الحكم الاخلاقي لدى الطفل 20

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

justice child.jpg

 

 

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل  – 41

 

بعد هذه التحفظات, يمكننا أن نقول إنه يمكن تمييز ثلاث مراحل كبيرة في تمييز العدل وعلاقته بسلطة الراشد, وسنرى فيما بعد أن نفس الشئ يقوم في العلاقات بين الأطفال أنفسهم.  ففي المراحل الأولى نجد أن العدل لا يتميز عن سلطة القانون.  أي أن العدل هو مايطلبه الكبار, ولذلك كان من الطبيعي أن نجد في هذه المرحلة الأولى أن العدل الجزائي – كما رأينا في الفقرة الأخيرة – أقوى من المساواة. ولهذا يمكن أن نقول إن هذه المرحلة تتميز باختفاء فكرة العدل الموزع ما دامت هذه الفكرة تتضمن نوعًا من الذاتية ودرجة من التحرر من سلطة الراشد ولكن قد توجد علاقة تبادلية بدائية, كذلـك قد توجد من أولي الأمر المساواة في علاقات بعض الأطفال وبعضهم الآخر, وكل ما في الموضوع أنه ما دام الاحترام للراشد سائدًا في المرحلة الأولى, فإن هذه البذور لا تؤدي إلى ظهور آراء قيمة فيهما, عدا أنها لا تخلق نزاعًا مع السلطة.   لهذا نجد أن طفل الثانية أو الثالثة قد يرى أن من الحق أن تقسم الكعكة بينه وبين طفل آخر وأن يتبادل هو وزميله لعبهما ولكن إذا طلب منه أن يعطى أكثر من الطفل الآخر أو أن يستبقي لنفسه أكثر فإن ذلك يتحول عنده إلى واجب أو حق.  على العكس من ذلك, فإن مثل هذا الاتجاه العقلي لا نتوقع أن نجده عند طفل في العاشرة أو الثانية عشرة من العمر, فالإحساس هنا يقوم علي إحساس ذاتى متفوق على أي أمر صادر إليه.   في المرحلة الثانية فقط تتفوق المساواة على أي اعتبار آخر.  في حالات الصراع, إذن, نجد أن العدل الموزع يتعارض مع الطاعة والعقوبة وفي أحيان كثيرة يتعارض مع الأسباب الدقيقة التي سوف تكون لها الأولوية في المرحلة الثالثة.

 

أخيرًا, فإنه في المرحلة الثالثة نجد أن المساواة الخالصة تترك مكانها لتحل محلها الفكرة الدقيقة عن العدل الذي يمكن أن نسميه “الإنصاف” والتي تقوم على عدم تحديد المساواة دون مراعاة الظروف المحيطة بالفرد.  وفي ميدان العدل الجزائي نجد أن الإنصاف يشمل تحديد هذه الظروف.  وقد رأينا قبلاً أن هذا الاعتبار يدخل متأخرًا في أحكام الأطفال.   أما في ميدان العدل الموزع فإن الانصاف يأخذ في الاعتبار مراعاة السن, واسترجاع الخدمات السابقة, إلى آخره.  باختصار, وضع ظلال المساواة.   وسنأتي على أمثلة جديدة لهذه العملية في الفصل التالي.

 

والآن ننتقل إلى تحليل حالات أخرى يقوم فيها صراع بين الاحترام للسلطة والإحساس بالعدل. إذ يحدث في بعض الأحيان أن يرغب الطفل في المساواة ليس مع غيره من الأطفال فقط, وإنما مع الكبار أنفسهم.   وقد رأت الآنسة رانبير أن تدرس في هذه الناحية الموقف الذي يخضع له الطفل, ونقصد به حالة انتظار الطفل في حانوت حتى ينتهي صاحبه من إجابة طلبات الكبار.  قامت الآنسة رانبير بسؤال الأطفال ما إذا كان من العدل أن ينتظر الأطفال في حانوت حتى ينتهى صاحبه من إجابة طلبات الكبار ؟ جاءت الإجابة فى منتهى الوضوح.  على حين لم يتمهل في الإجابة سوى الأطفال الصغار جدًا أجابت الأغلبية – حتى ممن في سن السادسة – بشئ من النضوج المبكر المدهش بأن على كل أن يأخذ دوره.وها هما مثالان يعطيان الأسبقية للراشد :

سان San(6.5) – صغار الأطفال ليسوا في حاجة إلى السرعة مثل الكبار.

