لنتحدث بهدوء وروية

لنتحدث بهدوء وروية

 SILENCE.jpg

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

على قدر علمي أن هناك حق واحد للبشر على الله, وهو أن من يستقم منهم ويعمل صالحًا يدخله الجنة, وليس للبشر على الله حق أن يرزقهم, أو يحفظهم, أو يهديهم, أو غير ذلك, بل هم من يجب أن يسعى للرزق, وأن يقوموا بحماية أنفسهم, وأن يهتدوا من خلال العقل والفطرة التي وضعت فيهم, فإذا رزق الله أو حفظ, أو هدى, فلابد أن يشكر وأن يشعر العبد بالامتنان له.

 

هناك من يجعل نفسه إلها للبشر وصاحب ملكوت كرب البشر, وهناك من يرفع قدر بعض الناس إلى مرتبة الإله, فيكون كالله لا حق لأحد عليه, وكل ما يفعله للناس فهو منّة يجب أن يحمدوه عليها, وكل ما يقصر فيه أو يخطئ فيه فيجب ألا ينظر إليه فضلاً عن أن يحاسب عليه ويعاقب.  هناك من الآباء, والمسئولين, والزعماء, والقواد, والرؤساء, من يتعامل بهذا المنهج, كما أن هناك من الأتباع من يتعامل مع هؤلاء الكبار كآلهة لهم صفات الله.  أي لا يُسألون عما يفعلون.  هؤلاء, وهؤلاء, وهؤلاء لا يقبلون من يتعامل بالنظام الآخر الذي يرى أن البشر سواسية, وأن من يحكم فعليه واجبات وله حقوق, وللأسف فهؤلاء من يتعرضون للاضطهاد, والتعذيب, والقتل, والطرد من بلادهم.  والسبب هو أنهم لا يقبلون أن يكونوا عبيدًا للألهة الجديدة التي تتغير وتتبدل دون أن يتغير منهجهم ولا تفكيرهم.

 

العجيب أن بلاد الكفر قد أبطلت عبادة البشر ولم يعد لديهم آلهة, أما بلاد الرسالات السماوية فقد كثرت فيها الألهة وعبيد الآلهة.  

 

محمّد سلامه 

5 يناير 2018 

 

 

قرأت الرسالة أعلاه أكثر من مرة.   والرسالة عجيبة, إذ هي صادرة من الثقافة العربية وإن كانت مكتوبة كما لو كانت صادرة من باريس أو لندن.  فلا سجع هناك, ولا صريخ, وإنما هدوء عجيب وسؤال “واضح” عن موضوع غريب.  لماذا بطلت عبادة البشر في بلاد الكفار ولم يعد لديهم آلهة, ولماذا كثرت عبادة البشر في بلاد المؤمنين وكثرت فيهم الآلهة؟

 

