الوحي الثاني:  وحي السنة

 

 

الوحي الثاني:  وحي السنة

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

2 وحي.jpg

 

القول بأن السنة وحي إما أن يكون قولاً يعبر عن وجهة نظر القائل به, وفي هذه الحالة عليه أن يصرح بالدليل على صحة هذا القول, أو قولاً يعبر عن وجهة نظر شخص آخر ينقل عنه القائل به, وفي هذه الحالة عليه, أيضًا, التصريح بالدليل على صحة هذا القول.   بعبارة أخرى, سواء كان القائل يعبر عن وجهة نظره أو عن وجهة نظر شخص آخر فهو مطالب بالتصريح بالدليل على صحة هذا القول.

 

وعليه, عندما يصرح أحد من الناس بأن رسول الله ما كان ينطق عن هوى وأن كل ما قاله لم يكن إلا وحيًا يوحى, فإن عليه أن يصرح كذلك بالدليل على صحة هذا القول.   وهنا لا يخرج الدليل عن أن يكون واحدًا من ثلاثة:

  • الأول, أن هذا هو ما صرح به القرآن الكريم.
  • الثاني, أن هذا هو ما أجمع عليه علماء الأمة.
  • الثالث, أن هذا هو ما توصل إليه القائل بهذه الفكرة من خلال دراسته للتاريخ الإسلامي. وعليه, دعنا نبدأ بالأول أولا.

 

أولاً :  القرآن الكريم

بداية, لا يوجد أدنى شك في أن “من الممكن” فهم آيات الذكر الحكيم على أنها “تفيد” أن الرسول كان لا ينطق بشئ إلا بوحي من الله تعالى.  الدليل على أن هذا أمر “ممكن” هو أن هذا هو ما حدث فعلا في التاريخ حيث صرح العديد من كبار المفسرين والأئمة العظام بهذا الأمر.  من الضروري الانتباه, على أية حال, إلى أنه لا يوجد أي شك كذلك في أن “من الممكن” كذلك فهم آيات الذكر الحكيم على أنها “لا تفيد على الإطلاق” أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان لا ينطق بشئ إلا بوحي من الله عز وجل.  الدليل على ذلك, كذلك, هو أن هذا هو ما حدث فعلاً في التاريخ حيث صرح العديد من الناس عبر القرون بهذا الأمر.  وعليه, ما هو دليل القائل بهذه الفكرة بأن “فهمه هو” للقرآن الكريم هو “الفهم الصحيح” وأن “فهم الآخر” هو “الفهم الخطأ”؟   كيف لأي منا أن يخبرنا أن فهمه هو للقرآن الكريم يتطابق مع ما يقصده الله جل وعلا وأنه, بهذا الشكل, هو الفهم الصحيح الوحيد الممكن؟  من أين لأي منا أن يعلم مقصد الله؟  كيف لا يدرك القائل بأنه على علم بمقصد الله أن الادعاء بالعلم بمقصد الله ما هو إلا ادعاء بأن الله عز وجل عما يدعون قد اتصل بالقائل وأخبره بمقصده.  والادعاء بأن وحي السنة يستند إلى القرآن الكريم هو ادعاء باطل لا أساس له من الصحة, والتمسك به يعني أن القائل به لا يكتفي بالقول بالوحي بالسنة وإنما يذهب كذلك إلى القول بأن القول بالوحي بالسنة إنما هو الآخر وحي. أي أن الله سبحانه وتعالى لم يوحِ فقط إلى سيدنا محمّد بالسنة النبوية وإنما أوحى كذلك إلى البشر بأنه أوحى إلى سيدنا محمّد بالسنة النبوية. 

 

