الإسلام قبيلة بدوية كبيرة

الإسلام قبيلة بدوية كبيرة

قبيلة.jpg

يقدم الأستاذ طريف سردست رؤية للإسلام تذهب إلى أنه لم يكن أكثر من محاولة – ناجحة تماما – لإضفاء القدسية على الثقافة العربية القديمة.  نجح الإسلام في الحفاظ على القيم العربية القديمة التي تميز الذكور على الإناث, والأحرار على العبيد, والعرب على الموالي, والصفوة على العامة, والشريف على الضعيف, وأضاف إليها تمييز المسلمين على غير المسلمين.  بل نجح في الحفاظ على ممارسات السلب والنهب التي كانت تعتاش منها القبائل العربية وذلك بتحويلها من نهب وسلب بعضها البعض إلى نهب وسلب “الكفار”, ومن ثم أضفى عليها رداء القدسية إذ لم تعد أعمال سلب ونهب بل أصبحت “جهادًا” في سبيل الله.   كانت النتيجة النهائية لكل ذلك هي ظهور “القبيلة البدوية الكبيرة” المسماة “أمة الإسلام”.  يستشهد طريف سردست في رؤيته هذه بالعديد من الأحاديث النبوية, والآيات القرآنية, والممارسات التاريخية التي يرى أنها تدعم ما يذهب إليه. 

 

يمثل مقال طريف سردست تحديا حقيقيا للمثقف “الحقيقي” المسلم.  هل جاء الإسلام, حقا, لإضفاء القدسية على الثقافة العربية القديمة؟  هل ميز الإسلام الذكور على الإناث, والأحرار على العبيد, والعرب على الموالي, والصفوة على العامة, والشريف على الضعيف, والمسلم على غير المسلم؟  هل أباح الإسلام دماء الكفار وأموالهم؟  هل جاء الإسلام لتتحول الشعوب الى مجرد أداة يجلس على رأسها نخبة عربية من أشراف العرب وسادة قريش؟    يطرح طريف سردست أسئلة حقيقية تحتاج إلى إجابات حقيقية.

 

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

القبيلة البدوية الكبيرة

#طريف_سردست

طريف.jpg

” كنتم خير امة أخرجت للناس” ( قرآن كريم)


كان مشروع النبي يطمح لصهر القبائل العربية، لينتج منها أمة أسلامية تكون ندًا للأمة الفارسية الزرادشتية والأمة الرومانية المسيحية.  غير أن وسيلته في ذلك لم ترتفع إلى مستوى خلق أمة وانما توقفت عند حدود محاولة صهر قبائل، لينتج لدينا “قبيلة كبيرة” وخليطا متداخلا من المفاهيم المتناقضة والانتقائية.   في هذا السياق كان ضرورة الاحاديث التي تجعل التقوى هي اساس التمايز شكليا، مثل ( لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمى على عربي، ولا لأبيض على أسود, ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى.  الناس من آدم، وآدم من تراب) رواه الترمذي (3270) وحسنه الألباني.   ومنها الحديث الذي يدعو لطاعة حتى الشخص الذي يملك اكثر الصور إزدراءً في أذهانهم، مثل العبد الحبشي.   يقول: وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا مجدعا، رأسه زبيبة. طبعا، لاضر ان هذه الاحاديث تتعارض مع احاديث اخرى تضع الولاية في يد قريش الى ابد الابدين، ولذلك لا خوف ان تصل الولاية الى يد حبشي.


صهر القبائل ليس عملية سهلة، إذ ان ابناء القبيلة كانوا، كقاعدة اساسية، يعتاشون على السلب والنهب والاغارة على عشائر الجوار وقوافل الحجاج والتجار والدول المجاورة.   وكانت القوافل مضطرة لدفع خاوات لكل عشيرة تمر بمنطقتها.   وبعض القبائل مثل قريش كانت تعتاش على التجارة والسياحة الدينية الى مكة، وبعضها الاخر كانت تعيش على الزراعة، ولكن غالبية البدو، وعلى الاخص الاعراب، يزدرون الزراعة والمهن، ويعتاشون على النهب والسبي والخاوات.


