نقبل غيبا قاله الله فقط – القسم الثاني

نقبل غيبا قاله الله فقط – القسم الثاني

يتراءى لي بأن أخينا الطبيب على ثقة كاملة بما يقول. بالطبع هذا من محاسنه وليس من مساوئه حتى لو دافع عن الخطأ برأينا. وأظن بأني سأرد على أكثر من أربعة مقالات مما أفاض بها سيادته.

ولعل السبب في ثقته تلك هو أنه رأى غالبية فلاسفة المسلمين والمسيحيين واليهود إن لم نقل كلهم يؤمنون بعلم الله المسبق بأعمال الأفراد ومن الأزل. هذه مصيبة كبرى سببها الشيطان برأيي ولكنني من الصبا كنت أشك في تلك. لم يتقبل عقلي يوما بأن الله تعالى يعلم بما أفعل وعلمه يتحقق فعلا وأنا أفعل ما أفعل بمحض إرادتي. هذا خطأ منطقي. ولكن المشكلة بأن أخي العزيز يقول التالي:

قلنا إن الحديث عن الغيب بقواعد عالم الشهادة خطأ منطقي

والله تعالى يقول في سورة النساء: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79). أليس الحديث في الآيتين عن الغيب الذي لا نراه وهو تقدير ربنا لما يصيبنا؟ فلماذا يقول الله تعالى: فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟ ألا يعني ذلك بأن فهم ذلك الموضوع متاح لنا؟ فهل نحن نقوى على الولوج في عالم الغيب أم أن قواعد الشهادة كافية لنعلم بها أصول الغيب؟ فهل نقبل قول الله تعالى أم نقبل قول عبده الطبيب سلامه حفظه الله تعالى؟

أضف إلى ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام حيث ينتظر من المشركين أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض مثل ما انتظر من رسوله إبراهيم أن يفعل وأن ينظروا في احتمال اقتراب الأجل؛ وكل ذلك غيب بالنسبة لنا: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185).

والغريب أن فضيلته يربط الغيب بالعالم فيقول: عالَم الغيب. والعالمَ في اللغة يعني ما يُعلم به بمعنى أننا نعرف الله تعالى المالك للغيب بالغيب. فلو فقدنا قواعد الغيب فلا يجوز لنا أن نقول: عالمَ الغيب. بالطبع هذا إشكال فني لا يُعتد به ولكنه إشكال.

ثم استرسل فضيلته بالقول:

عالم الشهادة لا يقبل فيه إلا الدليل والبرهان المادي, وأي حديث في عالم الشهادة لا يقوم على المدركات فهو مرفوض علمياً وربما يتهم صاحبه بالخبل

إن القرآن يعيب على الناس أمرين, الأول أن يرفضوا وجود عالمين, عالم غيب وعالم شهادة, والثاني أن يتحدثوا في عالم الشهادة بما لا يعلمون عنه شيئاً في عالم الغيب

الأمر الأول وهو إنكار الغيب وقصر الإيمان على عالم الشهادة ومن أمثلته

{وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (29) سورة الأنعام

{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (37) سورة المؤمنون

{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24) سورة الجاثية

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا*} (60) سورة الفرقان

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (30) سورة الرعد

{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (29) سورة الشعراء

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (38)

سورة القصص

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) سورة النساء

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا } (21) سورة الفرقان

{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} (53) سورة الصافات

{قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (82) سورة المؤمنون

{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (3) سورة ق

فلننظر إلى ما قاله فضيلته لنرى أين وكيف يعيب الله تعالى على الناس رفضهم للغيب؟

إن فضيلته يعلم بأن الغيب ليس علما بالنسبة لنا بل هو ما نجهله ولكنه موجود وغائب عنا ولا يمكن لنا أن نؤمن به إلا إذا آمنا بالله تعالى ثم سمعنا منه تعالى يقول ذلك صراحة. هنالك نؤمن بذلك الغيب دون أن نعلم به. هذا لا يعني بأننا نفقد قواعد العلم به بل نفقد مصاديقه. “نعلم” أقصد به نحن الذين لا نملك المال في مركز التطوير فنحن نعلم الكثير عن المال ولكننا نفقد المال. المال بعينه هو مصداق لعلمنا بالمال. فليس عيبا أن نرفض وجود عالم غيبي من قبل أن نسمع من الله تعالى. نحن نعلم معنى الغيب ولكن من واجبنا الوجداني أن نرفض مصاديق الغيب إلا إذا قال ربنا. فلو قبلنا الغيب كله فسوف نرضخ لشياطين الجن والإنس ليدخلوا في نفوسنا ما يشاؤون من خزعبلات باعتبارها علوما غيبية.

