تصحيح اخطاءنا التراثية – الحج واهميته 2/3

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

Pilgrimage2.jpg

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح أخطائنا التراثية

الحج وأهميته – الفصل 2 من 3

خلق الإنسان الأول:

خلق الإنسان الأول في مكة وولد في مكة. قال تعالى في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9). بدأ الله تعالى خلق الإنسان من طين. ذلك هو الإنسان ببدنه لا بنفسه. أولئك الذين سبقوا ظهور آدم وزوجه وهم آباؤهما وأمهاتهما طيلة ملايين السنين حينما كانت البشرية تمر في حالات التطور الطبيعي من نبتة ترابية.

وبعد أن تم خلق البدن الإنساني من طين وتطور شيئا فشيئا جاء دور المرحلة الأخيرة من التطور البدني ليصنع والد من أولئك النفر مع والدة من أولئك الوالدات إنسانا مثلنا ولكنهما لا زالا  كآبائهما وأمهاهما محرومين من النفس الإنسانية. تم الارتباط كعادة كل الحيوانات المشابهة وكما نفعله نحن البشر. وثَم بعد ذلك وبعد أن خُلق إنسانان كاملان في بويضة واحدة بارتباط الحيوانين المنويين بالبويضة. هناك سوى الله تعالى الإنسان. سواه يعني منحه النفس الإنسانية متساوية مع البدن. سوى الله تعالى نفس أبينا آدم ولكنه لا زال أنثى. تعلمون أن الذي يخلق النفس الإنسانية هو الروح، روح من الله تعالى والروح وحدة نورية يملك القدرة على صناعة النفس ولكنه موجود طاقوي يتسم بالإدراك. نحن لا نعرف الكثير عن الروح فهو كائن غريب يتكاثر دون أن يتناقص ودون أن يضعف أو يشيب كما أظن. قال تعالى في سورة الإسراء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85).

وأقول بأن آدم وزوجه كانا أنثيين باعتبار الآية التالية من سورة آل عمران: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59). لا أرى أي وجه للتماثل بينهما في الخلق، والخلق هو موضوع الآية الكريمة، إلا أن يكونا مثل بعض بدنيا. ونعلم بأن عيسى ولد بلا أب وأم عيسى كباقي النساء امرأة لا تحمل الكروموزوم الذكري Y فالروح القدس قام بعمليتين لصنع المسيح وقام بعمليتين أيضا لصنع آدم.

تبديل الخلية الأنثوية إلى ذكورية:

العملية الأولى: هي تبديل إحدى خلايا السيدة مريم إلى خلية ذكورية. ولعلنا نعلم بأن الأنثى أكثر تطورا من الذكر باعتبار أنها تحمل الرحم وقادرة على صناعة الحليب والرجال يفقدون ذلك. وأما العضوان الجنسيان فإنهما متماثلان. بمعنى أن أيا منهما يمكن تحويله إلى العضو الآخر والفرق بينهما هو أن العضو الذكري حساس من الخارج والعضو الأنثوي حساس من الداخل ولو قلبت أيا منهما صار كالعضو الآخر. فالمرأة أكمل من الرجل. ولذلك لا يمكن خلق إنسان كامل من رجل ولكن يمكن خلق إنسان كامل بلا رجل من امرأة. وهذا ما حصل لمريم. هي آية من آيات الله تعالى باعتبار ذلك كما أظن، كما أن المسيح أيضا آية بنفس الاعتبار. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50). هما آية واحدة لأن الله تعالى أثبت بهما إمكانية صنع ذكر من أنثى لم ترتبط بذكر. بمعنى خلق ذكر يحمل الكروموزوم XY من أنثى يحمل الكروموزوم XX فقط. فالذي فعله الروح القدس ليهب غلاما زكيا لمريم هو أنه أزال بعض إمكانات الخلية الأنثوية ولم يضف شيئا إليها.

وهذا ما فعله في الخلية التي صُنع فيها آدم وحواء. فهما كما أظن كانا بشرين متشابهين في الخلق الأول (Identical).  وأعتبر أبوينا الأولين كذلك باعتبار الآية التالية من سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1). وأظن بأن السر في خلقنا من نفس آدم هو أن الروح الذي صنع نفس آدم يرضى لصنع نفس أقوى من نفس آدم وهو نفس زوجه التي هي أخته حسب واقعنا نحن الذين انحدرنا منهم. لكن الروح لا يمكن أن يرضى ليصنع نفسا ذكورية بعد أن صنع نفسا أنثوية أقوى من الذكر. إنه تراجعٌ إلى الوراء ولا يمكن أن نتصور التراجع في الروح الذي يسير دائما بأمر ربه جل جلاله. هذا هو السر بظني وليس ما يظنه البعض بأن آدم هو الأساس وزوجه فرع منه. وأظن بأن هذا هو السر في أن الخلية المتحركة التي تحمل الروح هي خلية الرجل وليست خلية المرأة. وأقصد من النفس الذكورية والأنثوية نفسا تساوي الكيان الذكوري ولا أقصد نفسا ذكرا أو نفسا أنثى. فالنفس بنفسها ليست ذكرا ولا أنثى. الخاصية الذكورية والأنثوية خاصية بدنية فحسب.

