العمل الصالح هو القاعدة الذهبية

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

RIGHT WORK.jpg

 

العمل الصالح هو القاعدة الذهبية

تعليقًا على رسالة “طرق تنشئة الأطفال في الثقافات المختلفة والإرغام الإلهي”, أرسلت إلينا فقيهتنا الفاضلة, سيادة الأستاذة هالة كمال,  الرسالة التالية.  تقول فضيلتها:

“من العجيب أن يجيب الدكتور كمال بأن “كل ما يحتاجه الواحد منا هو أن “يدرك” أن المطلوب منا هو أن نراعي مصالح خلق الله وأن نشعر بشعورهم.  هذا هو كل ما هو مطلوب”, قبل أن  يسأل الدكتور سلامة  “هل للحياة أسس؟   وما هي هذه الأسس؟”

أتصور أن مثال تنشئة الأطفال وما تفضَّل الدكتور كمال بشرحه وما طرحه من أسئلة قد ساهم بلا شك – في رأيي – في ‘تقليص’ مساحة الاختلاف بشأن موضوع الفطرة إلي أضيق الحدود.  والسؤال هو التالي : ماذا كان يمكن أن يكون حال العالم لو تبنّينا هذا الأسلوب الربَّاني في تنشئة أطفالنا ؟  “مراعاة مصالح خلق الله”.  فكرة معقّدة بقدر بساطتها.  ألا تلخّص هذه الفكرة مجمع القيم والمثُل كلها ؟  بمعني أن تلك المراعاة تستلزم معرفة الحد الأدني لترسيخ مفاهيم الحق، والحب، والخير، والعدل، والرحمة، والشجاعة، والإيثار, في نفس الإنسان.

 

كي تراعي مصالح الناس، لا بد أن تتوافر لديك معرفة أولية بما يحقق تلك المصالح, ثم الرغبة والإرادة الكافية لتحقيقها – أو علي أقل تقدير الحفاظ عليها – ما يتطلّب قدرًا من الأخلاق الكريمة التي لا تجعل من الصعب عليك أن “تشعر بشعورهم” وهذا لا يتأتّي للإنسان إلا بالتربية التي توفّر القدوة الصالحة.  كان هذا هو السّائد في مصر الأربعينيات, والخمسينيات, والستينيات.   يعرف الجيران بعضهم البعض بما يكفي لمشاركة الأفراح والأتراح.  يهبّ الواحد منهم لنجدة جاره ومساعدته.  يراعي كل منهم مصالح الجيران, والسكن الذي يجمعهم, والشارع أمامه, بل والحيّ بأكمله.   عاصرت ذلك الزمن الذي كانت فيه جدتي تحرص علي أن يذوق الجيران من عمل يديها.   كان الناس قديمًا يشعرون بمشاعر بعضهم حقًا وصدقًا.  أعرف صديقاً ذهب لسريره لينام ليلاً، فلم يجده لأن الست والدته تبرّعت به إما لابن الجيران أو لكلب الجيران.  لا أذكر.  كما أعرف رجلاً كان يوزّع مرتبه علي الفقراء في الطريق إلي منزله، فإذا ما عاد استلقّي وعده من زوجته، متهمة إياه بالخرف والجنون.   كانوا يقولون عليه “الراجل البركة بتاع ربنا” ويقصدون الرجل “المتخلف العبيط”.  كان الناس يدركون بحسّ عالٍ وعميق ضرورة المحافظة علي البيئة من حولهم، أما الآن فحدث عن القمامة والقذارة ولا حرج.   يكفي أن نتذكر حال نهر النيل زمان وحاله الآن.  تحدثني صديقتي الألمانية أنهم يمنعون استخدام السيفون بعد العاشرة مساءً منعًا لإزعاج الجيران؛ أما لدينا فالتلوث السمعي يخترق جدران بيتك بل غرفة نومك بأبشع وأقذع الأصوات من كل حدب وصوب.


