القرآن ينفي المهدوية

القرآن الكريم ينفي المهدوية

 

نبدأ من القرآن نفسه لنقول بأن أي موضوع مرتبط بما وراء الطبيعة أو ما وراء المشهود لنا يجب أن يكون مسندا بالقرآن وإلا فهو مرفوض. فعلى الذين يدعون وجود المخلص أن يأتوا ببينة قرآنية وإلا فهم يدعون مسألة فوق الحسابات البشرية بدون تصريح من القرآن. ولذلك فأصل رفضنا للموضوع هو خلو القرآن من أي تصريح بهذا الشأن.

 

المهدوية.jpg

ومن ناحية أخرى فإن الله تعالى لم يترك القسط وطلب العدالة بل ذكر بكل تفصيل ووضوح بأنه يضع الموازين القسط ليوم القيامة. قال تعالى في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47). ويوم القيامة في القرآن يوم واحد يتحدث الله تعالى عنه في مجموعة كبيرة من السور ولم يقل أبدا بوجود أيام للقيامة كما لم ينسب القيامة لأمة دون أمة فلم يقل قيامتكم أو قيامتهم أو أيام القيامة كما يدعي البعض مع الأسف. وقد صرح مرارا بأن الله تعالى سوف يجمع الأولين والآخرين لبسط العدالة ومنها ما قاله الرحمن في سورة الواقعة: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) َلآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52). والوقت المعلوم هو اليوم الذي ينتهي به وعد الرحمن للشيطان الأول إبليس بالبقاء بمعنى أن إبليس سيبقى حتى تنتهي الحياة البشرية في كوكب الأرض.

والسبب العلمي الواضح لذلك هو أن الله تعالى قد منحنا الإرادة دون باقي الخلق لنفعل ما نشاء على وجه الأرض فنظلم ونتعرض للظلم وعيب على الخالق ألا يقتص من الظالم ولا يعطي المظلوم حقه من العدالة أولا. ثم إن أفراد البشر كما نرى ونشاهد مرتبطون ببعضهم البعض سواء بالحاضرين أو بالماضين من آبائهم أو بالذين لم يُخلقوا بعد من أبنائهم وأحفادهم ثانيا. نحن نتأثر بتربية آبائنا ومجتمعاتنا ونؤثر في أبنائنا وأحفادنا فلا يمكن بسط العدالة إلا إذا اجتمعنا مع بعض. ثم إننا جميعا نتأثر بالملائكة الناصحين وبالشياطين المضلين فيجب أن يكونوا جميعا حاضرين ثالثا. أضف إلى ذلك بأن كل الكائنات المدركة متأثرة بهدى الرحمن أو بتركه للهدى أحيانا فيُصاب المكلف بالضلال جراء فعل الله تعالى فيه وهو أهم المسائل لدى الله تعالى ليثبت لعبيده عدالته فيهم فيجب أن يحضروا جميعا أمامه ليعدل بينهم رابعا. هذه أسباب جوهرية لا يمكن تصورها إلا في يوم القيامة بالترتيب المذكور والمشروح في القرآن.

وأما ادعاء البعض بظهور أفراد من البشر مستقبلا لبسط العدالة فهو ادعاء غير منطقي للأسباب التالية:

  1. قال تعالى بأنه خلقنا ليختبرنا والعدالة المفروضة على الناس في الأرض تتنافى مع الاختيار. نقرأ ذلك في سورة المائدة: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49). هاتان الآيتان جامعتان مانعتان بكل معنى الكلمة. فالذي يعلمنا التمييز بين الحق والباطل هو نفسه الذي يعلم نبينا وهو القرآن الباقي إلى اليوم وليس النبي ولا أي بشر. ثم إن الذي يخبرنا عن اختلافاتنا هو الله تعالى وليس غيره وسوف يتحقق هذا الإخبار الرباني حينما نعود إليه جميعا وليس قبله لأن أصحاب الشأن لن يكونوا حاضرين في غير ذلك اليوم. فما هو شأن المهدي والمسيح؟ لا أدري؟ ثم إن الله تعالى يريد لنا أن نكون أمما مختلفة حتى أيام الرسل ليختبرنا ببعضنا البعض فلا معنى لجعلنا أمة واحدة في الأرض تحت لواء المهدي أو المسيح.