صناعة النفس الإنسانية:

والعملية الثانية التي قام بها الروح القدس هي عملية منح النفس الإنسانية لآدم والمسيح. قال تعالى في سورة السجدة: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9). فآدم بنفسه مصنوع من أول روح أنزل من السماء. هو روح الله تعالى وهو الوحدة الطاقوية التي تصنع النفس. ولم ينزل أرواحا أخر لبقية الناس إلا مرة ثانية لصناعة نفس المسيح. قال تعالى في سورة الأنبياء: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91). وحينما نجمع معهما الآية الأولى من سورة النساء التي ذكرناها أعلاه (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) نعلم بأن الروح من الله تعالى لم يُنزَّل إلا مرتين إذ لا ضرورة لذلك. كما نعرف من تلك الآيات الكريمة بأن الروح هو الذي يخلق النفس الإنسانية التي تميز الإنسان عن بقية الحيوانات. سورة ص:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72).

وحتى نزيل الشك لدى القارئ الكريم فإن الخلية الأحادية التي تنتقل من الآباء إلى أرحام الأمهات هي التي تصنع النفس ولكنها تصنعها داخل الخلية الأنثوية بعد أن تتعلق بالبويضة وهي الخلية الأنثوية. وإذا كان نفس آدم هي التي صنعت نفس حواء فالواقع أن الذي قام بصنع نفس حواء هو القوة الموجودة داخل الخلية الذكورية وهي ما تسمى بالروح في القرآن الكريم. الروح يصنع نفس الإنسان وهو قوة تنتقل مع حيامن الذكور ولا تتقلص ولا تتغير لأنها من روح الله تعالى. وإن شئت قلت من الطاقة الربوبية أو النور الربوبي العظيم. الروح موجود بالتأكيد في خلايا الإناث ولكنه لا يصنع شيئا بل موجود ليبقين أحياء فقط. البويضة لا تتحرك ولكن الحيمن الذكوري هو الذي يتحرك. فلو فرضنا أن حواء خلقت في رحم شخص آخر غير أم آدم أو أنها خلقت في رحم نفس الأم ولكن في حمل ثان لها أو خلقت في رحم نفس الأم ونفس الحمل ولكن الخلية لم تكن متماثلة فكيف صنع الله تعالى الأم حواء من نفس الأب آدم؟ ذلك لأنه تعالى قال بأنه خلقنا من نفس واحدة في الآيات الثلاث التالية:

1.   سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1).

2.   سورة الأعراف: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189).

3.   سورة الزمر: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6).

فهو خلقنا من نفس واحدة بمعنى أنه خلق الأم الكبرى من نفس الأب الأكبر. لا يمكن أن يتم ذلك الخلق إلا إذا كانا في بويضة واحدة مخترقة بواسطة حيمن واحد. الحيمن أحادي الكروموزومات ولا يمكن أن تحمل النفس الإنسانية. إنها تحمل الروح الذي يخلق النفس. فحينما تخترق البويضة فإنها تتعلق بكروموزومات الأم داخل البويضة فيتم خلق إنسان جديد. هناك يمنح الله تعالى النفس للمخلوق الجديد. فلدينا الآن حيمن واحد داخل بويضة واحدة وقد صارت التركيبة إنسانا بالقوة. وبعد ذلك تنفصل الخلية الجديدة إلى خليتين فيتكون جنينان متشابهان. لا يمكن أن نتصور جنينين غير متشابهين بمعنى أن يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى. ذلك لا يتم إلا بواسطة حيمنين اثنين يحمل كل منهما الخصوصيات النفسية للأب بما فيها الخاصية الجنسية. فيمكن أن يكونا متشابهين أو مختلفين من حيث الجنس ولكنهما منفصلان لا علاقة بينهما من حيث النفس.

ولذلك قلت بأنهما كانا جنينين متشابهين جنسيا ولكن الروح القدس حول واحدة منهما إلى ذكر وأبقى الآخر ثم انتقل الروح من التجميع الذكوري إلى التجميع الأنوثي وصنع للأخت الأنثى نفسا أنثوية خاصة بها. يجب أن نعتبر النفس الذكورية لآدم محتفظة بالروح من قبل أن ينتقل إلى كيان الأخت الباقية على حقيقتها الأنثوية دون تغيير. هكذا يصح القول بأن الله تعالى خلقهما ثم سواهما بمعنى أعطاهما النفس البشرية ثم قام كل مجموعة بتنشيط مختلف الجينات لديها لعمل الأكياس الثلاثة المعروفة. ولذلك فإني أظن بأن عملية الانفصال تم بسرعة ولم تتأخر كثيرا كما في بعض حالات التوائم المتشابهة، والعلم عند المولى عز اسمه.

النفوس الملائكية والجنية:

لا نعرف كثيرا عن الجن ولا عن الملائكة. ولكنني بلا دليل ملموس أظن بأنهم جميعا يحملون نفوسا خاصة بهم. بمعنى أن الروح القدس أو الأرواح القدسية والملائكة كلهم مركبون من نفسٍ ومن تركيبة تشكل كيانهم غير النفسي. لا يمكن تسميتهم بالأبدان لأننا لا نراهم فهم لا يعيشون ضمن الطيف المرئي عندنا فهم ليسوا أجساما ثلاثية الأبعاد بظني. وإذا حذفنا عنهم الأبعاد الثلاثة فلا يمكننا حذف التركيب عنهم. هم مركبون من خلايا مشعة شبيهة بالفوتونات الضوئية احتمالا. ولكنهم بالتأكيد ليسوا فوتونات ضوئية ولا إلكترونات لأننا بسهولة نرى آثار الفوتونات حينما تسقط على الأجسام كما ندرك وجود الإلكترونات ونعلم الكثير عن تركيبتها. وإذا كانت الوحدات الضوئية أو الوحدات الطاقوية الأخرى المصنوعة من الإشعاعات المختلفة كلها مركبة وليست بسيطة فإن الملائكة والجن مركبات أيضا. لا يمكن لنا تصور البسيط المدرك عدا الله تعالى نفسه الذي لا تركيب فيه ولا يمكن أن يكون هناك تركيب في ماهيته جل جلاله.