مراعاة مصالح خلق الله.  هل ما زالت تلك الفكرة اليوتوبياوية تشغل أذهان الآباء والأمهات في زماننا هذا أم أن أطفال اليوم يشبّون علي مشاهد الخلافات, والعنف الزوجي, والتعدّي اللفظي, ومختلف أشكال الإساءة للآخرين وللبيئة ؟  أشاهد مظاهر تعامل بعض العامة تخريبًا وتلويثًا فأشعر أن هناك شيء أشبه بالغِلّ المدفون والرغبة اللامعقولة في الانتقام والتشفّي من كل ما حولهم بشكل – بالنسبة لي – غير مبرَّر ولا مفهوم.  ولا يحدثني أحدهم عن المستوي الاجتماعي او الاقتصادي، فقد انقلب الهرم أوائل الخمسينيات وطالت الثروات طبقات كانت ماديًا واجتماعيًا  في أسفل سافلين, ونظرة إلي شوارع وبنايات ‘وسط البلد” – التي كان الخديوي إسماعيل يريدها كباريس- بهجمات القرويين وتجارتهم القميئة – شباشب وملابس – قد ملأت الأرصفة ولم تترك مكاناً لا للمشاة ولا للسيارات.  نتبادل صور “مصر زمان” علي صفحات التواصل بشكل يرسم مدي حنين جيلنا لما عاصره وشبّ عليه ويبكي قلبه قبل عينيه لتشويهه وفقده بهذا الشكل المزري.   وإن دلّ التحسُّر على الزمن الجميل علي شيء مما يهمّنا في حديثنا عن “تنشئة الأطفال” فرأيي أن أمهات ذاك الزمن – رغم بساطة عقولهن وتعليمهن- كنّ أساتذة في التربية, والتنشئة السليمة, والمتابعة, التي خلقت أجيالاً من المواطنين الصالحين فكمّ من العظماء قامت علي تربيتهم أمّهات لا يعرفن حتى القراءة والكتابة.  

 

نعاني في زماننا هذا من خلَل رهيب في التربية، جعلني أقول إن الأهل هم أنفسهم بحاجة لإعادة تربيتهم أولاً.  فهل تخلّت, أو أوشكت الأمهات على التخلّي, عن تلك المهمة المقدسة ؟  وما البديل ؟  وأقول : لا بديل عن الأمّ, ولا تربية الأم, ولا متابعتها, ولا اهتمامها, ولا حضنها.  رأيت نساءً ذوات مناصب وحيثية اجتماعية يرتكب أبناءهن وبناتهن من التصرفات ما يندى له الجبين ولا يحرّك فيهن ذلك ساكنًا.  وهي معضلة غريبة تحتاج لباحثي علم النفس والاجتماع لفكّ طلاسمها: التناسب العكسي بين مستوي الأمهات التعليمي والقدرة علي تربية الأبناء.

 

يوصي الدكتور كمال بالقاعدة الذهبية للتربية :

“أن تبيِّن لهم أن كل قواعد التعامل تتلخص في قاعدة واحدة هي مراعاة مصالح الناس, موضحًا أن في ذلك مصلحتهم, ومصلحتك, ومصلحتي, ومصلحتنا جميعًا, حيث إن من لا يراعي مصالح الناس لا يراعي الناس مصلحته”.  انتهي

 

قلب أهل زماننا القاعدة رأسًا علي عقب، فأصبحت :

لا تراعي سوى مصالحك الخاصة، وخذ بكل الأسباب التي تجعلك تفرض – بالقوة – على الآخرين مراعاة مصالحك، ولو عصلج أحد فافرمه. 

 

أعتذر عن الاستطراد، ولكن موضوع “التنشئة” أثار شجوني وأحزاني على شباب وفتيات أرى منهم ومنهن سلوكيات لم أكن أتوقع رؤيتها ولا في أسوأ أحلامي .  أما شرح وتفسير الأستاذ المياحي، التلميذ النابغة لشيخنا الجليل المهري لآيات “الإلهام الربّاني” فيستحق مقالاً منفصلاً لروعته وأهميته”.    انتهى كلام فضيلتها

 

خالص الشكر لفقيهتنا الفاضلة سيادة الأستاذة هالة كمال على كريم رسالتها.  ولي تعليق.

