الجن والملائكة في القرآن الكريم (2)

الجن والملائكة في القرآن الكريم (2)

الموجود بكل بساطة يعني الذي له وجود وكل ما له وجود فهو حقيقة لها ماهية. الماهية تعني ما يمكن أن نسأل عنه بـ ما هو أو ماهي. وليس الوجود محصورا فيما نراه أو نسمعه أو نشمه أو نتذوقه أو نلمسه أو نتأثر به بل هو وجود في مقابل العدم والعدم يعني ما ليس له وجود. أظن بأن هذه مقدمة ضرورية بسيطة جدا ولا تعقيد فيها.

الموجود بمعنى ما نتحدث عنه فهو إما يجب أن يكون أو يمكن أن يكون أو يستحيل أن يكون.

1. الموجود الذي يجب أن يكون يعني الذي لا يمكن ألا يكون ولا يمكن أن ينعدم إطلاقا. هو وجود واجب لا يمكن تصور العدم أو الموت فيه إطلاقا.

2. الموجود الذي يمكن أن يكون يعني الموجود الذي يتساوى فيه الوجود والعدم. بمعنى أنه لو لم يكن أبدا فهو ممكن أو لو كان أيضا فهو ممكن.

3. الموجود المستحيل هو الذي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال.

الموجود الواجب أو واجب الوجود:

كلما نتوسع في فكرنا ونسعى لنصل إلى بدايات الوجود فإننا نشعر وجدانا بأن كلما نراه أو نسمعه أو نسمع عنه أو نشمه أو نقرأ عنه أو نتخيله فهي كلها محتاجة إلى من يوجده. بمعنى أننا لا يمكن أن نتصور شيئا مما فكرنا فيه إلا أنه محتاج إلى من يوجده. لو كان هذا صحيحا بلا استثناء فهو يعني بأن كل الكائنات محتاجة إلى بعضها ولا يمكن تصور الأولية ولا الآخرية ولا الظاهرية ولا الباطنية ولا أي حد من الحدود. هذا فعلا غير معقول. فلا يمكن أن يقول أحد بأنك لو اتخذت طريقا باتجاه الشمال مثلا ثم سرت فيه فلن تصل إلى نهاية بل سترى الطريق غير متناه أمامك مهما أسرعت ومهما بقيت. فالعقل يرفض هذا الشيء.

إذن نحن نحتاج إلى من يوجِد هذه الموجودات. بمعنى عدم إمكانية أن يكون كل شيء ممكنا فقط بل نحتاج إلى أن نتصور واجبا لا يمكن ألا يكون وهو الذي أوجد كل شيء. نحن نعرف ذلك الواجب باسم: الله. ومعنى الكلمة أن كل ما دونه خاضع له فلا يمكن أن نتصور شيئا غيره إلا وهو سبحانه سبب وجود ذلك الشيء وأن ذلك الشيء فقير إلى ربه دائما وأبدا. نحتاج إلى أن نتصور واجبا واحدا هو سبب وجود كل شيء وهو الأول وهو الآخر وهو الظاهر وهو الباطن. بمعنى أن كل شيء نراه وكل شيء نستيقن بوجوده ولا نراه غيره سبحانه فهو ظاهر باعتبار الوجود الواجب وباطن باعتبار أن واجب الوجود جل شأنه لم يشأ أن يجعله ظاهرا. لا نتكلم عن الأسباب بل نريد أن نميز بين الواجب والممكن فقط.

وأما المستحيل فهو كل شيء يتعارض مع الواجب والممكن. بمعنى أننا لا يمكن أن نتصور وجودا واجبا غير وجود واحد هو الله تعالى. فإذا خلق الله فلا يمكن أن نتصور مخلوقات لإله آخر غيره لأنه مارس الخلق فكيف يمكن لغيره أن يمارس الخلق من دونه. ذلك لأن الإيجاد لا يمكن أن يكون عملا آنيا يُخلق ثم يُترك فالممكن محتاج دائما لمن يمده بالطاقة والحياة والطاقة والحياة تأتينا من واجب الوجود جل جلاله بشكل خاص ممتاز بالرقة الكاملة حتى تتمكن من خرق كل شيء لتمسك به. فلو كان هناك إله آخر لاختلطت الطاقات الماسكة وانهار كل شيء. قال تعالى في سورة فاطر: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41). ووضح سبحانه قبلها بأن الشرك مع الله تعالى مستحيل لأن الكائنات يجب أن تبقى مرتبطة ممسوكة بخالقها فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إلاّ غُرُورًا (40).

