كنتم خير أمة أخرجت للناس

كنتم خير أمة أخرجت للناس

كنتم.jpg

 

 

المقالة التالية كتبتها في نهاية 2015 ونشرتها ولكنني أضفت إليها الكثير فيما بعد فهي الآن أكثر واقعية.

( مناقشة حول كتاب : نظرية ظهور العلم :

نظرية ظهور العلم – عاصمة الامبراطورية

)

 

 

حينما يكتب سيادة الدكتور كمال شاهين بياناته حول علم النفس الإدراكي فإنه ينظر مسبقا إلى الذين سيقرؤون ما كتبه ليرى مدى تجاوبهم وقدرة تجاوبهم معه ثم يكتب ما يناسبهم. ولكنه لو أراد أن يلقي محاضرات لطلاب هذا العلم فإنه يستعمل مصطلحات أكثر عمقا ويدخل في الجزئيات بصورة أوسع باعتبار أن الطلاب هم يطلبون هذا العلم وقد مروا بمقدمات كثيرة تساعدهم على فهم أكثر وأعمق. وهكذا كل من يتحدث إلى آخرين فإن عليه أن يلاحظ قدرة استيعاب المستمع واستعداده للاستماع وإلا فسيكون عمله باطلا. هذا هو أساس نشر العلم والثقافة بين الناس.

والله تعالى هو خالق البشر وقد صرح بأنه يسر القرآن بلسان رسولهم ليذكر به قومه. قال تعالى في سورة مريم: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97). وقال عز اسمه في سورة إبراهيم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4). هذا القرآن كان كتابا قابلا للاستيعاب يوم نزوله ولم يكن العصر عصر الجاهلية بل كان عصرا علميا ولم تكن مكة مختصة بأصحاب الشهوات بل كان متكأ لأولي الألباب أيضا. لكن أصحاب الشهوات هم السابقون في كل المجالس وهم على أفواه عامة الناس لأنهم دائما الأكثرية في المجتمعات.

الذين سعوا لطمس القرآن من ملوك بني العباس الغادرين هم الذين أشهروا شيئا اسمه العصر الجاهلي احتمالا ليقولوا للناس بأنهم هم الذين ينشرون العلم بين الناس وليس صحابة الرسول. هكذا توجه الناس إلى إفكهم وقولهم الزور على رسولنا الأمين باسم الأحاديث النبوية. كما وضعوا تاريخا مدسوسا كاذبا لبيان أحوال المسلمين الأوائل بما يتناسب مع طموحاتهم التوسعية لفتح بلاد الناس عنوة وباسم نشر الإسلام بالسيف. ولم يكتفوا بذلك بل أمروا عميلهم الفاسد محمد بن إسحاق ليكتب لهم السيرة النبوية من خياله المريض ليدعم ظلمهم وتعسفهم وسرقتهم لأموال الناس وهتكهم للأعراض. هكذا أصبح القرآن الكريم كتاب أناشيد، وتفسيره محرّمٌ على الناس والهدى كل الهدى في الزبر الكاذبة التي اختلقوها بين الناس وأشهروا وجود وحي آخر لرسول الله. هذا الوحي كان خفيا على الصحابة وعلى الرسول نفسه واكتشفه بنو العباس وجمعه فيما بعد علماء فارسيون في مدينة نيسابور وبالفارسية نيشابور وأسموها الصحاح!! كما أن مجموعة فارسية أخرى كتبوا كتب الصحاح للشيعة في نفس القرن. أتوا للمسلمين بدين جديد مغاير لدين الله ومخالف لكتاب الله ولكن الكتاب السماوي مقدس يفيد القراءة الموسيقية والتعويذات والحفظ والشفاء من الأمراض فقط وليس كتابا عمليا!

عاش المسلمون الاوائل قرنا كاملا مع كتاب واحد اسمه القرآن إضافة إلى التوراة ولم يعرفوا بأن هناك وحيا خفيا سيظهر فيما بعد. فما حصل هو ارتجاع وتخاذل وليس امتدادا لما بدأ به أولو الألباب وأكمله رسولنا الأمين بالوحي العظيم. قال تعالى في سورة ص: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). فهل كانوا جاهلين أم كانوا أولي الألباب بنص القرآن الكريم؟ وقال سبحانه في سورة الزمر: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18).

هل يمكن لدعوة غير علمية أن يدعو أتباعه ليقرؤوا ما كتبه الغير دون خوف أو وجل؟ أليست دعوة القرآن للمسلمين أن يستمعوا لغيرهم دليل واضح على قوة برهان القرآن وعلى قدرة المسلمين الأوائل على الاستيعاب والفهم والإدراك والتدبر بكل دقة؟ كان العصر ذهبيا بامتياز حيث أن أمة طيبة تستقطب الشعراء والسائحين والعابدين من كل مكان وتكرمهم وتحترمهم وتعلمهم قوانين حضارية نحتاجها نحن اليوم. قانون تحريم الحرب ثلث السنة وإيقاف الحرب إذا ما دخلت الأشهر الحرم وقانون الفضول وأسواق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق ذي المجنة وكلها أسواق أدبية شعرية.  إنها تنبئ عن حضارة سادت ثم بادت مع الأسف. والموائد المكية الموجودة حتى يومنا هذا ولا سيما في رمضان؛ فهي موائد قديمة من قبل الإسلام. كان أهل مكة يعتقدون بأن من العيب عليهم أن ينام أحد جائعا في مكة ولذلك أقاموا موائدهم المعروفة بسخاء ليتلذذ منها كل من يحتاج بدون أن يطلب أو يستجير بأحد.

فالأمة المكية أمة حاربت الجوع، وأطالت أشهر السلام جبرا يحرمون فيها الحروب، واهتموا باللغة وباستقبال الضيوف من كل مكان. مكة ليست مثل بقية مدن السعودية حتى يومنا هذا. إنك تجد في مكة مختلف اللغات الأردو والفارسية والتركية والإنجليزية بجوار العربية وتأكل من مختلف المطابخ الهندية والصينية والروسية والإيرانية والعربية والتركية. كما تجد فيها مختلف الجنسيات الذين قدموا من كل بقاع الأرض ونقلوا إليها ثقافاتهم وحضاراتهم. هكذا كانت مكة قبل الإسلام وبقيت على حالها حتى يومنا الذي نعيشه.

وأما إشكالات سيادة الدكتور كمال على عدم وجود كتب يتحدث عنها العلماء وتترجمها الأمم الأخرى وعلى أساسه يعتبر فلسفة الإغريق علما عظيما فهو استدلال غير دقيق برأيي. فالفلسفة الإغريقية لم تتمكن من معالجة مشاكل الأمة البشرية بل أشغلت الناس قرونا طويلة حتى انتبه الناس بعد عشرين قرنا بأنهم كانوا يعيشون وهما علميا اسمه المنطق الأرسطي والفلسفة اليونانية. حاربت الأمم الغربية الفلسفة عمليا بالعلوم التجريبية وأغلقوا صفحات مظلمة من علم غير دقيق وكنيسة ظالمة وانبجست الحضارة الحديثة الطيبة. ما نشروه قبل خمسة قرون حتى يومنا هذا هو علم فعلا لأنه مقرون بالتجربة وبالانطباق على الواقع الذي نعيشه. هو علم حتى لو كان مليئا بالأخطاء فالطبيعة البشرية عاجزة عن إدراك الكليات العلمية التي تخص السماء في واقعها.

وأكبر شاهد على عدم علمية علوم اليونان بالنسبة لي ولأمثالي المعتقدين بسماوية القرآن هو أن المسيح ومحمد عليهما السلام الذين استلما كتابين سماويين لم يتحدثا أبدا عن فلسفة الإغريق الموجودة من قبل ظهور المسيح. ولم تشر التوراة بقدر علمي ولا القرآن إلى ذلك العلم. أنا شخصيا مارست الكتابة ومارست الخطابة ومارست التأليف ومارست البحث والتحقيق العلمي دون أن أدرس كثيرا وليست لدي أخطاء كبيرة كما أظن. فبالممارسة تتعلم المنطق الصحيح ولا تحتاج كثيرا إلى منطق أرسطو وأما فلسفته فلي الكثير من الإشكالات عليها. لقد درست المنطق طبعا ودرست الكلام وبعض الفلسفة ولكنني ما اجتهدت في أي منها. أنا اليوم أعتبر بأنني أتلفت وقتي في دراسة علوم كنت قادرا على الاستغناء عنها.

نعم، ترجموا كتب الفلسفة إلى لغات عديدة واهتمت بها المدارس والجامعات الإسلامية والعربية أيضا فهل هي دليل على أنها علم وما نكتبه نحن في مركز تطوير الفقه الاسلامي هراء؟ أتذكر أن أحد أصدقائي البريطانيين قبل أكثر من عقدين اعترض علي بأن الكتاب المقدس هو كتاب صحيح وكتاب حق لأن العدد الذي يُطبع منه سنويا مئات الملايين وعدد ما يُطبع من القرآن عشرات الملايين. قلت له كلامك حق فعلا وأغاني جسي جكسون التي توزع بالبلايين أحق من الكتاب المقدس ومن القرآن! نظر إلي والريب باد على وجهه واحتار في اختراع رد علي. لو كان الذي يكلمه غيري وهو يعرفني جيدا لتفلسف معه ولكنه كان يعرف بأن هناك استعدادا للرد على مثل هذه الاستدلالات الوهمية بكل سهولة عندي.

