الدماغ الانثوي

دماغنا ودماغهن …. متساويان ولكن مختلفان!

FAMALE BRAIN.jpg

مقال  منقول من صفحة الكاتب #حسين_الوادعي :

……………..
الجدل حول الفروق بين الرجل والمرأة لا ينتهي. فهل يستطيع العلم تقديم أجوبة مقنعة؟
لنتذكر الحقائق البسيطة التالية:

– أكثر من 99% من جينات الرجل والمرأة متشابهة، وأقل من 1% مختلف. وهذه النسبة الضئيلة هي المسؤولة عن الفروق الذهنية والسلوكية والعاطفية بين الجنسين.
– رغم ان دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة بنسبة 99%، إلا أن دماغ المرأة يحتوي على نفس عدد الخلايا، والفرق بينهما كالفرق بين سيارتين إحداهما أصغر من الأخرى قليلا لكنهما يحملان نفس المواصفات والقدرات.
– للمرأة والرجل نفس متوسط الذكاء. ولم يثبت أبدا وجود أي فروق ملحوظة في معدل الذكاء حسب الجنس.
لكن الدراسات الحديثة حملت مفاجئات قد تثير حفيظة المحافظين والليبراليين النسويين معا.

وساعتمد هنا على كتاب “Female Brain” لمؤلفته ” Louann Brizndine”

https://www.amazon.com/Female-Brain-Louann-Brizendine/dp/0767920104

FAMALE2.jpg

وهو كتاب أثار معارك ونقاشات لم تنته بعد، وقدم عرضا مثيرا لآخر نتائج ابحاث الدماغ والجهاز العصبي حول الرجل والمرأة. وهو مزود بقائمة مراجع مفصلة لتأكيد مصداقية ما سأطرحه.
النتيجة العامة أن الإختلاف بين الرجل والمرأة ليس في مستوى الذكاء أو القدرات العقلية العامة، ولكنه اختلاف في “الطريقة”. بعبارة أخرى يستطيع عقلا الرجل والمرأة أداء نفس المهام ولكن بطرق وأساليب مختلفة وبسرعات مختلفة أحيانا.
تقول البحوث أن المرأة أكثر قدرة على تذكر الأحداث والتفاصيل الصغيرة، بينما ينسى الرجال أحداثا قريبة ومهمة. وهذا يجعل “شهادتها” أكثر دقة وإحكاما من شهادة الرجل. هذه القدرة تمكنها من التفوق في الوظائف التي تقتضي تركيزا واستيعابا للتفاصيل الدقيقة. وهذا يشمل علوما مثل الفلك والفيزياء وليس فقط مجالات الأزياء والديكور والتربية.
هناك وظائف دماغية أقوى عند المرأة، ووظائف دماغية أقوى عند الرجل.

فالمرأة لديها خلايا عصبية للاستماع أكثر بنسبة 11% من الرجل. بينما عند الرجل خلايا أكثر لمعالجة المشاعر الغريزية مثل الخوف والدفاع عن النفس ورد الفعل السريع.
إذا فكرنا في الوظائف الدبلوماسية فإن المرأة لديها قدرة أكبر على احتواء الصراعات وتخفيفها والاحتفاظ بقدر الإمكان بعلاقات جيدة مع الآخرين (بعبارة أخرى دماغ المرأة دبلوماسي أكثر). بينما للرجل قدرات أكبر على وضع الحلول واستكشاف البدائل للمشاكل المطروحة ( دماغ الرجل براغماتي سياسي اكثر).
وعندما نقول ان قدرات المرأة الدبلوماسية “أفضل” من الرجل فهذا لا يعني أن الرجل لا يملك قدرات دبلوماسية، فهو يملكها لكنه يمارسها بطريقة مختلفة وسرعة مختلفة.
وعندما نقول أن الرجل أكثر قدرة على طرح الحلول فهذا لا يعني أن المرأة لا تملك هذه القدرة، ولكنه يعني أنها تمارسها بطريقة مختلفة وسرعة مختلفة.

…………………………….
هل المرأة عاطفية والرجل عقلاني؟
المرأة أكثر اهتماما بالعواطف بالتأكيد، لكنها ليست عاطفية (بمعنى ضعف قدراتها على الموازنة العقلية بين الخيارات). صحح أن لدماغ المرأة خلايا اكثر للعواطف والمشاعر، لكن المفاجأة هنا أن الجزء الموجود في الدماغ والمسؤول عن الموازنة بين الخيارات واختيار البديل الأفضل (أو الأقل كلفة) هو أكبر عند المرأة!