فالمستحيل بالدرجة الأولى هو الإله الثاني أو الإله الآخر. وبتعبير أكثر دقة فإن الله تعالى الذي يأمر بالخلق فهو فاعل الخلق أيضا. هذا يعني بأن هناك فعلا يفعله الله تعالى ليأتي شيء إلى الوجود. هناك إضافات يضيفها الله تعالى إلى ما يريد أن يخلقه لتتكون ماهية ذلك الشيء. فأمر الله تعالى مقرون بفعله وفعله مقرون بمنح كل ما يحتاج إليه المأمور ليأتي إلى الوجود. فلو بدأ الله تعالى الخلق فإن أي إله فرضي آخر سوف يزاحم الإله الواجب لأن المخلوق يحتاج إلى ما يضاف إليه لتكوين ماهيته.

وهناك الكثير من المستحيلات التي لا يمكن لنا أن نحصرها عدديا.

أنواع الموجودات الممكنة:

يمكن أن نحدد للمكنات نوعين أساسيين بالنسبة لنا نحن البشر. فهناك ممكنات نشعر بها بحواسنا المعروفة وممكنات لا نشعر بها بحواسنا المعروفة. هذا التقسيم أبسط تقسيم للمكنات. ونحن في بحثنا نريد أن نتحدث عن ممكنات لا نشعر بها بحواسنا المعروفة ولكننا نعلم بوجودها. وقبل أن نتحدث عن الممكنات التي لا نشعر بها دعنا ننظر إلى القرآن الكريم لنكتشف حاجة تلك الممكنات غير الملموسة إلى المكان.

لعلنا نلاحظ بأن الله تعالى يذكر دائما مسألة الخلق الأول أو ما رافق الخلق الأول بأنه خلق السماوات والأرض ولم يذكر بأنه خلق خلقا قبل خلق السماوات والأرض. وقال تعالى في سورة فاطر: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1). الملائكة كلهم رسل والرسول يعني الذي ينتقل من مكان إلى مكان آخر لتبليغ رسالة أو للقيام بعمل بأمر الذي أرسله. وقد وضح سبحانه في الآية الكريمة بأن الملائكة ذوي قدرات وهم يُرسلون مثاني أو ثلاثيين أو رباعيين. بمعنى أن الملك لا يقوم بتنفيذ عمل رسالي لوحده. فهم بحاجة إلى السماوات والأرض ومستقرون في مكان وبحاجة إلى من يساعدهم منهم ليقوموا بأعمالهم.

الملأ الأعلى:

والملائكة والجن هم الملأ الأعلى بالنسبة لنا. قال تعالى في سورة ص: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلا الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69). الآية الكريمة تشير إلى اختصام الملائكة مع إبليس وتسميهم جميعا بالملإ الأعلى. ذلك لأن الملائكة لا يختصمون والحكاية حكاية خلق آدم وسعي الشيطان الجني ألاّ ينصاع لأمر الله تعالى بأن يكمش نفسه حين المرور على الخلية التي قدر الله تعالى أن يصنع فيها آدم.

ولكن الملائكة ملأ أعلى بالنسبة للشياطين. قال تعالى في سورة الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلا الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8).

الشياطين مخلوقون من الطاقة ولذلك هم ملأ أعلى بالنسبة لنا نحن المخلوقين من التراب. قال تعالى في سورة ص على لسان إبليس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76). والجن جميعا مخلوقات طاقوية لأنهم جميعا خلق ناري والنار طاقة معروفة. قال تعالى في سورة الحجر: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27). والخلق الأعلى كما أظن باعتبار سيطرتهم علينا فهم يروننا ونحن لا نراهم. قال تعالى في سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27).

لكن هذه السيطرة لا تتجاوز الاستحواذ ولن يصل حد المساس الفيزيائي القريب بنا. قال تعالى في سورة إبراهيم: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22).