  2. قال تعالى في سورة الإنسان: إِنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6). فهو سبحانه خلق الإنسان ليبتليه وهداه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وهو الذي أعد للشاكرين والكافرين مياها يشربونها من العيون أو سلاسل وأغلالا وسعيرا. والواقع أن قسما ضئيلا من مصاديق الإنسان أحياء وأكثر الذين خلقوا فعلا ميتون ونحن سنموت أيضا ويأتي بعدنا أناس أكثر منا عددا احتمالا ونحن ميتون فالعدالة لما تحققت بعد ولن يتحقق في هذه الحياة الدنيوية المخصصة للاختبار بطبيعتها.

  3. يقولون بأن المهدي أو المسيح أو جورو الهندي سوف يفصلون بين المسيئين والمحسنين والله تعالى يقول بعكس ذلك في سورة المرسلات: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45). نلاحظ بأن الله تعالى يعتبر يوم الفصل بين المحسنين يوما خاصا يفصل فيه الأماكن الأرضية فيزيائيا أيضا. فلا يمكن أن نتصور الظلال والعيون مختلطا بظل ذي ثلاث شعب أو حالات أهمها أنه لا يُغني من اللهب. ومعنى ذلك أن لا وجود لحياة طيبة بجواره فيجب فصل المحسنين عن المؤمنين فيزيائيا في أماكن حارة وأماكن معتدلة وهي ليست من حالات هذه الأرض التي تختلط فيها القصور بالقبور ويسكن فيها المعذبون بجوار المنعمين. فالله تعالى يفصل في حالات الأرض ثم يفصل بين الناس.

  4. ويبين القرآن الكريم النشأتين في سورة النجم وبأن السعي سوف يُرى في النشأة الآخرة وبأن هذه الحياة الدنيا هي حياة اختبار للجميع وبأن العدالة عند الله تعالى مشفوعة بتغييرات كونية تناسب شأن الحياة الثانية وبأن الذي يقيم العدالة هو الله تعالى نفسه وليس غيره لا الأنبياء ولا غيرهم وأن الذي يقيم العدالة يجب أن يكون على علم كامل بالخلق ويجب أن يكون مالكا لكل أسباب الحياة وهو الله تعالى أيضا وليس غيره وتضيف السورة مسألة الربوبية الفردية لكل شخص لتتحقق تحققا كاملا فتعود الأمور ويعود الفاعلون إلى ربهم الذي ساعدهم وليس إلى شخص آخر لتكون العدالة طيبة مقبولة لقلوب الجميع فليس هناك بشر يتحكم في عبيد رب الرحمن القادر المتعالي : فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى (47).

  5. يؤكد الله تعالى في الآيات التالية من سورة الأنعام عدم وجود دور للرسل للفصل بين الناس بل سيُحشرون هم وأقوامهم جميعا والجن والإنس أمام الله تعالى ليفصل بينهم. لنقرأها معا ونمعن فيها: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135).

  6. وحتى نعرف معنى الدار نقرأ الآيات التالية من سورة القصص: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (85) وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88). فالدار اسم للنشأتين الأولى والثانية ونحن الآن نعيش النشأة الأولى ثم الله تعالى يُنشئ النشأة الآخرة أو الدار الآخرة. فالله تعالى يهدد المخالفين بالدار الآخرة ولا يهددهم بالدار الفعلية. والعاقبة في الآيات أعلاه هي ما نراه هناك وليس هنا فالكثير من المؤمنين قتلوا في هذه الحياة ولم يروا عاقبة حسنة وليس لله تعالى عاقبة أخرى غير ما ذكرها في القرآن الكريم.

  7. هناك ترتيب إلهي ينظم المسيرة الاختبارية في هذه الأرض. بدأ أبوانا حياتهما بدون أنبياء ولا كتب سماوية ولكن بهدى مباشر من الله تعالى ولعل الأبوين كانا يسمعان النداء أو أي نوع آخر من الهدى غير المرتبط بالتفكر والتدبر. بالطبع لم يكن أي منهما نبيا كما يدعون والله تعالى يعتبر آدم فاقدا للعزم ولا يمكن منح النبوة لفاقد العزيمة.

  8. ثم أراد الله تعالى أن يجعل الناس أمما ليتطوروا عدديا ونوعيا فبعث الأنبياء مبشرين ومنذرين. قال تعالى في سورة البقرة: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213). انتهت المرحلة الأولى من هذا الترتيب جزئيا بظهور إبراهيم الذي حمل أولى صحيفة سماوية لم يعلنها للناس وكانت آخر مرحلة من الرسل الذين لا يحملون الكتب هو في أيام إبراهيم وبالضبط قوم لوط. ثم ظهر الأنبياء من بني إبراهيم الذين يتبعون صحيفة إبراهيم احتمالا يتعلمون منه الهدى ويهدون الناس.