 

باى Pai(7.5)  – من يأتى أولاً تقضي حاجته أولاً. – وهل للأولاد نفس الحق الذي للكبار في أن تقضي حاجتهم ؟  – لا فهم أصغر, ولا يعرفون تمامًا كيف يعطون الأوامر.  أيضًا, على الكبار أن يقوموا بأعمال كثيرة فعليهم أن يؤدوا أعمالهم على عجل.    أضاف باى Pai أنه يتطلع إلى المستقل حين يكون كبيرًا “قادرًا على إصدار الأوامر”.

 

وثم قليل من الأمثلة التي تطالب بالمساواة الدقيقة :

مارت Mart  (9)  – عليهم (أي البائعين) ألا يتركوا الأولاد ينتظرون.  – ولم لا؟  – لأنه ليس من العدل تركهم ينتظرون.   فالكبار يجب أن تقضي حاجتها بالدور.  – لماذا؟  – لأنه أحيانًا يكون الصغار على عجل كالكبار وليس من العدل أن تتركهم ينتظرون.  – هل يجب أن تجاب طلباتهم في دورهم أم قبل الكبار؟  – بالدور.

 

دب Dab (9)  – ليس عدلاً, فكل إنسان يجب أن يجاب طلبه في دوره.

 

با Ba (10)   – يجب أن تقضى حاجة الطفل في دوره.  – لماذا؟  – لأنه ليس من العدل أن تجيب أولاً طلبات من حضروا متأخرين.

 

بريه Pres(10)   – حتى إذا كان صغيرًا يجب ألا يوضع موضع الانتظار فقد ذهب لشراء حاجته مثله مثل الكبار تمامًا.

 

 وقد وضحت تمامًا الرغبة في المساواة في هذه الإجابات كما أنه واضح تمامًا تفكيرهم في الحياة الواقعية.  لكي نلخص دراستنا للعلاقات المختلفة بين السلطة والمساواة, فإنا سنحاول تحليل موقفين مدرسيين تلعب فيهما نفس العوامل وهما (1) لماذا لا ينبغي أن يغش الإنسان في المدرسة؟  و(2) هل على الإنسان أن “يفتن” ما دام الراشد يهمه ذلك أو أصدر فيه أمرا؟

 

فالغش هو رد فعل دفاعي يظهر أن نظمنا التعليمية دعت إلى قيامه جزافًا لدى التلاميذ, فمدارسنا بدلاً من ان تراعي ميول الطفل القوية التي تدعوه للعمل مع غيره – فالمنافسة لا تعارض بأي حال – نجدها تحكم على التلميذ بأن يعمل منفردًا, وتستخدم المنافسة فقط في وضع فرد ضد آخر.  هذا النظام الفردي الخالص للعمل جميل من غير شك إن كانت الغاية من التربية هي الحصول على درجات عالية وإعداد الصغار للامتحانات، لكنه يعوق إعداد الإنسان المعقول والمواطن الصالح.   فإذا أخذنا الناحية الأخلاقية وحدها فإنه يحدث أحد أمرين: إإما أن تشتد المنافسة فيحاول كل ولد أن ينال رضا المدرس عن طريق التذلل, أما جاره المجتهد فإنه إذا غلب على أمره التجأ إلى الغش, وإما أن تتآلف الزمالة يومًا في شكل غش منظم, وبذلك توجد مقاومة عامة للقسر المدرسي.  والنوع الأخير من أنواع الدفاع هو الذي يظهر بصفة خاصة في الفصول الكبيرة حوالى سن 12 إلى 17 إذا لم تخننا الذاكرة ولكن نستطع العثور على أى أثر لها فى اطفال المدارس الأولية الذى اختبرناهم (1) .