لهذا السبب فإن النجاح في صهر القبائل لابد ان يترافق مع ايجاد مصدر رزق لهم يلغي حاجتهم للاعتداء على بعضهم البعض، ومع ذلك يبقى مصدرًا في حدود قدراتهم الوحيدة التي يتمنوا منها: الغزو.   بمعنى اخر، استغلال نمط حياتهم القبلي القديم لخلق المجال الحيوي للقبيلة الجديدة بتوجيه طاقتهم الى الخارج.   هذا المصدر وجده الرسول في إباحة دماء واموال من لم يؤمن به ثم الانتقال الى دول الجوار، لنهب الشعوب المجاورة.


” فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة-5). و ” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ” (التوبة-29).   بما يعني تشريع بقاء القتال مصدرًا لرزق قبيلة الاسلام، تماما حسب القواعد الموروثة عن نمط القبلية القديمة.   عن ‏ ‏ابن عمر‏ ‏قال‏: ‏قال رسول الله‏ ‏‏”بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له ‏(وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة ‏ ‏والصغار ‏على من خالف أمري) ومن تشبه بقوم فهو منهم” ‏ مسند أحمد حديث 4868.

 

وحتى السمعة المخيفة للقبائل العربية على انها همجية متوحشة أراد النبي المحافظة عليها واستغلالها لتمدد مشروعه.   يقول النبي متباهيا بهذه السمعة المخيفة «… نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ …وَأُحِلَّتْ لِىَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى … » . (البخاري-التيمم-335-طرفاه 438 ، 3122 – تحفة 3139 – 92/1 ، و يقول أيضا « نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ … وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِى يَدَىَّ ».(مسلم-المساجد-1199)


والمعاملة الحسنة، التي تدعو اليها بعض الاحاديث، كان ابناء القبيلة الجديدة وحدهم المعنيين بها، تماما على عادات القبائل القديمة، ومع ذلك نجدها أحاديثًا ممتلئة بالالتباسات, والاستثناءات, والتناقض, والانتقائية، بحيث أنها تفقد معناها في الواقع العملي، ودائما لصالح اشراف العرب والسادة من قريش، لتتحول الشعوب الى مجرد أداة يجلس على رأسها نخبة عربية.  وحتى عندما نسمع تعبيرًا مثل قوله (ص) التالي: {المسلمون تتكافأ دماؤهم} أي تتساوى فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع، تماما كما هو الامر عند طلب حق الدم بين اعضاء القبيلة الواحدة. غير ان ذلك لا يعني الغاء التمييز كما يعطي الحديث الانطباع، فالتمييز يستمر بذات الشكل الذي كان عليه الامر في القبيلة مع تكافؤ المطالبة بحق الدم.   في القبيلة الاسلامية يتجسد التمايز بين المسلم الحر والمسلم المولى (الذي يسلم من ابناء الشعوب المغلوبة على أمرها), وبين الذكر والانثى, وبين الجارية والحرة, وبالتأكيد بين المسلم والذمي، وهو تمايز يعيد صناعة التمايزات القبلية القديمة عوضا عن ان يلغيها.


وبكل وضوح نرى ان النبي نقل عادات وسلوك الاعراب قبل الاسلام الى سلوكيات اتباع القبيلة الجديدة عند البحث عن مصادر معيشة اخرى, فعندما شرع في غزو الروم، و كان ذلك في غزوة تبوك في رجب (سنة 9هـ) والتي لم تحقق شيئا، قال محمد بن إسحاق: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “للجد بن قيس” أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك: ( يا جد, هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفانا) فقال الجد: قد عرف قومي أني مغرم بالنساء, وإني أخشى إن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن فلا تفتني (أي لا تفتني بصباحة وجوههن) وأذن لي في القعود وأعينك بمالي، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (قد أذنت لك)        “وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ” (التوبة-49), ولم يكن به علة إلا النفاق”.    لم يقل محمد فلنذهب لندعو الروم إلى الإسلام، أو لندعوهم إلى ربهم الله، بل هو يثيره بسبي النساء تحديدا، وهو ما يشكل العزف على وتر نشاط القبائل قبل الاسلام.