 ثانيا: إجماع علماء الأمة

 يمكن كذلك الادعاء بأن الدليل على صحة القول بوحي السنة هو أن علماء الأمة قد أجمعوا على هذا القول.   تجب الإشارة هنا إلى أن ظاهر الأمر هو أن  جمهور علماء الأمة قد صرحوا فعلاً بأن السنة النبوية الشريفة هي وحي من الله سبحانه وتعالى.  تجب الإشارة, على الرغم من ذلك, إلى أن تصريح علماء الأمة هذا لا يمكن أن يعد دليلاً على صحة القول بوحي السنة.  يعود ذلك إلى سببين أساسيين: الأول: أن من الصعب, إن لم يكن من المستحيل, “إثبات” أن علماء الأمة قد أجمعوا على القول بوحي السنة حيث لم يكن لدى أمة الإسلام في يوم من الأيام جهازًا إحصائيًا يمكنه أن يضع “تعريفا” يحدد من هم “العلماء” الذين سوف تتم مراجعتهم في هذا “الاستبيان”, ومن ثم مراجعتهم, وإثبات إجماعهم.  الثاني, أنه حتى في حالة “إجماع” علماء الأمة على صحة القول بالوحي بالسنة النبوية الشريفة فإن إجماعهم هذا لا يمكن أن يعد “دليلا” على صحة القول بالوحي بالسنة.   يعود ذلك إلى أن صدور قول عن علمائنا لا يعني بأي شكل من الأشكال صحة هذا القول.  على علمائنا, مثلهم في ذلك مثل أي واحدٍ منا, إعطاء الدليل على صحة أقوالهم. 

 

تجب الإشارة, في هذا السياق, إلى أحد أساتذة علم النفس الكبار (لا أذكر اسمه الآن) الذي كان ينبه طلابه على الدوام إلى أنه لا يريد منهم أن يصدقوه وإنما أن “يفهموا ما يتحدث عنه.”   لا يبحث عالم النفس هذا عن “ببغاوات” تردد ما يقوله أستاذهم بدون فهم لما يقول, وإنما يبحث عن “علماء” تفهم ما يقوله وعلى وعي بالدليل على صحة ما يقوله.  هل يصح أن يكون “علماء النفس” أكثر حرصًا على الحق من “علماء المسلمين”؟  هل يصح أن يخبرنا أئمتنا العظام بأقوال لا تستند إلى دليل؟   هل يصح أن نكون “ببغاوات”؟  

 

تجب الإشارة كذلك إلى أن الإيمان بما لا يقوم عليه دليل لا يمثل خرقا لقواعد المنهج العلمي وحسب وإنما, وهو ما يعد أهم بكثير, يمثل خرقا لأسس الدين الإسلامي ذاته الذي لا يؤمن أتباعه إلا بـ”كلام الله”.  الإيمان بما قاله الأئمة العظام, أسود السنة, وأحبار الأمة, الذي يقوم على التسليم المطلق الذي لا يطلب برهانا هو رفع لمستوى كلامهم إلى مستوى كلام الله ولمقامهم إلى مقام الله والعياذ بالله.  ما كان للأئمة العظام يومًا أن يضعوا “نصوصًا مقدسة” وإنما كان عملهم دومًا هو “تفسير النصوص المقدسة”.  يعني ذلك أن على من يقول بوحي السنة أن يمدنا بالدليل على صحة قوله بوحي السنة.  بصورة أوضح, نقل شخص لقول شخص آخر, مهما علا قدر هذا الآخر, على أنه “دليل” على صحة هذا القول ليس دليلاً على صحة هذا القول.  وعليه, سواء كنت تعبر عن وجهة نظرك أو كنت مجرد “ناقل” لوجهة نظر شخص آخر فأنا لا يهمني إطلاقا ما إذا كنت أنت, أو من نقلت عنه أنت, أعظم الناس شأنا, وأكثرهم علمًا, وأجلهم عند الناس قدرًا, أو أكثر الناس ضعة, وأعظمهم ضياعًا, وأهونهم على الناس منزلة.   ما يهمني فيما تقول هو الدليل على صحة ما تقول.

 

وعليه,ما هو دليلك على أن “فهمك أنت” للقرآن الكريم هو “الفهم الصحيح” على حين أن “فهمي أنا” هو “الفهم الخطأ”.  لا أتوقع منك, على الإطلاق, الرد بأنك “تعلم” مقصد الله.   من أين لك أن تعلم مقصد الله؟  أنت, في نهاية الأمر, مثلي ومثل كل إنسان آخر, لا تملك سوى السعي في سبيل فهم ما قاله الله, أما أن تدعي أنك “تفهم” مقصد الله فهذا ما لا يمكن القول به.   تذكر أن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه إنه “لا يعلم تأويله إلا الله”.  القول بأنك تستند فيما تذهب إليه إلى القرآن الكريم هو قول لا أساس له من الصحة. 

