول أطباء, وهنا في سمائنا رصد البشر أول نجوم.  لم تكن مصادفة أبدًا أن ثلثي عدد النجوم في السماء التي لها أسماء تتحلى بأسماء عربية.   نحن أول من نظر في الأرض ورأى القمح, وأول من نظر إلى السماء ورأى النجوم.  نحن, حقًا وصدقًا, آباء الحضارة إلا أننا, حقًا وصدقًا كذلك, لسنا آباء العلم.

 

في أواخر القرن السابع قبل الميلاد وأوائل القرن السادس قبل الميلاد جاءنا طاليس ليتعلم منا.   ذهب طاليس إلى طيبة وتعلم لغتنا في طيبة وتعلم منا.  غادر طاليس طيبة وذهب إلى بابل وتعلم لغتنا في بابل وتعلم منا.  عاد طاليس إلى أثينا “ليذهل” أهل أثينا بما تعلم منا وليعلم أهل أثينا ما تعلم منا, إلا أنه ما أن عاد طاليس إلى أثينا حتى سقط إمبراطور آشور وسقطت معه آشور, ومكتبة آشور (أكبر مكتبة في العالم آنذاك).   عجزت الجيوش الإمبراطورية الآشورية عن الدفاع عن إمبراطور آشور ومكتبة آشور فذهب إمبراطور آشور, وذهبت معه مكتبة آشور, بل  وذهبت معه آشور.  لم تمضِ بضع سنين حتى سقطت الجيوش الإمبراطورية البابلية هي الأخرى أمام الجيوش الإمبراطورية الفارسية فسقط إمبراطور بابل وسقطت معه بابل, ومكتبات بابل, وقوانين بابل.  كان الفصل الأخير في مصر حين تقدمت الجيوش الإمبراطورية الفارسية ودخلت مصر وأزاحت إمبراطور مصر.  هكذا واحدة وراء الأخرى أقفلت “مصانع الحضارة” في آشور, وبابل, ومصر أبوابها في نفس اللحظة التي كانت فيها “مصانع العلم” في أثينا تفتح أبوابها.  لم يكن مقدرًا لمصانع الحضارة أن تتحول إلى مصانع علم.  أنتج الشرق الأوسط القديم “الحضارة” إلا أنه لم ينتج “العلم”.

 

لم يكن هدفنا من الحديث عن جان بياجيه, ونظريات جان بياجيه, ونمو الإدراك لدى أطفال جان بياجيه, سوى بيان أن “الحضارة” قد ظهرت هنا إلا أن “التفكير العلمي” لم يظهر هنا.  هنا في سومر تم اختراع الكتابة, وهنا في فينيقيا تم اختراع الأبجدية.  هنا ظهرت إريدو, وهنا ظهر أول إمبراطور, وأول إمبراطورية, وأول مدرسة, وأول مكتبة, وأول مدونة قانونية إلا أن هنا لم يظهر “التفكير العلمي”.  يستحيل أن يظهر التفكير العلمي في مجتمع لا يعمل بشيء يحتاج إلى تفكير علمي.  النشاطان الوحيدان اللذان يستحيل القيام بهما إلا باستخدام التفكير العلمي هما “السيطرة على البيئة” التي يعيش فيها الإنسان و”تحقيق العدل”.  لم تنشغل مجتمعات الشرق الأوسط القديم يومًا بالسيطرة على الطبيعة ولا بتحقيق العدل, وعليه لم تحتَج مجتمعات الشرق الأوسط القديم يومًا إلى استخدام العمليات العقلية العليا الخاصة بالمرحلة الرابعة.  باختصار, لم يظهر “التفكير العلمي” في مجتمعات الشرق الأوسط القديم لعدم وجود أي احتياج إليه.   تفكير المرحلة الثانية يكفي “وزيادة”.

 

بينت الدراسات التي قام بها بياجيه أن تفكير الطفل ينمو عبر أربع مراحل.  ينتقل الطفل عبر هذه المراحل من قطعة من البيولوجيا لا تعي شيئًا عما يدور حولها إلى قطعة من البيولوجيا على وعي كامل بما يدور حولها.  ذهب بياجيه إلى أن نمو الوعي هذا – أي ظهور التفكير العلمي – إنما هو “النتيجة الطبيعية” للنمو البيولوجي.   كشفت الدراسات التي قام بها علماء علم النفس الثقافي في الستينيات من القرن الماضي عن الغياب الكامل للعمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة لدى أبناء العالم الثالث.  أثار هذا الكشف اضطرابًا كبيرًا في حقل علم النفس إذ كان المعنى الوحيد له – في حالة التمسك بالتفسير البيولوجي لنمو الإدراك الذي قدمه بياجيه – هو أن أبناء العالم الثالث يعانون من قصور بيولوجي. 

 

بينت الدراسات التي قام بها علماء علم النفس الثقافي, على أية حال, خطأ التفسير البيولوجي الذي قدمه بياجيه لعملية نمو الإدراك.   حقًا, كشفت هذه الدراسات عن غياب العمليات العقلية العليا بشكل تام لدى الأميين من أبناء العالم الثالث, إلا أنها كشفت كذلك عن ظهور هذه العمليات لديهم عند ذهابهم إلى المدرسة.  كشفت هذه الدراسات, بهذا الشكل, أن ظهور العمليات العقلية العليا لا يعود إلى “البيولوجيا”, كما كان يظن بياجيه, وإنما إلى “التعليم”.   لو كان ظهور العمليات العقلية العليا يعود إلى البيولوجيا لظهرت هذه العمليات لدى الأميين من أبناء العالم الثالث على الرغم من عدم ذهابهم إلى المدرسة, أو لاختفت لدى المتعلمين من أبناء العالم الثالث على الرغم من ذهابهم إلى المدرسة. 