ولو ننظر اليوم إلى السعودية التي تحمل ماكينة إعلامية قوية وبعدة لغات فإننا قد نظن بأن السعودية مركز علمي مشع وكذلك مركز لنشر الثقافة والحضارة. كما أننا لو ننظر إلى إيران من مناظير السعودية فسنراها دولة وأمة رجعية جاهلة. لكننا حينما نفتح عيوننا لنرى بأن السعودية لا تحمل علما يشار إليه بالبنان بل هي دولة استهلاكية تعتمد على صناعات الغير. لكن إيران تصنع الصواريخ وبعض الطائرات وتصنع السيارات وقطع السيارات والكثير من المكائن اليدوية وتصنع المولدات والمضخات والكثير من الآلات الحربية والزراعية. فهل الإعلام السعودي يدل على علم والسكوت الإيراني يدل على جهل؟

وهكذا جوائز نوبل العلمية للأفراد. أليس ذلك دليلا على أن الأفراد يصنعون علما أيضا؟ لدى سيادة الدكتور كمال إنجيل لا يمكن تغييره وهو أن العلم يحتاج إلى 200 عام حتى يتحقق ولا أحد يمكنه صناعة العلم ولا يمكن القيام بأي عمل علمي إلا تحت حماية الإمبراطور ولو رأينا علما في بلاد غير إمبراطورية فعلينا البحث عن أقرب إمبراطور لننسب إليه المنتجات العلمية لتلك البلاد. لا الميلاد في الدول العربية ولا اللغة العربية ولا الجامعات العربية دلائل على صناعة العلم لدى العرب!!! كما أن لدى سيادته تواريخ يكتبها لنا وكأن فضيلته كان حاضرا في أماكن وسنوات تحقق العلم. مكتبة الإسكندرية موجودة ولكن أين مكتبة جنديشابور وأين مكتبة البصرة الفارسية وأين مكتبة بيزنطة؟

يحتاج الإنسان إلى تاريخ يفتخر به فما هذا الإصرار للنيل من التواريخ العربية وتثبيت تواريخ الفرس واليونانيين؟ أقبل أن هناك ظلما تاريخيا حصل لأهلنا في بلادنا بحيث أن السلطات أهملتهم واهتمت بالأجانب كما لا زالوا عليه اليوم مع بالغ الأسف. سيادة الدكتور كمال يقبل بأن العلم ليس عملا فرديا ولكنه حين التطبيق يقول بأن الخوارزمي وابن سينا والكاشاني والطوسي كلهم فارسيون باعتبار أسمائهم. فهل ابن سينا هو الذي قام بكل الإنتاج العلمي أم أنه بمفاد رأي أخي كمال أظهر علما عمل عليه مجموعة خلال أكثر من قرن؟ إنه في الواقع محظوظ فقط. وقد يكون باعتبار أنه كان متمكنا من إظهار العلم وليس هو موجد ذلك العلم. وإليك بعض المحظوظين من العرب الذين تقبل الغرب بأنهم قدموا علما للبشرية ويَعتبر الأصلُ الإنجليزي لويكيبديا بأنهم عرب.

  1. أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم. الرياضي الشهير والمعترف به عربيا مسلما وهو من مواليد البصرة قبل ألف عام تقريبا يعني بعد ظهور جامعة البصرة الأولى بعدة قرون. وهو عربي باعتراف ويكيبديا باللغة الإنجليزية.

  2. أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الصباح الكندي. عربي يعتبر أب الفلسفة الإسلامية. وهو عربي باعتراف ويكيبديا باللغة الإنجليزية.

  3. حسن الرماح. الكيميائي العربي المعروف والذي صنع البارود. وهو عربي باعتراف ويكيبديا باللغة الإنجليزية.

  4. أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي: طبيب وكيميائي وجراح عربي مسلم. وهو عربي باعتراف ويكيبديا باللغة الإنجليزية.

أضف إلى ذلك بأن الذين استقبلوا القرآن كانوا لائقين لفهم الكتاب العظيم وأكثرهم عرب والذين ضيعوا القرآن وأفسدوا على الناس آيات الله هم الفرس الذين أوصلوا بني العباس إلى السلطة. كل هذا الفقه السخيف الذي يئن منه سيادة الدكتور كمال ونحن معه فهو من صنع الفرس حتى لو كان بعض الفقهاء عربا. وكل الأحاديث المزورة التي خطتها أياديهم غير النظيفة فهي كلها فارسية سواء السنية منها أو الشيعية والأحاديث هي مستمسكات الفقه المنسوب إلى الإسلام. نأتي إلى الطقوس المعروفة. فالطقوس المعروفة بين السنة وهي سنن القتل والذبح بالسكين وسنن التعذيب البدني فهي كلها من صنع الأتراك السنة وهم ليسوا عربا. كما أن كل الطقوس الشيعية من مزارات وتعذيب بدني باسم الحسين عليه السلام وكذلك الشركيات الأخرى فهي كلها بلا استثناء من اختراعات الفرس. والذين استوردوا طقوس السير على النار والسير على الزجاج من الهند فهم أيضا فارسيون عاشوا في العراق. لقد حلت هذه الطقوس الفاسدة وتلك الكتب المزورة محل تعليمات السماء وصدق العزيز المتعالي حيث أخبرنا عما فعله الأقدمون في سورة مريم:

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60).

وقد هددنا نحن المسلمين بألا نتبعهم فقال عز من قائل في سورة آل عمران: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144). هذا استفهام إنكاري لذكر احتمالات المستقبل والتحذير منها. وقد حصلت فعلا فالمسلمون كغيرهم من الأمم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ولقوا الغي والضلال. وأي ضلال أكبر مما يأتون به اليوم باسم الإسلام؟

نعود إلى إشكال سيادة الأخ الكريم الدكتور كمال شاهين حول عدم وجود كتب عربية دونت في العهود الماضية ثم تقبلها أهل الأرض وترجموها بعدة لغات. هذا معيار لا يمكن تطبيقه على أي من العهود الرسالية. مشكلة الرسل هو أن الله تعالى لم يقدر لهم أن يدونوا علومهم لأن تلك المدونات باسم رسل الله مؤهلة لأن تتحول إلى مقدسات لا يجوز مسها وانتقادها برأي العامة من الناس وهي تخالف سنة التطور التي يتولاها الرحمن في كل زمان ومكان. تصوروا لو كان بين يدينا كتاب بخط رسول الله عليه السلام؛ فما من شك أنه كان يمثل فهم الرسول في عصره ومصره فقط ولكنه كان يمنع الناس من أن يفكروا في موضوع فكَّر فيه النبي محمد ونقله إلينا تحريريا. وهذا غير مقبول عند الله تعالى وغير منسجم مع التطور وباعث كبير للرجس بمعنى توقف الحركة التطورية. وهكذا أي من رسل الله تعالى فكان كتابهم يشكل خطرا كبيرا على تطور الفهم العام للحقائق.

تصوروا لو كان في مكتبتنا تفسير كتبه أبوبكر أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما لما سمحت أنا لنفسي أن أفكر في فهم القرآن ولكنت اكتفيت بتفسير أشخاص مرتبطين بالوحي. ولو مارست الشجاعة وكتبت ما أكتبه اليوم فكانت تُهم التكفير تتوجه إلي من كل أقطار الأرض. ولو كان بيد المسلمين فقه كتبه عمر أو سلمان الفارسي رضي الله عنهما وهما صحابيان جليلان لما كان للتفكير الفقهي أي مجال للظهور ولما ولد شيء اسمه مركز تطوير الفقه السني أو الإسلامي. أي فقه أقرب إلى رسول الله من فقه صحابته؟ والذين رووا بأن الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام منع من كتابة أحاديثه كانوا صادقين بحق والذين قالوا بأن أبابكر أحرق الأحاديث الخمسمائة التي كتبها لنفسه حتى لا يزاحم القرآن العظيم فهم على حق أيضا. فكتاباتهم باعتبار حالة التقديس الأحمق المنتشرة بين الناس كانت تشكل مصيبة كبرى في الحقل العلمي وكانت تحول دون أن نتحول نحن المسلمون إلى الأفضل كما يريده الله تعالى. نحن نشاهد بأن كتابات الحسن البصري أو ابن تيمية أو الشيخ الطوسي مقدسة وهي برأيي لا تمثل تحقيقات علمية بل هي مجرد تكهنات وتخرصات خاوية والكثير من آرائهم مرفوضة عقليا قبل أن يرفضها القرآن الكريم. وحتى لا أكون ظالما فأنا أتكلم عما أراه بيدنا وأجهل حقيقة أولئك الأشخاص وهل هم الذين ألفوا وكتبوا أم نسب إليهم؟

وكما قلت سابقا فإن شروط سيادة الدكتور كمال قد تحققت في القرآن الكريم الذي ترجم إلى لغات كثيرة وفسر كثيرا ولازال، والذي دخل كل المكتبات العالمية. إنه كتاب العرب الذين عاصروا رسول الله عليه السلام وهو يمثل حقيقة أفكارهم ومعتقداتهم والله تعالى أمدهم بالمزيد كرما منه لأنهم استحقوا ذلك. قال تعالى في سورة آل عمران موضحا أحوال أولي الألباب الذين سبقوا رسول الله وكذلك الذين عاصروه منهم وهم رجال ونساء:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ ِلأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195).

فهل يمكن للجاهلين أن يتفوهوا بتلك المقولات العلمية الرائعة التي تدل على حسن التفكير وقد توَّجها سيدُنا المتعالي باستحسانه لهم ولأفكارهم الطيبة. والذين بقوا منهم حتى ظهور الإسلام فإنهم جميعا هاجروا مع الرسول وهم نماذج لسلفهم. وأظن بأن الرسول كان واحدا منهم. وقال تعالى في سورة الأنبياء: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10).

دعنا نتصور بأن الله تعالى يريد أن يبعث قرآنا جديدا لأهل الأرض وهو الله الحكيم العدل جل جلاله. سوف ينظر الله تعالى إلى كل التجمعات القوية في الأرض ليختار الأفضل طبعا. ومما لا ريب فيه بأنه سبحانه سوف لن يختار أي بلد عربي اليوم بما فيها مكة لأنهم جميعا متأخرون عن الركب الحضاري ولا يمكنهم استقبال كتاب سماوي. سوف يختار ربنا كما أتخيل موسكو أو بون لينزل عليهم القرآن المفترض. إن الشروط التي كانت موجودة في مكة قبل 15 قرنا موجودة في موسكو الروسية وبون الألمانية اليوم. وكلتا الدولتين مليئتان بالفساد أيضا، لكن الكتاب السماوي سينزل على أولي الألباب منهما وليس على أصحاب الشهوات منهما.

أعتذر من أخي العزيز سيادة الدكتور كمال وأتمنى أن يغير معاييره ولا يصوب سهامه ضدنا نحن العرب وهو واحد منا ونحن نفتخر به وبأمثاله. كما أتطلع إلى اليوم الذي يتحول فيه مركز تطوير الفقه إلى مركز لتطوير الفقه. هناك سوف نثري المكتبة العربية وسنحقق علما بإذن الله تعالى.