حدود سيطرة الجن على الإنس:

قال تعالى في سورة مريم: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83). الأزيز هو صوت غليان الماء. هذه الآيات الكريمة تفسر لنا آيات أخرى من سورة الإسراء: قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65).

ليس للشيطان صوت لأنه ليس جسما فيزيائيا مثلنا ليصدر الأصوات التي يمكننا أن نسمعها فالصوت الذي تتحدث عنه آية الإسراء ليس صوته الشخصي ولكنه الصوت الذي يصدر من أتباعه. فالذي يفعله الشيطان هو أنه يقترب منهم حد المسموح له ليسلط عليهم الحرارة التي تنبعث منه باعتباره كائنا طاقويا مصنوعا من النار. هذا الاقتراب يغلي الدم في جسم المقرب منه فيثور ويصدر صوتا ضد من يخالفه. وهذا هو صوت المستفَزّ، ولذلك قال تعالى: واستفزز من استطعت منهم بصوتك.

وهكذا الخيل والرجالة فالشيطان لا يركب خيلا وليس له جنود من المشاة ولكنه يتحكم في أتباعه من الإنس. هؤلاء الأتباع بأصواتهم وخيولهم ومشاتهم يؤذون بقية الناس. إنهم جنود الشيطان من الإنس. ومسألة اقتراب الشيطان من بعض الناس حد الغليان هي أعلى وأكبر تأثير ممكن ضدنا من الشياطين وتحتاج إلى إذن من الله تعالى ولذلك نسب الله تعالى العملية إلى نظامه (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا).

بالنسبة لي فهذه الحالة هي أشد حالات تأثير الشيطان في الإنسان.

وأبسط ارتباط للشيطان بالإنسان كما أظن هو ما نقرأه في الآية التالية من سورة الحج: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52). نلاحظ بأن الشيطان الذي لا يسمعنا ولا نسمعه ينظر إلى نفوسنا ويشعر متى نتمنى. التمني تعني طلب شيء لا تملكه لنفسك أو لغيرك. كل إنسان يتمنى بمن فيهم الأنبياء والرسل. فهذا الارتباط الشيطاني مشترك بين جميع الناس رسولهم وبقية مؤمنيهم وهكذا فاسقيهم.

وهناك فرق بسيط بين رسولنا ومن سبقه وهو أن الرسل عادة ما يستلمون النبوة وهي علم سماوي يساعدهم على إدراك الحقائق، قبل أن يرسلهم الله تعالى إلى أقوامهم. ولكن رسولنا صار رسولا من قبل أن تتكامل نبوته فهو تعلم النبوة من كتاب سماوي أنزل عليه شيئا فشيئا ولكنه بلّغ الرسالة بمجرد استلامه للوحي القرآني. ولعل السبب هو أن القرآن بنفسه رسول علمي كامل لا خطأ فيه ورسولنا لم يقم بأي عمل علمي قبل القرآن. بمعنى أن ذهنه كان صافيا من كل معلومات علمية بما فيها القدرة على الكتابة فكان الذهن مستعدا كامل الاستعداد ليفكر في القرآن المنزل عليه شيئا فشيئا بكل حرية. بمعنى أن موسى مثلا استلم التوراة مرة واحدة ولكن بعد فترة طويلة من كونه نبيا ورسولا ولكن نبينا استلم القرآن على مكث ليتعلم مع القرآن.

لنتصور عالما مسيحيا أو يهوديا يستلم وحي القرآن من السماء فيرى بأن الوحي الجديد لا ينطبق مع ما ورثه من معلومات دينية. هكذا سوف يرتبك ذلك العالم ولذلك لم يقدر الله تعالى لنبينا أن يتعلم علوم أهل الأرض من قبل القرآن. قال تعالى في سورة يونس: قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16). وهكذا الحال مع الحائزين على درجات علمية أخرى مثل الأطباء والمهندسين والزراعيين والأدباء وكل أصناف المعارف فهم أيضا ينظرون إلى أي وحي أو كتاب نظرة مشوبة بما فهموه من العلوم الإنسانية واكتسبوه من الحرف والمهارات والفنون.

