الحكم الاخلاقي لدى الطفل 24

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

SOCIAL CHILD6.jpg

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 47

الفصل الرابع

أخلاق الطفل وأنواع العلاقات الاجتماعية

 

سواء أردنا أم لم نرد فإن الموضوعات التى كان علينا أن ندرسها من حيث صلتها بأخلاق الطفل قد تطرقت بنا إلى قلب المشكلات التي درسها المعاصرون من علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي. فالمجتمع – في نظر أتباع دوركايم – هو المصدر الوحيد للأخلاق.   فإذا كان الأمر كذلك فليس هناك نظام أحسن من علم نفس الأطفال يمكن أن نشاهده فيه.   ومن يقرأ كتاب “التربية الأخلاقية” لدوركايم لا بد أن يلاحظ أن كل نظام اجتماعي لا بد أن يؤدي حتمًا إلى نظام تربوي.   لعل هذا هو السبب الذي دعانا إلى دراسة بعض النظريات المهمة المعاصرة في علم الاجتماع وعلم النفس الأخلاقي ومقارنتها بالنتائج التي وصلنا إليها رغم الصعوبات التي تواجه أي محاولة من هذا النوع.  وسوف نبتعد عن أي مناقشة ذات صفة عامة, ونقصر بحثنا على الميادين التي تتناول فيها نظريات علم النفس الاجتماعي الطفل تناولاً مباشرا.  على أساس هذه النظرية يبدو لنا أن الموضوعات الآتية تستحق منا الدراسة, وهي آراء دوركايم وفوسونيه   Fauconnet عن المسؤولية التي أدت إلى ظهور كتابات دوركايم عن العقوبة فى المدرسة, وكذلـك نظرية دوركايم عن السلطة كمصدر للحياة الأخلاقية للطفل, ونظريات بولدوين Baldwin وفوق هذا كله نظريات بوفيه عن أصل الأحكام الأخلاقية.  وأخيرًا, نتعرض لبعض الآراء التربوية الخاصة بذاتية الضمير عند الأطفال.  ولكي نتجنب أي سوء فهم قد يتعرض له هذا البحث, فإنه يجب أن نشير ابتداء إلى أننا سنتناول هذه الموضوعات التربوية الخاصة من الناحية النفسية لا التربوية.

 

الواقع أن أغلبية الحقائق التربوية هي حقائق من علم النفس الاجتماعي, لذلك فإنا – رغم عدم رغبتنا في أن نضع نظامًا للتربية على أساس بحثنا هذا – نتساءل عما إذا كان نظام يقوم على السلطة كالذي يؤيده دوركايم هو فعلاً ضروري في دستور الحياة الأخلاقية.   وهذا سؤال في علم النفس النظري وعلم النفس التطبيقي.   فإذا كان البحث فيما إذا كان دواء أوصى به بعض الأطباء سوف يقتل المريض أو يشفيه مما يعنى به السيكولوجي كما يعنى به الطبيب, فإنا كذلك سوف نتناول موضوع التربية من الناحية التجريبية لا من الناحية العملية.

 

نظريات دوركايم وفوسونيه (1)

وضع بول فوسونيه في كتابه “المسؤولية” آراء دوركايم عن العدل الجزائي (العقاب), والقانون, والقانون الجزائي (قانون العقوبات) في قالب جذاب ومبتكر, وختم بحثه بأن بيَّن أن المسئولية في آخر أشكالها, أو في أنقاها كما يرى هو، ليست سوى المسؤولية المادية التي وجدنا لها أمثلة كثيرة عند الأطفال.  لهذا فليس هناك بحث أوفى من هذا البحث يمكن العثور عليه ليعاوننا في دراسة ما قد تشتمل عليه روح التربية عند دوركايم، ونقصد بذلك فكرة أن الجماعة واحدة، وأن صفة الدوام فيها هي من نوع يضمن قيام واستقرار القيم الأخلاقية.   فالمسؤولية عند فوسونيه هي “الصفة التي يتصف بها أولئك الذين يجب أن يعتبروا، على أساس قاعدة ما، أشخاصًا سلبيين بالنسبة للعقوبة” (ص11). ومعنى أنك مسؤول أنك تستحق “العقاب عدلاً” (ص7).