تحدثنا فقيهتنا الفاضلة عن “سلوك” خلق الله في مصر كما كان عليه من خمسين عامًا وكما هو عليه اليوم.  وشتان بين ما هو عليه الآن وما كان عليه من خمسين عاما.   وفي هذا فلن يختلف أحد مع ما تذهب إليه فضيلتها.  وعلى من يشك في ذلك أن يمارس القيادة في شوارع القاهرة لمدة ساعتين يوميًا لمدة ستة أشهر ولسوف يقر بعدها بإذن الله بما تقوله الأستاذة هالة.  إلا أن السؤال التالي هو السؤال الحقيقي.  أليست “القاعدة الذهبية” في تنشئة الأطفال هي عين العمل الصالح الذي يخبرنا الله سبحانه وتعالى بأنه هو والإيمان هما الطريق إلى الجنة ؟  أليس هذا هو ديننا ؟  وإذا كان هذا هو ديننا فأين نحن من ديننا ؟  في أي كتاب من كتب الفقه السني القديم جاء أن الإيمان والعمل الصالح هما الطريق إلى الجنة ؟  لا أرى سوى “إعلان الإيمان على رؤوس الإشهاد”, والصلاة, والصيام, والحج والعمرة.   وكأن “إعلان الإيمان” بالله شرط من شروط الإيمان بالله.  وكأننا نحن الموكلون من الله بـ”أخذ أسماء” من يؤمنون بالله.  وكأن من لا يحمل بطاقة عضوية الاتحاد الاشتراكي فهو ليس باشتراكي.  وكأن الإيمان بالله يتوقف على “إخطارنا” بالإيمان بالله.  وكأن الأمر له أدنى علاقة بنا.  وكأن الصلاة, والصيام, والحج من صالح الأعمال.  إذا كان العمل الصالح هو كل عمل يراعي فيه القائم به مصالح الناس, فكيف “تراعي” الصلاة, والصيام, والحج مصالح الناس ؟  

 

وكأن ما تحاول هذه الأسئلة لفت النظر إليه هو خطأ ما ذهب إليه الفقه السني القديم من أن “الصلاة” هي الفارق بين الكفر والإيمان.  أي أن من ترك الصيام, والزكاة, والحج فليس بكافر أما من ترك الصلاة فقد كفر.   انشغل الفقه السني القديم بـ”شعائر الإسلام” وترك “جوهرتي الإسلام”.  وجواهر الإسلام ليست هي “إعلان الإيمان على رؤوس الإشهاد” والصلاة, والصيام, والحج, والزكاة, وإنما هي “الإيمان والعمل الصالح”.  

“يعلم كل واحد منا أن هناك ركنان اثنان فقط للإسلام: واحد لا يعرفه إلا الله, وليس لأحد أن يعرفه إلا الله, والثاني يعرفه المؤمن والكافر.  الأول هو الإيمان, والثاني هو العمل الصالح.  يستحيل على مؤمن أو كافر التعرف على إيمان مؤمن أو كفر كافر.  يستحيل على مؤمن أو كافر ألا يتعرفا على  صلاح عمل مؤمن أو كافر”.

 

حان وقت أن يسأل الواحد منا نفسه عما إذا كان “الأساس الصلب” الذي يقوم عليه الإسلام هو “إعلان الإيمان بالله والقيام بالصلاة” أم “الإيمان بالله والقيام بالعمل الصالح”.  ما يريده الله منا ليس هو إعلان الإيمان بالله والقيام بالصلاة وإنما الإيمان بالله والقيام بالعمل الصالح.  لا يوجد لدي أدنى شك في أنه في اللحظة التي يدرك فيها الواحد منا أن هذا هو ما يريده الله منا في أننا سنستجيب لدعوة الله لنا لمراعاة مصالح الناس في كل أعمالنا.   عندما نظر الأئمة العظام في جوهر الإسلام, لم يروْا, رضي الله جل ثناؤه عنهم جميعًا وأرضاهم, سوى شعائره ولم يرَ أحد منهم أبدًا جواهره.   ولن ينصلح حال أمة الإسلام إلا عندما ندرك أن جوهر الإسلام هو الإيمان بالله والقيام بالعمل الصالح وليس إعلان الإيمان بالله والقيام بالصلاة.   الإيمان بالله والقيام بالعمل الصالح هما الطريق إلى جنة الله في دنياه كما في آخرته.   وتخيل ما سيكون عليه حال المسلمين عندما “يؤمنون” بأن الإيمان بالله وإقامة العمل الصالح هو الطريق إلى الجنة وليس “إعلان الإيمان بالله وإقامة الصلاة”.

 

وإن الحمد لله على ما آتانا وما لم يؤتنا, وما أعطانا وما لم يعطِنا.  وضع “إعلان الإيمان بالله وإقامة الصلاة” في كفة, وضع في الكفة الأخرى “الإيمان بالله والقيام بالعمل الصالح”.  وانظر واعتبر.

16 ديسمبر 2014

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.