تلك المركبات الفوتونية والإلكترونية عاجزة عن الإدراك ولكن الملائكة والجن مدركون فلا يمكن تصور الإدراك فيهم دون أن يكونوا مركبات ودون أن يتحلوا بالنفوس المدركة. وهناك دليل آخر على أن الملائكة والجن مركبة من تركيبات غير مادية كأبدان لهم مضافة إليها التركيبة النفسية وهو موتهم جميعا. قال تعالى في سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68). ومن في السماوات يعني كل المدركين في السماوات ومن في الأرض يعني كل المدركين في الأرض فالآية الكريمة تشمل الجن والإنس والملائكة والأرواح القدسية جميعا. والاستثناء بـ إلا من شاء الله، ليس لاستثناء الموت بل لاستثناء الصعقة بدليل نهاية الآية. فبالنفخة الثانية في الكون يقوم الجميع ناظرين. ونحن نعلم بأن كل البشر على الأقل سوف يقومون ناظرين فالمقطع يتحدث إما عن الفاسقين الذين يُصعقون أو عن كل الكائنات المدركة. ذلك لعدم وجود غير من في السماوات والأرض في الآية الكريمة. فليس لدينا بعد الإمعان إلا أن نقول بأن كل الكائنات المدركة يموتون إما بالصعقة أو بدونها ثم إنهم جميعا بعد النفخة الثانية يقومون ناظرين. فلو كانت الملائكة نفوسا محضة فلا معنى لموتها ولو لم تكن مركبة ثم تموت فكيف يحيى من جديد؟ موتنا نحن البشر في حقيقته يعني انفصال نفوسنا عن أبداننا فنموت باعتبار أننا نفقد إمكاناتنا البدنية ولكننا نبقى أحياء بنفوسنا. وإذا قبلنا بأن الملائكة والجن يموتون ثم يُحيون يوم القيامة فهذا يعني بأنهم يملكون نفوسا محاطة بتركيبة طاقوية أخرى مثل أبداننا. وحينما يموتون فإنهم يموتون بتركيبة أبدانهم الطاقوية وتبقى نفوسهم حية. ولا ننس بأن النفس مركبة أيضا وسوف نشرحها مستقبلا بإذن الرحمن.

وحينما نقول الملائكة فنحن لا نقصد كائنات من نوع واحد مثلنا بل هن كائنات مختلفة ولسن جميعا ملائكة. ذلك الأن الملك سواء كان مشتقا من ألك أو لأك وكان أصلها ملأك أو مألك فهو يعني الرسول. وليس كل الملائكة رسلا ولكنهم احتمالا يعلمون أهمية الإنسان حيث أن الإنسان هو آخر كائن مدرك مكلف يخلقه الله تعالى في مختلف أرجاء الكون الواسع المهيب كما نحتمل. نحن نسميهم جميعا ملائكة لنقص في اللغة العربية ونقص في فهمنا أيضا. لكن الله تعالى لا يسميهم جميعا ملائكة. فهو تعالى يسمي المعروف بالروح القدس، يسميه جبريل وهو سبحانه يتحدث عن الذين يحملون العرش بدون أن يسميهم الملائكة.

قال تعالى في سورة غافر: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7). هؤلاء ليسوا ملائكة ولكننا نسميهم ملائكة يحملون العرش. والعرش ليس كرسيا يجلس عليه الله تعالى كما ظن قليلو العلم من اليهود والنصارى والمسلمين بل هو كل الكون. قال تعالى في سورة البقرة في الآية 254 المعروفة بآية الكرسي: … وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ…. فكل السماوات والأرض تعني كل الكون وذلك الكل المهيب هو عرش الله تعالى. قال تعالى في سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2). وقال تعالى مثل ذلك في عدة آيات أخر. هذا يعني بأن عرش الرحمن تحقق بعد أن توقفت الحركات غير المنظمة داخل الكون بعد الانفجار الكوني وبعد أن أخذت الكواكب طريقها وموقعها داخل الفضاء وبدأت تعمل وتتحرك وتنتج.

والنفخة ليست نفخة في صور مثل البوق كما يصوره الكتاب المقدس إذ لا توجد حياة في الكون قبل النفخة الثانية. فالنفخة ليست إلا تفتحا للجزيئات التي تركب منها الكون برمته وبها تظهر حقيقة الكائنات باعتبار أن السماوات والأرض وتعني الكرات الغازية والصلبة وما بينهما تأخذ مواقعها داخل الفضاء وتبدأ بالدوران والتحرك في الفضاء. كما بدأت أول مرة بعد أن خلق الله تعالى السماوات والأرض غب الانفجار الكوني. ثم ينكمش الكون كله فيموت كل الأحياء من كل الأجناس والأنواع باعتبار أنها جميعا بمن فيهم الملائكة يحتاجون إلى السماوات والأرض ليعيشوا الحياة الدنيوية أو الحياة الأخروية. وبعد الانكماش فإن الله تعالى يعيد صياغة المادة الأولية للكون ليعطيها القدرة على البقاء الأبدي ثم يكون هناك انفجار آخر وانتشار آخر ولكنها هذه المرة سوف تتوقف عن الانتشار المستمر باعتبار أن الكون سيكون في موعد مع الأبدية الفعلية بفعل الجبار العظيم جل جلاله.

قال تعالى في سورة الانفطار: إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5). هذه هي النفخة الثانية والأخيرة في الواقع كما أظن.