فرسولنا لم يكن عالما بأي علم سماوي أو أرضي هام من قبل القرآن ولذلك بدأت تمنياته بعد استلام الوحي السماوي الصحيح. هذا يعني بأنه لم يحتج لما احتاج إليه سلفه من أن يصحح الله تعالى كل مرة ما يلقي الشيطان في قلوبهم من أمنيات. وضح الله تعالى هذه الجزئية بعد الآية 52 من سورة الحج: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54). تخبت قلوبهم تعني بأن تتفتح قلوبهم النفسية على علم كامل وسيع سعة الخبت في بطون الأرض. لاحظوا معنى الخبت في الشعر التالي من امرئ القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى       بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل

تعاون الجن والإنس في إغواء الإنس:

هناك أنواع أخرى من العمليات الشيطانية التي تقوم بها الشياطين بالاستعانة بأوليائهم من الإنس. قال تعالى في سورة الناس: مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاس (6). وقال تعالى في سورة الجن: وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6). في هذا التعاون الخطير بين الفاسقين من الجن والفاسقين من الإنس فإن الإنس هم الخاسرون علميا أيضا وليس فقط إيمانيا. بمعنى أن الشياطين يغوون أولياءهم من الإنس أيضا لأنهم سلبيون بالطبع.

فعلى الإنسان العاقل أن ينتبه كثيرا لما يجول في خاطره من سلبيات أحيانا فلعلها تكون من وساوس الشياطين. ولنفس السبب يستعيذ المؤمنون من الشياطين كما أظن. قال تعالى في سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201). أعتذر من القارئ الكريم بأن المقالة لا تسع لبيان معاني هذه الآيات العلمية العميقة فأرجو منه أن يمعن بنفسه وسيفتح الله تعالى له إن أخلص في طلب العلم من ربه. فقط لاحظوا أمرا واحدا مهما جدا وهو أن المتقين يستفيدون من تطواف الشياطين عليهم فيشعرون بأن ما يجول في نفوسهم من أفكار سلبية هي مقصودة من أعدائهم الشياطين ولذلك فهم ينتبهون مبصرين ولا يقعون في الضلال والعمى من إبليس وأعوانه لعنهم الله تعالى.

وأظن بأن الكل يعلمون بأن الوحي العام الذي نستلمه من الملائكة لا يختلف من حيث الشكل عن وحي الشياطين ويمكنكم تحسس ذلك ولكن الاختلاف في ماهية الوحي. فالشياطين يمنعون من الخير ويأمرون بالشر وكلاهما سلبيان والملائكة تأمر بالخير ومساعدة والغير وتمنع من الشر وإيذاء الغير وكلاهما إيجابيان.

 

الشياطين لا يسمعون أصواتنا:

وحتى يعلم الإخوة بأن الشياطين وكذلك بقية الموجودات الطاقوية لا يقومون بأعمال فيزيائية نتلو الآيات التالية من سورة الشعراء: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212). فكما يبدو من كتاب الله تعالى بأن المشركين حاولوا مواجهة رسول الله بمسألتين: الأولى قالوا بأن ما أتيتنا به من كتاب قد يكون من قول الشياطين. قالوا ذلك لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله فأرادوا أن ينسبوا القرآن إلى كائنات غير بشرية بمكرهم. فالآيات التالية من سورة التكوير ترد عليهم: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27). فما فائدة القرآن للشيطان الذي يتحدث عن الشيطان بأنه رجيم؟

ومن غريب الصدف بأنني جربت مقولة آيات التكوير مع أخ بريطاني مسيحي بعد أن أعطيته القرآن المترجم بالإنجليزية. عاد الصديق بعد أسابيع ليقول لي بأن الكتاب فعلا غير بشري فليس للبشر أن يعرفوا هذه المسائل التي لم تتضح الكثير منها بعد. قلت إذا من الذي كتبه؟ سكت ولم يجب. قلت له أتقصد بأن الشيطان كتب القرآن؟ قال نعم على استحياء طبعا. قلت له لا تخف من حقك أن تقول ما تشاء ولكن ما فائدة القرآن للشيطان الذي يتحدث عنه بأنه رجيم وبأن عليه اللعنة إلى يوم الدين؟ ثم قلت له دعنا نقارن بين الكتاب المقدس والقرآن لنرى بأن القرآن يؤكد رفض السلبيات كاملة والكتاب المقدس يمدح بعضها وينسب الكثير من المعاصي إلى أنبياء الله تعالى.