كما أرجو من جميع الزملاء الكرام ألا يتحدثوا عن الوقائع الماضية وكأنهم حضروها. بيدنا مدونات مليئة بالأكاذيب وأكثر ما تتفضلون به من قضايا تاريخية غير صحيحة من أساسها أو غير دقيقة. ولا ننس بأن إمكانات النشر لم تكن متوفرة لدى العلماء بل كانت كلها بيد السلطة وبعض الأثرياء. وأنا حينما أنظر إلى الكتب التي وصلتنا أشعر بأنها جميعا كتب مرت على مصافي الملوك والأمراء وليست كتبا تعطينا حقيقة التقدم العلمي. هناك علماء بعيدون عن السلطة وقدموا علوما سجلت بأسماء آخرين ظلما وعدوانا.

وأما مصر فإن الدكتور كمال المصري قد ظلم مصر فعلا. يعترف القرآن الكريم بأن بني إسرائيل هم الذين قدموا علماء للبشرية بقوله الكريم في سورة الشعراء: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199). كل معايير الدكتور كمال مفقودة في ظهور القرآن فلا إمبراطور ولا مئات السنين ولا مكتبة كبيرة ولا رسائل كثيرة ولا إعلام ولا هم يحزنون.

لكن بني إسرائيل نشأوا وتكونوا وتعلموا في مصر تحت قيادة الفراعنة المصريين. فبنو إسرائيل مصريون حسب تعريفات الدكتور كمال. لقد قام الصديق يوسف ببناء السايلو (صومعة الغلات) وهو من اختراع يوسف المصري في حقيقته وهو اختراع باق حتى يومنا هذا. وهكذا موسى الكليم فهو مصري من آباء وأمهات مصريين عاشوا جميعا في مصر عدة قرون. وموسى برأيي المتواضع هو أعظم رأس بشري في كوكبنا وقد سقط في مصر. والأهرام مصرية ومصمموها ومهندسوها مصريون.

ولقد وضح فضيلة الأستاذ العزيز كمال بيك شاهين بعض الأسماء الفارسية لمشاهير العلماء. فمثلا قال بأن سيبويه الذي كتب أول كتاب في النحو كان فارسيا وهو واضح من اسمه. لا أخالفه في ذلك ولكن سيبويه هو تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي العربي. والخليل هو واضع علم العروض وهو عالم بالموسيقى وقد أخذ العروض من الموسيقى. وهو تلميذ لعالم عربي يمني آخر هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي. إنه من مواليد البصرة ولكن لقبه يدل على أنه من اليمن احتمالا. وابن أبي إسحاق العربي هو الذي أخرج النحو كعلم عربي فهو أبو النحو بعد أبي الأسود الدؤلي. والدؤلي عربي دون منازع. فلماذا ننسى أولئك الفطاحل ونعتبر تلميذا فارسيا لهم أبا للنحو؟

والغريب بأننا لا زلنا نتمتع بما سعى لتكوينه العرب أكثر مما نتمتع بما سعى لتكوينه غير العرب. فهل البشرية اليوم تهتم أو تستفيد من مكتبة الإسكندرية اليونانية أم تستفيد من القرآن ومن الكتب العربية؟ كل البشر يستفيدون من الهندسة المعمارية المصرية ومن السايلو المصري ومن نحو الحضرمي وعروض الفراهيدي العربيين والدكتور كمال العربي يغني لنا باليونانية والبيزنطية والفارسية وينسى العربية.

وأما تفسير الآية العنوان الكريمة باختصار شديد؛ ونبدأ بقراءة الآية أولا وهي في سورة آل عمران. والسورة الكريمة هي بمثابة المساعد لسورة البقرة العظمى فهي تعطينا نماذج من البشر الذين عملوا بمفاهيم سورة البقرة وهي مفاهيم الإسلام العامة بما فيها الأمم الرسالية السابقة وهي الآية رقم 110 من المجموعة التالية ولكنني أذكرها ضمن المجموعة إذ لن يتسنى لأحد فهم الموضوع بدون الإمعان في كل الآيات حسب ظني المتواضع:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) .

إشارات مختصرة للآيات الكريمة:

102: خطاب لكل الذين آمنوا من صحابة رسول الله ودعوتهم بأن يسلموا تسليما فعليا لربهم قبل أن يأتيهم الموت.

103: دعوة ليتركوا التمسك بالبشر وبغير الله تعالى ويستندوا كليا إلى الله تعالى وحده ولا ينسوا بأنهم كانوا مختلفين فألف ربهم بين قلوبهم. كانوا على مشارف الدمار بسبب الخلافات ولكن الله تعالى أنقذهم منها. والآية تشير إشارة واضحة إلى فعلية تفرقهم بسبب اتباعهم للبشر وتشير أيضا إلى أنهم متحدون موحدون بالقوة.

104: تدعوهم ليدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. فالمخاطبون لا زالوا من الذين لم يأمروا بالمعروف بجدية.

105: يشدد على وجوب تمسكهم بعصمة الله تعالى وعدم التفرق ويهددهم بالعذاب العظيم. والعذاب العظيم يُذكر عادة لأصحاب الرسل في مقابل الأجر العظيم المخصص لهم. واسمحوا لي بأن أوضح بأن عظمة العذاب والأجر لا يغير من الحياة الأخروية شيئا. التغيير هو فقط بأنهم لحظة الموت يعرفون بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة. بعكس بقية الناس الذين لم يعاصروا الرسول حدا كافيا ليظهر لهم الحق. فمن عرف بأنه من أهل النار سوف يشعر بالخوف إلى أن يبعث وعكسه الآخر وأظن بأن هذا هو سر العذاب والأجر العظيم والعلم عند المولى.

106: يمكن ملاحظة أن بعض الذين آمنوا يُعتبرون كافرين في منطق الآخرة ولذلك يستحقون العذاب العظيم. فالإيمان الأول صادق لجميع الصحابة بمن فيهم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب والمشركين لأنهم عرفوا الحقيقة وأدركتها قلوبهم تماما مثل إيمان الشيطان.

107: الآية تتحدث عن المؤمنين الخلص من صحابة النبي الذين تبيض وجوههم يوم القيامة.

108 –  109: لا نشرحها لعدم الضرورة.

110: الشهادة ليست لأفراد الأمة الذين أمرهم ربهم بأن يكونوا أمة تدعو إلى الخير في الآية 104. فلو أن كل أفراد الأمة فعلوا ذلك لاستحق جميعهم الأجر العظيم. لكنها لأفراد قلائل يمثلون ذوي الألباب وهم الذين ستبيض وجوههم يوم القيامة والمذكورين في الآية 107.

112 و 113: لا داعي للإشارة إليهما هنا لعدم الحاجة.

114 و 115: تتحدث عن الطيبين المؤمنين من أهل الكتاب وأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهم من الصالحين. فالآيات التي تصف الخواص من المؤمنين لم تنحصر في المؤمنين من غير أهل الكتاب بل شملهم أيضا.

والآن التفسير المختصر للآية 111 بإذن الله تعالى:

كنتم:

يعني كانوا من قبل ظهور الإسلام وتنزيل الله تعالى للقرآن بالطبع.

خير أمة أخرجت للناس:

يعني بأن الله تعالى لاحظ أمم الأرض في تلك الحقبة فرأى أهل مكة خير أمة أخرجت للناس. الأمة في القرآن تعني المجموعة البشرية من القرن التي تملك الاكتفاء الذاتي. والقرآن عادة ما يعتبر استضافتهم للرسول تحقيقا لأن يكونوا أمة. ولكنني أظن بأن الأمة هنا تعني الأمة القرآنية بالقوة لا بالفعل فالله تعالى يلاحظ كل الأمم بالقوة ليختار منها واحدة قادرة على استضافة رسول من بينهم.

المراعي والفواكه والزينة كلها مخرجة للناس عن طريق التطور. فأخرجت للناس تعني أخرجها الله تعالى عن طريق التطور فهم ليسوا ربوتات. و “للناس“، يعني بأنهم أكثر فائدة للناس باعتبار أن الأمم الرسالية عليها أن تستقبل بقية المجموعات البشرية من كل مكان.

تأمرون بالمعروف:

المعروف هو ما يُشهره الله تعالى بين البشر ليصلح به أمور الناس. فأهل مكة كانوا يحترمون عادات الناس وتقاليدهم ويعدون للزائرين كل ما يحتاجون إليه ليقضوا أيام سياحة ممتعة في بيت الله الحرام. كما أنهم يحترمون الشعر والشعراء وهو مما يحبه الناس. واهتموا باللغة العربية وأتقنوها وأشهروها بين الآخرين. واللغة أهم وسيلة بشرية للتعارف كما أن للشعر دورا كبيرا لتجميع الناس وهذا ما هو مهم لاستضافة مختلف القبائل ليجري الله تعالى عليهم اختبار الرسالة.

وتنهون عن المنكر:

المنكر هو ما يستنكره عامة الناس والله تعالى يتولى توجيه الناس خلاف سير المنكرات. كان المكيون يحاربون الفقر والجوع ولا يسمحون بإيذاء الزائرين أو استغلالهم، جهد الإمكان. كما أنهم كانوا لا يسمحون بالتمسخر من أحد أو من قومية فكان مكة مكانا آمنا لكل أصناف السائحين بلا استثناء.

وتؤمنون بالله:

إن من أهم شروط ظهور الرسل بين قوم هو أن يؤمنوا بالله تعالى. ولذلك لم يبعث الله تعالى نبيا بين من لا يؤمنون بالله أو يظنون بأن الله تعالى عاجز عن إدارة كل مملكته بنفسه. لكن الأمم الرسالية كانت تعبد الأصنام وسائط تقربهم إلى الله زلفى. وكانت رسالة الرسل هو أن يقنعوا قومهم حتى لا يخضعوا لغير الله تعالى ولا يعبدوا إلا الله وحده. ولعل هذا هو السبب بأن الله تعالى لم يرسل رسلا إلى الشرق الأقصى ولا إلى الهنود الحمر مثلا.

ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم:

مشكلة أهل الكتاب هو أنهم غالبا ما كانوا من بني إسرائيل أو مرتبطين بهم وتابعين لعلمهم. وبنو إسرائيل وقفوا أمام دعوة الرسول العربي لأنه لم يكن من بني إسرائيل الذين جرت العادة منذ ظهور يعقوب أن يعين الله تعالى الرسل من ذريته. والآيتان التاليتان من سورة المائدة توضح الخير الذي كان يصيبهم رحمة من ربه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ (66).

منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون:

فهو حال كل الناس مع الأسف. وقليل من عبادي الشكور، صدق الله العظيم.

والخلاصة أنه سبحانه في حين أنه كان يريد بأن يبعث في أم القرى رسولا باعتبار أنها القرية التي آوت السلالة البشرية حتى ميلاد آدم وحواء؛ ولكنه سبحانه يأبى إلا العدالة. والعدالة تقتضي بأن ينظر في كل المجتمعات ويختار الأنسب لاستلام الرسالة الختامية فكانت تلك أهل مكة المؤمنون بالله والمحبون للضيوف والمهتمون باللغة وعلى رأسها الشعر آنذاك. فهم كانوا قادرين على نشر كتاب الله وحفظ سننه بين أهل الأرض بأسفارهم التجارية كما كانوا مضيفين جيدين لضيوف بيت الله فهم كانوا أنسب الناس في الأرض. وكان انتشار القرآن بحاجة إلى أمة تحتضن علماء ذوي ألباب وإلى تسهيلات سياحية وإلى احترام وإكرام للزائرين والضيوف وإلى أمان اقتصادي وحربي وإلى جاذبية سياحية وكلها كانت موجودة في مكة. كانت مكة آنذاك في الكرة الأرضية شبيهة بموسكو وبون اليوم في الكرة الأرضية، والعلم عند المولى عز اسمه.

نماذج تُظهر التطور الفكري في مكة:

  1. قس بن ساعدة. إنسان مفكر ورائع توفى قبل إعلان الدعوة الرسالية المجيدة، وإليكم نصيحته لابنه:

من عيّرك شيئاً ففيه مثله، ومن ظلمك يجد من يظلمه، وإن عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك، وإذا نهيت عن شيء فابدأ بنفسك،

 ولا تجمع ما لا تأكل، ولا تأكل ما لا تحتاج إليه، وإذا أخرت فلا يكونن كنزك إلا فعلك، وكن عف العيلة، مشترك الغنى، تسد قومك،
ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فاهماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً،
ولا تدع في عنقك طوقاً لا يمكنك نزعه إلا بشق نفسك، وإذا خاصمت فاعدل،
وإذا قلت فأقصر، ولا تستودعن سرك أحداً فإنك إن فعلت ذلك لم تزل وجلاً،
وكان المستودع بالخيار إن جنى عليك كنت أول ذلك وإن وفى لك كان الممدوح دونك.

انتهى النقل.

هل يمكن للرجل البدائي الذي يعيش على التلقي ولا يفكر ولا يتدبر المستقبل أن يتحدث بمثل هذا الحديث الرائع؟ وحسب استنتاجات جان بياجيه فإن الحاجة هي الدافع لاكتشاف العلم وليسمح لي بياجيه لأضيف: لو فكر أحد في المستقبل فهو يسعى لاكتشاف علم لا يحتاج إليه فعلا بل يمكن أن يحتاج إليه مستقبلا أو يمكن أن يحتاج إليه أهله مستقبلا. هكذا فكر قس بن ساعدة. ليس سهلا لإنسان أن يقول قبل أكثر من 15 قرنا: “وإذا أخرت فلا يكونن كنزك إلا فعلك“. لا زال أهلنا في بلادنا يظنون بأن المال هو الكنز الذي لا ينفد ولا يعرفون قيمة عمل الإنسان وتأثيره في المجتمع وما يدر على صاحبه من خير.

2.

وصية ذو الإصبع لابنه أسيد عند موته:

قال أبو عمرو: ولما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيداً فقال لـه: يا بني، إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش، وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته، فاحفظ عني: ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لـهم يرفعوك، وابسط لـهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك؛ وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم، واسمح بمالك، واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النهضة في الصريخ، فإن لك أجلاً لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئاً، فبذلك يتم سؤددك؛ ثم أنشأ يقول:

أأسيد إن مالاً ملكـــــــــت فسر به سيراً جميلاً

آخ الكرام إن استطعــــــــــــــت إلى إخائهم جملاً ذلولا

واشرب بكأسهم وإن            شربوا به السم الثميلا

أهن اللئام ولاتكن                لإخائهم جملاً ذلولاً

إن الكرام إذا توا خيــــــــــــهم وجدت لـهم فضولا

ودع الذي يعد العشيـــــــــــرة أن يسيل ولن يسيلا

أ بُني إن المال لا            يبكي إذا فقد البخيلا

لم يدرك ذو الأصبع دعوة الرسول ولكنه كان قريب العهد.

  1. ورقة بن نوفل، ابن عم أم المؤمنين خديجة رضي الله عنهما. هو من أوائل الذين آمنوا بالرسالة المحمدية ولكنه مات قبل أن يرى نضج الدين الجديد. كان قسا مسيحيا حكيما وشاعرا ومفكرا يبحث عن دين الله من قبل أن يتعرف على الرسول الأمين عليه السلام.

هؤلاء هم من أولي الألباب الذين مدحهم القرآن الكريم كما أظن والعلم عند الله تعالى. وهؤلاء هم الذين شرعوا سننا طيبة من قبل ظهور الدعوة الإلهية ليجلبوا السلام والأمان لمكة ولكل من يزور مكة.

  1. أحلاف مكة.

حلف الفضول: لا يُظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته.

سنه المكيون سنوات قليلة قبل إعلان الدعوة ويُقال بأن النبي عليه السلام كان من الشباب الحاضرين يوم سن ذلك التشريع.

سن المكيون قبل الإسلام قانونا لتعويض كل تاجر يخسر في مكة ووضعوا لتنفيذ ذلك صندوقا يساهم فيه كل التجار وهو أجمل وأكمل من قوانين التأمين الفعلية برأيي المتواضع.

فتح المكيون مدرسة علمية للتفكير في خلق الله تعالى وقد أشار إليها القدوس في نهاية سورة آل عمران من الآية  190 إلى الآية 195 المذكورة أعلاه. والمدرسة تضم الرجال والنساء باعتراف القرآن الكريم.

احترم المكيون قوانين العرب التي تفرض على الحجاج أن يطوفوا حول الكعبة عراة باعتبار أنهم عصوا ربهم في ملابسهم فعليهم أن يستغفروا بلا ملابس. وجدوا لها حلا وهو أن يطوف الرجال في النهار والنساء في الليل.

كان عرب مكة أكثر تحضرا من أهل الحبشة. فنسمع بأن عبد المطلب زار أبرهة الذي قصد هدم الكعبة بالفيلة فأكرمه أبرهة ظنا بأنه جاء يستنجده في مهمته لهدم الكعبة وكان خائفا من ذلك. لكن عبد المطلب طلب منه استرجاع إبله المسروقة. فقال له أبرهة نحن أتينا لهدم الكعبة وأنت تتحدث عن إبلك فرد عبد المطلب: للبيت رب يحميه وأنا أحمي إبلي. فدب الخوف في قلب أبرهة من قبل أن يسوق الفيلة.

أولئك هم أولو الألباب وهم أهل مكة وهم كانوا خير أمة أخرجت للناس. فالآية تتحدث عنهم وليس عن المؤمنين ولا يوجد أي ذكر للمؤمنين بالإسلام في الآية الكريمة ولا عن المستقبل ولا عن شروط خير أمة بل هم فعلا كانوا خير أمة بين البشر. ولذلك اختارهم الله تعالى لاستلام القرآن العظيم.

وإليكم بيانا مختصرا للآيات التالية لها لعلها تسند رايي المتواضع.

فلنشرح بداية بعض مواضيع الآية الكريمة بصورة أكثر تفصيلا. قال تعالى في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110).

فالسر في ولو آمن أهل الكتاب إذَن هو أنهم تكبروا على بقية العرب بغير حق والقرآن قد نزل على جميعهم وهم منهم في الواقع فلماذا تكبروا عليهم. هذه الرسالة ليست دليلا على صلاحية من أرسل عليه للفوز بالجنة ولكنه دليل على قدرته بالفوز بالجنة أكثر من غيره ولولا ذلك لاختار الله تعالى أمة أخرى لينزل عليهم القرآن الكريم. والذين كفروا من أهل الكتاب كانوا محظوظين بأنهم ضمن هذه المجموعة التي استحقت استلام الوحي العظيم فلو كان المصطفون من غيرهم لكانوا هم المحرومين من الرسالة أيضا وهذا هو معنى لكان خير لهم كما أظن. والمؤمنون في نهاية الآية في مقابل الفاسقين وليس في مقابل الكافرين والمشركين باعتبار أن الفاسق هو الذي أصيب بالخيلاء فترك التمسك بالعقل والفكر واتبع الشهوات.

دعوة القرآن:

القرآن يدعو إلى التفكر والتدبر وترك التبعية والتقليد وترك التراث والسلفية تماما بعكس ما هو عليه المسلمون عامة اليوم. فالمعروف هو ما يتوصل إليه الناس بعقولهم وأفكارهم الحرة دون التأثر بالذين مضوا إلا بقدر التعلم والتعرف على الأخطاء والرسول كان يدعو الناس إلى اتباع القرآن ليتركوا التبعية للوالدين والطاعة للحاكم والاهتمام بالأسرة والمدينة. كانت الدعوة إلى الله تعالى الذي هو في الغيب ولا يخص قوما دون قوم ولا أمة دون أمة ولا جنسا دون جنس ولا بشرا دون جن ولا عقلاء دون غيرهم. والقرآن ليس إلا كتاب الطبيعة وقانون الأجرام ونظام التفاعلات الأتوماتيكية. القرآن يساعد الناس على فهم حقيقتهم وحقيقة ما يحيط بهم ويعلمهم كيفية التعامل مع المحيط والتعامل مع من مثلهم من البشر ويعلمهم حقيقة الغيبيات ليتعرفوا على حقوقهم فلا يخافوا إلا من الذي يجب أن يخافوا منه. كان الناس يخافون من الملوك والآباء ومن قبور الموتى ومن التماثيل التي تشير إلى الملائكة وإلى الأنبياء والأقوياء، فجاء القرآن ليقول للناس بأن الملائكة لا تملك الحل والعقد وبأن الأنبياء هم إخوان لهم وبأن الملوك هم من صنائع الرعية. ولو ننظر إلى سر الخلافة لنرى بأن الحاكمين كانوا يشعرون بزوال هيبة الملك في نظر الناس فسموا أنفسهم خلفاء ليتقوا بذلك شر الثورة عليهم. كان المحدثون الذين اشترتهم السلطات الأموية والعباسية يهتمون بذكر أمجاد بني أمية وأهل البيت من بني العباس لبيان أهمية الحاكمين وكانوا يتقاضون الأجور العالية على هذه الأكاذيب التي ورثناها نحن اليوم وقدّسناها جهلا وعمى.