  9. جاء دور الكتب السماوية العامة المذكورة ضمن آية البقرة أعلاه فظهرت التوراة ثم الإنجيل ثم الكتاب النهائي القرآن. ولو تقرأ الآيات التي تلت الآية 213 أعلاه تشعر بأن الله تعالى يريد أن يختم سلسلة النبوة ويقطع الارتباط بالوحي ويحصر الهدى السماوي في الكتاب المنزل ثم يختم الله تعالى السورة الكبرى بثلاث آيات مهمة جدا. ولنبدأ بالآية الأولى منها: لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284). خاطب الله تعالى عبيده جميعا بأن دورهم مماثل لدور بقية المُلك العظيم لله تعالى الخاضعة له سبحانه والفاقدة لكل إرادة في حضرة القدوس العظيم، ولكنهم مريدون فسوف يحاسبهم بما في أنفسهم. ذلك لأنهم يعلمون أكثر من غيرهم فلا يحتاجون إلى من يرشدهم ويهديهم ليقلدوه ويتبعوه بل يتبعوا ما بيدهم من وحي السماء. هذا يعني بأن الدور الإرشادي البشري قد انتهى وأصبح الناس قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وعلى أن يتعرفوا على الحق فيتبعوه إن شاءوا ليكسبوا رضوان ربهم.

  10. ثم ننتقل إلى الآية الثانية لنعلم بأن الرسول والمؤمنين من صحابته آمنوا بالقرآن الذي بين أيدينا: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285). قال الرسول سمعنا للقرآن وأطعنا القرآن وطلب غفران ربه وأقر بأن المصير إليه سبحانه. وقال المؤمنون نفس الشيء. ثم توفى الرسول عليه الصلاة والسلام وبقي المؤمنون يتبعون كتاب الله تعالى من بعده.

  11. انتهت مسيرة الهدى بالقرآن الكريم أيام خاتم النبيين وأصبح الناس قادرين على استيعاب المفاهيم الصحيحة من القرآن ودعوا ربهم ألا يحمل عليهم ثقلا كما حمل على الذين من قبلهم. والثقل هو الدور التربوي للرسل كما رأيناه من موسى حيث فرض العطلة الأسبوعية على الناس وفرض عليهم الطعام المحلل ودمر عجل السامري. لكن رسولنا لم يفعل شيئا من ذلك وترك الناس أحرارا في اتخاذ الطريق المناسبة لهم بأمر الله تعالى وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وسلم نفسه إلى الله تعالى. هذا ما نعرفه من الآية الأخيرة من البقرة: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(286).

  12. من هذا التدرج في الهدى نتوصل قرآنيا إلى عدم الحاجة إلى منقذ بشري بعد وفاة خاتم النبيين وانقطاع الوحي. ونحن نرى البشر عمليا في غنى عن الرسل فعلا فما دور الطور المهدوي وما دور المسيح ودور جورو في يومنا هذا؟ نحن اليوم لا نحتاج إلى أنبياء ولا إلى من في حكمهم كما يزعمون.

واقع الأمر أن الشيطان يوسوس في صدور الناس ليلعب في أعظم مسألة قرآنية بعد معرفة الله تعالى وهي يوم القيامة، ذلك النبأ العظيم. والأنكى بالنسبة  الشيعة هو أننا نعتقد بأن المصيبة التي نزلت على الحسين بن علي مميزة في حياة البشر من حيث البشاعة وقد تلتها مصائب كبرى على أولاده مما جعل آباءنا يبتدعون الأساليب المختلفة لإظهار الحزن والعزاء ولم يحضر صاحب الزمان بل غاب من بينهم!!! ويقولون بأن المهدي المزعوم سيأتي ليقتص من قتلة الحسين وهو يعني إبطال القيامة التي وعد الله تعالى عباده بتحققها. وحينما يقولون بأنه سيظهر حينما ملئت الدنيا ظلما وجورا فهم يعنون بأن مصائب الحسين بن علي وأولاده أقل من مصائب آخر الزمان. ذلك لأن تلك المصيبة لم تحتم ظهور المنقذ الدولي فكيف يقولون: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله؟ وكيف نقول بلسان السيدة الفاضلة فاطمة عليها السلام:

صبت علي مصائب لو أنها     صبت على الأيام صرن لياليا؟

وكيف يقولون بأن مصيبة الحسين عليه السلام أعظم مصيبة بشرية، وأن بني أمية أنزلوا أعظم المصائب الممكنة على أطيب الناس دون أن يحضر صاحب الزمان؟ لا بل دون أن يولد صاحب الزمان! هذه تناقضات شيطانية لا ارتباط لها بوحي السماء وعلى بني جلدتنا أن يتخلوا عن أساطير الأولين.

