دعوة الى تجريم الدعوة الى القتل

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

 

دعوة إلى تجريم الدعوة إلى القتل

 

 KILL.jpg

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كل إنسان لا يحاربك فقد ألقى إليك السلام وكل إنسان يحاربك فقد ألقى إليك الحرب. إلقاء السلام يصدق بالعيش المسالم ولا يصدق بقول: السلام عليكم. فما أكثر من يسلم عليك ويضمر البغضاء. قال تعالى في سورة النساء: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94). كل من يلقي إلينا السلام فالأصل بأنه مؤمن. ذلك لأننا لا نعلم بأنه غير مؤمن قبل أن يقوم بمحاربتنا. وكل من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها.

 

المؤمن لا يعني المعروف بالمسلم فالله تعالى يقول في سورة المائدة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69). تعبير الذين آمنوا في القرآن عادة يعني صحابة الرسول عليه السلام الذين آمنوا به، وأما جملة من آمن بالله يشمل كل المؤمنين سواء الصحابة أو المسلمين أو غيرهم من الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية الذين يؤمنون بالله. وبما أن المؤمن لا يحمل على وجهه علامة خاصة بأنه يؤمن بالله تعالى فكل البشر مؤمنون بالإصالة وبعدم ظهور الكفر على وجوههم. حتى الذي رأيناه بالأمس متجاهرا بالكفر فلا يمكن أن نحكم عليه اليوم بأنه لا زال كافرا، فقد يصبح الإنسان مؤمنا في أية لحظة. كان كبار صحابة نبينا مشركين يوما ثم آمنوا في اليوم التالي. وبعضهم كان مشركا في الصباح ثم آمن قبل الظهر وبعضهم أراد أن يقتل الصابئي محمد (عليه السلام) وبعد ساعات أصبح من خيرة المؤمنين.  وأما تكملة الآية 69 أعلاه من بعد (مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) فهو للتفريق بن الذين يمنحهم الله تعالى الأمان بعد الموت والذين لا يمنحهم ولا علاقة للجملة الكريمة بتعاملنا نحن معهم. فهناك من آمن بالله من الصابئين والنصارى واليهود وكذلك من المسلمين. ذلك لأن بعض المسلمين مسلمون بالوراثة أو بالتظاهر مثل المنافقين. فكل من آمن بالله فهو محترم ولا يجوز أن نقول له بأنه ليس مؤمنا. أما الذين أضافوا إلى إيمانهم بالله، الإيمانَ باليوم الآخر وعملوا الصالحات فهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الحياة الأبدية.

 

فالآية الكريمة رقم 94 من سورة النساء لا تعني بأن الذين آمنوا أو لم يظهر منهم الكفر فدمهم ومالهم محرم فقط، بل تعني بأن الذين آمنوا من المسلمين والصابئين والنصارى فهم في أمان من أن يمسهم أحد بلسانه أويده. أما حرمة المال والدم فهي عامة لكل إنسان. قال تعالى في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33). هذه الآية تحرم قتل النفس الإنسانية كائنا من كان كما أنها تحدد جواز قتل الإنسان بالذي قتل إنسانا ظلما وذلك على يد صاحب الدم وعلى أساس نفس مقابل نفس دون إسراف.  وأما حرمة أموال الناس فقد قال سبحانه في سورة البقرة: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188).

 

فأنا أضم صوتي إلى صوت أخي الكريم الأستاذ الدكتور كمال شاهين بضرورة التصدي لرجال الدين في الأزهر وغير الأزهر الذين يبيحون القتل والسرقة باسم الإسلام. إنهم يستعملون أشرف سمة لدينا لإباحة أعظم الكبائر. على الحكومات والبرلمانات أن تتصدى لهؤلاء الشيوخ الذين ضلوا وأضلوا غيرهم. وليعلم كل الذين يدعون إلى الكراهية من شيوخ السنة والشيعة وشيوخ الوهابية وشيوخ طالبان وشيوخ الصوفية والزيدية وكل من يدعو إلى كراهية الإنسان بأنهم هم المشركون حقا. نحن نحترم الشيوخ الطيبين من كل المذاهب الذين يدعون إلى العدل والإحسان والمحبة فهم ليسوا مشركين وعلى الأمة أن تتبع أمثالهم وتترك دعاة الشر. وليعلم أولئك الشيوخ الفاسدون بأن الله تعالى وعدهم وأمثالهم عذاب الحريق. وعذاب الحريق هو غير عذاب النار. إنه عذاب اليأس والقنوط يوم القيامة حيث يرى الذين قاموا بتضليل الناس بأن الله والملائكة والناس جميعا يلعنونهم.