وهذا يعني أن المرأة أقل تهورا وأكثر حكمة من الرجل. وعندما استخدم عبارات “أقل” و”اكثر” استخدمها بمعناها النسبي. فالرجل أيضا لديه خلايا فعالة للموازنة بين الخيارات لكنها أصغر من الموجودة عند المرأة. (في قرار الطلاق مثلا ستجد المرأة صعوبة أيضا في اتخاذه لو كان القرار بيدها، وهذا يتنافى مع الحكمة الموروثة من المحافظين التي تضع حق الطلاق في يد الرجل فقط بحجة لا عقلانية المرأة).

وإذا أعدنا النظر في كيفية اتخاذ الجنسين لقرارات الزواج والطلاق مثلا سنتفاجأ أن قرارات المرأة تعتمد على التفكير “العقلاني”، بينما قرارات الرجل تعتمد على خليط من التفكير العقلاني والغريزي. وهذا ما سأشرحه لاحقا نهاية هذا المقال.

شيء آخر يهدد صورة “العقلانية” المثالية التي نعطيها للرجل على حساب المرأة. فالخلايا المسؤولة عن الجنس والعدوان أكبر بمرتين ونصف عند الرجل. وهذا يجعل الرجل أقل قدرة على التحكم في سلوكه عند النزاع والجنس.

هذه النتيجة العلمية تجعلنا نعيد التفكير في جدوى تحجيب المرأة وعزلها وتغطيتها يحجة عدم “استفزاز” السلوك الجنسي عند الرجل. فالذي يستفز الرجل جنسيا عندما يرى المرأة ليس لبسها أو سلوكها ولكنه خلايا دماغه المتضخمة المسؤولة عن التفكير والسلوك الجنسي.
و”الإغراء والفتنة” موجودتان في دماغ الرجل وليس في سلوك المرأة وزينتها. ومهما غطت المرأة نفسها وخفضت صوتها وحجمت سلوكها فإن خلايا الجنس والرغبة في دماغ الرجل تظل متحفزة. أتضح مثلا أن الرجل يفكر في الجنس 3-4 مرات في اليوم على الأقل، مقابل مرة واحجة للمرأة. كما أنه حتى في الحوارات المهنية العادية تكون خلايا الجنس متحفزة عند الرجل،بينما يتعامل دماغ المرأة مع الحوار بشكل طبيعي.
فالرجل هو الأضعف فيما يتعلق بالإغراء وليس المرأة كما يردد المحافظون، والمرأة دائما اكثر قدرة على الحفاظ على نفسها والتحكم في خيالاتها وسلوكياتها الجنسية مهما كانت الظروف.
وقد حلت المجتمعات المتحضرة مشكلة التحفز الجنسي الدائم عند الرجل بالقانون عبر سن قوانين صارمة ضد التحرش وإساءة السلطة والتعدي على المرأة، وكلها كانت كفيلة بكبح جماح الهيجان الذكوري إلى حد كبير. بينما لجأت المجتمعات المحافظة الى حلول مخالفة للعلم وطبيعة دماغ الرجل والمرأة رامية العبء كله على كاهل المرأة دون نتيجة تذكر(في قضايا التحرش الجنسي كانت الضحايا محجبات ومنقبات وكبيرات في السن ومحتشمات، مثلما كان هناك ضحايا جميلات وانيقات و”مغريات”).

…………………………..

يقول العلم أيضا أن النساء أفضل في الإتصال والتعاطف (يرتبط هذا بالوظائف المتعلقة بالتواصل مع الناس من الحكومة الى التربية والسياحة والخدمات). وتفضل النساء الأعمال التي تعتمد على التواصل مع الناس وتكره الاعمال التي تقتضي العزلة والبعد عن الناس. (وهذا سبب عدم نبوغ نساء كثيرات في الرياضيات وهو عائد لعامل عاطفي وليس لعامل ضعف القدرات الحسابية عند المرأة)
هذا الميل النسائي للإختلاط بالآخرين يسلط ضوءا مهمها على خطيئة مجتمعات فصل الرجل عن المرأة ومنع الاختلاط كإجراء مخالف لـ”فطرة” المرأة مهما برروه زورا باسم “الفطرة السليمة”.

…………………………..

ماذا عن أدوار “النوع الإجتماعي” أو “الجندر”.