السجود لآدم:

عرفنا بأن الجن والملائكة كائنات طاقوية مركبة لا تملك أجساما مثلنا. وأظن بأنها جميعا كائنات مشعة. ولذلك أمرهم الله تعالى بأن يكمشوا أنفسهم حين المرور على الإنسان. هذا الانكماش في غاية الضرورة حينما يكون الإنسان في رحم أمه يتطور باتجاه التكامل البدني. قال تعالى في سورة ص: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلا الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78).

لا يحمل رسولنا الأمين علما عن الملإ الأعلى. فمن هم الملأ الأعلى؟ هم كل الكائنات المدركة الطاقوية بلا استثناء كما أظن. والشياطين جزء من الجن وكل الجن من الملإ الأعلى مثل الملائكة. فالملأ الأعلى بالنسبة لنا هي الكائنات الطاقوية في مقابل الكائنات ذوات الأبعاد الثلاثية التي انحدرنا منها. ولا يعقل اختصام الملائكة مع بعضها بل المقصود اختصام الملائكة مع الشياطين الذين هم من الملإ الأعلى. الشياطين والجن ليسوا من الملائكة ولكنهم من الملأ الأعلى. وحينما أخبر الله تعالى الملائكة بأنه خالق بشرا من طين صار لزاما على الجميع بأن يقعوا له ساجدين بعد أن يسويه الله تعالى. هذا السجود ليس سجود تعظيم ولا سجود تكريم كما تصور المفسرون الكرام رحمهم الله تعالى وإيانا. لم يكن آدم مدركا حين السجود حتى نعتبره إكراما أو احتراما. وهذا السجود ليس خاصا بأبينا آدم بل هو انكماش لإشعاعاتهم بالنسبة للإنسان على مر الزمان. فهم اليوم يسجدون لنا أيضا بنفس المعنى.

قال تعالى في سورة الحجر: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن ِلأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35). أرجو من القارئ الكريم أن ينتبه إلى أنني لست بصدد بيان ما أعرفه عن خلق الإنسان ولكنني أريد بيان أهمية مكة فقط. سنتحدث عن خلق الإنسان مستقبلا بإذن الرحمن.

قلنا بأن الشياطين والجن ليسوا من ذوات الأبدان مثلنا نحن ومثل الحيوانات التي تعيش معنا أو التي انحدرنا منها. ولا أقول بأننا انحدرنا من القردة بل انحدرنا من حيوانات إنسية مثلنا وقد أراد لها ربنا من البداية أن تكون بشرا فتطورت في تقلبات بشرية ولكنها كانت حيوانات إنسية فقط. لكن الشيطان وكذلك الجن كانوا يشعرون بأنهم غير الملائكة باعتبار أنهم مكلفون وكانوا يشعرون بأن الأرض ليست مصنوعة لهم وحدهم باعتبار أن الأرض حملت الكثير من النعم النباتية والحيوانية ومن المجوهرات الثمينة ومن الحرير والقطن والأصواف وغيرها التي لا يمكن للجن أن تستفيد منها. شعر الشيطان بعد أن أبلغ الله تعالى الملائكة التسعة الموكلين بالإنسان احتمالا بأن يسجدوا لآدم بأن آدم هو المستفيد من كامل خيرات الأرض. وآدم كما قلت هو اسم على مسمى لآدم ولحواء. والأمر بالسجود في الواقع كان لكل الكائنات المدركة بمن فيهم الجن ولكن الله تعالى يبلغ أحكامه عن طريق رسله كما أبلغنا نحن القرآن عن طريق الرسول محمد عليه السلام. والملائكة هم رسله وليس الشياطين والحكم كان للجميع بمن فيهم الملائكة أنفسهم فجاء عن طريقهم لهم ولمن مثلهم. وقد عرفنا بأن الملك يعني الرسول.

فمثلا حينما يأمر ربنا رسوله بقوله: أقم الصلاة، فهو لا يقصد الرسول وحده بل هو حكم لكل البشر ولكنه جاء عن طريق الرسول والرسول واحد من الذين يصلون. فحكم السجود جاء لجميع المدركين بأن يكمشوا أنفسهم حين المرور على الخلية التي أُمرت بصناعة آدم وزوجه ولكنه نزل إلى الملائكة باعتبار أنهم رسل الله تعالى. وهناك دليل قرآني آخر على أن السجود لم يكن تكريما ولا تعظيما بل هو لحماية آدم وزوجه. قال تعالى في سورة طه: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117). نلاحظ بأن الله تعالى اعتبر إباء إبليس عن السجود مظهر عداء من إبليس لآدم ولزوجه. فالسجود سجود حماية ورحم لا سجود تعظيم وتكريم. وكان آدم وزوجه في بداية المسيرة الجنينية. قال تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11). والتصوير يتم بعد التعديل الجيني الأول في الخلية الأولى حيث تصور الخلية نفسها داخل السنتريول أو المريكز قبل أن تنقسم إلى خليتين وهلم جرا.