 

ولننتقل إلى الدراسة المقارنة للجماعات المختلفة التي لدينا عنها معلومات كافية تسمح لنا بأن نقيِّم نوعاً القانون التطوري الذي يسود على تاريخ المسؤولية كله، فنرى أنا إذا قارنا بين المسؤولية عندنا وبين أكثر أشكالها غنى وفهمًا لوجدنا أنها تقلصت بالتدريج حتى وصلت إلى شكلها الحاضر .

 

تنحصر المسؤولية في الجماعات المتحضرة المعاصرة في الراشدين, الأحياء, العقلاء. أما في  المجتمعات القديمة أو غير المتحضرة – كما كان الحال في العصور الوسطي, بل وأحيانًا في العصور الحديثة – فإنا نجد أن المسؤولية أيضًا تنصب على الأطفال, والمجانين (حتى ولو عرف عنهم ذلك), وكذلـك الأموات, والحيوانات, والجماعات, على السواء.  ويمكننا أن نصل إلى النتيجة نفسها لو أنا درسنا مواقف المسؤولية دراسة تطورية.  أما في مجتمعاتنا فنجد أن القصد (أو بعض الظواهر النفسية الأخرى, مثل الإهمال, والنسيان, إلى آخره) ضروري في حالة المسؤولية.  أي أن “القصد”, من الناحية الأخلاقية, هو كل شيء.  وفى نظر القانون لا بد من وقوع مخالفة ولكن ليس هناك ذنب بلا قصد، أو قلة تبصر، أو إهمال.  وفي أثناء دراستنا لتاريخ القانون الجزائي وصلنا إلى المسؤولية الجماعية الخالصة (ص105) .  بمعنى آخر, تقيم الأخلاق البدائية, والقانون القديم, المسؤولية حتى في الأعمال القسرية, والحوادث, والتصرفات التي ارتكبت بلا إهمال أو قلة تبصر.  باختصار, المسئولية البدائية هي أولاً وقبل كل شيء “مادية” وانتقالية, أما المسؤولية عندنا فشخصية, وفردية.  أي تقتصر على الفرد.   فما هي المسؤولية, إذن؟

 

لحل هذه المشكلة, نجد أن فوسونيه يتفق مع روح دوركايم في شرح هذه الظاهرة لا عن طريق وضع القوانين التي تتحكم في تكوينها أو نموها بل عن طريق تأكيد العناصر الثابتة والمشتركة في كل المرحلة.  ينبغي هنا أن نلاحظ هذه النقطة الأساسية.  وعلى هذا يجب أن توضع التفسيرات الفلسفية المسؤولية لأنها تهمل الحالات الأولية للظاهرة التي ندرسها.   هذا ونجد في النظريات التطورية من مثل نظريات وسترمارك Westrmark وغيره هذا العيب.  إذ هي تهمل الحالات الأولى للانحرافات الاخلاقية والعقلية كما لو كانت آراؤنا الحديثة التي تتضمن أرقي القواعد والنتائج الضرورية لكل ما تقدمها.   أما إذا نسبنا نفس القيمة إلى كل الحالات التي توصلنا إليها الطريقة المقارنة فإنا سوف نرى أنه حتى إذا كانت العقوبة لا تؤيد وجود علاقة صريحة ومحدودة بالضحية فإنها دائمًا محدودة العلاقة بالجريمة.  بمعنى آخر, فإن الجريمة تستحق العقاب في كل عصر ومكان وإذا كانت العقوبة لا تقع على رأس المذنب مباشرة فإنها تقع على شخص ما.  أي أننا إذا نظرنا إلى الجريمة على أنها عمل مادي مستقل بمعزل عن الدوافع التي أدت إليها فإنها تصبح مركزًا لمرض معدٍ يجب القضاء عليه وعلى ما حوله قريبًا كان أم بعيدا.   وإذا كان الجزاء/العقاب موجهًا إلى الجريمة فما ذلك إلا لأنه لا يستطيع الوصول إلى الجريمة فينحرف نحو النائب عنها (ص234).

