الحكم الاخلاقي لدى الطفل 35

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

G CHILD 8.jpg

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 61

 

 

 

النتائج

إن تحليل الحكم الأخلاقي عند الأطفال قد أدى بالضرورة إلى مناقشة المسائل الكبري الخاصة بالعلاقات القائمة بين الحياة الاجتماعية والإدراك العقلي، وقد كانت النتيجة التي وصلنا إليها أن الاخلاق التي يفرضها المجتمع على الفرد ليست متجانسة لأن المجتمع نفسه ليس شيئًا واحدًا، فالمجتمع هو مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن نميز فيها نوعين على طرفي نقيض هما علاقات القسر التي تتميز بأنها تفرض على الفرد من الخارج نظامًا من القواعد ذات الصفة الإلزامية ثم علاقات التعاون التي تتميز بأنها تخلق داخل عقول الناس إدراكًا للقواعد المثالية التي تقوم وراء كل القواعد. فعلاقات القسر لأنها تنتج من علاقات السلطة والاحترام من جانب واحد فهي تتصف بمعظم ظاهرات المجتمع كما هو وبخاصة العلاقات التي تقوم بين الطفل ومن حوله من الراشدين.  أما علاقات التعاون فنظرًا لأنها تتصف بالموازاة والاحترام المتبادل فإنها على العكس من ذلك تتألف من حدود متوازية أكثر من أن تكون نظامًا إحصائيًا، فالقسر – وهو مصدر الواجب والغيرية – لا يمكن إذن أن يتقلص إلى الخير والذاتية العقلية، فهذه هي ثمار التبادل ولو أن التطور الفعلي لعلاقات القسر يميل لأن يقرب من التعاون.

 

ورغم إرادتنا فى أن نقصر المناقشة حول المشكلة  المرتبطة بعلم نفس الأطفال فإن القارئ لابد أنه ألم بالعلاقة بين هذه النتائج والتحليلات التاريخية والمنطقية الاجتماعية التى قام بها برنزكفيك Brunshvicg ولالند M.Lalande فتقدم الضمير في الفلسفة الغربية قد أصبح حقيقة في غاية الأهمية بالنسبة للحقيقة القائلة بأنه يقوم في التفكير الأوربي قانون لتطور الأحكام الأخلاقية شبيه بالقانون الذى يلاحظ به علم النفس آثار نمو الفرد.  فالدخول في البحوث الفلسفية معناه بكل بساطة زيادة معرفة الآراء السائدة للتفكير التي تدخل في حالات المجتمع نفسه تساعدها.  فما يفعله الفيلسوف ليس هو من يخلق شيئًا جديدًا بقدر ما هو يتأمل في تنقية العقل البشري، ولذلك كان من المهم بمكان أن التحليل النقدي للتاريخ الذي وضعه من جديد برنز كفيك Brunschvicg قد نجح فعلاً في أثناء عرضه لتطور الآراء الفلسفية الغربية في أن يلقي ضوءًا على ذلك النصر التدريجي لقواعد التبادل على قواعد الانقياد الاجتماعي.

 

أما لالاند فإن ما قاله عن “الفساد La Dissolution” وكذلك عن الصفة الاجتماعية للقواعد المنطقية يوضح – أكثر مما توضحه أية دراسة أخرى للموضوع – الثنائية التي تختفي في كلمة “اجتماعي”, فقد ذكر لنا أن هناك مجتمعين – مجتمع قائم أو منظم صفته الثابتة هي القسر الذي يقوم به على عقول الأفراد والمجتمع المثيلي أو التمثلي الذي يتميز بالاتحاد التدريجي بين عقول الناس بعضهم البعض، ولعل القاريء قد لاحظ نفس التمييز الذي لاحظناه بين علاقات السلطة وعلاقة المساواة.

 