 

قال تعالى في سورة الحج: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِّلْعَبِيدِ (10). ثاني عطفه إشارة إلى ما يخدعون به البسطاء بملابسهم. وقال تعالى في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (162).

فعذاب الطرد واللعن هو العذاب الذي لا يخفف فيعذب الإنسان دائما وأبدا وهو عذاب الحريق. وأما عذاب الصلي بالنار فهو يخفف أحيانا حتى لا تتعود أجسام المجرمين عليه. وإن ظن أولئك الذين يظنون في أنفسهم العلم بأنهم سوف يتشبثون بالبخاري والكليني وغيرهم من المحدثين فهو ظن باطل. الكتاب المنير هو الكتاب السماوي وليس صحيح البخاري ومسلم والكافي والاستبصار. والعلم هو الكلية التي تتوصل إليها البشرية عن طريق التجربة أو عن طريق الوحي السماوي والهدى محصور في الله تعالى. قال تعالى في سورة آل عمران مخاطبا نبينا الأمين: وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73).

 

وأما اتهامي إياهم بالشرك فلأن الله تعالى وحده الذي يحق له أن يميت لأنه هو الذي يمنح الحياة فإذا استعاد أمانة الحياة وهو حق خاص به سبحانه فإن الإنسان يموت. فمَن مِن الناس دعا إلى الموت أو قتل أحدا فهو منتحل لصفة ربوبية محرمة على غير الله تعالى. ولنعلم بأن الله تعالى في واقع الأمر لا يميت أحدا ميتة كاملة بل ينقله من عالم إلى عالم آخر. ولكننا نحن الذين نميتهم لأننا عاجزون عن أن ننقل أحدا إلى عالم لا سلطة لنا فيه. مثال الله تعالى مثال الجراح الذي يستعمل السكين ليصلح عضوا أو يغير عضوا ولكن غير الله تعالى فهو يستعمل آلة القتل للقتل فقط.

 

وأما فرض الإيمان على أحد فهو محرم قطعا ولا يجوز ذلك حتى للرسل. قال تعالى في سورة يونس: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (100). فالإيمان في حقيقته من حق الله أيضا وكل من يكره الناس على الإيمان فهو مشرك لأنه يشرك نفسه بالله تعالى. حتى الذين يفرضون الإيمان على أولادهم فهم مشركون.

 

قال تعالى في سورة النحل مثبتا أمره للمؤمنين جميعا: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90). فهل قتل الناس في الأماكن العامة من الإحسان أم من البغي؟ وهل قتل أي إنسان بدون حكم قضائي مقابل قتله لإنسان آخر من العدل أم من المنكر؟ وهل الأنبياء كانوا يحبون المشركين أم يبغضونهم؟ هل أحب موسى فرعون أم أبغضه وهل أحب محمد أبا جهل أم أبغضه. الذي قدم البغضاء مقابل الحب هو فرعون وأبو جهل والذي قدم الحب للكافرين هو موسى ومحمد عليهما السلام. لو أبغض موسى فرعون وقومه لما آمنت به زوجة فرعون ولا مؤمن آل فرعون ولا القليل الذين آمنوا. ولو أبغض محمد المشركين لما آمن به عمر ولا أبو ذر ولا سلمان ولا ياسر ولا سمية.

 

فليعلم الناس جميعا بأن الذين ينشرون الكراهية فهم أتباع فرعون وأبي جهل وقارون وأبي لهب وليسوا أتباع رسل الحب والسلام عليهم جميعا السلام.

 

أحمد المُهري

14/6/2016 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.