وفي الواقع لم يكن تحويل نشاط القبائل من نهب وسلب بعضها الى سلب البلدان المجاورة أمرا عشوائيا، وردا على إعتداءات او شئ من هذا القبيل كما يدعي البعض، بل كان في ذهن محمد منذ فترة طويلة قبل بدء حملات الغزو.    روى أحمد عن البراء قال:” لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله، فجاء وأخذ المعول فقال: (بسم الله ثم ضرب ضربة وقال: الله، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني)، قال له من حضره من أصحابه :”يا رسول الله ادعُ الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ديارهم ويخرب بأيدينا بلادهم”، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك “.

 

لم يدعُ النبي بأن يشرح قلوب الناس للإيمان، وان تدخل الامم في الاسلام حبا به، وإنما دعا للاعراب بأن يغزو بلاد الآخرين، وأن يتخذوها غنيمة لهم، وأن يخربوا الحضارات العظيمة المجاورة، وقد فعلوا ذلك ودمروا روح الحضارة في مهد الحضارات.   لقد اعطاهم خريطة الطريق بدلا عن الصراع الداخلي، والتي اتبعوها بطرق مبتكرة تعبر عن استيعاب شديد.


على سبيل المثال رجع موسى بن نصير من غزواته في شمال أفريقيا، (بين الطوارق والامازيغ)، ومن (اسبانيا) الأندلس وهو يجر وراءه ثلاثمائة ألف رأس عبد (وكأنهم قطيع من البقر)، منهم ثلاثين ألف عذراء، وأرسل خُمس العذارى إلى الخليفة في الشام لأن الآية تقول: (واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه والرسول)، ليس من المعقول أن تكون هذه العذارى جاءوا الى الاسر طوعا ولابد انه جرى قتل اباءهم واخوانهم اولا.   إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب والسفك وانتهاك الحرمات(ابن الأثير،الكامل، ج4 ص 272/ نقلاً عن د. عليّ الوردي، وعاظ السلاطين، ص 209)انظر الدكتور كامل النجار (الدولة الاسلامية بين النظرية والتطبيق).


إن صورة “القبيلة الاسلامية” يصفها لنا بكل وضوح خطاب الخليفة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين والذي في عهده تمت أغلب الفتوحات في العراق والشام وشمال افريقية، عندما يقول:  (ألا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان، أمة مستعبدة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يُستصفون معايشهم, وكدائحهم, ورشح جباهم، عليهم المؤونة ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملأ  الله قلوبهم رعبا، فليس لهم معقل يلجؤون إليه، ولا مهرب يتقون به).


في القبيلة الجديدة جرى التمييز في المعاملة بين الحر والعبد حتى في فترة حياة الرسول، إذ في تفسير ابن جرير الطبري للآية {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}.   قال: قد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء حتى يعرفن فلايؤذين.   الامر الذي يعني الموافقة ضمنا على الممارسات التي مورست ضد الاماء.   وبمعنى آخر, عولجت المشكلة بتأشير الحرة لابعادها عن الاذى عوضا عن رفع الاذى عن الإماء، وعوضا عن إدانة الاذى نفسه وهو مايفسر اسباب ان اخر دولة في العالم حرمت العبودية كانت دولة اسلامية: موريتانيا، وذلك في الثمانينات، واضطرت لاصدار القانون مرة اخرى في اول شهر من عام 2012، لعدم تطبيق القانون القديم.   وهذا الشكل من معالجة المشاكل، اي التلاعب على ظاهر الامور، لازال هو السائد في ممارساتنا حتى اليوم.

 

على ضوء ذلك ليس غريبا ان القرآن لم يأخذ موقفا بشأن مشكلة اخرى تخص “الأدنى” اجتماعيا، وهي إجبار الفتيات (الإماء) على البغاء، ففي الاية 33 من سورة النور يقول: “ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم”.    فالاية تركت الباب مفتوحا لممارسة البغاء من قبل الإماء، رضوخا عند إرادة مالكيهم من المسلمين الاحرار، ليس فقط طالما ان الفتيات لا اعتراض لديهن بل وحتى عند إكراههن وإلا لا شئ، فالله رحيم على الفتاة ولا شئ يخص الجاني، تماما كما كان الامر قبل الاسلام, عندما يتعلق الامر بمصالح النخب.