ولو نمعن في القرآن فإننا لا نجد فيه أية إشارة إلى وجود يوم ينتظره المظلومون للخلاص أو للاقتصاص بل يشير بوضوح إلى يوم القيامة بعد الموت ولا شيء غيره. قال تعالى في سورة الجمعة: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8). يجب أن يرد الله تعالى الناس برحمته إلى عالم الغيب والشهادة ليحكم بينهم وليس إلى بشر مثلهم. وهو سبحانه وحده عالم الغيب والشهادة.

وحينما نفكر في وجود شخص حي غائب عن الأنظار وهو بانتظار الإذن من ربه ليظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا، فإن هناك عدة مسائل جانبية تفرض نفسها ولا يمكن التخلص منها. وهي:

أولا: جدوى اختيار شخص قبل مئات السنين ليظهر بعد مئات السنين:

نرى وجدانا بأن آباءنا الذين مضوا لا يمكنهم أن يعيشوا معنا بحرية كاملة لأنهم تربوا على حضارة مغايرة للحضارة التي تربينا فيها ولأن مثالياتهم تختلف عن مثالياتنا ولأن التفاوت السني بينهم وبيننا لا يساعدنا على التعايش الآمن معهم. فلو شاء الله تعالى أن يختار شخصا مرسلا من عنده فهو لا يمكن أن يختار للبشرية جمعاء شخصا واحدا عاش مع السلف من جدودنا الماضين. قال تعالى في إبراهيم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَمِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5). وقال سبحانه في سورة الإسراء: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً (95). وقال إبراهيم في دعائه لنا كما في سورة البقرة: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129).

نعم، الكتاب السماوي يمكن أن يكون لكل أهل الأرض بل للجن والإنس ولكن الرسل البشريين لا يمكن أن يأتوا لغير قومهم. ودور المهدي هو دور رسالي فكيف يمكن لشخص غير معلوم الجنسية أن يرسله الله تعالى لكل أهل الأرض؟ ولا فائدة في صيانة شخص في الخفاء ليظهر بعد حقب من الزمان ولم يذكر الله تعالى أية قصة مشابهة في قصص القرآن فكيف نقبل أسلوبا جديدا لم نعهده في كتاب الله تعالى؟

ثانيا: استحالة العلم بيوم الظهور المزعوم:

قال تعالى في سورة النساء: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165). فالوحي السماوي محصور في الأنبياء والمقصود من الوحي هو الهدى وليس الفصل بين الناس. وقال تعالى أيضا في سورة ص: إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70). فالوحي بالنسبة لرسولنا مقتصر على الإنذار لقوله الكريم: إن يوحى وهي تعني: ما يوحى إلي إلا أنني نذير مبين. بالطبع وحتى لا يقع المؤمنون في ضلال فإن الوحي لا يمكن أن يأتي من الله تعالى إلا عند الضرورة وبعد أن يقف العقل عن المزيد من التوسع. والبشر يتوسعون في عقولهم على مَرِّ مراحل التطور العقلي الذي تكامل في الحقبة التي ظهر فيها خاتم النبيين عليه وعليهم السلام. فهناك اقتصر الوحي على الهدى وعلى أن خاتم النبيين ليس إلا نذيرا وبعد ذلك لا يحتاج البشر إلى الوحي ولذلك انقطع الوحي تماما بعد رسول الله. فكيف للمهدي المزعوم أن يعرف موعد خروجه في حين أن الوحي منقطع وهو منصوص في أهم كتاب شيعي أيضا؟ قال علي في الخطبة 133 من نهج البلاغة وهو يتحدث عن رسول الله: أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَتَنَازُعٍ مِنَ الْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وَ خَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ الْعَادِلِينَ بِهِ. فاعتقاد الشيعة بالمهدي يستدعي تكذيبهم لأهم كتاب عندهم بعد القرآن. وأرجو ألا يشتبه الأمر على أحد فأنا شخصيا لا أؤمن بنهج البلاغة ولكني أحتج به على من يؤمن به. إنني أؤمن فقط بكتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا أقبل أي كتاب حديث أو مرويات كتبه البشر بل أظن بأن عقولنا أكبر مما حرره السلف في تلك الكتب الضعيفة والهزيلة. عفوا من الذين يؤمنون بغير القرآن فإني أحب الجميع ولكني مضطر أن أوضح عقيدتي حتى لا يحتج علي أحد بغير القرآن. وهذا لا يعني أنني أنزل من شأن الإمام علي عليه السلام شيئا ولكنه ليس هو الذي خلف لنا نهج البلاغة.