ولعل القارئ يفضل أن يعرف المزيد عن زمان وجوب تنفيذ الأمر بالسجود. قال تعالى في سورة الانفطار: يَا أَيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8). هناك تراخ بين الخلق والتسوية والتعديل. فالخلق تم قبل التسوية والتسوية قبل التعديل. الخلق هو ارتباط الحيمن بالبويضة والتسوية هو صناعة النفس والتعديل هو تنشيط الجينات المركبة لصناعة بدن الإنسان وقد وضحها الله تعالى في الآية الأخيرة. ونعلم علميا اليوم بأن التعديل الجيني يبدأ مباشرة بعد انتقال الحيمن إلى البويضة ولكنه تعالى أبلغنا بأنه يمنح النفس للكائن الجديد قبل التعديل الجيني وبعد ارتباط الحيمن بالبويضة. وقد أمر الله تعالى الملائكة بأن يسجدوا لآدم بمجرد منحه النفس الإنسانية أي قبل التعديل الجيني. ولذلك فإن كل الاحتمال وارد عندي بأن الإشعاعات القوية الملائكية والجنية تؤثر في التعديل الجيني أو عمليات التصوير في الخلية. والذين يعرفون بعض الشيء عن الجينات يعلمون بأن تلك عملية معقدة جدا وحركة مستمرة دائبة في الخلية الأولى التي ستنفصل بسرعة إلى خليتين ثم خلايا لصناعة الأكياس المعروفة الثلاث حيث سوف يتم صناعة مختلف مركبات الإنسان داخل تلك الأكياس الثلاث. ولا ننس بأن العمليات الثلاث المذكورة في سورة الانفطار تتم في لحظات قليلة جدا. ولذلك لا يوجد فرق بين أن يقول ربنا سبحانه بأنه أمر بالسجود بعد التصوير أو بعد صناعة النفس وقد تكون العمليتان متزامنتين بمعنى أن النفس تسوى بمجرد دخول الحيوان المنوي في البويضة واجتماع مجموعتين من الكروموزومات من القادمة من الخلية الأحادية للأب مع الكروموزومات الموجودة داخل بويضة الأم فتتعلقان ببعضهما ويتم الخلق بتلك العملية. هناك يمنحنا الله تعالى النفس الإنسانية بواسطة الروح القادم مع خلية الأب متزامنا مع تنشط الجينات المتعلقة بالكروموزومات التي ترابطت في نفس اللحظة. ذلك لأن النفس الجديدة تحتاج إلى مساعدة لتقوم بعملية المراقبة فالله تعالى يراقب عملية التصوير الأولى بواسطة الملائكة احتمالا إلى أن تتعلم النفس الجديدة عملية التكاثر الخلوي. والعلم عند المولى عز اسمه.

قال تعالى في سورة الزمر: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6). ونعرف من هذه الآية الكريمة بأن كل الأنعام الأربعة أخوات لنا في كيفية الخلق ولكن الله تعالى باعتبار النفس جعلنا مسلطين عليهن وسمح لنا بأن نقتلهن لمأكلنا فقط. والظلمات الثلاث هي ما يعرف بالأكياس الثلاثة الأولية والمعروفة باسم: endoderm, mesoderm, ectoderm. يخلق الله تعالى أبداننا نحن والأنعام المخصصة لنا هكذا. هناك تشابه بيننا وبين بقية الكائنات الحية ولا مجال هنا لذكر الفروق. والأنعام هي أربعة وقد ذكر الله تعالى ثمانية أزواج ليقول لنا بأنه خلقنا نحن البشر من نفس واحدة ومن أبوين فقط لنتطور إلى الأعلى. ولكنه خلق الأنعام الأربعة من ثمانية أزواج حتى لا يتطوروا باتجاه الأعلى فيصيروا لائقين للنفس الإنسانية.

قال تعالى في سورة الأنعام: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144). فكل نعمة من النعم الأربعة مصنوعة من زوجين أصليين فجيناتهم موروثة من أبوين وأمين لكننا نحن البشر مصنوعون من أبوينا فقط وجيناتنا موروثة من المرحوم آدم والمرحومة حواء لا غيرهما. ولذلك تطورنا نحن في زمن قياسي إلى أناسي قادرين على استلام النفس الإنسانية. سنشرح ذلك بالتفصيل مستقبلا إن شاء الله تعالى.

غب خلق أول إنسان:

في هذا المقطع نسعى للتعرف على البيت الثاني للإنسان الأول. قال تعالى في سورة التين: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5). وقال تعالى في سورة طه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123).

وقال تعالى في سورة البقرة: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38).

وقال تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27).

أظن بأن القارئ الكريم يتقبل بأنني لا يمكن أن أوضح ما أعرفه عن الآيات الكريمة التي توضح المنزل الثاني لأبوينا يتلوها المنزل الثالث لهما وهو كل الأرض في الواقع. لكنني باختصار أبين رأيي المتواضع لنعود بسرعة إلى مكة ونتعرف عليها أكثر. خلق الله تعالى الأبوين الكريمين في مكة ولكنه سبحانه خلق الأنعام الثلاثة أيضا هناك. كما أن السلالة التي انحدر منها أبوانا لم تنقرض بعد والأبوان الإنسيان أقبلا وبدءا يكبران في مكة. سوف يريا الحركات الجنسية من السلالة البشرية الحيوانية السابقة لهما وكذلك من الأنعام الثلاثة وسوف يتعلما الجنس بسرعة والله تعالى لا يريد لهما ذلك. لا نعرف السبب الأساسي في الواقع ولكننا بكل سهولة يمكن أن نحتمل بأن الله تعالى يريد لهما أن يكبرا ويبدآ بالتناسل ليكون نسلهما قويا من حيث التفكير ومن حيث البدن. أو نحتمل بأن حمل النفس الإنسانية المصنوعة من روح الله تعالى يستوجب احترام ذلك الروح فلا يجوز الارتباط الجنسي معه. وقد قال الشيطان لهما بأنهما سيكونا ملكين أو يكونا من الخالدين لو لم يأكلا من الشجرة. ذلك المجرم اللعين كان ممنوعا من الكذب عليهما ولذلك قال لهما الصدق ووسوس لهما مع صدقه.

