أنا والفقهاء:   2

أنا والفقهاء:  الحلقة 2

 

 

 

حادي عشر: انتهاجهم منهج وجود ترادف بالقرءان

وهل يسعد المسلم وهو لا يعرف الفرق  بين [المعصية والإثم والخطيئة والذنب والسيئة] لأن سلفه الذين ينقل عنهم لم يفرقوا فتعسّر الأمر على المسلمين الذين لم يعتادوا إلا التبعية الفكرية للقدماء، وهل وسطية الإسلام ألا تعلم شيئا وتؤم الناس للصلاة وتخطب فيهم الجمعة وتزعم بأن منهاجك القرءان والسنة بفهم سلف الأمة؟

 

فأين الفهم حين لا تدرك الفرق بين السنة والعام والحول والحجة؟  ولا بين الوفاة والموت، ولا بين العدل والقسط، ولا بين العفو والصفح، وغير ذلك كثير، لكننا نرى هؤلاء الجهال وقد تصدوا للدعوة بقشريات علم الأقدمين.  وحتى يبرروا كسلهم ونقلهم العلم بلا تدبر أو جهد راحوا يعظمون الأقدمين بإسراف حتى تدين الناس لتلك المنقولات القديمة المتواضعة.

 

وهل صحيح أن الساعة هي القيامة كما ذكر القدماء ويردد المتخصصون، أم هذه ليست كتلك كما ذهبت أنا بأحد مؤلفاتي؟  أتكون الساعة التي ينهدم فيها الكون وتموت فيها فلول الأحياء، كالقيامة التي يحيا فيها الناس من الموت؟  وهل الساعة التي تقوم على الدنيا بأرضها وسمائها فتحطمها تحطيما، كالقيامة التي تُبدَّلُ فيها الأرض غير الأرض والسماوات، لا أتصور إلا ان سوء الفهم أورد الناس موردا غير حميد وذلك باتباعه من يسمونهم بالمتخصصين.

 

 

ثاني عشر: عن فهم القرءان وتفسيره

أـ الجنة بالعمل وليست بالرحمة

كنتيجة حتمية لتقديمهم فقه الرواية على فقه الآية، فإنهم يرون أنه لن يدخل أحدنا الجنة بعمله ولكن يدخلها برحمة الله، نعم جميعنا مرجون لأمر الله ونبذل قصارى جهدنا لنصل لرضوانه، لكنه سبحانه وتعالى لم يجعل دخول الجنة ضربة حظ، وإنما وضع قانونا لدخولها، فجعل مصير الإنسان بالآخرة الآخرة مُتوقّفاً على عملِه في الدنيا .. فيقولُ تعالى :

هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النمل : 90 )

وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( يـس : 54 )

وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الصافات : 39 )

الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الجاثـية : 28 )

إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الطور : 16 )

 

إلا انهم يصرون على اتباع مدسوسات الروايات المنسوبة زورا لسيد الأولين، لا لشيء إلا لأنها وردت بكتب الصحاح التي يقدسونها بل ويقدمون أحكامها على حكم القرءان الواضح الجلي. فها هو الله يقول في قرءان نتلوه دون تدبر قائلا:

–  {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }النجم31.

2-  {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}الزمر35.

3-  {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}النور38.

4-  {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}النساء173.

5- { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى{40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى{41} النجم.

6- {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{73} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{74}الزمر 73،74.

7-  {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }النساء124.

8-  {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97.

9-  {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }آل عمران195.

10-  {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }يس54.

 

فهل بعد كل هذه الآيات نكفر بها ونتبع فهم من قالوا بأننا ندخل الجنة برحمة الله، وتجدهم يتلمسون لفهمهم أدلة من الضلال ليقنعوا الناس، فيحاسبونهم قائلين أين شكر نعمة البصر، وأين شكر نعمة السمع,…و,.و…,، وكأن الله سيحاسبنا على نعمة الهضم، وإفرازات الغدد الصماء، ولست أدري هل ستتم محاسبة الأصم الذي لم يعلم بالإسلام؟

 

 

ب: قبول الأعمال وعدم قبولها

يعتقد كثير من الناس بأن العبد يعمل، والله قد يقبل وقد لا يقبل، لذلك فتراهم يقولون لبعضهم بعد الصلاة وفي رمضان والأعياد (اللهم تقبل)، وحينما تقول لأحدهم (رمضان كريم)، يعاجلك بالقول (بس ربنا يتقبل).  ومن بين ما قوي به منطق القبول وعدم القبول للصالحات من الأعمال، حديثا عندهم منسوبا للنبي e زورا يقول راويه:[ إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه]، وهي ما يُسَمِّيه العامة (ساعة الإجابة)، فهذا المنطق يذهب إلى إمكانية عدم قبول الله لعملك الصالح أو دعائك، ففي الجمعة ساعة إجابة، أما باقي الساعات فأنت وبختك وحظك، وهو من فساد فكرة المرء عن الله. نعم إننا نحب أن يدعو كل منا لأخيه بتلك الدعوة الطيبة (اللهم تقبل)، لكن لا نحب أن نكون متشككين في أعمالنا، ولا أن نكون متشككين في قبول الله لأعمالنا، أو دعاءنا، وهذا الأمر هو بيت القصيد في مقامنا الماثل.