يروي الطبري في تفسيره لسبب نزول هذه الاية أن “أمة لعبد الله بن أبي, امرها فزنت, فجاءت ببرد, فقال لها ارجعي فازني, فقالت والله لا افعل, ان يك هذا خيرا (أى الزنا) فقد استكثرت منه, وإن يكن شرا فقد آن لي أن ادعه”.   وذلك في عهد النبي وتحت بصره.   لذلك ليس من الغريب انه يوجد فقه (من أحل لآخر فرج أمته).  وفي كتاب الفضائل قسم فضل العرب، حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: جعل الرسول فداء العربي يوم بدر اربعين اوقية، وجعل فداء المولى عشرين أوقية، والاوقية اربعين درهم.

 

قاعدة التكافوء في النسب

وانطلاقا من هذا التمييز، على قاعدة المنزلة القبلية، نجد ان مفهوم تكافوء النسب العشائري في الزواج لازال مترسخا حتى اليوم في دولة الشريعة السعودية، يحكم به القضاة الشرعيون اعتمادا على نصوص السنة وتطبيقات الصحابة المستمدة من ما عاصروه عن الرسول.


يقول عمر بن الخطاب “لأمنعن أن تزوج ذات الأحساب إلا من الأكفاء” رواه الخلال والدارقطني. مدلل على عادة العرب يعتدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصا وعارا, ويؤيد الفعل بالقول عندما يتقدم اليه سلمان الفارسي لخطبة ابنته.

 

وعن سعيد بن المسيب ان عمر قد نهى أن يتزوج العربي الامة، وأنه قضى في العرب يتزوجون الاماء وأولادهم بالفداء: ستة قلانص، الرجال والنساء سواء، والموالي مثل ذلك إذا لم يعلم، قال الزهري: العربي والمولى لا يستويان في النسب. ( راجع كتاب الفضائل، قسم فضل العرب)


في كتاب نثر الدر، لأبي (1/292)، يقول: خطب سلمان (الفارسي) إلى عمر بن الخطاب ابنته فلم يستجز رده، فأنعم له وشق ذلك عليه وعلى ابنه عبد الله بن عمر. فشكى عبد الله ذلك إلى عمرو بن العاص فقال له: أفتحب أن أصرف سلمان عنكم؟  فقال له: هو سلمان، وحاله في المسلمين حاله. قال: أحتال له حتى يكون هو التارك لهذا الأمر، والكاره له, قال: وددنا ذلك.   فمر عمرو بسلمان في طريق فضرب بيده على منكبه وقال له: هنيئاً لك أبا عبد الله.   قال: وما ذاك؟   قال: هذا عمر يريد أن يتواضع بك فيزوجك.   قال: وإنما يزوجني ليتواضع بي؟   قال: نعم.  قال: لا جرم والله لا خطبت إليه أبداً.

والاعتراض جرى حتى على عمر بن الخطاب عندما أراد ان يتزوج أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب.   عمر بن الخطاب، كان قرشيا ولكنه ليس هاشمي، وقد خطب ابنة علي بن ابي طالب، فرده علي لكونها صغيرة، (ولكن البعض الاخر يقول انه أجاب: انما حبست بناتي على بني جعفر، أي أبناء عمومتهن الهاشميين).   فقال ياأبا الحسنين ليس لي رغبة في النساء (يشير الى انه كبير السن) الا انني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب ونسب مقطوع يوم القيامة الا سببي ونسبي, وقد كانت لي به صحبة واردت ان يكون لي به نسب, فلما سمع سيدنا على منه زوج طفلته للعجوز, وأمهر ام كلثوم اربعين الف.

 

عن عبد الرزاق عن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر إلى علي ابنته فقال إنها صغيرة فقيل لعمر إنما يريد بذلك منعها قال: فكلمه، فقال علي: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، قال فبعث بها إليه قال: فذهب عمر فكشف عن ساقها، فقالت أرسل فلولا أنك أمير المؤمنين لصككت عنقك (مصنف عبد الرزاق) ومذكور في: [تاريخ بغداد 6 : 182].                  [ الإستيعاب 4 / 1954 ، أسد الغابة 5 / 615 ، الإصابة ].