ثالثاً: لا يجوز الدعوة لغير الله تعالى:

المشكلة الكبرى لدى بني جلدتي أنهم وبكل بساطة يدعون لغير الله تعالى مستندين إلى بعض الأحاديث الشركية الباطلة المنسوبة إلى بعض الطيبين من سلالة الرسول كقولهم: أحيوا أمرنا. والرسل الكرام يحيون أمر الله تعالى فقط ولا يدعون لبشر ولا لأنفسهم وهم أفراد من المؤمنين اختارهم الله تعالى لينذروا قومهم فقط والذي ينشر التوراة والقرآن هو الله تعالى وليسوا هم. قال تعالى في سورة يونس: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) . فشيخنا الأكبر رسول الله يصبر حتى يحكم الله ونحن نصبر حتى يحكم المهدي! إنه يتبع ما يوحى إليه ونحن نتبع ما ندعي بأنه كلام المهدي ولا نعرف الناقلين وهل هم على حق أم على باطل؟ إنهم يدَّعون ونحن نقبل! شيخ المسلمين يتبع القرآن ولا يحيد عنه ونحن نتبع ما يُقال بأنه منسوب إلى من يدعون بأنه سيظهر ويعلن دعوة جديدة في زمان غير معلوم وغير واضح لأحد!! أليس هذا ضلالا؟.

رابعا: يدعون بأن المهدي يحكم بالباطن لا الظاهر وهو أكبر من رسالة الرسول:

قال تعالى في سورة الأنعام: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50). هذه حدود ملكية وعلم ووظائف وقدرات الرسل، أو الرسول الخاتم محمد. إنه لا يملك خزائن الله تعالى فلا يمكنه التصرف فيما لا يملكه هو بنفسه أو وكله قومه بأن يتصرف فيه من باب التمثيل السلطاني. إنه لا يعلم الغيب فلا يعرف نوايا الذين يحضرون أمامه ولا يعرف ما عملوه في الخفاء. إنه عاجز عن التدخل في نفوس الناس فهو محاط بالمادة ولا يملك قدرات طاقوية خاصة بالملائكة. إنه مأمور بأن يكون مسلما مؤمنا يتبع القرآن بنفسه ولا يحيد عنه وينذر الناس بالقرآن لا بغيره. هذه هي خصائص الرسول وليس غيرها فكيف بالمهدي يفوقه علما وقدرات وصلاحيات وحقوق تشريعية؟! كيف نعتقد بهذه القدرات لبشر دون أن نسمع شيئا عن الله تعالى ونحن نؤمن بالقرآن؟