والشجرة هي شجرة الزيتون دون شك ولكن الله تعالى حينما نقلهما من مكة إلى طور سيناء منعهما من أكل الزيتون وسمح لهما بأكل التين بدلا عنه ليتغذيا على التين ويأكلا من بقية الأشجار كفاكهة أو شراب. أظن بأن ثمار الزيتون باعتبار الزيت الطيب الذي تحويه فإنها تنشط الخلايا وخاصة لو أكلت مع العسل أو التين أو الثمار السكرية مثل التمر. هناك قدرة تنشيطية عالية في الزيتون ولذلك فإن أغلب الظن بأن الله تعالى منع الزوجين الأولين من أكلها حتى يتأخر تنشيط القدرات الجنسية لديهما. ونقول لهما الزوجين لأن الله تعالى خاطبهما به كما قرأناها في الآية التالية من سورة طه: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117). الزوجية عند الله تعالى لا تعني الجنس كما أن النكاح لا يعني ذلك أيضا. فآدم وحواء كانا زوجين دون أن يتعلما ما ووري عنهما من سوآتهما.

فأظن بأن الرحمن نقلهما من البلد الأمين مكة إلى طور سينين ليصونهما من الالتقاء الجنسي قبل أن يأذن لهما ربهما. وقد حفظهما في مكان مسور بالعنب احتمالا ولذلك سماه الجنة ليبعد عنهما رؤية الحركات الجنسية عند الحيوانات. ولم يكتف سبحانه بذلك بل منعهما من أكل ما يحرك الجنس حتى لا يتعلما الفائدة الثانية للآلتين الجنسيتين لديهما. ذلك ما ووري عنهما من سوآتهما. بقيا يظنان بأنهما للتبول حتى أكلا من الزيتون. ولا يخفى بأن الشجرة الممنوعة في القرآن هي الزيتون كما أظن باعتبار سورة التين. فأقسم الله تعالى بالتين والزيتون هما شجرتان تنبتان في طور سيناء ولا تنبتان في مكة.

وقد سمعت أحد العلماء الكبار وهو أخونا الدكتور شحرور يتحدث عن الزيتون ويفسر الآية التالية بشكل آخر وهي في سورة المؤمنون: فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ (20). فقال بأن الدهن جمع الدهناء وبأن الزيتون تنبت بالدهناء وبأنه مانع للسرطان باعتبار أن السرطان يأكل الخلية كما أتذكر ولعله قال شيئا آخر غير الخلية. وأظن بأن سيادته لم يكن موفقا في ذلك التفسير الغريب.

فلم نسمع بأن جمع الدهناء دهن. كما أن الدهناء وتعني الفلاة أو الصحراء الواسعة ليست منبتا للزيتون وكذلك الدهناء في نجد فهي قليلة الماء إن لم نقل معدومة. والآكلين هو جمع المذكر السالم ولم نجد عربيا يستعمل الجمع المذكر السالم لغير المدركين. وصبغ للآكلين لا يعني قاتلا للآكلين الذين هم الخلايا السرطانية حسب تفسير أخينا الفاضل الدكتور شحرور. فالمقولة خطأ قطعا ولا نلوم سيادته فله من الصواب ما يطغى على بعض الهفوات لديه. ندعو له ولنا جميعا بالمزيد من عطايا ربنا العلمية.

والزيتون فعلا هي الشجرة التي تخرج من طور سيناء ولعل منتبها الأصلي هناك وهي تنبت بالدهن باعتبار أن الدهن يعني ما يدهن به من زيت ولو كان مائعا، وصبغٍ للآكلين يعني بأن الآكلين يصبغون به طعامهم كإدام وليستفيدوا منه ومن خواصه الكثيرة احتمالا. فصبغٍ بتقدير الباء يعني بصبغ. ولعل أحسن أنواع الزيتون العربي تنبت في فلسطين وسوريا التي نبت فيها أخونا الفاضل الدكتور شحرور حفظه الله تعالى.

اللباس المنزوع:

ظن الكثيرون من أتباع الديانات السماوية الثلاث بأن آدم وزوجه كانا لابسين سروالين تغطي عورتيهما وحينما أكلا من الشجرة الممنوعة سقط السروال. هذا شيء مضحك فعلا. لم يكن هناك سراويل ولا ملابس ولاما تغطي العورة آنذاك. وبالنسبة لنا نحن المسلمين فإن الله تعالى وضح معنى اللباس في الآية الكريمة من سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27).

فاللباس الذي نزعه الشيطان هو لباس التقوى وليس الملابس الداخلية المعروفة. فسعى الشيطان ليبعدهما عن التقوى فيخالفا أمر ربهما وهكذا يسقط عنهما لباس التقوى فلا يتورعا عن الأكل من الشجرة الممنوعة. كان هدف الشيطان أن يتعرفا على أن آلتي التبول سوأتان يمكن أن يقوما بعمل معيب يشعر معه الإنسان بنوع من الخذلان والخجل وهذا ما حصل لأبوينا الساذجين رحمهما الله تعالى وإيانا. أظن بأن أبوينا الأولين لم يشعرا بأية حاجة لستر العورة لأنهما لم يشعرا بأن الآلتين عورتان إلا بعد أن قاما بالعملية الجنسية. هناك بدآ يفكران في صناعة الملابس. قال تعالى في سورة طه: فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121). وقال مثل ذلك في الأعراف: 22. فهما فكرا في صناعة الملابس وهداهما ربهما كعادته سبحانه ليخصفا على عورتيهما من ورق الجنة.