قرأت الرسالة مرة أخرى.  كان السؤال الذي يدور في ذهني أساسًا هو التالي:  مالنا نحن والسياسة؟  نحن قوم لا نتحدث إلا عن الفقه السني القديم والفقه الإسلامي الجديد.  ما علاقتنا نحن بالسياسة؟  إلا أن السؤال لم ينتظر الإجابة طويلا.  وجاءت الإجابة بأن الموضوع ليس موضوع سياسة وحسب بل هو موضوع سياسة, واجتماع, وعلم نفس, بل وعلم لغة وفقه سني قديم.  الموضوع موضوع سياسة لأن “تقديس” الحاكم هو عامود الخيمة في مجتمعات العالم الثالث.  والموضوع موضوع علم اجتماع لأن  فكرة “الندية” و”الناس سواسية” فكرة تغيب تمامًا عن ثقافة مجتمعات العالم الثالث.  هذه مجتمعات قد تعارفت من ساعة أن ظهرت على ظهر الكرة الأرضية إلى يوم الله هذا على قبول الظلم.  والناس في مجتمعات العالم الثالث ليسوا سواسية وإنما هم سادة وعبيد.  والموضوع موضوع علم نفس لأن سلوك الإنسان المقهور يختلف عن سلوك الإنسان الحر.  والموضوع موضوع علم لغة لأن حديث الناس مع بعضها البعض في مجتمعات القهر يختلف عن حديث الناس مع بعضها البعض في مجتمعات الحرية.  هناك فرق بين حديث الناس عندما يكون حديث الند للند, وحديث الناس عندما يكون حديث العبد للسيد أو السيد للعبد.  والموضوع موضوع فقه سني قديم وفقه إسلامي جديد, إذ على حين يرفض الفقه السني القديم موضوع المساواة والندية ويضفي “القدسية” على نظام الاستعباد والعبودية في الثقافة العربية كجزء من تقديسه للثقافة العربية المقدسة, يرفض الفقه الإسلامي الجديد موضوع فضل العرب على العجم, أو فضل قريش على سائر العرب, أو طاعة الأمير ولو جلد ظهرك, أو شرعنة الرق, أو النظر إلى النساء على أنها “عوان” عندنا – أي “عبيد” عندنا – أو النظر إلى عقد الزواج على أنه عقد يتم بمقتضاه استئجار “بُضع” المرأة أو شراء “البُضع” مع لوازمه من أفخاذ, وبطن, وما يلزم.  المرأة إنسان, والإنسان لا يمكن “تأجير” جزء منه أو “بيعه بالكامل”.  والقائمة طويلة. 

                                                                                                                         

ونعود إلى السؤال الذي سأله مفكرنا الإسلامي الكبير, فضيلة الأستاذ الدكتور محمّد سلامه:  “لماذا بطلت عبادة البشر في بلاد الكفار ولم يعد لديهم آلهة, ولماذا كثرت عبادة البشر في بلاد المؤمنين وكثرت فيهم الآلهة؟”.  والإجابة هي في الإحالة إلى علم الاجتماع وهو موضوع يحتاج إلى وقت لا أملكه.  كل ما يمكنني قوله هو الإشارة إلى أن المجتمعات البشرية لم تبدأ بالندية ثم انتقلت إلى العبودية, وإنما بدأت بالعبودية ثم انتقلت إلى الندية.  أي أن النظام الطبيعي للمجتمعات البشرية هو نظام العبودية.  لم يحدث ذلك – كما هو واضح – في حالة كل المجتمعات البشرية, وإنما في حالة بعض المجتمعات نتيجة موقعها الجغرافي وظروفها التاريخية.  بشكل عام, يتطلب نظام الندية اختفاء النظام القبلي, إضافة إلى موضع جغرافي يتيح له الاتصال بمجتمعات أخرى, فضلا عن توفر درجة من الوفرة.  يفسر هذا ظهور الندية في مجتمعات أوروبا الغربية, واختفائها من هضبة التبت, وواحة سيوة, ووسط الجزيرة العربية.

 

مرة أخرى, خالص الشكر لمفكرنا الإسلامي الكبير , فضيلة الأستاذ الدكتور محمّد سلامه, على رسالة تدفعنا إلى التفكير.  أما بالنسبة للفقه الإسلامي الجديد فنحن ندين التمييز بين المؤمنين بعضهم البعض, أو بين الكفار والمؤمنين, هذي أمور لا يعلمها إلا الله.  من أين لنا أن نحكم بإيمان هذا أو كفر ذاك.  هذي, والله, أمور لا يعلمها إلا الله.  ونحن ندين تأجير النساء أو بيعهن. النساء بشر.  ونحن ندين قتل الأسرى وأكلهم.  ونحن, أيضًا, ندين “تقديس” الحاكم وموضوع ولو أخذ قميصك وجلد ظهرك.  والناس عندنا سواسية كأسنان المشط.  وإن الحمد لله, والشكر لله, على ما آتانا وما لم يؤتِنا, وما أعطانا وما لم يعطنا.    

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.