 

وهنا تتداخل نظرية دوركايم عن الجريمة، فكل مجتمع يتكون أساسًا من مجموعة من العقائد والوجدانيات مكونة “كلاً” يجب الدفاع عنه.  ونواة هذه العقائد هي مشاعر التقديس, وهى مصدر كل أخلاق ودين.  وكل ما يسيء إلى المشاعر القوية والمحدودة لهذه العاطفة الجماعية فهو جريمة, وكل جريمة فيها انتهاك لحرمة.   والجريمة التي تتعدى على الروابط الاجتماعية تعتبر لمجرد أنها أدت إلى ذلـك ذات معنىً صوفي، فهي مصدر الفساد والتدنيس, وما قد ينعكس منهما مرئيًا أو غير مرئي لا حصر له، ولذلـك يجب أن يكبت, وكذلك يجب أن تكبت نتائجها القاتلة, ويجب أن توضع الأشياء وضعها الصحيح.  والعقوبة هي العملية الصوفية ذات التأثير في إعادة الشئ إلى أصله.  ولهذا فليس يهم كثيرًا على من تقع العقوبة.  المهم أنه لا بد من وقوع عقوبة, كما لا بد أن تكون العقوبة مناسبة للجريمة,  فهذا دستور المسؤولية.  أكثر من ذلك, فإنه يسهل أن نعرف كيف ظهرت طريقة اختيار الشخص المسؤول فالعملية قد قامت بفضل النظام الآلي للانتقال الذى يخضع لقوانين الانتقال السيكولوجي :

أولاً, هناك انتقال عاطفي.  فالعواطف التي تثيرها الجريمة تنتقل إلى كل شيء يتصل بها من قريب أو بعيد.

ثانيًا, هناك حكم.   فالمجتمع يقرر أن شخصًا معينًا هو المسؤول, وهذا الحكم يصبح سائدًا عن طريق علاقات الاتصال أو التشابه.   يترتب على هذا, طبعًا, أن المذنب نفسه – إن أمكن الوصول إليه – يعتبر ممثلاً للنهاية العظمى للعلاقات مع الجريمة.  أما في حالة عدم إمكان الوصول إليه, فإن أي شيء يرتبط بالجريمة يجب عقابه.  وعلى هذا فإن المسؤولية تنصب من الخارج على رأس المذنب أو من يحل محله وتحولهم إلى أشخاص يحملون غيرهم.  أي إلى آلات للتطهير الجماعي.  لهذا كان للمسئولية  وظيفة محدودة, هي إمكان تحقيق الجزاء/العقاب عن طريق السماح له بأن يقوم بدوره النافع (ص297).   وهذا الدور أخلاقي من أساسه, إذ أنه في الحالة التي توجد فيها عقوبات يمكن التأكد من وجود أخلاق.    فالعقوبة – وبالتالي المسؤولية – لهما إذن نصيب في القيم الأخلاقية (ص300).

 

وتبقى هناك مشكلة.  هذه المشكلة هي أنه إذا كانت هذه هي روح المسؤولية فكيف يتأتى إذن أن هذا الدستور قد تطور حتى وصل إلى درجة أننا لم نعد نستطيع لأول وهلة أن نصل إلى حالته البدائية؟  كيف تقطعت المسؤولية بهذه الطريقة حتى في الراشد العادي الذي قام بعمله عن قصد؟  ولماذا أصبحت المسئولية فردية وروحية بهذه الطريقة؟

 

الواقع أن حالة المسؤولية الحاضرة – نظرًا لأنها أبعد ما تكون عن أن تصل إلى نقطة الاتصال الضرورية لإحداث تغيير داخلي فى المسؤولية – نجدها على العكس من ذلك تنتج من الضعف التدريجي للقيم البدائية الذى يعود إلى فعل العوامل المضادة.   لذلك, فإن السبب العام لهذه العملية التطورية يبدو أنه خارجي بالنسبة إلى المسؤولية ذاتها, فهو الحنو والنزعة الإنسانية.   ذلك أنه ولو أن المجتمع قد تثير الجريمة غضبه فإن المشاعر المضادة قد تظهر وقت العقوبة.   وكما قال إيرينج Ihring فإن قصة القصاص هي قصة الإبادة المستمرة.   هذا هو السبب في أن المسؤولية تميل إلى التقلص باستمرار.  

