الاستغفار

الاستغفار.jpg

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

الاستغفار

غفر يعني ستر واستغفر يعني طلب الستر. فالاستغفار من الذنب يعني أن يطلب الشخص من ربه أن يغطي ذنبه. هذه التغطية المطلوبة قد تكون لصيانة كرامة المذنب بين قومه وأهله وعامة الناس وقد تكون لستر الذنب كاملا حتى يتلافى المذنب كل العواقب دنيوية وأخروية. فليس كل المستغفرين يسعون للوصول إلى نهاية فوائد الاستغفار. كما أن المستغفرين وهم جميعا يؤمنون بالله تعالى ويؤمنون بسلطته المحيطة بهم وبكل شيء فهم ليسوا جميعا صادقين في استغفارهم بمعنى أنهم نادمون فعلا وينوون ترك الذنب. هذه الخاصية الحمقاء لدى عامة المؤمنين بالله الذين يستغفرونه للدنيا هي التي ساعدت على خلق رجال الدين إن لم تكن هي السبب الأساسي لظاهرة الدين بالنسبة لغالبية أهل الأرض.

فالناس لا يكتفون بالتبرك بمن يتحلى بالمظهر الديني بل يطلبون منهم أن يستغفروا لهم حتى لا تصيبهم تبعات ذنوبهم. لقد سمعنا كثيرا عن قيام الكنائس في العصور الوسطى ببيع صكوك الغفران وهم اليوم يعملون نفس الشيء. وقد كنت في إحدى زياراتي لإيطاليا مع أحد الإخوة ونحن نقضي يوم العطلة الأسبوعية بالسير في شوارع ميلانو، فقال لي صديقي:

هل لاحظت نشاط المومسات حول الكنائس؟

قلت : لا ولكن دعني أفتح عيني من الآن .

وبعد أن سرنا مسافة غير قصيرة في مختلف مناطق المدينة قلت له نعم لاحظت ذلك. فقال لي : هل تعرف السبب.

 قلت: كلا.

قال لي : هؤلاء مسيحيات يؤمن بالله تعالى ويعرفن بأنهن يعصين ربهن في ممارساتهن غير الشرعية ويردن التوبة في كل مرة. فمن الخير لهن أن يعشن قريبا من الكنائس ليدخلنها كل يوم للاستغفار من الذنب.!!

كانت القضية بالنسبة لي مضحكة فكنت أظن قبل ذلك بأن الاستغفار خاص بالمتقين وإذا بالفاسدين والفاسدات يشاركون المتقين في الاستغفار. هذه القضية ساعدتني لفهم معنى الآية الكريمة من سورة الأنفال. ثم انتبهت إلى أن غالبية الملوك المؤمنين بالله يستغفرون ربهم ورأيت بعض آثارهم في القصور الملكية الفارسية غب الثورة. وقال لي أحد أساتذة التاريخ المرتبطين بالأسرة بأن مشكلة المجرم رضا شاه هو أنه كان يؤمن بالله وبالأساطير التي يروجها بعض رجال الدين. ورأيت بعد ذلك الكثير من مثل ذلك في الكويت وفي العراق حتى في أسرة المجرم الفاسد صدام حسين. ثم لاحظت ذلك في الكثير من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وبين الكثير من ملوك وملكات بريطانيا وغيرها من البلدان.

فأظن بأن المفسرين الكرام لم ينتبهوا بأن المشركين كانوا يستغفرون فعلا. حال أولئك المفسرين حالي أنا قبل أن أسمع حكاية استغفار المومسات من صديقي في ميلانو. ولنعد الآن إلى القرآن لنتعرف على الاستغفار من واقع الدعوات الرسالية.

قال نوح كما في سورة نوح: 

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12).

كلها فوائد دنيوية.

وقال سبحانه حول دعوة بعض الأنبياء وأظن بأن بداية سورة هود تعكس دعوة نبينا:

أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3).

ودعوة هود في سورة هود: 

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52) قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53).

ودعوة شعيب في سورة هود:

وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91).

وشعيب كما يبدو هو أول رسول يتحدث عن القيامة.

ومما لا ريب فيه بأن دعوة موسى ودعوة نبينا للاستغفار كان متضمنا التوبة إلى الله تعالى بعد الاستغفار. ولولا ذلك فالاستغفار يقتصر على الفوائد الدنيوية ومنها عدم نزول العذاب العام على الأمة. ونعرف من هذا البحث بأن هودا وصالحا احتمالا وكذلك شعيبا دعوا أقوامهم إلى الاستغفار والتوبة بعده باعتبار تطور الإدراك عند أقوامهم لكن الأقوام لم يستغفروا ولذلك نزل عليهم العذاب. أما قوم نبينا فباعتبار الحج والطواف وكذلك الصلاة كانوا يستغفرون فلم ينزل العذاب العام عليهم ولكن الله تعالى أزالهم فيما بعد عن طريق القتال حتى يمهد التوسع للإسلام كما أظن والعلم عند المولى.

والاستغفار بدون التوبة كان شائعا بين الأمم قديمها وحديثها. قال تعالى على لسان الوزير المصري العزيز في سورة يوسف: 

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29).

وأما الأنبياء أنفسهم فكانوا جميعا يستغفرون ويتوبون. قال تعالى في سورة ص:

 قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25).

والاستغفار المذكور في القرآن وإن لم يكن مشفوعا بالإنابة والتوبة فهو لا يعني الاستغفار المحض طبعا بل قد يعني الاستغفار والتوبة والإنابة كاملا.

فالاستغفار المحض بدون التوبة أو الإنابة يفيد الدنيا فقط وغير مجد للآخرة.

والقرآن يوضح ذلك تماما في سورة البقرة: 

ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ (200) وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201).

والمشركون كانوا يحجون وكانوا يستغفرون ليتلافوا التبعات الدنيوية وما كانوا من طالبي الآخرة.

وأما استغفار المتقين فهو موضح في سورة آل عمران:

 وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136).

 

أحمد المُهري 

2/6/2018 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.