والمشركون الذين حضروا الرسالات ما كانوا يرفضون الغيب بل كانوا يُكذبون الرسل ويقولون بأنهم ليسوا رسل الله تعالى. هذا من حقهم بداية حتى لا يرضخوا للمزورين الأفاكين. ولكن الله تعالى قال لرسله بأنه يبلغوهم بأنهم لم يأتوا ليكسبوا شيئا ولم يقولوا ما لا يقبله الوجدان. وللعلم فإن الله تعالى لم يرسل رسولا بشريا إلى أمة لا تؤمن بالله تعالى بل أرسلهم إلى أمم تؤمن بالله وتشرك به في العبادة. فأول الأمم هي أمة نوح الذين كانوا يعبدون الأصنام. وعبادة الأصنام دليل على الإيمان بالله وعلى أن الأصنام ترمز إلى الوسائط بين الله تعالى والبشر سواء كانوا أنبياء أو ملائكة أو أرواحا قدسية.

إن تخويف المذنبين بالله تعالى يوم القيامة لا يفيد الرسول شيئا بل يثبت عدالة السماء فقط. والرسل لم يتخذوا لأنفسهم ألقابا ولا ملابس مميزة ولم يقلبوا نظام الحكم ولا أي نظام اجتماعي بل كانوا يصلحون كل شيء. إضافة إلى أنهم كانوا يأتون بالآيات. كل ذلك لأن الرفض الأولي ليس عيبا بل هو دليل على اهتمام المجتمع بالدليل.

لم أر أي تعيير في الآيات الكريمة التي ذكرها الطبيب أعلاه بل رأيت رفض الله تعالى لبعض مطالبهم مثل طلبهم رؤية الله تعالى فهي محال وكذلك رؤية الملائكة لأنهم موجودات غير مادية بمعني أنها ليست ثلاثية الأبعاد حتى نراها. وهل تمكن أحد من رؤية الله تعالى أو ملائكته أو إحضارهم كما طلب البعض حتى يطالبوا رسلهم بمثل تلك الطلبات المعجزة؟ ولذلك اعتبر طلبهم تكبرا وعلوا في الأرض.

ولا أظن بأن أحدا من المشركين آمن بعالم الشهادة بل هم رأوها وكان الإيمان حتى عندهم محصورا بالغيب ولكنهم أخطأوا في مصاديق الغيب. ولو يفكر فضيلته في مسألة الآخرة في القرآن ليرى بأن الرسل السابقين لم يتحدثوا عن يوم القيامة لأن البشرية كانت عاجزة عن إدراك ذلك ولكن المتأخرين تحدثوا عنها. كانوا يؤمنون بالقيامة وعودة الموتى في نفس هذه الأرض كما نشاهد فيما ورثناه من الفراعنة. والإيمان بالآخرة ضعيف حتى عند المسلمين مع الأسف. المشكلة أن غالبية البشر وبوحي من الشيطان ينكرون الحياة الثانية ويظنون بأن العدالة تُقام في هذه الأرض. ولا أدري هل اطلع فضيلته على المقالات الخمسة التي نُشرت في المركز وفي فيسبوك المركز وفي المودة عن القيامة ليرى بأنني كنت أسعى لأقنع المسلمين بالآخرة كما يقول الله تعالى وليس كما ظن السلف.

ولا أدري ما هو ارتباط هذه المسائل بعلم الله المسبق بأعمال الأفراد؟ أظن بأن فضيلة الطبيب يعرض مسائل جانبية كثيرة ومن الأفضل أن يبقى في موضوع ذلك العلم الخيالي الذي تبناه العلماء بعيدا عن تصريحات القرآن الكريم. يبدو بأن فضيلته ليس في صدد إثبات ذلك الادعاء الخطير من القرآن الكريم بل في صدد بيان إمكانية حصول ذلك وعدم تعارضه مع اختيار الأفراد. إنه لن يفلح حتى في إثبات ذلك برأيي المتواضع ولكنه إذا تمكن من إثبات عدم التعارض فعليه بعد ذلك إثبات ذلك الأمر إما بآية قرآنية أو بدليل علمي قابل للفحص ومفيد للبرهان. فلو يختصر الطريق ويقول لنا: هاكم هذه الآية تقول بأن الله تعالى كان يعلم مسبقا أعمال أفراد عبيده الذين لم يخلقهم بعد ومن قبل أن يبدأ بالخلق أو من الأزل حسب تعبير الفلاسفة غير الدقيق. إنه يسير في الطريق الطويلة التي اختارها دون ضرورة فيقول التالي لإثبات أمر لا نختلف معه فيه. فهل هناك أحد في مراكزنا أنكر الغيب؟ يقول فضيلته:

والأمر الثاني هو التحدث من خلال عالم الغيب وكأنهم يعلمون ما في هذا العالم وقوانينه, ومن أمثلة ذلك

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (148) سورة الأنعام

{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } (35) سورة النحل

{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} (24) سورة المؤمنون

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (47) سورة يــس

{وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} (8) سورة الأنعام

{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} (20) سورة يونس

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (12) سورة هود

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} (27) سورة الرعد

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} (7) سورة الفرقان

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا} (21) سورة الفرقان

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (50) سورة العنكبوت

إن الرد كان من خلال السنن الكونية, فإما أن يأتوا بعلم يثبت ما يقولونه, أو أن تكون هناك سنة كونية تساندهم كدليل وبرهان: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً} (95) سورة الإسراء

إن الإيمان يقتضي التسليم بالغيب والتصديق القلبي به, والإيمان بآيات الله الكونية والعمل بها

إن مشيئة الله وإرادته وعلمه أمور غيبية يجب أن نؤمن بها ونسلم بها بقلوبنا, وإنكار أي شيء منها يتناقض مع الإيمان الصحيح

{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (49) سورة يونس

هل يمكن أن يحسب نفسه مؤمناً من لا يعتقد أنه لا شيء يحدث في الوجود إلا ما شاء الله,

كل هذا المقطع من البحث بغض النظر عن معاني الآيات الكريمة فهي لا ترتبط إطلاقا بموضوع بحثنا الذي نؤكد فيه عدالة الله تعالى بأن خلقنا أحرارا كامل الاختيار فيما خوله إلينا دون أن يفرض علينا جبرا أي أمر من عنده. كما أننا نتقبل بأنه سبحان لم يسلمنا أزمة الأمور كلها بل علق أي عمل منا بما فيها النوايا بمشيئته حتى لا نتدخل في شؤون الربوبية ولا نحبط سياسة الله تعالى في خلقه. لكن خلافنا هو أنه تعالى شاء حينما أردنا أن نشاء بالنسبة لعقائدنا وأراد حينما أردنا أن نريد بالنسبة لأفعالنا الفرعية. ولم يسبقنا ربنا قبل أن ننوي العمل أو ننوي التركيز على هدف من أهدافنا لننوي فعلا بلحظات وليس بسنوات ولا من الأزل.

لعل فضيلته ركز على الآيتين الأوليين من سورتي الأنعام والنحل فإنه تعالى ذكر فيهما قولهم فقط ولم يقل بأنه سبحانه كان يعلم ما سيؤمنون به أو ما سيعبدونه أو ما سيحرمونه أو يحللونه من الأزل أو من قبل خلقهم أو من قبل سنة من ذلك. فلا نقاش في تلك الآيات الكريمة حول موضوعنا. ثم يستمر فضيلته في القول:

وهل يمكن أن تكون مشيئة الله في إيجاد الأمور منفصلة عن علمه وإرادته؟, فلنقرأ

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (117) سورة البقرة

{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (47) سورة آل عمران

{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (35) سورة مريم

{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (68) سورة غافر

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (100) سورة يوسف

فكيف بعد هذه الآيات أن ينكر أحد سابق علم الله ومشيئته وإرادته في وجود الأمور كلها

طبيب/ محمد سلامه

25/3/2018 .

انتهت هذه المقالة من مقالات فضيلته وفي النهاية اعترف تماما في بداية المقطع الأخير بأن مشيئة الله تعالى في إدارة الأمور غير منفصلة عن علمه. هنا بيت القصيد. فلو كان مشيئة الله عين علمه أو غير منفصلة عن علمه فهذا يعني بأنه إذا علم شيئا ولو من الأزل حسب تعبيرهم فإن ذلك الأمر يجب أن يتحقق. هذا يعني بأن الطبيب سلامه كان مجبرا أن يكتب ما كتب لأن الله تعالى أراد من الأزل أن يكتب الطبيب سلامه ما كتبه اليوم وليس للطبيب أي مفر للتخلص مما شاءه الله له. فأين الخيار لفضيلته أن يكتب أو لا يكتب؟ أين ما قال سبحانه: إما شاكرا وإما كفورا؟ إن الله تعالى حسب قول فضيلته أراد من الأزل أن يغوي الشيطان آدم فيطرده من جنة الأمان عند ربه. فما هو ذنب الشيطان أخي الطبيب؟ هل كان بإمكان الشيطان ألا يأتي بما أتى به؟ لم يصدق قول الله تعالى حينئذ بأن الشيطان كان مختارا بأن يشكر أو يكفر.

انتهى القسم الثاني ويليه القسم الثالث بإذن الرحمن عز اسمه.

أحمد المُهري

27/3/2018

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.