 

لاحظ هنا أنه لا يمكنك الاعتماد على أن عدد من قال بهذا كان أكثر من عدد من قال بذاك.   تذكر أن هذا مقياس إحصائي وأنك لو قبلت “المقياس الإحصائي” كأحد الأدلة التي يمكن الرجوع إليها لإثبات صحة فكرة ما, فسيتوجب عليك قبول صحة ما ذهب إليه أغلب البشر من رفض لرسالة رسول الله.  تذكر أن عدد البشر قد وصل إلى 7000 مليون نسمة على حين لا يصل عدد المسلمين إلى أكثر من 1500 مليون نسمة على أحسن تقدير, أي ما لا يزيد عن 20% من عدد البشرية.   بعبارة أخرى, إذا اتبعت المقياس الإحصائي “فالمسألة خسرانة”.   لاحظ, كذلك, أنه لا يمكنك الاحتجاج بأن قدر هؤلاء أعلى وأكبر من قدر أولئك, أو أن هؤلاء هم أحبار الأمة, وأسود السنة, الأئمة العظام الذين استقبلت الأمة أقوالهم بالقبول, على حين أن أولئك هم من الغاوين الذين رفضهم جمهور العلماء.  مرة أخرى, أنا لا يهمني إطلاقا ما إذا كان هؤلاء “أعظم الناس شأنا, وأكثرهم علما, وأجلهم عند الناس قدرًا, أو كان أولئك أكثر الناس ضعة, وأعظمهم ضياعًا, وأهونهم عند الناس منزلة”.  ما يهمني فيما يقوله هؤلاء أو أولئك هو “الدليل” على صحة ما يقوله أولئك أو هؤلاء.   السؤال الآن, بهذا الشكل, هو كالتالي:  ما هو دليلك على أن فهمك أنت للقرآن الكريم هو الصحيح وأن فهمي أنا هو الفهم الخاطئ؟  ما هو الدليل؟  إذا كنت رجلاً ذا رأي, يعبر قوله عما توصل هو إليه لا عما توصل إليه غيره, فأنت بلا شك مطالب بأن تعطينا الدليل على صحة رأيك هذا.  أما إذا كنت رجلاً لا رأي له, وإنما مجرد ناقل عن رجل ذي رأي, فاذهب إلى من نقلت عنه وأتِ منه بالدليل.  لست إلهنا, ولا رسول إلهنا, حتى نقبل منك قولاً لا يقوم على صحته دليل.  إذهب, بارك الله فيك, وائتِنا بالدليل. 

 

ثالثا: دراسة التاريخ الإسلامي

لا مفر من الاعتراف بأن الدارس للتاريخ الإسلامي يقابل العديد من الأشياء التي قد يصعب تفسيرها إلا إذا قبلنا فكرة وحي السنة.  يظهر ذلك في آلاف الأحاديث التي تتحدث عن مواضيع يستحيل أن تتاح معرفتها لرسول الله بدون وحي من الله جل وعلا.  يظهر ذلك, على سبيل المثال, في الحديث الذي أورده الإمام الأعظم مسلم في صحيحه والذي يحض فيه رسول الله المؤمنين على قتل السحالي عقابًا لها على اشتراكها في جريمة إحراق سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث عملت على تأجيج النيران التي أشعلها الكفار لهذا الغرض في الوقت الذي بذلت فيه كل الحيوانات الأخرى كل جهدها من أجل إخماد تلك النيران.   يظهر ذلك, كذلك, في الحديث الذي أورده الإمام الأعظم البخاري في صحيحه والذي يحض فيه رسول الله المؤمنين على تجنب قتل البراغيث حيث إنها تولت مسؤولية إيقاظ الأنبياء للصلاة.   كيف تأتى لرسول الله أن يعرف أن السحالي قد شاركت في جريمة إحراق سيدنا إبراهيم أو أن البراغيث قد قامت بواجبها في إيقاظ الأنبياء للصلاة إلا إذا كان الله قد أخبره بذلك؟  تتيح فكرة وحي السنة, بهذا الشكل, قبول هذه الأحاديث التي يستحيل قبولها إلا إذا قبلنا بفكرة وحي السنة.

 

تجب الإشارة, على أية حال, إلى أنه إذا كانت فكرة وحي السنة تساعدنا على فهم جزء من التاريخ الإسلامي فإنها تثير مشاكل أكبر في أجزاء أخرى.  تتعلق هذه المشاكل بأثر القول بوحي السنة على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم, فضلا عن تفسير التناقضات بين وحي السنة ووحي القرآن, وهو ما يحدث حين يتناقض حديث نبوي مع القرآن الكريم, إضافة إلى ما أدى إليه القول بوحي السنة من الخلط بين “المقدس” و”غير المقدس” وهو ما ظهر في كتب أخرى تدعي وجود كلام من كلام الله بين دفتيها لا وجود له بين دفتي المصحف.  مرة أخرى, دعنا نبدأ بالأول أولا.