 

في البداية نجد أن المجتمع يعاقب كل إنسان.   فالفرد ليس أكثر من وسيلة لغاية.   أما الآن فإننا نعاقب في الغالب مرغمين, ويعطى المذنب كل فرصة للدفاع عن نفسه, والتخلص من العقوبة.  وهذا يؤدي إلى نتيجيتين أساسيتين : الأولى “يمكن أن نقول إن المسؤولية أصبحت فردية خلال تطورها, فبينما نجد المسؤولية جماعية وانتقالية عند المجتمعات البدائية فإننا نجدها في المجتمعات الراقية شخصية تمامًا”.  (ص330).   والنظم الدينية وحدها – ونقصد بذلك أكثر نظمنا محافظة – هي التي ما زالت فكرة الخطيئة الأصلية فيها تحيي فكرة المسؤولية الجماعية.  دنست خطيئة آدم الإنسانية كلها بخطيئة تدعو إلى التكفير.  أما في القانون وفي الأخلاق فإن هذه الأمور تثور علينا.   غير أن مسؤوليتنا الفردية الخالصة ليست سوى حالة غش للمسؤولية الحقيقية.   وقد تعلمنا بصفة عامة أن المسؤولية فردية في طبيعتها انتقالية بالصدفة.   وقد يفسر تاريخ المسؤولية على أساس تقدمي؛ فالمسؤولية الحقيقية ذات الصفة الشخصية يقال إنها تمت فى خلال عملية التطور.  مع ذلك, ولأننا نميل إلى عرض الحقائق على ضوء مختلف تمامًا, فصفة الاتساع والقابلية للانتقال التي تتصف بها المسؤولية قد تبدو لنا صبغتها الأساسية.   على العكس من ذلك, فإن فردية المسؤولية هي نتيجة لعملية محدودة وضعيفة.  أما القوى التي تجعل المسؤولية فردية فهي أبعد ما تكون عن أن تنقيها أو تكملها إذ أنها مضادة لطبيعتها؛ فالمسؤولية الرقيقة تشبه القيمة الإيجابية الدنيا للمسؤولية, فهي تميل نحو نقطة الصفر.  على أساس وجهة النظر هذه, فإن تطور المسؤولية يبدو أنه تراجعى؛ فالمسؤولية التامة هي المسئولية في أضعف حالاتها حين تقترب من النقطة التي لا تظهر فيها.” (ص343-4).

 

أما الناحية الثانية من نواحي تطور المسؤولية فهي الناحية الروحية.  فالمسئولية  البدائية هي مسؤولية مادية, والجريمة هي أولاً وقبل كل شيء حادثة مادية, والرابطة التي تربط الجريمة بالمسؤول عنها هي دائماً رابطة مادية (ص345). على العكس من ذلك, فإن المسؤولية في نظر العلماء المعاصرين تنشأ في ضمير الشخص المسؤول بسبب العلاقة النفسية بين هذا الضمير وبين الحادث نفسه, وهذه الصفات تتعارض تمام المعارضة مع الموضوعية التي وصفناها. (ص345/6). ويرجع سبب ظاهرة الروحية هذه إلى أن المجتمع – وهو الذي يبدأ خارجيًا بالنسبة لعقل الإنسان –    “يصبح حلوليًا أكثر وأكثر من الفرد، ثم يصبح عنده اجتماعيًا أكثر فاكثر بمرور الزمن, ثم يضاف إلى ما هو عضوي ونفسي الأصل ويهذب عن طريق الاشتراك في الحياة الاجتماعية.   وروحية الاخلاق, أو الآراء الدينية, توضح التداخل الحقيقي للنواحي الاجتماعية في الفرد (ص367).   باختصار, لو أن المسئولية عنيت بالدافع وحده فهي تفعل ذلك بفضل العملية نفسها التي جعلتها فردية “فكلما أصبحت الحياة الاجتماعية فردية كلما كانت أكثر تعمقًا في داخل الفرد” (ص351).  على ذلك, فإن شعورنا الأخلاقي ليس أكثر من البقايا الداخلية للشعور الجماعي, وهذا ليس كسبًا فالروحية في المسؤولية تشبه الفردية, وهي تظهر خلال التاريخ على شكل جذب عظيم وإبادة مستديمة.  أما المسؤولية الشخصية فهي بعيدة عن أن تكون مقبرة عند الجميع على أنها مسؤولية في أرقى مستوى كما قد يظن ولكنها في الواقع ليست إلا شكلاً ضامرًا من أشكال المسؤولية” (ص350).