فالقرآن لم يُبق لبشر أهمية إلا بقدر خوفه من الله تعالى وليس كلُّ إنسان أكثر من أخ للإنسان الآخر والأنبياء هم نماذج هذه الأخوة. لكننا نحن اليوم نقدس الأنبياء وهم ليسوا كذلك. هذا هو الفرق الكبير بين القرآن الكريم وبين الكتب التي خطتها يد البشر ووفرت المال لإيجادها الملوك والخلفاء المجرمون.

فالمعروف هو الذي يتوصل إليه الناس بعقولهم وأفكارهم وليس ما يُملى عليهم. والأمر بالمعروف هو الدعوة إلى اتباع مصلحة الأغلبية وليس فرض قانون الأسياد على الناس. إنه سر حكم الإنسان على نفسه وليس حكم الإنسان على إنسان آخر. والمنكر هو ما يستنكره الإنسان ويتألم منه وهو ضد المعروف والنهي عنه نهي تشريعي وليس سياديا. السيادة في الدنيا ممسوحة ليبقى الناس أحرارا ليمضوا اختبارهم بحرية وأناة وتفكر وإمعان دون أن يكونوا تحت رحمة الآخرين. والآباء والأمهات ليسوا إلا مساعدين لمساعدة الذين انحدروا منهم والذين هم أكثر منهم تطورا بحكم نظام الطبيعة. فكل أمة تؤمن بذلك هي أمة متطورة قادرة على استلام الكتاب العظيم. لكن هناك شرطا ثالثا لا يمكن تجاهله وهو:

الاعتقاد الجازم بالله تعالى والاهتمام بمعرفته وبأن قانونه هو الطريق الصحيحة وهو ما توصل إليه بعض العرب مثل ابن نفيل وزهير بن أبي سلمى وأسرة خديجة بنت خويلد بما فيها خديجة. هناك مجموعة كبيرة من العرب كانوا يؤمنون حقا بالله تعالى ويشعرون بأنه سبحانه لا يمكن أن يخلق الناس سدى وبأنه سوف يحاسب الناس على أعمالهم. وقول الأعشى في الجاهلية: “ألا كل شيء ما خلا الله باطل” ليست مسألة عادية.

لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴿111:

ولذلك فإنهم أعجز من أن يضروا المسلمين الذين تمكنوا من السيطرة على شهواتهم واستبقاء إيمانهم وإسلامهم. فلو دخلوا معا في حرب فالغلبة الطبيعية تكون من نصيب المؤمنين إضافة إلى حرمانهم من استحقاق النصر الواضح من الله تعالى. وليس الحديث في هذه الآية عن معجزة سماوية تحول دون تفوق الأعداء على المسلمين الأوائل فلو كان ذلك فلماذا الأذى ثم لماذا ذكر الله تعالى عدم منحهم النصر بل قال سبحانه بأنهم يمكنهم الدخول في حرب مع المسلمين ولكنهم سوف يولوهم الأدبار لتفوق عسكري متوازن من المسلمين باعتبارٍ آخر مذكور في الآية السابقة لها. والذي سوف يحول دون تفوق غير المسلمين هو الفسق وهو من تبعات التكبر وهو مغاير تماما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذان يتطلبان بطبيعتهما أن يشعر المرء بأنه عضو في مجتمع يملك الكثير من مقوماته وبأن للآخرين حقوقا عليه لو أنه تفوق عليهم في مسألة علمية أو اجتماعية.

ولا يمكن أن نتصور أمة بشرية تشعل الحرب مع أمة أخرى ثم توليهم دبرها إلا إذا اعتبرنا الذين قوتلوا ظاهرين في تجمع متلاحم غير قابل للتفكيك إلا بالسيف وأنى للسيف أن يقطع التحام أمة بشرية تحت حكم واحد هو حكم الله تعالى الذي يدير الأبدان قبل أن يشرع الأديان؟ الخوف هو العامل الوحيد الذي يُرعب المهاجم وبما أنه قد مارس الهجوم فلا يمكن أن يهزه التفكير في الخوف ولكن ما يراه من الذين حوربوا من بسالة وشجاعة تدل على وحدة نواياهم واستعدادهم للتضحية بكل غال في سبيل الغير هو المعلمة التي تنير تجمع المسلمين للقتال وتميز ساحتهم على ساحة العدو المهاجم.

وقد ختم الله تعالى الآية بقوله: ثم لا ينصرون. وهو يعني بأن الله تعالى يمنع عنهم النصر بعد أن يولوا مدبرين في المواجهة الأولى باعتبار ما شاهدوه من قوة عزيمة واستعداد عظيم للتضحية والفداء. فعدم النصر هو مسألة ثانوية هنا باعتبار أن المهاجمين هم الكفار وليسوا المسلمين. فالمسلمون ينطوون برحمة الله تعالى ونعمته على قوة طبيعية اكتسبوها باجتماعهم تحت حبل الله تعالى، ذلك الحبل الذي ابتعد عنه أعداؤهم. ولو سأل سائل: هل كان الكافرون قادرين على الانتصار لو أنهم تمسكوا بحبل الله تعالى ولكنهم لم يلتزموا بتشريعاته سبحانه واكتفوا بالتعاضد والتآزر وعدم الاختلاف؟ والجواب بأنهم حينئذ لا يجيزون لأنفسهم دخول حرب مع غيرهم لأن ذلك يتعارض مع الاهتمام بعدم التفرقة. فالذي يعتبر البشر إخوانا له فهو لا يبيح لنفسه أن يحاربهم تبعا لشهوة الفتوحات مثلا. وأما المسلمون الذين ظلموا غيرهم بقيامهم بالفتوحات فإن شأنهم هو شأن غيرهم الذين كسبوا القوة العسكرية ثم استعملوها في غير موردها. فإن غيرهم حارب المسلمين وفتح أمصارهم أيضا كما فعله المغول. فالمسلمون بعد الرسول كسبوا قوة بعد اهتمامهم بإشاعة المعروف في مجتمعهم ومحاربة المنكر لكنهم استعملوا تلك القوة في غير موردها فآل أمرهم أخيرا إلى تفوق الأعادي عليهم.

بهذا المعنى كان أهل مكة فعلا خير أمة أخرجت للناس والعلم عند المولى عز اسمه.

العلم بحقيقته والعلم لدى كمال شاهين

العلم علمان: علم استفاد منه الناس وبقي حتى يومنا هذا وعلم تقبله الأستاذ الدكتور كمال شاهين. فالعلم الشاهيني ينطوي على عدة شروط أساسية لا دخل للعلم بشيء منها وهن:

  1. أن يصدر من إمبراطورية عظمى.

  2. أن يكون عمره 200 سنة.

  3. ألا يكون صادرا من فرد بل من مجموعة.

  4. ألا يكون أصله عربيا فالعرب ليسوا قادرين على إنتاج العلم.

ونتحدث هنا بداية عن العلم المفيد للناس ونسعى لفهم منشئه وتاريخه. فلننظر إلى بعض ما أنكره فضيلة الدكتور كمال مما لم ينتجه إمبراطورياته المعروفة.

  1. ورق البردي: صناعة مصرية منذ أيام الرسول موسى أي 15 قرنا قبل ميلاد المسيح، عليهما السلام. والعالم يعترف بذلك فيما عدا الأستاذ كمال شاهين المصري. ويعتبرون كلمة Paper مصحفة من البردي. والورق موجود حتى يومنا هذا.

  2. صناعة الزجاج: صناعة إسرائيلية قام بها النبي سليمان وبها قاس درجة معلومات ملكة سبأ فأثبت لها بأنها لا تحمل معلومات كافية عن التطور الصناعي في الأرض. وهذا باعتراف القرآن الكريم ولكن لم نعرف هل طالت صناعته 200 عام وهل كان هناك مجموعة معترف بها مشغولين ليتقبله الدكتور كمال؟

  3. اكتشاف السماد العضوي وبأنه الطريقة المثلى لتكثير النبات وهو مما تعاون عليه داود وسليمان النبيان العالمان ولكن سليمان هو الذي شرفه الله تعالى باكتشافه. هذا أيضا ليس علما حسب معايير الدكتور كمال حفظه الله تعالى حاميا للعلم وللعروبة. كل الزمن الذي طال حتى اكتشفه سليمان لا يمكن أن يتجاوز عدة سنوات من يوم أن انتبه المزارعون إلى أن الغنم نفشت في مرزعة دون أخرى مما أدى إلى نتائج مضاعفة للمزرعة المنفوشة فيها.

  4. صناعة الكمبوست وقد قام بها الرسول عيسى المسيح عليه السلام وهو ليس علما على الرغم من أننا نستفيد منه حتى يومنا هذا لأن المكتشف فرد وليس مجموعة ولأن اكتشافه لم يأخذ 200 عاما كما أن الإمبراطورية لم تدعمه. وهذا ما نفهمه من القرآن أيضا.

  5. المصانع التي اتخذها عاد قوم هود وهم مهندسون غير معترف بهم شاهينيا والمشكلة الكبرى أنهم عرب أيضا وهو مخالف للعلم فالعرب رعاة غنم وليسوا صناعيين.

  6. صناعة الأهرام المصرية وهي هندسة عظيمة لكن المشكلة بأن المصريين صاروا عربا فيما بعد وكانت إمبراطوريتهم العظمى غير معترف بها شاهينيا ولو أن القرآن الكريم اعترف بها. كل الغربيين الذين يزورون مصر لمشاهدة عظمة الهندسة المعمارية المصرية يأتون سفها وعن غير دراية ظنا منهم بأن مصر كانت قادرة على إنتاج علم! وهو في الأساس خطأ لأنهم مصريون وليسوا فرسا ولا يونانيين ولا بيزنظيين ولا أمريكيين ولا بريطانيين ولا فرنسيين.