التبذير:

وههنا مسألة أخرى من الضروري أن نعرفها لنتجنب الخطأ الذي وقع فيه مفسرونا. قال تعالى في سورة الإسراء: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27). فقالوا بأن التبذير هو نوع من الإسراف؛ ولقد حاولت أن أجد في القرآن شيئا عن إسراف الشيطان الواضح لنا في نعم الله تعالى، فلم أجد. لا معنى لأن يقول لنا ربنا بأن المسرفين كانوا إخوان الشياطين دون أن يوضح لنا معنى إسراف الشياطين. ولكن الواقع غير ذلك. فالتبذير لا تعني الإسراف. البذر يعني الحب الذي ننثره في الأرض لتنبت لنا وهو أصل النبات في الواقع. والتبذير هو العودة إلى البذرة الأولى.

هذا ما فعله الشيطان حينما قال لربه كما نقرأ في سورة ص: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76). هذا هو التبذير الذي أتى به الشيطان. قال لربه بأن أصله من الطاقة النارية والطاقة النارية أقوى وأهم من الطين الذي ينطوي على طاقة محدودة. عاد الشيطان إلى بذرته الأولى فهو الآن ليس نارا بل هو مصنوع من النار وقد عاد إلى أصله ليقول بأنه خير من آدم باعتبار الأصل الطاقوي لكيانه. وهذا ما منع الله تعالى رسولنا من أن تفوته ملاحظة المسكنة والفقر والحاجة لدى المساكين وابن السبيل كما ينظر إلى الحاجة لدى الأقارب. حرم الله تعالى عليه أن يفضل أهله على الغير لأن الأصل في الصدقات أن تُعطى لمن يحتاج لسد حاجته ولا يجوز تفضيل أحد على أحد باعتبارات عائلية. لو فعلنا ذلك فنحن إخوان الشياطين الذين فضلوا أنفسهم على البشر باعتبار أصلهم الطاقوي والعلم عند المولى عز اسمه.

جنة آدم وزوجه ليست جنات عدن:

وأما قول عامة المفسرين بمن فيهم غير المسلمين من أصحاب الديانتين الكتابيتين بأن الجنة هي جنات عدن وقول بعضهم بأنها الجنة التي وعد المتقون وبأنَّ اهبطوا منها جميعا يعني بأنه تعالى أهبطهم إلى الأرض فهي تمثل مجموعة متناقضات بعيدة عن الحقيقة. فكيف للشيطان أن يدخل الجنة التي وعد الله المتقين بها. وقال بعضهم بأن الشيطان دخل الجنة عن طريق ثعبان، فكيف تأتى للشيطان أن يمر على الملائكة وهو داخل ثعبان أو ألا يراه الله تعالى لأنه كان مختفيا في كيان الثعبان؟  وهل جنات عدن مكان للثعابين والحيوانات السامة الخطيرة؟

ولماذا يخلق الله الجنة قبل انتهاء عالم الدنيا؟ وبالنسبة للمسلمين فإن الآخرة لم تخلق بعد وجنات عدن هي في الآخرة وليست في الدنيا كما يظن بعض أهل الكتاب. قال تعالى في سورة العنكبوت: قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20). وقال تعالى في سورة النحل: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ (31). فالجنات التي وعد الرحمن عباده بالغيب غير مخلوقة بعد؛ وما ذكروه في حكاية المعراج فالمعراج من أساسه كذب وافتراء ولا حقيقة له.

المهم أن آدم وزوجه تعلما العملية الجنسية وخدعهما الشيطان ليريهما ما أخفاه الله تعالى عنهما من سوأتيهما فأخرجهما من جنة الحماية والحصانة كما أخرجهما من بستان مادي محصن بالشجر في طور سيناء فانتشرا وانتشر معهما أولادهما في الأرض. وهل عادا إلى مكة؟ ليس بيدي الآن أي دليل قرآني بأنهما عادا إلى مكة بل خرجا من المكان المخصص وجابا الأرض كما يريدان احتمالا.

مكة قبلة المسلمين:

ونقصد بالمسلمين كل من أسلم وجهه لله تعالى وترك اتباع الآباء والأسلاف ونسي مصالح أسرته وأهله وبني جلدته وبني وطنه وبني لغته جميعا في سبيل إرضاء الله تعالى، كل بقدر ما يستعد للتضحية في سبيل الحقيقة. فكل من لم يترك الإسلام الوراثي مشمول بقدر ما يضحي طبعا. وكل من آمن بالله تعالى إيمانا حقيقيا واستعد للتضحية في سبيله فهو مسلم أيضا ولو لم يكن مسلما تقليديا مثلنا. قال تعالى في سورة البقرة: سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145).

يتضح من الآيات الكريمة لكل ذي بصيرة بأن الحكاية المعروفة بين المسلمين بأن المسلمين الأوائل كانوا يتوجهون إلى المسجد الحرام قبلة لهم في صلواتهم. وحينما هاجروا إلى المدينة أُمروا ليتوجهوا باتجاه بيت المقدس. ثم عيرهم اليهود والنصارى فشق ذلك على الرسول فأعاد الله وجهته إلى القبلة السابقة وهي المسجد الحرام أو مكة؛ كلها حكاية صحيحة بغلبة الظن. فما هي قصة القبلة؟ لو كانت القبلة حقيقة تعني الكعبة أو المسجد الحرام فكيف أمر الله تعالى المسلمين الذين كانوا يتوجهون إلى المسجد الحرام ليولوا وجوههم قِبَل القدس؟ وهل مكة أفضل من القدس أم العكس؟

إن مجرد تحويل المسلمين وجوههم تجاه القدس بأمر الله تعالى دليل واضح على أن القدس أطهر وأشرف عند الله تعالى من مكة. ولو كان للقبلة أهمية كبرى عدا توحيد وجوه المصلين باتجاه واحد لما سمح الله تعالى للمسلمين أن يعودوا بوجوههم تجاه المسجد الحرام تاركين المكان الأطهر والأشرف. فما هو الفرق بين المقدس والمحرم؟ يصر القرآن الكريم على أن مكة محرمة كما يصر على أن القدس وطور سيناء مقدستان. لا يوجد في القرآن توصيف لمكة بالتقديس ولا للقدس والوادي الخاص بطور سيناء بالتحريم. فلنميز بداية الفرق بين المقدس والمحرم.