 

وفي الوقت الذي كان عمر بن الخطاب مهتما للغاية بالزواج من بنت علي لتحسين نسبه كان يشعر بالعار من نقل نسبه الى طفل يأتيه من جارية سوداء زنى بها، (الزنى بملك اليمين شرعي).  روى سعيد حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن فتى من أهل المدينة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزل عن جارية له فجاءت بحمل، فشق عليه وقال اللهم لا تلحق بآل عمر من ليس منهم فإن آل عمر ليس بهم خفاء فولدت ولدا أسود فقال ممن هو فقالت من راعي الإبل (اي كانوا يتشاركون بها) فحمد الله وأثنى عليه.   (المغني 12 / 489 الطبعة الأولى دار الفكر بيروت),  وفي كنز العمال 45898, وأيضا مصنف عبد الرزاق:ج7/ص136 ح12536.

 

ولم يصل لعلمنا ان بلالًا الحبشي قد اعطي زوجة من قريش، التي عاش في كنفها، على ما هو عليه من صلاح وتقوى، ولم يتزوج لولا استغلال النبي فرصة قدوم بني البُكير من قبيلة كنانة، جاءوا إليه على أمل ان يكون وسيطا لهم يزوج اختهم فلانا، يريدون نسبه، فعرض النبي عليهم بلالًا وحاصرهم بالملحة ورفع قيمته بجعله من الموعودين بالجنة حتى اضطروا أخيرا للموافقة على طلبه (والبنت لا تعلم ان مستقبلها تم حسمه نبويا) – بالمناسبة هي الطريقة نفسها التي اجبر فيها زينب على القبول بالزواج من ربيبه زيد.   ولا نعلم ان هاشميه تزوجت احدًا من الموالى قط سوى ام المؤمنين, وفقط بعد ان أجبرها النبي على الزواج من ربيبه زيد، وهي كارهه، ورفضها كان لعدم تناسب النسب.

 

ومسألة رفض فاطمة لزواج علي من بنت ابي جهل، وحصولها على سند من محمد، على الرغم من ان بنت ابي جهل ليست مسؤولة عن تصرفات ابيها، ومع ذلك رأى محمد، إما من باب تعضيد ابنته لانها ابنته، وبالتالي التمييز بين ابنته وبنات المسلمين بسند انه رسول الله، وإما من باب ان نسب بنت ابي جهل لا يرتفع الى نسب رسول الله، إنطلاقا من ان نسب بنت ابي جهل يرجع الى ابي جهل الملعون في القرآن، وهو امر تشير اليه الاحاديث:


لنرى رواية البخاري 2/957: عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي حدثه أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه: أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا، فقال له: فهل أنت معطي سيف رسول الله فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال: (إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها).   ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه. قال: (حدثني فصدقني، ووعدني فأوفى لي, وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبدا).


وأخرج البخاري 3/1681: عن المسور بن مخرمة قال سمعت رسول الله يقول وهو على المنبر: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها).


وفي صحيح مسلم 4/1902: أن المسور بن مخرمة حدثه: أنه سمع رسول الله على المنبر وهو يقول: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها.

 

المنازل بناء على الانساب بقيت هي القيمة السائدة في الدولة الاسلامية، فحتى الصحابي أنس بن مالك ( الخزرجي) يستجير بالخليفة الاموي على عامله الحجاج (الثقفي) فيثير همة عبد الملك على خادمه, لا يشفع له اخلاصه.   وقد كتب الخليفة عبد الملك بن مروان كتابا الى الحجاج بن يوسف الثقفي يعنفه على سوء تعامله مع انس بن مالك، ونجد ان الخليفة يؤنب الحجاج من باب التدرج القبلي، فقبائل اهل ثقيف اقل منزلة من بني الخزرج التي ينتمي اليها انس بن مالك.   يقول الخليفة: كتب إلى الحجاج: «أما بعد، فإنك عبد من ثقيف طمحت بك الأمور فعلوت فيها وطغيت حتى عدوت قدرك وتجاوزت طورك يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب.  لأغمزنك غمز الليث ولأخبطنك خبطةً ولأركضنك ركضةً تود معها لو أنك رجعت في مخرجك من وجار أمك. ألا تذكر حال آبائك ومكاسبهم بالطائف وحفرهم الآبار بأيديهم ونقلهم الحجارة على ظهورهم؟ أم نسيت أجدادك في اللؤم والدناءة وخساسة الأصل؟ وقد بلغ أمير المؤمنين ما كان منك إلى أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول الله، فعليك لعنة الله من عبدٍ أخفش العينين أصك الرجلين ممسوح الجاعرتين، لقد هممتُ أن أبعث إليك من يسحبك ظهراً لبطن حتى يأتي بك أبا حمزة أو انتهكت له عرضاً غير ما كتب به إليه لفعل ذلك بك. فإذا قرأت كتابي هذا فكن له أطوع من نعله واعرف حقه وأكرمه وأهله ولا تقصرن في شيء من حوائجه، فو الله لو أن اليهود رأت رجلاً خدم العزير أو النصارى رجلاً خدم المسيح لو قروه وعظموه.   فتباً لك, لقد اجترأت ونسيت العهد، وإياك أن يبلغني عنك خلاف ذلك، فأبعث إليك من يضربك بطناً لظهر ويهتك سترك ويشمت بك عدوك.   والقه في منزله متنصلاً إليه ليكتب إلي برضاه عنك” ولكلِّ نبإٍ مستقرٌّ وسوف تعلمون”.  ويكبيديا