والمسألة الثانية كما أظن هي أن الذي رفضوا رسالة رسولنا عليه السلام قالوا بأن الكتاب السماوي وحي من الله تعالى وأنت لست قادرا على استلام الوحي فما أدراك بأن الشياطين هم الذين استلموا الوحي فقاموا باللعب والتغيير فيه ثم أبلغوك وأنت تظن بأنه من الله تعالى لأنك استلمت القرآن ولم تر أحدا. وللرد على هذا الإشكال نزلت آيات سورة الشعراء لتقول للمشركين بأن الشياطين لا آذان لهم حتى يسمعوا. إنهم عن السمع لمعزولون. والقرآن ليس وحيا موضوعيا بحتا بل هو وحي ضمن جمل عربية لا يمكن للشيطان الذي لا يسمع أن يعرفها. الذين يعرفون اللغة هم الذين يسمعون الناس ويتعلمون منهم الكلام اللغوي. وإذا كانت الشياطين لا تسمع باعتبار طاقيتها فإن كل الجن وكل الملائكة لا يسمعون. إنهم جميعا خارجون عن عالم الفيزياء ثلاثي الأبعاد.

والذين تحدثوا بلغة البشر من الملائكة فهم لم يتحدثوا بحديث مقصود من عندهم بل خلق الله تعالى جملا لهم يتراءى لمن أرسلوا إليهم بأنهم ينطقون بها كما خلق لهم أصواتا مسموعة للبشر أيضا. والعلم عند الله تعالى.

التحدث مع الشيطان:

ليس هناك إمكانية تبادل الحديث مع الشيطان دون شك. ذلك لأننا نستعمل اللغة والشياطين لا يمكنهم أن يتعلموا اللغات البشرية إطلاقا. كل ما يمكن للشيطان فعله هو أنه يغوي الإنسان عن طريق النفس فقط. لكن الإنسان وخاصة الفاسق والمنافق يعود أحيانا إلى نفسه ليحدث نفسه بالهمس النفسي وليس بالحديث الشفهي. هناك ينتبه القرين الشيطاني له فيعبر الله تعالى ذلك التعامل النفسي مع الشيطان بأنه خلوة مع الشياطين. حتى نعلم ذلك نعود إلى الآية التالية من سورة البقرة وهي تتحدث عن المنافقين: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14). يظن المنافق بأنه يحدث نفسه عن مكره ضد المؤمنين ليستمتع بانتصاره على الذين آمنوا وهو لا يدري بأنه يتحدث إلى قرينه الشيطاني. ولذلك قال تعالى بعدها: اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15). وأما عن اقتران الشياطين بهم فقال تعالى في سورة فصلت: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25). وقال سبحانه في سورة النساء: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38). وقال تعالى في سورة الزخرف: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38). وآيتا الزخرف تشمل المنافقين والمشركين والكافرين جميعا والعلم عند المولى عز اسمه.

فأتمنى أن يوفق الله تعالى المؤمنين الصالحين لأن ينتبهوا جديا إلى الشياطين الموجودين فعلا معنا وفي نفوسنا حتى لا ينخرطوا معهم ولا يصبحوا لهم قرناء فيسمح الله تعالى لهم بالمزيد من الإغواء والتضليل ضدهم. ولو ننتبه إلى آية سورة فصلت المذكورة أعلاه لنعلم بأن الشياطين قد يكونوا إنسا وجنا وقد يكون المتعرضون للضلال إنسا وجنا أيضا. بمعنى أن هناك شياطين يغوون أمثالهم من الجن أيضا. هكذا يتعاون أئمة الضلال مع بعض جنا وإنسا ضد المؤمنين جنا وإنسا.

كما وأرجو أن ينتبه المؤمنون الصالحون بأن تراثنا ليس تراثا مرتبطا بالنبي والوحي بل هو تراث بشري لا يستحق الاهتمام. ومن المخجل أن نرى اليوم بعض أئمة المساجد بل أكثرهم يكررون تعبيرا سخيفا حين إقامة الصلاة مثل: سدوا الخلل والفرج بين صفوفكم حتى لا يدخل الشيطان بينكم وما شابه ذلك من تعابير غير صحيحة. ليس الشيطان كائنا فيزيائيا يتخلل صفوف المصلين وإلا رأيناه أو شعرنا به. كما أسمع بعضهم يتحدث عن أن الملائكة يقتدون بالمؤمنين في الصلاة. هذا كلام في غاية السخافة فالملائكة لا يصلون بل يسبحون الله تعالى. إنهم لا يعبدون الله لأن العبادة تمثل الخضوع الاختياري للقدوس العزيز جل جلاله والملائكة لا خيار لها. لكنهم لو منحوا الاختيار فسوف يعبدون الله تعالى لأنهم مؤمنون بربهم.