 

أولا: بشرية الرسول

لا يوجد أدنى شك في أن القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق عن هوى في كل ما قاله, وما كان يصدر عنه ما كان يصدر إلا بوحي من لدن الله عز وجل, إنما يعني أن سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم لم يكن له يد, ولا أمر, ولا قول, في كل ما قاله, أو أمر به, أو فعله, إنما كان القول قول الله, والأمر أمر الله, واليد يد الله.  وهو قول فيه ما فيه, حيث إنه, والعياذ بالله, يلغي بشرية الرسول.  لا يتناقض القول بوحي السنة, بهذا الشكل, مع صريح القرآن الكريم وحسب بل مع إيمان كل مسلم, وهو الإيمان الذي يرفض تماما فكرة “تأليه” الرسول صلى الله عليه وسلم ويتمسك تماما بـ”وحدانية” الله سبحانه وتعالى.   حقيقة الأمر, لا بد أن يتساءل المرء: إذا كانت فكرة الوحي صحيحة – كما يدعي البعض (أو الجميع) ذلك – فما معنى ثناؤه جل وعلا على خلق الرسول؟  كيف يُظْهِر الرسول “كريم خلقه” إذا كان لم يكن له يد, ولا أمر, ولا قول, في كل ما قاله, أو فعله, أو أمر به؟ أو كيف؟

 

ثانيا: تناقض السنة مع القرآن

تزخر كتب الحديث المعتبرة التي استقبلتها الأمة بالقبول, مثل صحيح البخاري, وصحيح مسلم, وصحيح النسائي, وصحيح الترمذي, ومسند الإمام مالك, وموطأ الإمام أحمد بن حنبل وغيرها من الكتب الأمهات التي حملت عبء الحفاظ على السنة النبوية الشريفة, تزخر بأحاديث تتعارض تعارضًا صريحًا مع صريح القرآن الكريم.  يعد الحديث القاضي بقتل المرتد مثالاً طيبًا لهذا التناقض, إضافة إلى الحديث القاضي بقتل الزاني المحصن, كذلك الحديث القائل بخلق العالم في ستة أيام, فضلاً عن غيرها من الأحاديث.  يثير القول بأن هذه الأحاديث هي من وحي الله سبحانه وتعالى مشكلة كبرى حيث إنها تتعارض مع وحي الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.

 

 

الخلط بين المقدس وغير المقدس

لا يحتاج الأمر إلى توكيد أن القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق عن الهوى في كل ما قاله وإنما هو  وحي يوحى إنما هو قول يعني أن سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم لم يكن له قول في أي مما قاله وإنما القول قول الله.   لا تختلف الأحاديث النبوية الشريفة, بهذا الشكل, عن القرآن الكريم, فالحديث النبوي الشريف, بهذا الشكل, ما هو إلا كلام الله جل وعلا على لسان رسوله الكريم تمامًا مثلما أن القرآن الكريم ما هو إلا كلام الله عز وجل على لسان رسوله الكريم.  لا يختلف صحيح البخاري, بهذا الشكل, عن القرآن الكريم كما لا يختلف أي منهما عن صحيح مسلم, ولا مسند الإمام مالك, ولا صحيح الترمذي, ولا موطأ الإمام أحمد, ولا صحيح النسائي, فضلا عن عديد آخر من كتب الأحاديث, فكلها, بهذا الشكل, كتب مقدسة تضم بين دفتيها “كلام الله”.   القول بأن “رسول الله لم يكن له قول فيما قاله وإنما القول قول الله”, بهذا الشكل, إنما هو قول بأن كتب الأحاديث كتب مقدسة تمامًا مثلها في ذلك مثل القرآن الكريم.    يتعارض هذا القول معارضة صريحة مع قاعدة أساسية من قواعد الدين الإسلامي وهي أنه لا توجد في الإسلام “كتب مقدسة” وإنما هناك “كتاب مقدس” واحد هو القرآن الكريم.  

 

 

تلخيص

عرض هذا المقال لفكرة وحي السنة.  بين المقال أن القول بوحي السنة يعني القول بأن رسول الله لم يكن له قول في أي مما قاله وإنما القول قول الله.  بين المقال كذلك أن الدليل على صحة هذا القول لا يخرج عن أن يكون واحدًا من ثلاثة: الأول, أن هذا هو ما صرح به القرآن الكريم.   الثاني, أن هذا هو ما أجمعت عليه الأمة.   والثالث, أن هذا هو ما يفسر ما حدث في التاريخ الإسلامي. 