حقيقة أن بعض الجدل البسيط الذي أثاره لا لأنه يقف في طريق موافقتنا التامة على آرائه في جملتها إذ لا يبدو لنا من المؤكد مثلاً أن التطور بمعنى التنظيم التدريجي قاصر بالضرورة على مجتمع يقوم على القسر.  فالانتقال من التجانس إلى غير التجانس الذي يتفق فيه لالاند مع سبنسر في اعتباره الدليل على التطور لا يؤدي إلى أي شك في التنوع الاجتماعي.  ولكن هذا النوع هو نوع خاص – كما أشار إلى ذلتك علماء الاجتماع – حالة تعدٍ على الانقياد الذي يرجع إلى القسر، فهو تبعًا لذلك حالة تحرر شخصي.  والمساواة الأخلاقية ليست نتيجة تقدم نمو التجانس على اعتبار أن الاتفاق على معنى هذه الكلمة يمكن الوصول إليه، ولكنه نتيجة حركة وهذه الحركة هي وظيفة التنوع.  وكلما تنوع المجتمع فإنه يسهل على الأعضاء تغيير موقفهم تبعًا لكفايتهم كلما زادت فرص التعاون العقلي والأخلاقي.  ولهذا لا نستطيع أن نعتبر الاتحاد بين العقول – الذى هو عند لالاند القاعدة العظمى – أن نعتبره هو التعاون نفسه. وبدون أن نحاول تقويم هذا “الموجه” ودون أن نحدد أنفسنا بمجرد وصف الحقائق النفسية فإن ما تقوم به أخلاق الخير في نظرنا هو التبادل لا التوحيد.  أما أخلاق الضمير الذاتي فهي لا تميل إلى إخضاع كل شخصية إلى القواعد ذات المضمون المشترك، وكل ما في الموضوع أنها تجبر الأفراد أن  “يضعوا أنفسهم في علاقات تبادلية مع بعضهم البعض تاركة القوانين النظرية الناتجة عن هذا التبادل تقضي على وجهات النظر الفردية”.

 

ولكن ماذا تفعل هذه المتناقضات البسيطة مادام أنه بفضل آراء لالاند قد استطعنا أن نفصل ما يميل علماء الاجتماع إلى أن يخلطوه, وفوق ذلك ما أهمية الآراء التى استعملت في شرح الحقائق ما دامت الطريقة المستخدمة واحدة؟  في بحث لالاند قد حصلنا على مثال لهذا الشيء النادر وهو البحث في تطور القواعد التي درست جيدًا في نطاق الطريقة النفسية الاجتماعية.  وقد استطاع هذا المنطق العظيم – دون أن يهمل بأي حال ما تتطلبه المعقولية – أن يميز في التمثيل العقلي والأخلاقي عمليات تسمح بقيام تحليل المعنى الذي يقصده علم النفس الاجتماعي، وهي فى الوقت نفسه تتضمن – عن طريق     “اتجاهها” نفسه – قيام قواعد مثالية حالة في الروح البشرية.

 

واتفاق نتائجنا مع نتائج التحليل النقدي التاريخى والاجتماعي المنطقي يؤدي بنا إلى النقطة الثابتة ألا وهى التطابق القائم بين النمو الأخلاقي والعقلي؛ فكل إنسان يدرك العلاقة الوثيقة بين القواعد المنطقية والاخلاقية، فالمنطق هو أخلاق التفكير، كما أن الأخلاق هي منطق العمل.  وتكاد النظريات المعاصرة كلها أن تتفق على إدراك قيام هذا التطابق – من النظرية البديهية التي تعتبر العقل الخالص هو الحكم سواء في التفكير النظري أو التصرف العملي حتى النظريات الاجتماعية المتعلقة بالمعرفة والقيم الأخلاقية.  ولذلك فليس من المستغرب بأي حال من الأحوال أن تحليل تفكير الأطفال يضع مقدمًا بعض نواحٍ معينة لهذه الظاهرة العامة (1).

 

وقد يستطيع الإنسان فى البداية أن يقول إنه لا القواعد المنطقية ولا القواعد الأخلاقية نظرية في عقول الفرد.  قد تستطيع بلا شك أن تجد – حتى قبل اللغة – كل عناصر المعقولية والأخلاق، وهكذا نجد أن الذكاء الحسي قد يؤدي إلى ظهور عملية تمثيل وتركيب لا يصعب فيها أن نرى المكافئ الوظيفي لمنطق الطبقات والعلاقات.  وبالمثل فإن سلوك الطفل نحو الأشخاص يدل على وجود أدلة من أول الأمور لتلك الميول والاستجابات التي يسهل على الإنسان أن يري فيها المادة الخام لكل سلوك أخلاقي تال.  ولكن العمل الذكائي لا يمكن أن نسميه منطقيًا ولا دافعًا أخلاقيًا خيرًا إلا منذ اللحظة التي تبدأ قواعد معينة أن تطبع تركيبًا وقواعد للتوازن على هذه المادة.  فالمنطق لا يتفق سعة مع الذكاء ولكنه يتألف من المجموع الكلي لقواعد الضبط التي يستخدمها الذكاء لتوجيهه هو.  والأخلاق تقوم بنفس الدور بالنسبة للحياة الوجدانية.  هذا وليس هناك ما يسمح لنا أن نؤكد قيام مثل هذه القواعد في السلوك قبل الاجتماعي الذي يحدث قبل ظهور اللغة.  فالضبط الخاص بالذكاء الحسي الحركى ذو أصل خارجي فهو نفس الأشياء التي تلزم الكائن الحي أن يختار الخطوات التى يقوم بها.   أما النشاط العقلي الأصلي فهو ينشط في البحث عن الحقيقة.  وبالمثل فإن الأشخاص الخارجين عن الطفل هم الذين يركزون الوجدانات الأولية عنده؛ إذ أن هذه الوجدانات لا تميل لتنظيم نفسها من الداخل.