قال تعالى في سورة الرعد: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13). وقال سبحانه في سورة الأنبياء: وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20). مَن عند الله إشارة إلى الذين لا يملكون الخيار وهم اليوم من نسميهم الملائكة بكل أنواعها. وقال تعالى في سورة الإسراء: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً (95).

العلامة الفاصلة بين الضلال والهدى:

الضلال عمل سلبي بمعني عدم الرضوخ إلى الهدى أو رفضه أو عدم السعي للتعرف على الهدى. والهدى عمل إيجابي يعني رفض الضلال والسعي للكشف عن الطريق الصحيحة للوصول إلى الحق بقصد العمل بالحق والاهتمام به والتضحية في سبيله. فالعلامة الفاصلة بينهما هي السلب بالنسبة للضلال والإيجاب بالنسبة للهدى. فلو ننظر إلى الذي يبحث عن المسلك ولا يتقبل أي طريق دون أن يتعرف عليها ليطمئن بصحتها وبحقه في أن يسلكها فهو إيجابي في سعيه لكشف الحقيقة. والذي ينظر إلى ما تقتضيه شهواته بغض النظر عن حقه فيها أو عن الطريق التي يسلكها في سبيلها فهو سلبي لأنه لم يبحث عن الطريق الصحيحة ولم يكن مستعدا لترك ما هو محرم عليه وما يكون فيه ظلم للآخرين أو اتباع للهوى المحض بدون ملاحظة الخالق ومسموحاته. إنه سلبي بالنسبة للحقيقة ولو كان إيجابيا بالنسبة لمتعه النفسية.

وبما أن الله تعالى خلق النفس بما يتناسب مع البدن الذي قدره هو بالكامل فإن النفس في بدايتها نفس طيبة لأن الله تعالى خلق كل شيء فأحسن خلقه. إنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة بأن يعطي كل نفس هداها أيضا من البداية. قال تعالى في سورة طه موضحا جواب موسى لاستفسارات فرعون: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50). لكنه سبحانه في سورة السجدة وبعد أن يتحدث عن أنه أحسن كل شيء خلقه فإنه يصرح بأنه لم يعط كل نفس هداها ولكن بصيغة أخرى:وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي َلأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13). الهدى المذكور في هذه الآية هدى استحقاقي وليس هدى أوليا. ولذلك قال تعالى بعدها: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (14). فمشيئته اقتضت توقيف الهدى عن الشخص لأنه تعمد أن ينسي نفسه اللقاء مع ربه. يجب العلم بأن الله تعالى ليس من جنسنا بل نحن من خلقه فقط ولذلك ليس لأحد من خلقه أية قرابة مع الله تعالى فهو سبحانه لا يمكن أن يظلم أحدا وإنما نحن الذين نظلم أنفسنا. كل ما يفعله الله تعالى فينا هو بمقتضى مشيئته وهو سبحانه يراعي القسط ما أمكن أو العدل ثم ينصفنا بعد الحياة الدنيا ومشيئة ليست نابعة من الشهوات ولا من الضعف ولا من الحاجة ولا من القرابة بل هو الحق ولا يعمل غير الحق ولا يشاء غير الحق ولا يريد غير الحق ولكنه يرحم في إرادته تبعا لضعف المخلوق والعلم عنده سبحانه.

والخلاصة أن الذي يوحي إليك بالعمل الإيجابي المفيد هو الله تعالى وملائكته بأمره والذي يوحي إليك بالعمل السلبي الضار هو إبليس ومن يرسلهم من الشياطين لإغواء الإنس والجن. فالعلامة الفاصلة بين الهدى والضلال هي الإيجاب والسلب لا غيرهما والله العالم.

يتبع.

أحمد المُهري

13/7/2018

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.