  7. صناعة أول سد في الأرض وهو ما بناه ذو القرنين وهو شخص عاش في فلسطين احتمالا ولا دليل على عروبته وقد اعترف به القرآن الكريم وبقدرته على السياحة واتخاذ الشمس دليلا ليذهب بها إلى الغرب ثم يعود بها إلى بلاده ثم إلى الشرق ثم أخذ خطا عمودا على مشرق الشمس في باكستان ليصل إلى منغوليا. كل ذلك ليس علما لأنه عمل فردي ولا توجد أية رسائل ولا كتب في مكتبة الإسكندرية اليونانية حول ذي القرنين.

  8. صناعة السفن وهو ما قام به فرد باسم نوح فهو ليس عملا عظيما لأنه نتاج فرد ولا أظن بأنه صرف على صناعته 200 عاما!  سلام الله على نوح.

  9. الكتابة المسمارية التي ابتدعها العراقيون قبل 7000 سنة وكذلك الكتابة الهيروغليفية التي ابتدعها المصريون قبل حوالي 5400 سنة أي سنوات قبل أن يصنع نفس المصريين الورق من ورق البردي. كل ذلك ليس علما إذ ليس بيدنا كتب ورسالات مخزنة في المستودعات المعترف بها مثل مكتبة الإسكندرية. أما المكتبات العلمية الكبرى التي أحرقها المغول مثل دار الحكمة في بغداد والتي احتوت على 4 ملايين كتاب فهي غير معترف بها لأنها احترقت ولأن العراقيين صاروا عربا والمصريين صاروا عربا والعروبة ضد العلم.

  10. صناعة الخوذات واكتشاف الحديد باهتمام سليمان النبي الصناعي العظيم عليه السلام. هي ليست علما لأنها عمل فردي ولأن امبراطورية سليمان غير معترف بها. ذلك لأن سليمان كان ملكا نبيا والأنبياء لا يهتمون بالقصور فلا يبقون لقصورهم أثرا ولذلك لا يعترف بهم الذين لا ينظرون إلى آثارهم العلمية بل ينظرون إلى الإعلام وإلى آثار الغطرسة التي نراها عند أكاسرة الفرس وأباطرة اليونان وغيرهم من مجرمي الأرض. لقد اعترف القرآن بذلك وهو كتاب واحد غير كاف لتثبيت ذلك العلم أو قبوله علما!

  11. ابن رشد ليس عالما لأنه عربي ومسلم، ويعقوب بن إسحاق الكندي ليس عالما لأنه عربي ومسلم وعراقي، وجابر بن حيان أبي الكيمياء ليس عالما لأنه مشكوك في أصله فهو احتمالا عربي ومسلم وهناك غيرهم الكثير ليسوا علماء لأنهم ليسوا فرسا ولا بيزنطيين ولا رومان ولا مقدونيين ولا ولا.

ولذلك فإني أرفض المعايير التي وضعها أخي الكريم سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين لتثبيت العلم وأعتبرها معايير باطلة كتبها الذين أرادوا محاربة العرب والمسلمين وأرادوا تثبيت جهلنا وأصولنا غير العلمية. وقد فكرت كثيرا في علوم المقدونيين واليونانيين التي لا تنطوي على أية تجربة بل هي مجرد تخرصات واستنتاجات ينسبونها إلى العقل فرأيت بأنها لا تمثل العلم إطلاقا. ليست فلسفة أرسطو علما دقيقا ولا منطقه ولا استنتاجاته التي أثبت المرحوم غاليليو خطأها. كما أن محاسبات بطليموس الفلكية مع أن البشرية استفادت منها ولكن كبرني كوس أثبت فيما بعد بأنها شطط بعيد عن الحقائق العلمية.

هدانا الله طريق الرشاد

أحمد المُهري

24/6/2018

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

3 تعليقات
  1. ambmacpc :

    ليس هكذا يعمل العلم

    في حديثنا عن العلم وعما إذا كانت براكين العلم التي انفجرت في أواخر القرن الثاني من الهجرة هي براكين عربية تتحدث العربية أم براكين فارسية تتحدث العربية أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة يقصد بها الحديث عن تاريخ العلم لتأييد وجهة نظر فضيلته الذاهبة إلى أن براكين العلم التي انفجرت في القرون الآولى من الهجرة هي براكين عربية, قام بها عرب يتحدثون العربية, صادرة عن الثقافة العربية وليست براكين علم فارسية, صادرة عن الثقافة الفارسية, قام بها فرس يتحدثون العربية. والرسالة التي كتبها فضيلته تثير مشاكل لا تتعلق فقط بمنهج البحث العلمي وإنما تتعلق أيضًا بمنهج تفسير القرآن. يظهر ذلك بوضوح تام في حديث فضيلته عن الطائرات التي تستخدم الطاقة التي تولدها الشياطين.

    طائرات الشياطين

    يخبرنا فضيلة الشيخ أحمد المُهري أن:

    “الآية الأخيرة أعلاه فأظن بأنها تتحدث عن نوع من الطائرات التي استعملها سليمان. كانت تلك الطائرات تعمل بواسطة الطاقة التي تنبعث من الشياطين باعتبارها كائنات نارية. قال تعالى في سورة الفرقان مشيرا إلى نفس الحكاية كما أظن: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38). أولئك الشياطين المقرنون في الأصفاد كانوا يحركون الطائرات التي تشق الهواء كما أحتمل والعلم عند المولى. كل ذلك احتمالات قرآنية استنبطتها من كتاب لا يشك أي منا في صحته ولكن فهمي قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا.”

    قرأ فضيلة الشيخ المُهري, إذن, سورة ص. رأى فضيلته أن الله سبحانه وتعالى يقول:

    *وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38)*

    ففهم أن سورة الفرقان تتحدث عن نوع من الطائرات التي استعملها سليمان تعمل بواسطة الطاقة التي تنبعث من الشياطين باعتبارها كائنات نارية. أي أن أولئك الشياطين المقرنين في الأصفاد كانوا يحركون الطائرات التي تشق الهواء كما يحتمل. ينبهنا فضيلة الشيخ المُهري, على أية حال, إلى أن “كل ذلك احتمالات قرآنية استنبطها من كتاب لا يشك أي منا في صحته ولكن فهمه قد يكون صحيحًا وقد يكون خاطئا.”

    والمشكلة فيما يخبرنا به فضيلة الشيخ أحمد المُهري أنه لا توجد أية إشارة في الآيات الكريمة التي استشهد بها إلى موضوع الطائرات التي تعمل بواسطة الطاقة الشيطانية التي تنبعث من الشياطين المقرنين في الأصفاد. وكأن الأمر هنا كمن يستمع إلى التحذير الذي تطلقه هيئة النقل في لندن في كل مرة يقف فيها القطار إلى ضرورة انتباه الركاب إلى وجود فراغ بين القطار وبين رصيف المحطة “فيفهم” أن التحذير الذي يقول “على الركاب ضرورة الانتباه إلى وجود فراغ بين القطار وبين رصيف المحطة” إنما يعني ضرورة انتباه البشر إلى وجود فراغ بين الموت وبين يوم الحساب. على أساس أن الحياة ليست أكثر من رحلة بين الميلاد وبين الموت تماثل الرحلة بين محطة وأخرى عند مغادرة القطار بدون الانتباه إلى الفراغ بينه وبين رصيف المحطة. هذا فيما يتعلق بـمنهج تفسير القرآن, أما فيما يتعلق بمنهج البحث العلمي فيكفي القول بأن أي قول يأمل صاحبه في أن يؤخذ على أنه قول علمي لا بد أن يكون قولاً يمكن التحقق من صحته. الأقوال التي يخبرنا بها فضيلة الشيخ المُهري أقوال لا يمكن التحقق من صحتها. كيف لبشر أن يتحقق من أن سيدنا سليمان كان يستعمل طائرات تعمل بواسطة الطاقة الشيطانية التي تنبعث من الشياطين المقرنين في الأصفاد؟ يعلم كل من آمن بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وأن القرآن كتاب الله أن هناك عالم غيب وعالم شهادة. لا يعمل العلم إلا في عالم الشهادة ولا يعلم الغيب إلا الله. وليس لمن آمن بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله, أن يخلط بين عالم الغيب وعالم الشهادة فيتحدث عن الغيب حديث علم. لا أحد يعلم الغيب إلا الله.

    يقول فضيلته:

    “حينما نتحدث عن التواريخ فإن كل الدلائل الموجودة بين أيدينا تعود إلى كتابات قديمة مؤرخة أو غير مؤرخة. بمعنى أن هناك تواريخا مكتوبة بدقة بالسنة واليوم كما نراه في تواريخنا العربية مثل تاريخ الطبري وغيره. ومن يدري أن الذي بيدنا هو فعلا ما كتبه محمّد بن جرير في القرن الرابع الهجري أم أنه مزور. ومن يدري بأن ما كتبه وأرخه الطبري هو صحيح أم باطل. أغلب الظن بأن كتاباتهم باطلة لأنهم يتحدثون عن مسائل لم تدون أصلا مثل تاريخ خلق آدم فلم يكن هناك مؤرخ يؤرخ خلق آدم وميلاده. وما أدرانا بأن التواريخ التي كتبها بنو إسرائيل في قديم الزمان صحيحة أم باطلة وأغلب الظن أنها غير صحيحة.

    الكمبوست أو السماد غير العضوي وغير الكيماوي مثلا غير مؤرخ بدقة وهناك ظنون لدى الكتاب الغربيين. هناك كتاب كتبه أحد مؤرخي الإمبراطورية الرومانية 160 سنة قبل الميلاد كما يقولون. تصور بأن المسيح لم يكن مولودا فكيف أرخوا كتابته 160BC؟ ذلك الشخص يتحدث عن الكمبوست أو السماد الذي يُصنع في المنازل وهو مقصودي من الكمبوست. لكنني فهمت الآية الكريمة التالية من سورة آل عمران بمعنى الكمبوست المنزلي: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49).