 

 

 

 

 

 

(1)       ولقد عرضنا هذه النقطة فى المؤتمر الدولى التابع لعلم النفس الذى عقد فى نيوهافن (بالولايات المتحدة ) انظر ص 339

Ninth International longerss Psychology , proceedings and papcrs

>>>>>>>>>>>>>

الحكم الأخلاقي لدى الطفل    – 62

وليس معنى هذا أن كل شيء فى النظرية البديهية يجب رفضه . إن هذه النظرية لم تظهر في شكل مركب فطري جاهز وإنما هي عنصر اضطراري وروابط ضرورية تفرض نفسها قليلاً كلما تقدم التطور.  لذلك فإنه في النهاية – لا عند البداية –  يصبح العقل مدركًا للقوانين الحالة فيه.  مع ذلك, فإنه لكي نتكلم عن تطور موجه وتقدم نحو مثل أعلى ضروري لابد أن نسلم أن هناك شيء يعمل من أول الأمر في اتجاه هذا التطور.  ولكن أي شكل يتخذه هذا “الشيء”؟  هل يتخذ شكلاً مركبًا ينظم بطريق مباشر محتويات الشعور؟  أم شكلاً قانونيًا وظيفيًا لتوازن لا شعوري لأن العقل لم يصل بعد إلى هذا التوازن وهو لا يتضح إلا فى التركيبات التي تظهر فيما بعد ومن خلالها؟   ليس هناك أي شك في الإجابة, فهناك في العمليات الوظيفية للإحساس الحركي اتجاه نحو المطابقة والتنظيم.  لذلك فإنه بجانب عدم المطابقة  الذي يميّز الخطوات المتتالية التي يقوم بها الذكاء الأولي فلابد أن يكون هناك توازن مثالي لا يمكن أن نعتبره مركبًا ولكنه داخل في الوظيفة القائمة، وهذه هي البديهة فهي ليست قاعدة يمكن أن تشتق منها الأعمال المحسوسة، وليست مركبًا يمكن أن يدركه العقل، ولكنها مجموعة كلية لعلاقات وظيفية شاملة للتمييز بين الحالات القائمة لعدم التوازن وحالة التوازن المثالية التي لم تستوعب بعد، فكيف إذن يمكن أن يستخرج العقل قواعد بالمعنى الصحيح من هذا التوازن الوظيفي؟ إنه يكون مركبات عن طريق تحقيق الذات المناسب.  وللتأكد من أن التنقيب الوظيفي عن التنظيم الذي يعرضه النشاط الحسي الحركي الأصلي والنشاط الوجداني قد يؤدي إلى قيام قواعد للتنظيم خالصة على حد قولهم فإنه يكفي أن يصبح العقل مدركًا لهذا التنقيب وللقوانين التي تحكمه، وبذلك يمكن أن نترجم في شكل تركيب كل ما قد كان حتى الآن وظيفة ولا شيء سواها، ولكن إدخال هذا الشعور ليس عملية بسيطة بل هو مرتبط بمجموعة كاملة من الحالات النفسية.  فهنا لا يستغني البحث النفسي الاجتماعي عن نظرية القواعد، كما لاحظ قيام المطابقة بين التكوين المنطقي وتكوين الشعور الأخلاقي.

 