وفي التطبيق العملي لسيرة الصحابة والشخصيات الاسلامية النافذة نجد امثلة لا تعد عن التعصب، بين اتباع “ابناء قبيلة الاسلام” وابناء الاخرين.   عن قيس قال: كان عمرو بن معدي كرب يمر علينا ايام القادسية فيقول: يا معشر العرب كونوا أسدا، أغنى شانه، فإنما الفارسي تيس بعد ان يلقى نيزكه.

 

ونجد كيف يخلطون بين التمييز على اساس العنصر وبين التمييز على اساس الدين، عندما يجبر عمر احد ولاته على ان يطلق زوجته لانها من اهل الكتاب تارة، ولانها اعجمية تارة اخرى، هذا مع الاعتراف بعدم شرعية ذلك، وان الامر لا يتجاوز عنصرية وتمييز القبيلة الاقوى. يذكر النص أنه: بعث عمر بن الخطاب إلى حذيفة بعدما ولاه المدائن وكثر المسلمات: إنه بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلقها.   فكتب إليه: لا أفعل حتى تخبرني: أحلال أم حرام، وما أردت بذلك؟  فكتب إليه: لا بل حلال، ولكن في نساء الأعاجم خلابة، فإن أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم. فقال: الآن. فطلقها. [تاريخ الرسل والملوك – الطبري]

 

وحدث أن خطب رجل من الموالى بنتاً من أعراب بنى سليم وتزوجها, فشكوا ذلك إلى والى المدينة, وأرسل الوالى إلى المولى أمراً بتفريقه من زوجته وضربه مائتى سوط, ولم يكتفِ بذلك بل شهر به وذله بأن حلق رأسه وذقنة وشاربه وحاجبيه, وقال أحد الشعراء يمدح الوالى الذى فعل ذلك:  قضيت بسنة وحكمت عدلاً ولم ترث الحكومة من بعيد, وفى المائتين للمولى نكالاً وفى سلب الحواجب والخدود, فأي الحق أصهر للموالى من إصهار العبيد إلى العبيد. 

 

إذلال الموالى فى الحياة العامة

الأصمعي قال: زوّج خالد بن صفوان عبدَه من أمته، فقال له العبد: لو دعوتَ الناس وخطبتَ.   قال: ادْعُهم أنت.  فدعاهم العبد، فلما اجتمعوا تكلم خالد بن صفوان، فقال: إن الله أعظم وأجل من أن يذكر في نكاح هذين الكلبين، وأنا أشهدكم أني زوجت هذه الزانية من هذا ابن الزانية. [العقد الفريد – ابن عبد ربه]  أبو الأمداد فضل الله المحبي (والد المؤلف) أبق له عبدٌ وهو بالقاهرة فكتب إلى دمشق يخبر بإباقته: وقد كنَّا قديماً نسمع أن الخادم بمنزلة النَّعل يلبس ويخلع. والعبد لو كانت ذؤابة رأسه ذهبا لكان رصاصةً رجلاه.   ومن أبق عن الخدمة فقد يعد بعده نعمة وقربه نقمة. فقد يفر المهر من عليقه، ويطير الفراش إلى حريقه.  [نفحة الريحانة – المحبي]

