أنا والفقهاء : أحكام أهل الكتاب في الدولة الإسلامية
أحكام أهل الكتاب في الدولة الإسلامية
كتب سيادة المستشار أحمد ماهر:
“الفقهاء قديما كانت لهم تخريجات لا تمت للإسلام بصلة، لكن تم فرضها علينا من فرط جهلنا أنها من الإسلام بينما هي مخالفة كل المخالفة للقرءان.
فالله تعالى يقول: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ العنكبوت: 46
فبناء على تعاليم من تصورناهم أئمة وفقهاء وعلماء, جادلنا أهل الكتاب بالتي هي أسوأ وقلنا بأنهم كفار، وأنه يجب التضييق عليهم في الطرقات، وأنهم يجب عليهم أن يمشوا فرادى وليس في جماعات، وأنهم لا يوقرون في مجلس فيه مسلم، ومنعنا مواساتهم وتهنئتهم، وقلنا بأن الله يدفع يوم القيامة لكل مسلم يهوديا أو نصرانيا ويقول له هذا فكاكك من النار فيطرح من ذنوب المسلم ويوضع على الكتابي ليدخل المسلم الجنة ويدخل المسيحي النار، ويتم تعليم دورهم بعلامات حتى لا يمر السائل عليها فيدعو لهم بمغفرة، وأن يركبوا الركائب بدون سرج، وأن يدفعوا الجزية في ذل وصغار بينما يأخذ الجابي المسلم الجزية منهم وهو ينخسهم بعصا في يده قائلا “ادفع يا عدو الله”]
وكل ذلك مخالف لقوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الممتحنة : 8
لكننا لا نبرهم ولا نقسط إليهم بل نجادلهم بالتي هي أسوأ ثم نحاسبهم ونتساءل “لماذا لم يدخل هؤلاء في الإسلام؟”
والإجابة سهلة ويسيرة: إنهم لم يدخلوا الإسلام من فرط غباء علمائنا وانقيادنا لهؤلاء العلماء الذين هم أقرب إلى أن يكونوا ندماء عن أن يكونوا علماء.
وخذ مثلا من فقه أحد ممن نسميهم بالعلماء حيث يذكر الماوردي أنه يشترط على أهل الذمة في عقد الجزية شرطان: مستحق ومستحب.
أما المستحق فستة شروط أحدهما:
- أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له,
- والثاني أن لا يذكروا رسول الله (ص) بتكذيب له ولا ازدراء له,
- والثالث أن لا يذموا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه,
- والرابع أن لا يصيبوا مسلمة لا بزنا ولا باسم نكاح,
- والخامس أن لا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا دينه,
- والسادس أن لا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم.
فهذه الستة حقوق ملزمة فتلزمهم بغير شرط وإنما تشرط إشعارًا لهم وتأكيدًا لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم.
وأما المستوجب فستة أشياء:
- احدهما تغير هيأتهم بلبس الغيار وشد الزنار.
- والثاني أن لا يعلوا على المسلمين في الأبنية ويكونوا إن لم ينقصوا مساوين لهم.
- والثالث أن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم, ولا تلاوة كتبهم, ولا قولهم في عزير والسيد المسيح.
- والرابع أن لا يجاهروهم بشرب خمورهم ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم.
- والخامس أن يخفوا دفن موتاهم ولا يجاهروا بندب عليهم ولا نياحة.
- والسادس أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقًا وهجانا ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير.
وهذه الستة المستحبة لا تلزم بعقد الذمة حتى تشرط فتصير بالشرط ملزمة ولا يكون ارتكابهم بعد الشرط نقضا للعهد لكن يؤخذون بها إجباريا, ويؤدبون عليها زجرًا, ولا يؤدبون إن لم يشترط ذلك عليهم.