خامساً: ما هي المهمة المناطة بهذا الشخص الغائب؟

أمر الله تعالى نبيه والمؤمنين به أن يتبعوا القرآن ولا يتبعوا غيره. قال تعالى في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3).  والأمر فردي لكل مؤمن بأن يتبع القرآن دون غيره. هذا يعني بأن الناس لا يحتاجون إلى رسول الله بعد وفاته وبعد أن أكمل إبلاغ القرآن، لأن الناس مأمورون بأنفسهم أن يتبعوا القرآن. وهذا يعني بأن القرآن هو كتاب واضح لا بطن له ولا ظهر غير الذي نراه ونلمسه وأن كل ادعاء غيره ضلال ومرفوض قرآنيا. فما هو حاجة المؤمنين إلى من يأتي بعد مئات السنين من وفاة الرسول ويدعي بأنه المهدي المنتظر؟ نحن اليوم لا نحتاج إلى رسول الله نفسه ولو كنا محتاجين إليه لما بخل الله تعالى علينا أن يطيل عمر رسوله حتى اليوم أو يرسل رسلا من بعده، فما حاجتنا إلى هذا الشخص الموهوم الأسطوري؟ ليست الدنيا إلا مكانا لاختبار الإنس والجن والله تعالى الذي خلق كل شيء بحكمة وعلم، فلا يمكن أن يخلق دون أن يهدي وقد هدانا طبيعيا كما وضح لنا الطريق الصحيحة للعمل بالقرآن، فما الذي ننتظره من الشخص الغائب؟ هل ننتظر الهدى فالقرآن هاد لنا ونحن نعرف معناه ولا نحتاج إلى أحد ليفسر لنا. إن كل كتبهم عاجزة عن فهم معاني الحروف التي وردت في بدايات بعض السور ونحن نعرف معناها جميعا فلا نحتاج إليهم أبدا. وهل نحن ننتظر الحكم الفصل فالله تعالى هو أحكم الحاكمين ونحن نعرف الله تعالى وننتظر حكمه بيننا يوم الحساب كما وعد؟ وهل نحن ننتظر المزيد من الهدى فكيف بالذين مضوا قبلنا وقبل أن يصل البشر إلى هذا الحد من أعماق العلم؟ نحن نستفيد من أعماق الذرة ونستعملها في حياتنا فنحن نعلم أكثر بكثير من الذين مضوا من قبل ولا نحتاج إليهم ليساعدونا؟ هل ننتظر من المهدي أن يأتي بقوانين لإقامة العدالة الممكنة وقد علمنا الله تعالى إقامة البرلمانات ومَنَّ علينا بهيئة الأمم المتحدة والهيئات الاتحادية الأخرى فلنسع لتصحيح مساراتها ونترك التشبث بالأساطير. ليس لهذا الشخص المزعوم مهمة مفيدة للبشر إطلاقا. والبشر لا ينقصه العلم والهدى ولكن ينقصه الإيمان وليس الإيمان بيد بشر بل هو بيد الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ضمن قوانينه الحكيمة العادلة. وليس المهدي إلا أسطورة شيطانية أوحى بها الشيطان ليضل الناس عن سبيل الله تعالى الذي يأمر بالعمل والنشاط والتعلم ولا يأمر بالانتظار للأوهام والخرافات وليحيدهم الرجيم عن حقيقة يوم القيامة فيخلق لهم عدلا وقسطا قبل يوم القيامة بأي شكل ممكن. ذلك لأنه لعنه الله تعالى يعرف بأن دعوة الناس للإلحاد ليس سهلا فلا يمكن لعاقل أن ينكر الله تعالى إلا إذا سفه نفسه واستخف بعقله، لكنه يمكن أن يلعب بالمسألة الكبرى الثانية في القرآن وهو يوم الحساب.

سادساً:كيف نؤمن بشخص لم يعلن دعوته ولم يدعنا إلى الإيمان به؟

من أغرب الغرائب أنهم يطلبون منا أن نؤمن بصاحب الزمان الذي لم يُعلن دعوته ولم يُعلن وجوده وليس بمقدورنا أن نرتبط به أو نراه. هل آمنت خديجة وعلي برسول الله قبل أن يُعلن لهم نبوته ويدعوهم للشهادة بأنه نبي بعد أن أراهم دليل نبوته من معجزة القرآن المنزل على قلبه الشريف؟ ودعنا نذهب وراء ذلك فإن الله تعالى يدعونا للإيمان به ويرينا الدلائل الواضحة الباهرة على وجوده عز اسمه. إنه يدعونا لعبادته ويعدنا جنات النعيم ويرسل إلينا الرسل والكتب التي تدعو إليه سبحانه. لكن هذا الشخص الموهوم لم يدعنا لغاية اليوم ولم يتحدث بشيء ولم يعلن عن أية وسيلة للارتباط به في حين أنه كما قال أخي أحمد الكاتب قادر على أن يفتح مركزا إلكترونيا لنفسه دون أن يظهر للوجود بسبب خوفه كما يقولون. ودعني أضيف بأن هناك في الأرض بلاد آمنة يمكنه أن يحضر فيها دون خوف ويترك هذا الجبن المعيب طوال أكثر من اثنتي عشر قرنا.

سابعاً: ليس في الأرض ملِك أوسع ملكا من حكومة سليمان:

قال تعالى في سورة ص: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36). دعا سليمان ربه أن يمنحه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فاستجاب له ربه وسخر له الريح وغير ذلك. بالطبع أن هذا الملك لم يتوسع جغرافيا لتشمل العراق ولا أوربا ولا الصين ولا أفريقيا، لكنه حكم واسع من حيث الصلاحيات بحيث لا يمكن لأحد بعد سليمان أن يصل إلى مثله. فأين موقع حكومة المهدي من وعد الله لسليمان ألا يمنح أحدا ملكا واسعا من بعده؟ ما ادعاه سلفنا من حكم واسع كيفيا وكميا للمهدي المزعوم أعظم بكثير من حكم سليمان وهو مرفوض قرآنيا.