ويلاحظ أولاً أن الفرد يعجز عن القيام بتحقيق ذاته بنفسه، وبالتالي لا يستطيع بطريق ؤمباشر أن ينجح في وضع قواعد خاصة على حد قولهم.  فالعقل بهذا المعنى من ناحيته المزدوجة المنطقية والأخلقية هو نتيجة جماعية، وليس معنى ذلك أن المجتمع قد استخلص المعقولية من الفضاء، ولا أنه لا توجد روح إنسانية تسمو فوق المجتمع لأنها تقوم في داخل الفرد والجماعة معًا، وإنما معناه أن الحياة الاجتماعية ضرورية لإدراك الفرد لوظيفة عقله هو، وبذلك يستطيع أن يحول إلى قواعد خالصة التوازن الوظيفي البسيط الحال في كل نشاط عقلي بل ضرورى للحياة.  إن الفرد إذا ترك بقي مركزي الذات، ونقصد بذلك أن العقل في البداية – أي قبل أن يصبح قادرًا على الفصل بين ما ينتمي إلى القوانين الموضوعية وما يتصل بمجموعة الحالات الشخصية – يخلط نفسه بالكون وكذلك الفرد فهو يبدأ فيفهم كل شيء داخل الوسط الذي فيه نفسه قبل أن يميز بين ما ينتمي إلى الأشياء والناس الآخرين وبين ما هو نتيجة قواه العقلية والوجدانية.  إذن فالفرد في هذا المستوى لا يمكن أن يدرك تفكيره الخاص مادام الشعور بالذات يتضمن مقارنة مستمرة بين الذات والناس الآخرين.  وعلى هذا فإن مركزية الذات من الناحية المنطقية يبدو أنها تتضمن نوعًا من التناقض بحيث إن العاطفية أحيانا قد تتغلب على الموضوعية، وأحيانا تكون العلاقات الناتجة من النشاط الشخصي أقوى من العلاقات المستقلة عن الذات.  ومن الناحية الأخلاقية نجد أن مركزية الذات تتضمن نوعًا من الشذوذ بحيث إن الحنو وعدم الاهتمام يسيران جنبًا إلى جنب مع الأنانية، ومع ذلك فإن الطفل لا يفضل من تلقاء نفسه حالة على حالة.  فكما أن الآراء تبدو أول الأمر في شكل عقائد لا في شكل نظريات تحتاج إلى تحقيق، فكذلك الإحساسات التي تظهر في إدراك الطفل تبدو له من أول الأمر ذات قيمة.  وهذا التناقض العقلي والوجداني لا يؤدي تدريجيًا إلى الإذعان لضغط القوانين المنطقية الجماعية والأخلاقية إلا عن طريق الاتصالات بأحكام الآخرين وتقويماتهم.

 

من جهة أخرى فإن علاقات القسر والاحترام من جانب واحد التي تقوم تلقائيًا بين الطفل والراشد تؤدي إلى تكوين النوع الأول من أنواع الضبط المنطقي والأخلاقي ولكن هذا الضبط لا يكفي بنفسه لتقليل مركزية الذات عند الطفل.  ومن الناحية العقلية، فإن هذا الاحترام الذي يقوم به الطفل نحو الراشد يؤدي إلى ظهور “بداية” فكرة الحق، فالطفل يتوقف عن تثبيت ما كان يثبته من قبل ويأخذ بفكرة من حوله. وهذا يؤدي إلى ظهور القدرة على التمييز بين الحق والباطل.  فبعض الآراء تبدو حقيقية وبعضها كذلك.  ولكن مما لا يحتاج إلى دليل أن هذا التمييز يشير إلى تقدم هام لو قورن بالتناقض في التفكير مركزى الذات، وهو لا يقل من ناحية عدم المعقولية، بل إن العقل يجب أن يتخذ خطوات إيجابية للحصول على هذه المضمونات ويجب أن يكون العقل في مركز يمكنه من ضبط الاتفاق أو عدم الاتفاق بين هذه العبارات والحقيقة.  أما في الحالة التي نتناولها بالمناقشة الآن فإن العقل لا يزال بعيدًا عن هذه الذاتية؛ فالحق معناه أي شيء ينطبق على ما يتفوه به الراشد من ألفاظ.  فسواء أكان الطفل نفسه قد اكتشف القضايا التي يطلب من الراشد أن يؤيدها بسلطانه أم أنه يكتفي بتكرار ما يقوله الراشد ففي كلتا الحالتين فإن هناك قسرًا عقليًا ألقى على عاتق الأدني من الأعلى فهو لذلك غيري.  على هذا, فإن الخضوع بعيد عن مصدر ضغط مركزية الذات الطفولية بل إنه يميل على العكس من ذلك إلى تدعيم العادات الفعلية الخاصة بمركزية الذات.