فما رأيك بعلم الماوردي؟ أيصلح أن يكون وسيلة لهدم الإسلام أم وسيلة للدعوة إلى الإسلام؟ هل ترى أن هذا الماوردي فهم شيئا عن كتاب الله في معاملة أهل الكتاب؟
بل أقول بأن الجزية لا تكون على اليهودي ولا المسيحي لكن الله أوجبها على من آتاهم الله كتابا فكفروا به، وكفروا بالله، وكفروا باليوم الآخر، وقالوا بأن السرقة حلال, والزنا حلال, والقتل حلال, الخ, فهؤلاء هم من يجب قتالهم حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
لكن علمائنا لم يفرقوا بين تعبير “أهل الكتاب” وتعبير “الذين أوتوا الكتاب“ لكن على العموم لك أن تتدبر آية الجزية في ضوء الشروط والأركان التي ذكرها الله والتي شرحتها لك فيقول تعالى:
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ التوبة: 29
فهي آية قتال لكفار وليست آية موادعة لمن آمنوا بالله واليوم الآخر من المسيحيين واليهود. واعلموا بأن قرءان الله ليس بمتناقض، فليس من المقبول أن تتصور أن الله يأمرك بقتال المسيحي لمسيحيته ولا اليهودي ليهوديته بينما هو يقول لك بآيات كثيرة أن تبرهم وتقسط إليهم وألا تجادلهم إلا بالتي هي أحسن، وأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن منهم من يتلون آيات الله ليلا وهم بسجدون خاشعين.
أكتب لكم هذا لأقول بأننا أسوأ سفراء للإسلام، وأننا أفشل محامين للدفاع عن شريعة القرءان، وأننا تركنا القرءان واتبعنا كلام من لم يزده ماله وولده إلا خسارا، وأن المسيحي ببلادنا لم تصله دعوة سيدنا محمّد الذي سمح للمسيحيين أن يصلوا بمسجده بالمدينة المنورة في وجوده وحال حياته بينما نحن نقوم بتدريس طلبة الأزهر كيف يهدمون الكنائس. فأي إسلام نحن عليه وأي كتاب نتبعه؟
إنما وصلت للمسيحي ببلادنا رسالة الإسلام التي قهرت أهله, واستذلت حياته, وجعلت منه كافرا بالله رغم إيمانه به، وجعلته كافرا باليوم الآخر رغم إيمانه به، بل ربما تجد مسيحيا يعمل من الصالحات أكثر مما يعمل المسلم غير أنكم لا تدرون لكن إن شئتم فاقرءوا كتاب ربكم اليوم فستجدوه الآن يتكلم عن المسيحي واليهودي اليوم قائلا:
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ آل عمران: 199.
يقول تعالى: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ{113} يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ{114} وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ.
ويقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة: 62.
ويقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ المائدة: 69.
ولقد جعل الله لنا شريعة واعترف بشريعتهم لأنه سبحانه يعلم بأننا لا نعرف إلا ثقافة الخصام والتكفير، فقال تعالى:
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ المائدة: 48.
غير أننا نقرأ القرءان في بلاهة، ولا يطلب الله من اليهود والمسيحيين أن تتطابق صلواتهم وعباداتهم مع عباداتنا وذلك لقوله تعالى:
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ البقرة: 137
فالمثلية لا تعني التطابق إنما تعني محاكاة بلا تطابق فذلك هو معنى قوله تعالى فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ، فالله لم يقل فإن آمنوا بما آمنتم به لكنها المثلية التي لم يفهمها من تسمونهم علماء.
لهذا أحل الله لنا طعامهم ولم يحل لنا طعام الكافرين،
وأحل لنا الزواج منهم ولم يحل لنا الزواج من الكافرين،
وأمرنا بأن نجادلهم بالتي هي أحسن بينما أمرنا بأن نغلظ على المنافقين والكافرين،
وأمرنا أن نعيش مع أهل الكتاب في موادعة بينما أمرنا بجهاد الكافرين,
لكن من تسمونهم علماء لا يفرقون بين هذا وذاك لأنهم لا يتفاعلون مع القرءان إنما يتفاعلون مع الشيطان.
وستجد مسلما لا يعرف إلا ثقافة الخصام يقوم بتأويل كل هذا الآيات ليحيلها إلى أموات أهل الكتاب قبل بعثة الرسول محمّد. أي أنه أبطل فعالية هذه الآيات منذ بعثة محمّد وحتى يوم القيامة وأصبحت عنده مجرد آيات تاريخية معطلة ولا وجود لما تدلي به تلك الآيات وما ذلك إلا ليرتاح ضميره المعتل.
ذلك هو ما تمت تربيتنا عليه ممن نسميهم علماء ويا ليتهم علموا شيئا.” انتهى كلام سيادته