 

كشفت هذه الدراسات, كذلك, عن غياب العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة لدى المتعلمين من أبناء العالم الثالث بشكل عام, إلا أنها كشفت كذلك عن ظهور هذه العمليات عند ذلك البعض منهم الذين ولدوا, ونشأوا, وتعلموا في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية.   كشفت هذه الدراسات, بهذا الشكل, أن ظهور العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة لا يعود إلى “البيولوجيا” كما كان يظن بياجيه وإنما إلى “الثقافة”.   لو كان ظهور العمليات العقلية العليا يعود إلى البيولوجيا لظهرت هذه العمليات لدى المتعلمين من أبناء العالم الثالث على الرغم من “ثقافة المجتمع” الذي ولدوا, ونشأوا, وتعلموا فيه, أو لاختفت لدى ذلك البعض منهم الذين ولدوا, ونشأوا وتعلموا في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية “على الرغم” من ثقافة المجتمع الذي ولدوا, ونشأوا, وتعلموا فيه.

 

كشفت هذه الدراسات, بهذا الشكل, أن غياب العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة لدى المتعلمين من أبناء العالم الثالث لا يعود إلى “قصور بيولوجي” لديهم وإنما إلى غياب هذه العمليات من ثقافات العالم الثالث.  كما أوضحت هذه الدراسات, لا تظهر العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة إلا إذا كان المجتمع مشتبكًا في أعمال “يستحيل” القيام بها إلا باستخدام هذه العمليات.  النشاطان الوحيدان اللذان “يستحيل” القيام بهما بدون هذه العمليات هما “السيطرة على الطبيعة” و”تحقيق العدل”.  حيث إن مجتمعات العالم الثالث لم تنشغل يوما بالسيطرة على الطبيعة ولا بتحقيق العدل, عليه لم تجد هذه المجتمعات نفسها يومًا في حاجة إلى هذه العمليات.

 

العمليات العقلية العليا, بهذا الشكل, ليست جزءًا من “الميراث البيولوجي” للإنسان بحيث تظهر حسب “جدول نضج بيولوجي”, وإنما هي جزء من “الميراث الثقافي” للإنسان لا يمكن للطفل البشري أن يكتسبه إلا إذا كان المجتمع قد قام بإنتاجه أولاً ثم قام بتعليمه لهذا الطفل ثانيا.   يستحيل أن يتعلم الطفل استخدام أدوات لم يقم المجتمع بتعليمه كيف يستخدمها, كما يستحيل أن يتعلم الطفل استخدام أدوات غير متوافرة حيث لم ينتجها المجتمع أصلا.  لا يحدد النضج البيولوجي, بهذا الشكل, الوقت الذي يستطيع فيه الطفل أن “يصنع” العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الثانية, أو الثالثة, أو الرابعة, وإنما يحدد الوقت الذي يستطيع فيه الطفل أن “يكتسب” العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الثانية, أو الثالثة, أو الرابعة.

 

في حالتنا نحن أبناء المجتمع العربي (الوريث الشرعي لثقافات الشرق الأوسط القديم) يمكن القول بأن مجتمعنا لم يشتغل يومًا بالسيطرة على الطبيعة, ولم ينشغل يومًا بتحقيق العدل, وعليه لم يحتج يومًا لاستخدام العمليات العقلية الخاصة بالمرحلة الرابعة.  المجتمع العربي ليس بدعًا بين المجتمعات.  لم يحدث يومًا أن انشغل مجتمع بإنتاج ما لا يحتاج هذا المجتمع إليه. 

 

يعني هذا الكلام, من أوله إلى آخره, أنه قد حان الوقت, أخيرًا, للنظر إلى “علم الفقه السني” على أنه علم من “العلوم الشعبية” مثله في ذلك مثل “علم الطب العربي”, أو “علم العشابة” أو غيرهما من العلوم الشعبية التي حدد هورتون خصائصها كما بيّنّا في المقال الخاص بعلوم الثقافات الشعبية. 

 

أرجو من الله أن يكون القاريء قادرًا على التمييز بين كتاب “الأم” للشافعي, أو “الرسالة”,  وبين “القرآن الكريم”, أو بين “القرآن الكريم” وبين كتاب “الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع” للخطيب الشربيني, أو بين “القرآن الكريم” وبين كتاب “المبسوط” للسرخسي.  القرآن الكريم منتج “إلهي”, كتاب الأم ليس منتجًا إلهيًا, ولا الرسالة, ولا المبسوط للسرخسي, ولا الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع, ولا أي كتاب من كتب الفقه السني القديم.  كتاب الله لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه.  كتب الفقه السني يمكن أن يأتيها الخطأ من بين يديها, ومن خلفها, ومن رأسها, ومن صدرها, ومن بدايتها, ومن نهايتها, في كل صفحة فيها, بل وفي كل سطر فيها.  ومن يختلف في ذلك فعليه أن يعود إلى كتاب الله.  في الإسلام, النص المقدس الوحيد هو كتاب الله.  

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.