 

تواضع أحد رواة الحديث: دخل رجل الحمام ويزيد بن أبي حبيب فيه، وكان أسود، فقال له: يا أسود قم فاغسل رأسي.  قال: فقام فشد عليه إزاره، فغسل رأسه، ودلك جسده.   فلما فرغ، قال له الرجل: كثر الله في السودان مثلك.   قال: أحببتَ أن يكثر منْ يخدمك.    [روضة العقلاء – البستي] بعث عمر بن الخطاب إلى حذيفة بعد ما ولاه المدائن وكثر المسلمات: إنه بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلقها. فكتب إليه: لا أفعل حتى تخبرني: أحلال أم حرام، وما أردت بذلك؟ فكتب إليه: لا بل حلال، ولكن في نساء الأعاجم خلابة، فإن أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم. فقال: الآن. فطلقها.  [تاريخ الرسل والملوك – الطبري]    وعندما يوصي النبي بالاقباط، في وصيته الاخيرة قبل الموت، ومع انها وصية تحض على احتلال وطنهم وإخضاعهم، فإننا نرى ان الدافع لكونهم طيبين بسهولة يمكن ان يكونوا خدمًا عند العرب ويكفون العرب اعمال الدنيا.    يقول المقريزي في الخطط،: روى ابن وهب عن موسى بن أيوب الغافقي، عن رجل من الرند، أن رسول الله مرض فأغمي عليه ثم أفاق فقال:”استوصوا بالأدم الجعد”, ثم أغمي عليه الثانية ثم أفاق فقال مثل ذلك، ثم أغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله من الأدم الجعد.  فأفاق فسألوه، فقال “قبط مصر، فأنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم”.   قالوا: كيف يكونوا اعواننا على ديننا يارسول الله؟   قال:”يكفونكم أعمال الدنيا، وتتفرغون للعبادة، فالراضي بما يؤتي اليهم كالفاعل بهم، والكاره لما يؤتى اليهم من الظلم كالمتنزه عنهم”.


في التراث الشيعي:

(ينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم, إلخ, ولا ينبغي أن يخالط أحد ألأكراد، ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم) (النهاية للشيخ الطوسي ص 373).

2 : وللكليني في الكافي عن أبى الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: إن عندنا قوما من ألاكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم قال: يا أبا الربيع, لا تخالطوهم فان الاكراد حى من أحياء الجن كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم.  الكافي ج 5/ص 158 – رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ج1 ص520 – جواهر الكلام للشيخ الجواهري ج 3 ص 116- بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 001 ص 83 – تفسير نور الثقلين – الشيخ الحويزي ج 1 ص 601)

3 : وفي رواية أخرى قال : (ولا تنكحوا من الاكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء    الكافي للكليني ص 5 /ج352.   وقد استخدم العرب ابناء البلاد الاصليين جنودا راجلة في مقدمة جيوشهم لفتح البلدان الاخرى، ولتفادي الخسائر بين صفوف العرب، تماما كما فعل المغول في حروبهم الوحشية.   يذكر المختار الثقفي :لإبراهيم بن الأشتر فى معركة: “إن عامة من عندك هؤلاء الحمراء (أى الموالى) وإن الحرب إن ضرستهم هربوا, فاحمل العرب على متون الخيل وأرجل الحمراء أمامهم”, فصار الموالى راجلين والعرب راكبين.


وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى.   وكانوا لا يكنون المولى, ولا يمشون معه في الصف, ولا يواكلونه, بل يقف على رؤوسهم, فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكانا ليعرف أنه مولى. وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها (كل مولى عليه ان يعلن موالاته لعشيرة عربية لتكون صوتا له وحمايتة بين النخبة الجديدة), وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة    (مظاهر الشعوبية لمحمد نبيه حجاب ص 51).  وإذا اضفنا الى ذلك التمييز ضد المرأة انطلاقا من تبني قيم القبيلة القديمة ونقلها الى الاسلام، تصبح الصورة غاية في الوضوح: الإسلام قبيلة بدوية كبيرة.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.