المحرم والمقدس:

المحرم تعني المكان أو الشخص الذي حرم الله تعالى مسه بأذى أو بتخريب أو بإزالة وإفناء. فالله تعالى حرم قتل النفس الإنسانية فهي هكذا بغض النظر عن الدين واللغة والقومية ومكان العيش إلا إذا استثنى الله تعالى نفسُه شخصا أو أشخاص موصوفين. إن الذي حرم هو الله تعالى فلا يحق لأحد غيره أن يستثني إطلاقا. ولذلك لم نر الرسول عليه السلام يبادر بحرب قبل أن يأتيه أمر من ربه ومثله كل رسل الله عليهم السلام. هذا ما نعرفه من كتاب الله تعالى ولا عبرة بالكتب البشرية إطلاقا. وقد حرم الله تعالى مكة كاملة وسماها البلد الحرام فلا يجوز مس مكة بأذى ولا يجوز تغيير معالمها الأساسية ولا نقل أي شيء ثابت منها مثل التراب وما تحت التراب والصخور وغير ذلك خارج مكة. المحرم هو ما يقابل الكلمة الإنجليزية Listed. والكلمة تُستعمل لكل الأماكن والمدن الأثرية التي تنطوي على آثار إنسانية معترف بها دوليا. فالله تعالى حرم مكة لأنها تنطوي على آثار خلقية كبرى حينما كانت مكة ورشة عمل رب العالمين لخلق الإنسان والأنعام الثلاثة الصغيرة.

وأما التقديس فهي تعني التطهير الكامل. ونحن لا نسمي الله تعالى مقدسا بل هو قدوس. فالله تعالى لم يتعرض لأي تقديس إذ لا يمكن تقديس كيانه القدوس الذي لا يشوبه شيء أبدا. هو بسيط ولا تركيب في كيانه فهو أحد فعلا. وهو سبحانه لم يسم أيا من البشر مقدسا ولم يسم أيا من أماكن الأرض مقدسة عدا الوادي المقدس في طور سيناء ومدينة القدس المعروفة التي سماها الله تعالى “الأرض المقدسة”. ليس في الأرض إنسان مقدس ولا أرض مقدسة ولا قبر مقدس عدا المكانين السابقين وكلما يقولونه عن التقديس تمثل أقوالا بشرية سخيفة تدل على جهل القائلين فقط.

وقد سمى الله تعالى جبريل بالروح القدس باعتباره الكائن القادر على حمل الطاقة الربوبية المسماة بالروح كما أظن. ولم يسم الملائكة بالمقدسين. بل اعتبرهم مقربين إليه وتقربهم كما أظن تقرب معرفي فحسب. حتى بعض أصحاب اليمين الذين سماهم الله تعالى بالمقربين في القرآن فهم بعد الموت يصيرون مؤهلين للمعرفة الأكثر دقة لربهم تماما مثل الملائكة. فالقدوس هو الله تعالى وحده وهو وحده الذي يقدس من وما يشاء. وقد عرفنا من حكاية موسى أنه سبحانه تجلى له على شكل نار فتقدس الوادي العظيم بنور الله تعالى. وللذين يعلمون أكثر من غيرهم عن الطاقات المشعة فإن تجلي الله تعالى في ذلك المكان أدى إلى احتراق الكثير مما خفي في أعماق تلك الأرض فصارت مقدسة بذلك الاعتبار.

وتؤيد ادعائي حكاية الإسراء وحكاية تجلي الله تعالى مرتين لنبينا. فالله سبحانه نقل الرسول من مكة إلى المسجد الأقصا داخل القدس ليريه من آياته الكبرى. وآياته تمثل تجلياته النورية للرسول. فلم يكن من الممكن أن يتجلى الله تعالى بنوره النفاذ لنبينا في مكة لأن في ذلك إحراقا للآثار الكبرى الموجودة أسفل أرض مكة والخاصة بخلق الإنسان والأنعام الثلاثة. وهذا هو السر في تفضيل القدس على مكة بظني. إنها تعرضت للتجليات الربانية الكبرى ومكة لم تتعرض لذلك إطلاقا والعلم عند المولى عز شأنه.

فالسر في عدم تقديس البشر أيضا هو أن الكيانات البشرية بطبيعتها كيانات مادية كثيفة لا يمكن أن تتعرض للتقديس إطلاقا. كيف يطهرنا ربنا وبطوننا مليئة بالقذارات وقلوبنا مليئة بالدم وبالمواد غير الخالصة الأخرى؟

وبعد هذه المقدمات أظن بأننا أصبحنا مستعدين لنتعرف على معنى الحج وسنبدأ في الفصل القادم والأخير عن موضوع الحج ببيان أهمية الإعلام في القرآن الكريم كما سأفصل الحديث عن بعض آيات سورة الحج وهي سورة إعلامية في الكتاب العظيم.

انتهى الفصل الثاني من أصل ثلاثة فصول حول أهمية الحج.

أحمد المُهري

1/11/2017

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.