 

وكما أن الطفل لو ترك وشأنه فإنه يعتقد بكل فكرة تتطرق إلى ذهنه بدلاً من أن يعتبرها نظرية فى حاجة إلى تحقيق، فكذلك الطفل الذي يخضع لكلمة أبويه يؤمن دون مناقشة بكل ما يقال له بدلاً من أن يرى عنصر عدم التأكيد في رأي الراشد ويبحث عن الحقيقة، فالسرور في الخير الذاتي قد حل محله بكل بساطة السرور في الخير الصادر من سلطة عليا.  ومما لا شك فيه أن هناك تقدمًا ما دام هذا الانتقال قد عود العقل على أن يبحث عن حقيقة  مشتركة، ولكن هذا التقدم يزداد خطره إذا لم تنقد السلطة العليا بدورها عن طريق الفعل.   إذن, فالنقد وليد الجدل, والجدل لا يمكن قيامه إلا بين الأنداد، وإذن فالتعاون وحده هو الذى يتم ما أخفق القسر العقلي في إتمامه.  والواقع أن عندنا مناسبات كثيرة ومستمرة في مدارسنا لملاحظة المؤثرات المركبة من القسر ومركزية الذات العقلية.  فمثلاً ما هي “اللفظية” إن لم تكن هي الوصلة الناتجة عن السلطة الشفوية والتوفيق بين الآراء المتناقضة الخاصة بلغة الطفل مركزى الذات؟   باختصار, فإنه لكي تجعل الطفل اجتماعيًا حقيقة فإن التعاون ضروري إذ أنه وحده هو الذي يستطيع أن ينجح في تخليصه من القوة الغامضة لألفاظ الراشد.

 

والشئ المماثل تماماً لهذه الاكتشافات عن القسر العقلي يمكن ان تجده في الملاحظات عن آثار القسر الأخلاقي الذى يتضمنه هذا الكتاب، فكما أن الطفل يعتقد في علم الراشد بكل ما أمر فإنه أيضًا يؤمن بلا جدال في القيمة الأخلاقية للأوامر التي تصدر إليه.  وهذه النتيجة للاحترام من جانب واحد ذات قيمة عملية لأنه عن هذا الطريق  يمكن أن يتكون إحساس بدائي عن الواجب، كما يمكن أن تتكون القاعدة الأولي للضبط التى يستطيعها الطفل.  ولكن يبدو لنا أن الوصول إلى هذا لا يكفي لتكوين أخلاق حقيقية؛ فالسلوك لكي يكون أخلاقيًا فإنه يجب أن يكون هناك شئ أكثر من اتفاق خارجي بين مضمونه والقواعد المقبولة إذ يتطلب أيضًا أن يتجه العقل نحو الأخلاق كما يتجه نحو الخير الذاتى وأن يكون قادرًا على تقدير قيمة القواعد المقترحة عليه.  والآن في حالة الموضوع الذي نناقشه نجد أن الخير هو ما يتطابق مع القواعد الغيرية.  هذا والقسر الأخلاقي – كما هي الحال في النمو العقلي – نجد له أثراُ في التماسك الجزئي للعادات الخاصة بمركزية الذات وحتى حين يكون سلوك الطفل ليس محاولة دقيقة لإخفاء ميوله الفردية وراء لفظ القانون فإن الإنسان يستطيـع أن يلاحظ (كما كان لدينا فرص في لعبة الكرات) مزيجًا غريباً من احترام القانون والشذوذ في تطبيقه. فالقانون مازال خارجيًا بالنسبة للعقل، ولذلك لا يمكن أن يتحول بوساطته.  أكثر من ذلك فإن الطفل – نظرًا لأنه يعتبر الراشد مصدر القانون – فهو يكتفي بأن يرفع إرادة الراشد إلى مستوى الخير الأسمي بعد أن يكون قد سبق له أن وفق هذا المستوى مع الأوامر المختلفة لرغباته الخاصة.  وقد حدث تقدم من غير شك ولكنه أيضًا تقدم مقيد بنتائج مشكوك فيها ما دام التعاون لم يأتِ ويضع قواعد مستقلة بدرجة كافية عن الخضوع حتى للاحترام الذي يعزو إلى الراشد هذا المثل الأعلى الداخلي.  والواقع أنه طالما أن الاحترام من جانب واحد هو الذي يعمل وحده فإنا نرى واقعية أخلاقية نامية وهذه تقابل “اللفظية الواقعية”.  وهي تعتمد من ناحية علي خارجية القواعد, ومثل هذه الواقعية تظل أيضًا قائمة عن طريق الأشكال الأخرى للواقعية الخاصة بعقلية الطفل مركزية الذات.  والتعاون وحده هو الذي يستطيع أن يصحح هذا الاتجاه. وهكذا تبين لنا أنه يلعب دورًا حرًا وتركيبيًا في ميدان الأخلاق وفي حالات الذكاء.

 

#كمال_شاهين

#تطويرالفقهالاسلامي

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.