 

فالجزء الأول من المشكلة التي ظهرت هو أن نعرف لماذا كان الغش مستعجبًا – هل يرجع ذلك إلى أن المدرس يحرمه أو لأنه يناقض المساواة بين الأطفال.  كانت نتيجة البحث هنا أيضًا في غاية الوضوح, فقد دلت على نقص تدريجي في التمسك بالسلطة وزيادة في الرغبة في المساواة.  وهذه النتيجة واضحة إذ أنه في هذه الحالة الخاصة نجد أن السلطة والمساواة ليست هي الحلول الوحيدة الممكنة.  فالإجابات عن السؤال “لماذا يجب ألا تنقل من كتاب زميلك؟” يمكن وضعها تحت ثلاثة عناوين:  

(1) “أنه ممنوع”, “أنه من الخسة”, “أنه غش”, أنه “كذب”, أنه “قد تعاقب عليه”, إلى آخره.  قمنا بجمع هذه الإجابات كلها تحت عنوان واحد لأن حديث الطفل لو حلل فإن السبب النهائي يرجع إلى تحريم الراشد, فمن الخسة أن يغش لأن في ذلك خداع, ومن الخسة أن تغش لأنه ممنوع, إلى آخره.     (2) أنه مناقض للمساواة (فهو يحدث ضررًا للصديق, وفيه سرقة منه إلى آخره).  و

(3) أنه عديم الفائدة (فالإنسان لا يتعلم شيئًا وكثيرًا ما يمسك به المدرسون متلبسًا بالغش).   وهذا النوع الثالث من الإجابة من المحتمل أن يرجع إلى الراشد أصلاً, فالولد يكرر الوعظ الذي سبق أن ألقاه الراشد عليه حين ضبط متلبًا بالغش, وهو الإحساس الذي يظهر بعد سن العاشرة فقط.   

 

والنسب المئوية هى 5% فى سن 10 و 4% فى سن11 – 25% فى سن 12   أما الأسباب التي تتحيز للسلطة فيمكن وضعها في النسب المئوية الآتية 100% في سن 6-7 و 80% فى سن 8, و88% فى سن 9, و68% في سن 10, و32% في سن 11, و15% في سن 12.  أي أن النقص ملحوظ, وأغلبية الأطفال تقتصر على القول بأن الغش ممنوع, وقليل منهم يمزجونه بالكذب.  وأخيرًا فالمساواة هي السبب الذي دافع عنه 16% من الأطفال في سن 8 و9 و2  6% في سن 10,  و62% في سن 11 و12.   وعلى ذلك, فإن المساواة تزداد قوة بازدياد السن. أما أهمية تحريم الراشد فتتناقص مع زيادة السن.

 

وها هى ذي أمثلة لإجابات تؤيد جانب السلطة :

 مون Mon  (6.5)  – لمً لا تنقل من جارك؟  – المدرس يؤنبنا.

 

ديب Dep  (6.5)  – المدرس يعاقبنا.

 

تيه Thé  (6.5)  – لأنه من الخسة.

 

مير Mir (6.5) – لأن ذلك عمل سيء يعاقب عليه.

 

والتعريف “إنه غش” قال به 5% فقط من الأطفال بين 8 و9  و10% بين 10 و12.

مارت Mart (9)  – ما كان ينبغي أن ينقل من جاره.  لقد كان غشاشا.   – ولم لا تنقل؟  – لأن هذا غش.

 

وها هي أمثلة لمن يؤيدون المساواة .

تيه Thé ( 7 و9)  – كان ينبغي أن تحاول وتبحث بنفسك, فليس من العدل أن ينال الاثنان درجة واحدة. كان ينبغي أن تحاول من نفسك.

 

ويلد Wild (4 و9) (بنت)  – ليس في هذا سرقة لعملها منها.  – وإذا لم يكن المدرس قد عرف؟  – إن هذا خسة بالنسبة للبنت المجاورة لها.  – لماذا؟  – لأن البنت المجاورة لها قد يكون عملها جيدًا         (أي, حصلت على درجة جيدة) وقد أخذ مكانها.

 

كامب Camp (10و11)  – ما رأيك في الغش؟   – يستحسن السماح لمن لا يستطيع أن يحفظ أن يكون معه كتاب صغير.  أما بالنسبة لمن يستطيعون الحفظ فليس عدلاً أن يغشوا.  – لقد نقل تلميذ من صديقه فهل هذا عدل؟   – ما كان ينبغي أن ينقل منه, أما إذا لم يكن مجتهدًا فقد يكون عمله صحيحًا إلى حد ما.