ثامنا: يقولون بأن المهدي سوف يقوم بالسيف:

أنى للسيف أن تسيطر على الأرض؟ فيردون علينا بأن الله تعالى سوف يوقف حركة المحركات الآلية ليتمكن الشخص المزعوم من استعمال السيف. بالله عليكم أليس هذا مستحيلا؟ كان السيف والحصان والوسائل غير الآلية قادرة على مساعدة البشر حينما كانوا قلائل في العدد وليس لأية وسيلة غير آلية سريعة أن تساعد البشر الذي يعيش في عمارات من مائة طابق وأكثر. ليس للسيف ولا للحصان أن تُقوِّم حياتنا الدفاعية كما ليس للحيوانات الناقلة أن تقوم بتنقلاتنا التي نحتاج معها إلى طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت أحيانا. هذا دليل واضح بأن الذي اخترع هذه الفرية الكبرى كان جاهلا بالتطور الآلي الذي كان ينتظر البشر في المستقبل البعيد.

تاسعا: يقولون بأن المهدي سوف يتحدث إلى كل أهل الأرض فيرونه جميعا:

بالطبع يعزون هذه القدرة اليوم إلى تطور الآلة فيعتبرون التلفزيون والكمبيوتر وسائل يستخدمها المهدي للتحدث إلى أهل الأرض. هذا الكلام مغاير لما نشروه قبل شعورهم بالحاجة لهذه الآلات وبعد ظهور المدمرات الآلية بأن الله تعالى سوف يوقف حركة الآلة ليساعد المهدي على القيام بالسيف. لكنهم حينما نسبوا قدرة تحدث المهدي مع أهل الأرض بحيث يسمعه ويراه الجميع، فإنهم نسوا بأن المهدي يمكن أن يتكلم بلغة واحدة والبشر مختلفون في اللغات اختلافا كبيرا. ولو ننظر إلى اللغات الواسعة الانتشار فإن المتحدثين بالمندرينية الصينية كلغة أساسية هم في حدود بليون شخص في حين أن العربية لسان أولي لما لا يزيد عن 240 مليون نسمة من أصل البلايين الذين يشكلون كل أهل الأرض. فلو تكلم المهدي بالصينية فهو صيني يفيد الصينيين ولا يفيد العرب ولا أي متحدث باللغات الألف بائية والعكس بالعكس.

ونسوا أيضا بأن الدور الأول لمثل هذا الشخص هو الهدى فكيف يهدي صيني عربيا وكيف يهدي فارسي إنجليزيا وكيف يهدي هندي أفريقيا؟ إن الثقافات والمقومات والحضارات متفاوتة ومتباينة تباينا غريبا. كيف يمكن للمهدي أن يدير شؤون نساء أوربا المتحررات من سيطرة الرجال وهو يتحدث إلى نساء السعودية وإيران والعراق والطالبانيين ومن مثلهم اللاتي يرضخن لأسر الرجال بل يزددن كل يوم عبودية للرجل؟ اللهم إلا أن نعتقد بأن المهدي وهابي يقتل كل أهل الأرض ولا يُبقي غير عدد قليل من أمثال الطالبانيين الذين لا يملكون قدرة المناقشة المعقدة بل يؤمنون بالمفتي ومرجع التقليد والولي الفقيه ليحكم. فالمهدي حينئذ سيبقي 1% من ضعفاء الأرض أحياء ليتسنى له التحدث ضمن ثقافة بسيطة موحدة بعد أن يقتل الباقين جميعا بالسيف الفولاذي الذي يملكه هو ويساعده 330 شخصا كما يقولون وهم من بسطاء الأرض الذين لا يحملون ثقافة أكبر من ثقافة إخواننا المعروفين بالوهابيين. أليس هذا تفكير ساذج إخواني وأخواتي؟

عاشرا: سيقيم المهدي العدالة الكاملة ليخلص أهل الأرض من الظلم:

لو صح هذا ما هو دور الله تعالى وما معنى النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ ما حاجة البشر إلى يوم القيامة وهل يكتفي الناس بأن يُخرج المهدي المجرمين من قبورهم فيحكم عليهم بالإعدام ويُعدمهم؟ بالطبع أن صدام حسين والقذافي قد تم قتلهما وإعدامهما ولا حاجة للمهدي أن يخرجهما من قبريهما ولكن دعني أتساءل هل قتل صدام كاف لعقابه على جرائمه التي لا تعد ولا تحصى؟ ويقولون بأن المهدي سوف يُخرج صاحبي رسول الله وأبوي زوجتيه أبا بكر وعمر من قبريهما ليعاقبهما على اغتصابهما للخلافة من علي الموصى به. بالطبع أن علي بن أبي طالب يرفض أن يوصى به كما نقرأ عنه في نهج البلاغة ولكن ما معنى إخراج شخصين من قبريهما لإجراء العدالة ضدهما كما يقولون؟ هذا يعني بأنهم لا يعتقدون بيوم القيامة أو لا يثقون بعدالة الله تعالى أو يظنون بأن الإعدام الدنيوي البسيط أهم من العذاب الأبدي الخالد في العالم الآخر.

