كتاب المغازي ليس كتابًا في التاريخ

كتاب المغازي ليس كتابًا في التاريخ

 

 

أرسل إلينا بالأمس فضيلة الشيخ أحمد المُهري رسالة يحدثنا فيها عن محمّد بن إسحق.  جاء في هذه الرسالة التالي:

  • أن المهتمين بالحديث كانوا مضطرين لقبول أحاديث المدلسين إذا رووا مباشرة ويرفضون المعنعن, و

  • أن هذا القول معروف بين المحققين في علم الحديث, و

  • أن من الممكن مراجعة ما كتبه الشيخ محمّد صالح المنجد حول اشتهار ابن إسحاق بالتدليس,

  • أن هذا نص ما كتبه دفاعًا عن ابن إسحاق, و

  • أن أحمد والدارقطني وغيرهما قد وصفوه بهذا, و

  • أن هذا لا يعتبر قدحًا مطلقا في حديثه أيضًا.  يعود ذلك إلى:

  • أن المدلس المكثر من التدليس يُقبَل حديثه إذا صرح بالسماع، وإنما يُرَدُّ ما رواه بالعنعنة, و

  • وأخيرًا, يتساءل فضيلته عما إذا كان هذا تاريخًا فعلا.  

 

 

  • يخبرنا شيخنا الجليل, إذن, بالتالي:

  • أن معرفتنا بتاريخ العصر النبوي الشريف تعتمد على ما كتبه شخص واحد فقط اسمه محمّد بن إسحق, و

  • أن محمّدًا بن إسحق هذا مشهور بالتدليس, و

  • أن ابن حجر قد ذكره في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين, و 

  • أن المرتبة الرابعة من المدلسين هي مرتبة من اشتهروا بالتدليس عن الضعفاء, والمجهولين, ورووا  أحاديثا عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا, و 

  • أن مشكلة التاريخ لدينا هي أن الناقلين عن ابن إسحاق – على فرض أن ابن إسحاق موثوق – هم عدد من الناس كانوا بعيدين عنه تاريخيا.

 

والقول بأن “مشكلة التاريخ لدينا هي أن الناقلين عن ابن إسحاق هم عدد من الناس كانوا بعيدين عنه تاريخيا”,  هو قول مشكلة.  يعود ذلك إلى أن “مشكلة التاريخ لدينا” ليست في أن من نقلوا عن ابن إسحق كانوا بعيدين عنه تاريخيًا, أو

  • أن معرفتنا بتاريخ العصر النبوي الشريف تعتمد على ما كتبه شخص واحد فقط اسمه محمّد بن إسحق, أو

  • أن محمّدًا بن إسحق هذا مشهور بالتدليس, أو

  • أن ابن حجر قد ذكره في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين, أو 

  • أن المرتبة الرابعة من المدلسين هي مرتبة من اشتهروا بالتدليس عن الضعفاء, والمجهولين, ورووا  أحاديثا عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.

 

المشكلة الحقيقية هي أننا لم نتعرف بعد على أن كتاب المغازي لابن إسحق ليس “كتابًا في التاريخ” وإنما رواية تدور أحداثها حول مغازي الرسول الكريم.  أي أنها عمل روائي لا يختلف عن ملحمة أبو زيد الهلالي سلامه, أو تغريبة بني هلال.  يحتاج الأمر, بهذا الشكل, إلى إعادة النظر في كتاب ابن إسحق.   ساعتها سوف نكف عن النظر إلى محمّد بن إسحق على أنه مدلس كان ينقل عن الضعفاء, والمجهولين, ويروي أحاديثا عن المجروحين الذين غيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.  لم يكن محمّد بن إسحاق “يؤلف” كتابًا في التاريخ وإنما كان “يجمع” القصص, والروايات, والحكايات التي كان يستمع إليها أهلنا في المدينة المنورة عن المغازي.  وهي حكايات كان الهدف منها هو تمجيد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وتمجيد البطولات التي قام بها في المغازي التي قام بها.  تخيّل ما يمكن أن يحدث لو تم النظر إلى رواية “حكاية الشيخ حسن العكابري:  القصة الحقيقية للثورة المصرية” على أنها كتاب في التاريخ يؤرخ للأحداث البطولية التي قام بها الغراب النوحي, وحمام المنوفية, والسحلية وزة, والشايقي, والجعلي, والكلب هول, وضباط كلية الشرطة, إلى آخر أبطال الرواية.  ثم تخيّل لو أننا بدأنا في اتهام مؤلف الرواية بالتدليس, واتهام الحاج محمود شاهين بالكذب, واتهام الاثنين بأنهم اعتمدا على رواة لا يوثق بأحاديثهما.

 

والخطوة الأولى لفهم كتاب “المغازي” هي مقارنته بكتاب “تغريبة بني هلال”, و”سيرة أبو زيد الهلالي سلامه” وكذلك “الإلياذة” وغيرهما من الملاحم الشعبية, والنظر في أوجه التشابه بينها.  كتاب المغازي ليس كتابًا في التاريخ.

17 أبريل 2018

 

إضافة:

من المفيد في سياق الحديث عن كتاب “المغازي” الانتباه إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها الخلط في الثقافة العربية بين “عمل أدبي” و”عمل علمي”.  تمت ترجمة “كتاب الشعر” لأرسطو على أنه كتاب في “المنطق” لا على أنه كتاب في “النقد الأدبي”.  من المفيد كذلك الرجوع إلى كتاب “الشفاهية والكتابية” من منشورات عالم المعرفة الكويتية.  يلقي الكتاب أضواءً ساطعة على خصائص الثقافات البدائية.

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.