 

كشف المقال, في حالة الدليل الأول, عن أنه مثلما توصل القائل بفكرة وحي السنة إلى “فهم” للقرآن الكريم يؤيد فكرته, فإن غيره قد توصل إلى “فهم” مخالف لا يؤيد هذه الفكرة.   لا يملك من يؤيد فكرة وحي السنة أي دليل على صحة  “الفهم” الذي توصل إليه تمامًا مثلما لا يملك من يعارض هذا الفكرة أي دليل هو الآخر على صحة “الفهم” الذي توصل إليه.  إدعاء أي منهما بأن “فهمه” يتطابق مع مقصد الله في عزيز كتابه إنما هو ادعاء بأنه “يعلم” مقصد الله, وهو ادعاء لا يجرؤ على ادعائة مسلم.

 

كشف المقال, في حالة الدليل الثاني, أن القول بأن هذا هو ما أجمع عليه علماء الأمة – أو حتى ما أجمعت عليه الأمة جميعها بعلمائها, وجهلائها, ورجالها, ونسائها, وأطفالها وشيوخها – لا يمكن النظر إليه على أنه دليل على صحة فكرة وحي السنة.  على علماء الأمة, مثلهم في ذلك مثل جهلاء الأمة, أن يقدموا الدليل على صحة ما يذهبون إليه.   لا يمكن لعلماء أمة الإسلام أن يطالبوا أمة الإسلام بالتسليم لهم بما يقولون بدون دليل على صحة ما يقولون.  الإيمان الذي يقوم على التسليم المطلق الذي لا يطلب برهانا هو رفع لمقام أئمتنا العظام إلى مقام الله والعياذ بالله.

 

كشف المقال, في حالة الدليل الثالث, أنه إذا كانت فكرة “وحي السنة” تحل مشكلة الأحاديث التي تتحدث عن أمور لا يعلمها إلا الله ولا يمكن لسيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم أن يحدث بها إلا إذا كان الله عز وجل قد أوحى له بها, فإنها تخلق ثلاث مشاكل رئيسية.

 

المشكلة الأولى:  بشرية الرسول

تعجز هذه الفرضية عن تفسير التناقض بالقول بـ”ألوهية الرسول” مع ما جاء في صريح القرآن الكريم والذي ينص بوضوح كامل على “بشرية الرسول” كما تعجز عن تفسير رفض غالبية المسلمين لفكرة ألوهية الرسول.

 

المشكلة الثانية:  تناقض الأحاديث النبوية الشريفة مع القرآن الكريم

تعجز فرضية وحي السنة عن تفسير التناقضات بين الأحاديث الواردة في كتب الحديث المعتبرة عند أهل السنة والجماعة والتي تلقتها الأمة بالقبول والتي تتناقض تناقضًا واضحًا مع ما ورد في كتاب الله.

 

المشكلة الثالثة: خلط المقدس بغير المقدس

تفسر فرضية وحي السنة جزءًا واحدًا من التاريخ الإسلامي هو الجزء الخاص بأحاديث الغيب إلا أنها تعجز عن تفسير رفض غالبية المسلمين النظر إلى كتب الأحاديث على أنها كتب مقدسة. 

 

 فرضية وحي السنة, بهذا الشكل, هي فرضية لا تستند إلى دليل من القرآن الكريم, واستنادها إلى إجماع علماء الأمة هو استناد فاسد إلى قول يحتاج هو ذاته إلى دليل, كما أنها لا تتفق مع ما هو متفق عليه من عدم وجود كتب مقدسة في دين الله خلاف كتاب الله, ومن بشرية الرسول ومن أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.  محمّد رسول الله.

 

أنا لا أصدق سوى رسول الله.  الوحيد الذي أومن بصدق ما يقوله هو رسول الله.  ولن أضع أبدًا أي إنسان في موضع رسول الله.  بشكل آخر, لا تطلب مني أبدًا أن أصدقك فأنا لن أصدقك.  لا تطلب مني أبدًا أن أومن بصحة ما تقول, فأنا لا أومن بصحة ما يقوله أي إنسان لمجرد أنه قاله.  إنما يمكنك أن تطلب مني أن “أفهم” ما تقول, ولن أطلب منك ساعتها سوى “الدليل” على صحة ما تقول.  أين الدليل؟

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.