الهاتف الذهبي

 

 

الهاتف الذهبي
 
 
GPHONE.jpg
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
 
 
ماذا يكون رد فعلك لو أخبرتك أن واحدًا من أكبر رجال الأعمال في مصر, وهو رجل ناجح في عمله, ناجح في حياته الأسرية, وراءه تاريخ طويل لأسرة كافحت عبر أجيال من أجل أن تصل إلى ما وصلت إليه. أسرة آمنت بأهمية “العلم” في العمل, فكانت من أول الأسر في مصر التي أرسلت أبناءها وبناتها للدراسة في أرقى جامعات العالم, سواء كان ذلك في إنجلترا, أو أمريكا, أو فرنسا, أو ألمانيا. ماذا يكون رد فعلك لو قلت لك إن هذا الرجل قد رزقه الله بابن في غاية الذكاء وحسن الخلق, وأن هذا الرجل قد أشرف على تعليمه وتربيته خير إشراف, حتى حصل على أعلى الدرجات العلمية من جامعتي هارفارد وكيمبريدج, ووفقه الله في زوجة من أطيب نساء هذا العالم, وبعد انتهائه من دراسته عاد إلى مصر لإدارة أعمال الأسرة, وهي أعمال كثيرة ومرهقة إلا أنه كان على خير استعداد للقيام بها. المشكلة, وهي مشكلة كبيرة, وللحق غير مفهومة, أن والده, رجل الأعمال الكبير, لم يعطه أي فرصة على الإطلاق لاتخاذ أي قرار, حيث كان عليه الرجوع باستمرار إلى الوالد الفاضل حتى عندما كان الأمر يتعلق بشراء أقلام رصاص للمكتب أو إرسال سيارته إلى الوكالة من أجل الصيانة الدورية.
 
 
كنت حائرًا في تفسير ما أرى. ما الهدف من كل هذا العلم؟ هارفارد وكيمبريدج, ودورات في الإيكول نورمال في فرنسا, وماجستير إدارة أعمال, ودكتوراه في إدارة الشركات متعددة الجنسية, من أجل ماذا؟ خلق رفيع, واحترام للعمل, والتزام, وشعور كامل بالمسؤولية, من أجل ماذا؟ كيف يقبل الابن بهذه المعاملة؟ يستطيع الإبن الفاضل أن يحصل على أي عمل يرغب فيه في أي دولة في العالم يرغب في العمل فيها. لماذا يقبل هذا العمل المهين الذي لا يستطيع أخذ قرار فيه بطرد سائق مستهتر أو إرسال “خطاب تقدير” إلى أحد كبار المسؤولين في أي من شركات المجموعة الاقتصادية التي يملكها السيد الوالد؟ ألا يعلم الوالد الفاضل النتائج الكارثية التي تؤدي إليها هذه الطريقة التي يعامل بها ابنه؟ هل هذه هي الطريقة التي يعد بها ابنه لتولي إدارة شركاته؟ ودعك من كل ذلك, أي حياة هذه التي يتحول فيها الإنسان إلى مجرد “جسد” يتلقى التعليمات عبر الهاتف. أعلم, بل رأيت بعيني, الهاتف المحمول الذي تصل عبره تعليمات السيد الوالد. هاتف قامت شركة سامسونج بصنعه خصيصًا حسب تعليمات السيد الوالد من الذهب الخالص المطعم بالألماس. الهاتف رائع حقا, ولكني على استعداد لأن أموت من أجل منع وصول هذا الجهاز إلى ابنتي لأن ذلك الجهاز سوف يعني نهاية الحياة. أنا لا أقبل أن تتحول ابنتي إلى الجسد الذي يتلقى التعليمات عبر الهاتف الذهبي. لقد كافحت طويلا من أجل أن تتعلم, ومن أجل تكون عضوًا صالحًا في مجتمعنا, ومن أجل أن “تستمتع” بالحياة التي وهبها الله لها. أي حياة هذه التي يتحول فيها الإنسان إلى جسد يتلقى التعليمات عبر هاتف ذهبي.
 
 
وأخيرًا, ومرة أخرى, ما الهدف من كل هذا العلم, وهذه الكفاءة, وهذا الالتزام, وهذا الخلق, ما الهدف؟ تلقي التعليمات عبر هاتف لا يحتاج إلى كل هذا. تلقي التعليمات عبر هاتف – حتى لو كان ذهبيًا – لا يحتاج إلى أكثر من شخص لديه جهاز تسجيل من أجل تسجيل التعليمات وبالتالي تبليغها إلى العاملين بالشركة. يحتاج الأمر, بطبيعة الحال, إلى أن يدرك القائم بهذه العملية أن أي إهمال في التلقي والتبليغ ستكون نتيجته التنكيل به تنكيلاً شنيعا. تلقي التعليمات عبر هاتف لا يحتاج إلى أكثر من ذلك. حتى لو كان الهاتف ذهبيا.
 
#تطوير_الفقه_الاسلامي
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.