    فكرت كثيرا في تفسير قول المسيح (ما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم). بالطبع أنني أرفض مقولة المفسرين الكرام بأنه كان يخبر الناس عن مدخراتهم الغذائية في منازلهم. فلو صح بأن الرسول عيسى عليه السلام كان يعلم الغيب فهو من أعيب المعايب أن يكشف أسرار الناس ومدخراتهم المنزلية. هناك أمر آخر يريد الله تعالى أن يبلغنا ويدل ذلك الأمر على تفوق علمي للمسيح على من كان حاضرا أمامه ليكون دليلا على رسالته. فباعتبار أن تاريخ الكمبوست المنزلي كما هو معروف يعود إلى ما قبل 2000 عام وهو تاريخ ميلاد المسيح وبما أن ما يأكلون وما يدخرون قد يعني ما يستهلكه الناس كطعام لهم وما كانوا يرمونه من بقايا. فعلمهم المسيح بأن هناك إمكانية ادخار زوائد الطعام في مكان ما في أفنية منازلهم ليستفيدوا منها مستقبلا. هذا ما نفعله نحن اليوم في منازلنا بأن نضع في نهاية فناء البيت برميلا مفتوحا من أسفله وله باب أعلاه ونرمي به كل بقايا طعامنا وكذلك بقايا الورود التالفة وبعض أوراق الجرائد وبعض الأعشاب التي نقطعها من حديقة المنزل وتتحول بعد عدة سنوات إلى سماد طيب نستفيد منها. على الأقل نحن في لندن نقوم بعمل ذلك والبراميل البلاستيكية المخصصة مهداة لنا من بلدية كنجستون في المنطقة التي أعيش فيها. فهمت من الآية الكريمة بأن المسيح عليه السلام علم الناس كيف يدخرون تلك الأطعمة الزائدة كسماد لمستقبل الزراعة. هذا فهمي طبعا وأتمنى أن يكون صحيحا.

    وأما السماد العضوي المعروف. قال تعالى في سورة الأنبياء: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاَّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81). الآيات الكريمة تتحدث عن بعض أعمال الرسل المفيدة للناس. فهمي للآية الأولى هو أن هناك بستانان في مكان مجاور ويستفيدان من نفس التربة ونفس المياه ولكن أحد البستانين أثمرت بكثافة أكثر من الثاني. تعجب الناس من مشاهدة وملاحظة ما رأوه ولم يعلموا السبب. ذهبوا ونقلوا الموضوع إلى داوود النبي الملك. جاء داوود ومعه سليمان ليكتشفا الأمر. لم يتمكن داوود من فهم السبب ولأنه كان مضطرا للعودة إلى مكتبه باعتباره ملكا كما يبدو فإنه اعتمد على سليمان لينظر في الأمر.

    استمر سليمان في البحث عن السبب فلاحظ بعد السعي بأن هناك غنما تمر في أحد البستانين وتنفش فيه ولكن البستان الآخر مقفول على الحيوانات. أظن بأنه بالطبع قام بالتجربة ليعلم بأن ظنه صحيح بأن البستان الذي أصبح مرعى للغنم فإنه استفاد مما خرج من الغنم من روث وهي ترعى في المزرعة بلا راع وبكل حرية. نفش يعني دخل البستان ليرعى بلا راع. وهكذا تعلم سليمان بأن السماد العضوي تساعد الأرض لتعطي نباتا أكثر من الأرض غير المسمدة. وأتذكر بأنني حينما بينت تفسيري للآية الكريمة في شمال لندن علق أخي قصي الموسوي وكان زميلا يحضر محاضرتي التفسيرية في تلك السنوات، علق على تفاسير المفسرين قائلا بأن الخلافات بين المزارعين تُحل فيما بينهم ولا يمكن أن يذهبوا إلى رئيس الدولة وهو نبي فيأتي هو ونبي آخر ليحلا الخلاف بين أصحاب البساتين! واللبوس هي الخوذة المعدنية أو الخشبية أو الجلدية التي يلبسها المحاربون لحماية رؤوسهم وكذلك الصدريات الواقية. فكما يبدو بأنها من ابتكارات سليمان وليس مما سمعناه عن غيره من المحاربين كما قرأنا في تاريخ المحاربين القدامى من قبل العصور الوسطى. هذا ما نفهمه من القرآن الكريم الذي نؤمن بصحته.

    وأما الآية الأخيرة أعلاه فأظن بأنها تتحدث عن نوع من الطائرات التي استعملها سليمان. كانت تلك الطائرات تعمل بواسطة الطاقة التي تنبعث من الشياطين باعتبارها كائنات نارية. قال تعالى في سورة الفرقان مشيرا إلى نفس الحكاية كما أظن: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38). أولئك الشياطين المقرنون في الأصفاد كانوا يحركون الطائرات التي تشق الهواء كما أحتمل والعلم عند المولى.

    كل ذلك احتمالات قرآنية استنبطتها من كتاب لا يشك أي منا في صحته ولكن فهمي قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا.

    لكم خالص التقدير والاحترام.

    أحمد المُهري

    26/6/2018

    مرة أخرى, خالص الشكر لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته. أدعو الله أن يفيض على فضيلته بالصحة والعافية, وأن يطيل في عمره, وأن ينفعنا وينفع الناس بعلمه.

    #تطوير_الفقه_الاسلامي

  2. ambmacpc :

    أنا أعتبر الدكتور كمال شاهين وبقية الإخوة والأخوات في مركز تطوير الفقه السني ثم الإسلامي سواء الذين تركونا أو الذين بقوا، أعتبرهم نفسي فلا يمكنني أن أرد عليهم ولكنني أرد فقط على أفكارهم. هم غير أفكارهم. فمشكلتنا مع الأستاذ الدكتور كمال هو أن فضيلته يهتم بالمراجع لإثبات بعض القضايا كما يهتم بالتجارب. اهتمامه بالتجارب صحيح لا غبار عليه وعلى من يخالف رأيه أن يأتي بتجارب تعطي نتائج معكوسة. ولكنه حينما يتحدث عن براكين العلم في البصرة فهو لم يأت مع ادعائه بأية شواهد أو تجارب أو آثار فعلية مثل مكتبة الإسكندرية. إنه ينقل ما كتبه بعض الكتاب في ويكبيديا أو في جوجل أو غيرها. كلها كلام وكلها احتمالات وكلها فرضيات وكلها منقولة مثل أحاديث البخاري.

    لكنني أرفض كل المنقول البشري سواء ما أقرأه في كتب الغربيين والشرقيين أو ما أقرأه في كتب المسلمين. المشترك المقبول بيني وبينه من خارج التجارب والتحقيقات العلمية هو القرآن الكريم. والقرآن ينطوي على الكثير من الآيات التي لا يمكن فهمها إذا لم نتصور ونتخيل الموقف والحكاية وكذلك التصورات التي ترتبط بالتطور البشري في كل المجالات. فحينما أنظر إلى قصة يوسف مع إخوانه وأرى قميص أخيه وقد قدمه إخوانه لأبيهم ملطخا بالدم الكذب وأنظر إلى قول أبيهم لهم بأنه ليس قميص يوسف كما أنظر إلى أن يوسف بعد أن استتب له الأمر في مصر يرسل قميصا إلى أبيه مع إخوانه ليعلم أبوه بأن أبناءه رأوا يوسف فعلا فإنني أتصور وأتخيل التالي: ذكر الله تعالى قميصا في بداية القصة وقميصا في نهايتها، إذن هناك اتفاق بين يعقوب ويوسف أن يلبس يوسف قميص أخيه الصغير ويحتفظ بقميصه معه في هميانه الشخصي ليرسله إلى أبيه بعد انتهاء الاختبار السماوي. فالقميص الذي أرسله يوسف هو نفس القميص الذي احتفظ به ولم يلبسه يوم خروجه من بيت أبيه بمعية إخوانه ليلعب ويرتع. لم يقل الله ذلك ولكنني تصورته وهو أقرب إلى الواقع. هكذا كتبت قصة كاملة ليوسف دون أن أخرج من القرآن ودون أن أنقل حادثة واحدة من كتب البشر. لكنني مزجت خيالي مع القصة وأكملت المواقف وأظن بأنني كنت قريبا من الصحة.

    هناك الكثير من الآيات غير التشريعية في القرآن والتي تنطوي على قضايا غير واضحة ونحتاج معها إلى إعمال الفكر والخيال وإلى تصور المواقف. كما أن هناك آيات غريبة حول حكاية سليمان وداود وموسى. السلام على كل أنبياء الله تعالى. لقد قمت بتفسير كل ما صادفتني من الحكايات بتصور وتخيل الموقف وأقنعت الكثير من زملائي لأنهم أرادوا فهم الآيات ولم يكونوا مقتنعين بالنقل البشري المشبوه لكنهم رأوا في تخيلاتي معقولية ولذلك قبلوا الكثير من ادعاءاتي. أظن بأن تخيلاتي العلمية والقصصية المستفادة من القرآن الكريم الذي لا نشك في صحته هي أقوى بكثير من الحكايات التي ينقلها لنا المؤرخون معنعنين. بما في ذلك منقولات الغربيين وبعض علماء الشرق التي تمثل احتمالات توصلوا إليها بمراجعة بعض الآثار أو قراءة بعض التواريخ المكتوبة التي لا يمكن أبدا ومطلقا إثبات سطر منها.

    لنبدأ بحكاية العلم. يظن الفلاسفة بأن الإنسان يعود إلى مخزوناته البديهية في ذهنه ليستخرج منها ما تناسب القضية التي يسعى لفهمها فتتشكل في نفس الذهن صورة جديدة مأخوذة من دمج بعض تلك الروابط للوصول إلى كلي علمي. هكذا يتحقق العلم. لا يمكنني في هذه المقالة المختصرة أن أضرب أمثلة لأن كل مثال يأخذ وقتا طويلا من القارئ الكريم. لكنني أتساءل كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى الإلكترون عن طريق المخزونات الذهنية البديهية. لا توجد في ذهن أحد أي مخزون ينبئ عن كائن طاقوي غريب غير محدود العدد وموجود في أعماق كل ذرات الوجود المادي وهو متحرك حركة شديدة ولم يتمكن البشر حتى يومنا هذا من تصيد الإلكترون أو الفوتون بأية وسيلة مادية.