ربما يغضب النسويون لو عرفوا أن بعض أدوار النوع الاجتماعي “غريزية” وليست مكتسبة عبر التنشئة الاجتماعية. والمثل الأبرز لذلك ميل البنات للعب بالدمى والعرائس، وميل الأولاد للعب بالسيارات والمسدسات. كانت الدراسات النسوية تقول ان هذا ناتج عن التربية والعادة، لكن الدراسات التي اجريت على الإنسان والحيوان وجدت أن ذلك سلوك “شبه غريزي”. (حتى عدما أعطيت الالعاب لمجموعة من القرود اختارت اناث القرود اللعب بالدمى والعرائس، واختار ذكور القرود اللعب بالسيارات).

………………………….

سأختم مقالي هذا بحقيقة جوهرية في البيولوجيا والأحياء بشكل عام هي التطور.
فعقلنا الذي نملكه اليوم والذي حللته الدراسات العلمية هو نتاج مئات الآلاف من السنين من التطور، وسيظل يتطور وتختلف وظائفة ما دام هناك تحديات تدفع الانسان لتعديل قدراته القديمة او اكتساب قدرات جديدة.
فنزعة الرجل للحلول السريعة والعدوان هي نتاج مئات الاف السنين من دوره كصياد وحام للنساء والأطفال يجب ان يتخذ قراره بسرعة ويدافع عن اطفاله واناثه بشراسة. ونزعة المرأة نحو التعقل وموازنة الخيارات هو نتاج مئات الآلاف من السنين من دورها كأم مهمومة بحماية اطفالها من هجمات الذكور والحيوانات المفترسة.
وإذا تغيرت الظروف المحيطة فإن هذه الوظائف تتغير لكن تغيرها بطيء يستغرق مئات وآلاف السنين. ولأن الرجل والمرأة اليوم يعيشان في ظروف متشابهة ويقومان بوظائف متشابهة فإن الفروق تتقلص تدريجيا.
……………………….
لكن هناك حقيقة أخرى مفاجئة لنا (مثل أغلب نتائج العلم) وهي أن دماغنا نحن سكان القرن الحادي والعشرين هو دماغ “بدائي” في الكثير من مهامه. إنه الى حد مؤثر نفس دماغ الرجل الصياد ساكن الكهوف والمرأة البدائية التي تلقتط الثمار وتحمي الأطفال.
هذه الحقيقة تتضح من معالجاتنا الدماغية “البدائية” لقضايا الحب والزواج مثلا. فقد وجد الباحثون أن المرأة عندما تختار شريك الحياة لا تفكر بقلبها وانما بمصلحتها. ومهما حطمت هذه الحقيقة الصورة الرومانسية للمرأة فإن المرأة تختار الرجل القوي، صاحب الدخل الجيد، والمنزل، والمستوى الاجتماعي الأعلى.
هذا الاختيار استمرار للعقل الأنثوي البدائي الذي كان يبحث عن الرجل الأقوي (ليحميها من المنافسين) وصاحب الجينات الأقوى لتنجب اطفالا أقويا قادرين على الحياة. (تهتم المرأة برائحة الرجل ولديها حاسة شم أقوى. والرائحة وسيلة فعالة لقياس مدى صحة الرجل وقوة جيناته).
أما الرجل فيختار شريكة حياته بدماغه البدائي أيضا. فالخصر النحيل والنهد المدور والقامة الطويلة والحوض الواسع ليست مواصفات جمالية فقط، بل هي مواصفات المرأة الأقدرعلى الحمل وانجاب أطفال أكثر وبصحة أفضل.
………………………..
نقطة أخيرة تذكرني بعبارة نوال السعداوي “الأنثى هي الأصل”. فعندما يولد الطفل سواء كان ذكرا أو انثى فانهما يولدان بدماغ أنثى، وبعد الأشهر الثمانية الاولى تبدأ الفروق بين دماغ الولد والبنت نتيجة لتدفق الهرمونات. فدماغ الأنثى هو الـ”default” أو ضبط المصنع الأصلي!
هذا هو دماغنا المعقد والمثير.
وهذه قصة بعض الفروق بين الرجل والمرأة كما يقدمها العلم الحديث. قصة جنسين مختلفين ومتساويين أيضا!

………………………
• حصلت على الكتاب هدية من الصديقة الرائعة ندوى الدوسري فلها جزيل الشكر على هذه المفاجئة العلمية والعقلية القيمة. وهذا المقال “المتحيز” لا يغني عن قراءة الكتاب.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.