 

من الضروري, على أية حال, ألا يكون الإنسان إطلاقيًا إلى أقصى حد, فما زالت في مجتمعاتنا آثار للمسئولية الجماعية والمادية.  يذكر فوسونيه أنه وجد أمثله لهذا الاتجاه في قانون العقوبات في إيطاليا.  أي أن الشكل الحديث لم يقضِ تمامًا على الشكل البدائي.  “فالحالة الأولى مازالت فرعًا حيًا للشجرة الأصلية التي انفصلت منها الحالة الأخيرة بالتدريج” (ص277).   من الطبيعي, إذن, على أساس وجهة النظر التربوية أن نتفق مع دوركايم على استخلاص ضرورة إقامة نظام للعقوبات المدرسية على اعتبارها الوسيلة الوحيدة لإحياء دائم لكل مسئولية في عقول الناس.

 

ولا نعرف فيما نعرف نظرية أنسب من نظرية دوركايم وفوسونيه تلقي ضوءًا على المشكلات التي أثارتها فكرة تقرير الوحدة الأخلاقية للمجتمع، ففوسونيه قد وضع نطاقا محكمًا حاول فيه أن يشرح ظاهرة نجح أكثر من أى شخص آخر فى تتبع تطورها التاريخي وذلك عن طريق الاستمرار في حالات الإدراك الجماعي. ولا داعي لأن نناقش التحليل الدقيق الذي وضعه فوسونيه ولا التقسيم الصحيح للحقائق التى جمعها، فالعلاقة الوثيقة بين ظاهرة المسؤولية الموضوعية التي يمكن ملاحظتها عند الطفل والظاهرة التي تميز القسر الاجتماعي البدائي تؤيد النظرية القائلة بأن خارجية العلاقات تؤدى إلى قيام نوع من الواقعية الاخلاقية المصاحبة لها والذي يبدو لنا في حاجة إلى تفسير هو التفسير العام الذي وضعه للمسئولية, وللعقاب, وللعلاقات القائمة بين الحقائق الأخلاقية والمجتمع على اعتباره كلا ثابتاً لا يتغير.

 

وخير درس نتلقاه من علم الاجتماع المقارن هو أنه يوجد على الأقل نوعان من المسؤولية : واحدة مادية وانتقالية، والأخرى شخصية وفردية، وأن التطور الاجتماعي قد أدى بالتدريج إلى سيادة النوع الثاني.  فإذا سلمنا بهذا أمكن أن نصل إلى حلين: هما أن نعرف المسؤولية بالاتجاه الذي أخذته في التاريخ – بموجبها – أو أن نعرفها بعناصرها التركيبية الثابتة.  اختار فوسونيه الحل الثاني اعتمادًا على قوة منهج دوركايم المسلم بها, فقد ذكر لنا أن الذي يعنيه في تاريخ المسؤولية ليس هو الأشياء التي تتغير بقدر ما هو الأشياء الثابتة.   والذي أدى به إلى هذا الاختيار هو عمق أساس وحدة الحقائق الاجتماعية.  وأيًا كان الاختلاف في المدنية فهناك شيء اسمه مدنية (ص20).   إلا أننا قد نتساءل : إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الطريقة مرضية؟  ماذا نقول عن عالم من علماء النفس الذي يشرح نظرية السلبية والعدد فيضع لنا معادلات في السحر والصوفية في نفس مستوى أينشتين في السلبية، أو نظريته في الأقرام المركبة؟  فأنت إذا بحثت عن العناصر المشتركة في جميع المراحل واستعدت كل الاعتبارات الخاصة بالموجهات أو الاتجاهات فلن تصل إلى شئ سوى بقايا إحصائية عديمة الثبات  (ما هي العناصر المشتركة في كل مراحل السببية؟) وإلا فإنا نعزو كل شيء إلى الحالات البدائية، وهذا ما نخشي أن يكون قد فعله فوسونيه.  

(1)P.Fouconnet, Lu Responsibilié Exude de Sociologie paris alcan 1920

 

#كمال_شاهين

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.