ثم إنهم يعنون بأن هدف الرسالة هو الحكم الدنيوي الذي خرج من أسرة الرسول بعد وفاته وانتقل إلى أبي بكر. ويعنون أيضا بأن المهدي ليس مخلصا لأهل الأرض بل هو إنسان مريض يعاني من عقدة خسارة آبائه للسلطة الدنيوية الزائلة التي لا قيمة لها في منطق السماء. إنه يريد أن يثأر لجدوده فيأتي بعد مئات السنين بأضغانه النفسية البعيدة عن قيم السماء ليُخرج أصحاب جده من قبورهم ويعاقبهم. إنهم يجهلون بأن القبر ليس مكانا للميت بل هو مدفن لجسده وبأن الميت ينتقل بنفسه وليس ببدنه إلى مكان لا يعلمه إلا الله تعالى وينتظر يوم القيامة بعد أن يخلق الله تعالى كونا آخر، وقد سمى الله تعالى ذلك المكان وذلك الزمان برزخا. إنهم يجهلون بأن البدن الدنيوي يندثر بعد عدة عقود ليصير جزءا من الأرض سواء بدن الرسل أو صحابتهم أو الناس العاديين. إنهم يجهلون بأن الافتراء على الله تعالى أعظم بكثير من أن يجلس على كرسي الخلافة بعد أن انتخبه الذين رباهم رسول الله بيديه ليساعدهم على تحمل الحزن بوفاة أحب الناس إليهم فلا ينسوا أنفسهم وواجباتهم الدنيوية ويدافع عنهم ضد أعدائهم. قال تعالى في سورة يونس: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18).

وأخيرا فإني أدعو الإخوة والأخوات أن يتلوا بدقة ما اخترته لهم من آيات سورة الأنعام بصورة متوالية ثم يعودوا فيما بعد ليقرئوا السورة كاملة ويفكروا هل هناك مجال للمهدي المنتظر في القرآن.

وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (49) قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)

قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)

الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)

وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94)

ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107)

أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)

وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)

قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)

 قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165)

لا أظن بأن المؤمنين يحتاجون إلى المزيد ليطمئنوا بأن الذي ينتظرهم هو حكم الله تعالى وليس حكم المهدي المنتظر وليعلموا بأن الحياة الدنيا هي حياة اختبارية وبأن البرزخ هو الفاصل بين الحياتين الدنيا والآخرة ولا شيء ينتظرنا في البرزخ إلا ما نطور به أنفسنا لنصلح للحضور أمام المحكمة الكبرى. ذلك لاستحالة إقامة العدالة في هذه المنظومة المبنية على أساس خلط المؤمنين بالكافرين وخلط وسائل التقوى بوسائل الفسق ليتم الاختبار ولكن الله تعالى سوف يخلق كونا آخر يمكن فيه الفصل بين المؤمنين والكافرين بصورة طبيعية ثم يحكم بينهم فيفصل بينهم ويقفل على غير الله تعالى السلطة والسيطرة على عبيده ليعودوا جميعا إلى حكومته الحكيمة العادلة جل جلاله. والذي يمعن في الآية 106 أعلاه سيعرف بأن مفهوم العبادة موسع في القرآن ولا ينحصر في الصلاة والصيام بل اتباع ما لم يصرح به القرآن عبادة لمن قال في الواقع ولا يجوز لأحد حتى الرسول أن يتبعه وإلا كان مشركا والعياذ بالله. ومعنى لا إله هو لا معبود والمعبود يعني المخضوع له فلا يجوز الخضوع لأحد غير الله تعالى وخاصة في المفاهيم العلمية المرتبطة بما وراء الطبيعة. إن رسول الله يخضع للقرآن فكيف تخضعون لكتب خطتها يد البشر باسم كتب الحديث وما على غرارها؟

ولكم أطيب التحيات من أخيكم

أحمد المُهري

لندن في 31/7/2012

 

ابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.