    الفكرة أشبه بالخيال لكنهم صنعوا الحاسبات الإلكترونية على أساسها واستفادوا منها وازدادوا علما بها. يسعى العلماء جادين أن يتوصلوا إلى صناعة جهاز في المستقبل يتمكن من رؤية الإلكترون ولعلهم يتمكنوا احتمالا. حينما أنظر إلى أحوال هؤلاء العلماء أتذكر حكاية Ptolemy بطلميوس أو بطليموس وهو شخص يوناني عاش في الإسكندرية قبل ألفي عام ويُحتمل بأن أباه أو أمه من مصر ووضع قانونا لحركة الأجرام باعتبار أن الأرض هي مركز الكون. سارت البشرية على قوانين بطليموس الفلكية حوالي 15 قرنا وهم يحسبون الشروق والغروب والخسوف والكسوف وكل حسابات الأيام والسنين على أساس فكرة خاطئة لكن الحسابات كانت تعطي النتيجة الصحيحة. لم تُعلن خطأ بطليموس إلا قبل 5 قرون على يد نيكولاس كبر نيكوس أو كوبر نيكوس، الذي أثبت أن الأرض غير ثابتة وهي ليست مركز الكون بل هي تدور حول الشمس وحول نفسها. لو كان الدكتور كمال حاضرا في القرن العاشر الميلادي لذكر بأن الأرض مركز الكون وجاء باستدلالات على صحة قوله ولكنه اليوم لا يقول ذلك. هكذا يجب أن نقيم مقولات البشر حتى العلماء منهم.

    وحينما راجعت القرآن وجدت بأن الله تعالى ينسب كل العلوم إلى نفسه بما فيها الاستعانة بالطيور الجارحة والكلاب للصيد. قال تعالى في سورة المائدة: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4). ولذلك فتفسيري لظهور العلم مغاير لما يقوله فضيلة الأستاذ الدكتور كمال شاهين وهو بحث مفصل سوف أقدمه لمركز التطوير في المستقبل بإذن الرحمن.

    ينطوي الكتاب السماوي الكريم الذي نؤمن بأنه تنزيل رب العالمين وبأن كل ما فيه صحيح، ينطوي على مسائل لا يمكن لنا أن نفهمها إلا بتوسيع الخيال وبرفض كل مقولة غيرها. وأذكر التالي كمثال فقط:

    1. الآيات 17 إلى 44 من سورة النمل تتحدث عن النملة التي تتحدث بعقلانية والهدهد الذي يأتي بأخبار سبأ ويتعجب من شرك الملكة ويحمل رسالة سليمان إليها وكلها أعمال عقلانية كما أن سليمان يعامله معاملة العاقل وليس الحيوان. لا يجوز لرسول الله أن يعاقب حيوانا ولكنه يتوعد بعقاب الهدهد، وكامل الحكاية الطويلة. ليس فقط يتعذر إثبات ما قيل هناك بل يتعذر فهم ما قيل لو أنك لم تستعمل الخيال كما فعلته حين تفسير الآيات الكريمة.

    2. كل حكايات سورة الكهف غريبة ولقد فسرتها جميعا باستعمال الخيال وتصور المواقف وأثبت للحاضرين بأن القضايا صحيحة وتقبلوها. أثبتها بالشواهد من القرآن وليس بالعلم ولا بالتاريخ ولا بالآثار ولا هم يحزنون. لقد تقبلها زملائي المكرمون لأنهم لم يجدوا حلا معقولا غير ما قلته لهم وهم يعلمون بأنني بذلت جهدا موسعا في سبيل فهم الآيات.

    3. قصة عصا موسى ومجموعة الآيات التي أظهرها موسى بعصاه وكذلك حكاية أعظم حدث في الكرة الأرضية وهو تكليم الله تعالى إنسانا في الكوكب. لقد قمت بشرح كل المواقف وقد يكون كل شرحي باطلا ولكنني قدمت تفسيرا مقبولا للعقل البشري دون أن أقوم بأية تجربة علمية إذ لا يمكن إجراء أية تجارب. كل حكايات موسى وفرعون وكذلك حكايات موسى وقومه بما فيها حكاية شق البحر ومرورهم طريق يبسا داخل البحر، فهي حكايات لا يمكن إثبات صحتها علميا كما أن البشرية حتى يومنا هذا لم يعثر على أية آثار تدل على وقوع تلك الحوادث.

    4. كم سعى الصهاينة لإيجاد أي دليل ملموس على وجود سليمان وداوود ولا زالوا يسعون، فهل هما شخصان حقيقيان أم وهميان؟ الكتاب والمؤلفون الذين نقرأ عنهم لم يذكروا لنا حكاية النبيين الملكين إلا من استعان بالكتاب المقدس. أنا أتقبل كل القضايا المرتبطة بهما فقط باعتبار القرآن الكريم. لكنني مضطر أن أتوسل بالخيال أيضا لجعل القضايا معقولة. فمثلا قلت للذين اعترضوا علي بعدم وجود الآثار، قلت لهم بأننا نحن نرى آثار الملوك باعتبار قصورهم وزينتهم ولكن داود وسليمان ملكان ونبيان في نفس الوقت ولا يُعقل بأنهما سكنا القصور وتملكا الزخارف وتزوجا مئات النساء. فلا ننتظر أن نجد آثارا لشخصين سكنا بيوتا عادية وعاشا حياة مثل بقية الناس الذين لم يخلفوا آثارا ولا ذهبا ولا أواني ولا سيوفا. لم يذكر القرآن لأي نبي أكثر من زوجة واحدة إلا نبينا وبأمر من الله تعالى. حتى الأمة التي يتحدث عنها اليهود بأنها أم إسماعيل فهو كذب محض وكل كتب المسلمين مشحونة بقصصها وحكاياتها وكلهم يعتبرون بأن اسمها هاجر!! ما كان مسموحا لإبراهيم أن يتزوج أو يرتبط جنسيا بأَمة بنص القرآن الكريم. وهكذا حكاية أم يوسف وأخيه فالقرآن واضح بأن ليعقوب زوجة واحدة هي أمهما فأم إخوان يوسف كانت ميتة أو مطلقة فلم يذكر القرآن بأن يعقوب كان يعيش مع زوجتين في آن واحد.

    أنا مستند إلى القرآن الكريم وحده ولا يوجد أي شبه بين ما قلته وبين تحذيرات شركة قطارات لندن بوجود فراغ بين القطار وبين الرصيف. لكنني ضحكت ضحكة طويلة من ذلك المثال ودعوت لأن يطيل الله تعالى عمر أخي كمال شاهين ليأتي بتلك الأمثلة التي تضحكني وتدخل السرور في قلبي. وأقول أخيرا لأخي كمال بك حفظه الله تعالى أن يأتي بتفسير معقول للآيات التي أفسرها قبل أن يستعين بالأمثلة الحلوة البديعة. وأذكر القارئ الكريم بتلك الآيات الكريمة من سورة ص مرة أخرى لينتظر تفسير الدكتور كمال كما أنتظره أنا: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38). وأذكر القارئ الكريم بأن نفس حكاية التحرك مع الرياح مذكورة في سورة الأنبياء بشكل آخر: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82). فالريح لم تكن رخاء بل كانت عاصفة ولكنها كانت رخاء لسليمان باعتبار أن سليمان استعمل آلة تعصم غرفة الحركة مع الرياح من العواصف، والعلم عند الله تعالى.

    فتخيل البعض بأن كان لسليمان بساط يسير مع الريح تخيل باطل لأن البساط لا يمكنه أن يقاوم العاصفة. والله تعالى يؤكد بأنه كان حافظا لأولئك الشياطين فهم ليسوا أعداء سليمان بل كانوا يخدمونه. وحينما فسرت المقرنين بالأصفاد فإنني لاحظت مسألة أن يستفيد منهم سليمان دون أن يعاقبهم ويكونوا مقرنين في الأصفاد أيضا. وليعلم أخي العزيز الدكتور كمال شاهين بأنني سأكون مسرورا جدا لو جاء بتفسير خيرا من تفسيري وأعده بأنني سوف أكتب ذلك باسمه وأنشره وبكل فخر وسوف أعتذر من الخطأ الذي صدر مني بالطبع.

    تحياتي ودعواتي

    أحمد المُهري

    28/6/2018

    #تطوير_الفقه_الاسلامي

  3. ambmacpc :

    حكايات لا يمكن إثبات صحتها علميا: الحكاية الأولى

    كله كلام

    في حديثه عما كتبه كمال شاهين, كتب فضيلة الشيخ أحمد المُهري:

    1. أن المشكلة مع الأستاذ الدكتور كمال هو أن الأستاذ الدكتور كمال يهتم بالمراجع لإثبات بعض القضايا كما يهتم بالتجارب, و

    2. أن اهتمامه بالتجارب صحيح لا غبار عليه وعلى من يخالف رأيه أن يأتي بتجارب تعطي نتائج معكوسة,

    3. إلا أنه حينما تحدث عن براكين العلم في البصرة فهو لم يأت بأية شواهد, أو تجارب, أو آثار فعلية مثل مكتبة الإسكندرية. إنه ينقل ما كتبه بعض الكتاب في ويكبيديا أو في جوجل أو غيرها. كلها كلام, وكلها احتمالات, وكلها فرضيات, وكلها منقولة مثل أحاديث البخاري.

    حقيقة الأمر, يذهب شيخنا الفاضل إلى حد التصريح بأنه

    “يرفض كل المنقول البشري سواء ما يقرأه في كتب الغربيين والشرقيين أو ما يقرأه في كتب المسلمين”.

    وفي ما يقوله فضيلة الشيخ المُهري مشكلة. والمشكلة هي أنه, بهذا الموقف, يلقي بكل ما قام به الجنس البشري في مزبلة التاريخ الشهيرة في المجتمع العربي. أي أنه نظر إلى كتاب “ظهور العلم” ورأى فيه ما لا يعجبه فقرر بإلقائه – هكذا بمنتهى السهولة – في مزبلة التاريخ. إلا أننا لا يمكننا أن نقتدي بفضيلته ونقوم بإلقاء كتاب “ظهور العلم” في المزبلة ومعه كل كتب التاريخ وإنما سنطلب منه أن يبيّن لنا “أين أخطأ” الكتاب وأن يقدم لنا “الدليل” على صواب ما يذهب إليه. ما يقدمه لنا فضيلة الشيخ المُهري هو “فكرة”. يحتاج قبول هذه الفكرة إلى أن يقدم فضيلته الدليل على صحة ما تبينه. وعليه, ما هو الدليل على صواب ما يذهب إليه فضيلة الشيخ أحمد المُهري من أن كل الأبحاث التاريخية التي قام بها بنو آدم من ساعة أن خلق الله الآرض ومن عليها إلى يوم الله هذا هي أبحاث “كلها كلام, وكلها احتمالات, وكلها فرضيات, وكلها منقولة مثل أحاديث البخاري”.

    #تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.