إن العبد هو أدرى الناس بما فعله، أكان يبتغي بعمله وجه الله أم شيئا آخر، ولا يجب أن نزرع الشك في أنفسنا بأنفسنا، فذلك مرض إبليسي وضعه الشيطان فينا بيد دعاة لم يدركوا حقيقة الاعتقاد، ولا حقيقة التوجه لله بالعبادة.  ولعله من البدهي أن أُنَوِّه لأولئك الدعاة ما يعلمونه من أن الله Y يغفر الذنوب جميعا، فكيف بمن يغفر ذنوب المذنبين المخالفين ألا يتقبل صلاة عبد يطيعه أو صيامه؟   كيف تجرأ هؤلاء الدعاة بذلك القول الممجوج؟  وكيف يشككون الناس في أعمالهم وقبولها عند مليكهم؟  إنه إن كان الله عندهم يُعاقب المخطئين، ولا يتقبل من العابدين، فذلك ليس بإلهنا الواحد الأحد الذي لا يرد باب سائل، ويغفر الذنوب جميعا، بل هو إله الغلظة والفظاظة التي درجوا عليها.

نعم لا يتقبل الله عمل المنافقين والمراءين بعبادتهم غير الله، لكن لا يمكن تصور إنسان مسلم سليم العقل يظن في نفسه أنه قد يكون منافقا وهو غير منافق فذلك عَـتَه، أو أن يتصور أنه مُراءٍ وليس بمراء فذلك من الضلال، وفساد النفوس، ونربأ بالعبد المسلم أن يكون كذلك.

 

لقد نظرت في كتاب الله فلم أجد أثرًا لعدم القبول إلا بمواضع محددة على سبيل الحصر، ولا يجوز التوسع فيها، فالله لا يقبل من الكافر ملأ الأرض ذهبا ليفتدي به نفسه (91 آل عمران)، ولا يقبل شفاعة في كافر (48 البقرة)، ولا يقبل دينا غير الإسلام (85 آل عمران)، ولا يقبل الله توبة المرتد الذي ازداد كفره بعد ارتداده (90 آل عمران)، ولا يقبل يوم القيامة شيئا بدل العمل الصالح (123 البقرة)، ولا يتقبل الله من المنافقين (53 التوبة).

وقد يلوذ أحد المخالفين بقوله تعالى على لسان ابن سيدنا آدم: المائدة: ٢٧ فقبول الله من المتقين لا يعني أنك لست منهم، فأنت حين تعمد إلى الصلاة، أو الصوم، أو الصدقة، أو الإخلاص في عملك وتخصصك، أو حين تعود مريضا لا تعوده إلا لله، أو غير ذلك من أعمال الصالحات، فأنت وقتها وحينها تكون من المتقين.  وقد يتعلل آخر بأن سيدنا إبراهيم وابنه دعيا لأنفسهما بأن يتقبل الله، وذلك من قوله تعالى: البقرة: ١٢٧.   فقد سبق القول بأن دعاء المسلم أن يتقبل الله عمله لا يجب أن يصل لمعني التشكيك في مدى إخلاص العمل لله، ولا في تعتيم حتمية قبول الله للعمل الصالح، إنما يعني تواضع العبد حينما يتقرب إلى الله بالعبادة يلتمس القبول، لكن لا يعني الأمر عكس ذلك أبدا. لذلك فإن الصيحات التي تشكك في قبول عمل العبد المسلم أو عدم قبوله لا تستند إلى فقه أو دليل، فالله سبحانه أرحم بعباده من أن يظلمهم، بل لقد أخذ على نفسه أن يُنَمِّي حسناتنا، فقال Y: النساء: ٤٠.  يعني ذلك أن الله يتلمس الحسنات لِيُنَمِّيها، وليس كما ذهب أئمة الغلظة بأنه ـ سبحانه ـ قد لا يقبلها.

يقول جل شأنه وعَظُمَ مقداره: الأحقاف:١٥ – ١٦.   فماذا بعد الحق إلا الضلال؟  فالله يقول بأنه يقبل وهناك ظلال من فكر سقيم تُشكك في القبول.  وليطمئن كل مسلم فالله الرحيم يقبل منه ذَرَّات العمل الصالح، لأنه قال: الزلزلة:٧.  ويقول تعالى: آل عمران:٣٠.  فكيف سترى ذَرَّة عملك الصالح حاضرة أمامك إذا لم يكن الله قد قبلها.  فالله يقبل الأعمال بشهر رمضان وبغير رمضان، ويزداد قبوله بزيادة إخلاص العبد في توجهه إلى الله، ويمكن أن يزداد الأمر بشهر محدد، أو مكان مُعَيَّن، لكن شريطة الإخلاص المستمر لله، فمناط القبول الأول هو التوجه لله ورضوانه بإخلاص، فما دمت استوفيت ذلك الشرط فلا تتشكك في قبول عملك.

 

 

أحمد عبده ماهر

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.