والاتجاه الأخير للطفل الأخير أقرب إلى أن يكون حالة استثنائية من حالات الأطفال الذين اختبرناهم. ولكن مما لا شك فيه أن كثيرين غيره يوافقونه في الرأى وإن لم يكن لديهم من الشجاعة ما يكفي للإفصاح عن ذلك.  إذا تمسكنا بحرفية الإجابات المؤيدة للمساواة فإنه قد يظهر أن المنافسة أقوى عند الأطفال من قوة التماسك والترابط.   وسيظهر هذا من دراسة موضوع آخر سنقوم بتحليله الآن بغية الوصول إلى معلومات إضافية عن النزاع بين سلطة الراشد والمساواة, أو قوة التماسك بين الأطفال. ونعني بذلك موضوع  “الوشاية” أو ما يسمى أيضًا بـ”الفتنة “.

 

إن احتقار كل تلميذ من تلاميذ المدرسة لمن “يشي” والحكم التلقائي الذي يصدر عليهم, كل ذلك يكفي للدلالة على أهمية هذه الناحية في أخلاق الطفل.  فهل من العدل أن نكسر الرابطة التي تجمع بين الأطفال من أجل سلطة الراشد.   إن أي راشد يوجد عنده قدر من التسامح سوف يجيب بلا.   مع ذلك, فهناك استثناءات.  إذ أن هناك مدرسون وآباء خلوا من أي إحساس  لدرجة أنهم يشجعون الطفل على الوشاية.   في مثل هذه الحالات, هل يطيع الطفل الراشد أم يحترم قانون الترابط؟   وضعنا هذه المشكلة في القصة التالية مرتبطة بأب أقصيناه من الناحية الزمنية والمكانية.

 

يحكى أنه في زمن بعيد مضى, وفي مكان قصي بعيد, كان لوالد ولدان, أحدهما طيب ومطيع, والآخر من النوع الطيب كذلك ولكنه كثيرًا ما كان يقوم بأعمال سخيفة.   وذات يوم سافر الأب في رحلة وقال لابنه الأول “يجب أن تلاحظ بدقة ما يفعله شقيقك, على أن تخبرني به حين أعود.”   سافر الأب وقام الشقيق  ببعض أعماله السخيفة, وحين عاد الأب سأل الولد الأول أن يقص عليه القصص, فماذا ينبغي أن يقول؟

 

كانت النتيجة في منتهى الوضوح.  ذهبت الأغلبية الساحقة من الصغار (أطفال السادسة إلى السابعة)

إلى ضرورة أن يعرف الأب كل شيء, على حين ذهبت أغلبية الكبار (أكبر من 8) إلى ضرورة ألا يقال له شيء.   ذهب البعض, حقيقة الأمر, إلى أبعد من ذلك ففضل الكذب على إفشاء سر أخيه.   وها هي ذي بعض الأمثلة على الاتجاهات الفعلية, مبتدئين بتلك التي تخضع خضوعًا تامًا للسلطة.

 

فال Wal (6)  – ماذا كان ينبغي أن يقول؟  – إنه كان سيئ السلوك.   – وهل القول هذا عدل أم لا؟        – عدل.  – أعرف ولدًا صغيرًا في نفس القصة قال لأبيه “التفت إلي.  ليس هذا من شأني, فإسأل أخي عما فعله.   فهل كان محقًا في قوله هذا لأبيه؟  – لم يكن محقا.  – لماذا؟  – كان ينبغي أن يقول له.       – ألك أخ؟  – نعم.  – لنفرض أنك عملت بقعة من الحبر في كراسك في المدرسة, ثم جاء أخوك إلى المنزل وقال:”انظر.  إن أخي قد وسخ كراسة”, فهل من حقه أن يقول هذا؟  – إنه على حق.  – هل تعرف ما المقصود بكلمة “الفتنة”؟  إنه التبليغ عما فعله (الآخر).   هل قول أخيك إنك قد لطخت كراسك فيه فتنة ؟  – نعم.  – وفى قصتى؟   – لا, إنه ليس كذلك.  – لماذا؟  – لأن الأب قد طلب منه ذلك.

 

شمو Schmo (6) كان عليه أن يقول إن الولد الآخر كان سيء السلوك, كما ينبغي أن يصف ما فعله الولد الآخر.   فقد طلب منه أبوه ذلك.  – لقد أجاب الولد على سؤال أبيه قائلاً “اسأل أخي فأنا لا أريد أن أقول”.   فهل هذا القول منه جميل أم لا؟ – ليس جميلاً, لأن والده قد طلب منه ذلك.

 

ديزا Desa (6)  – كان ينبغي أن يبلغ فقد طلب منه أبوه ذلك.   – هل كان ينبغي أن يبلغ أم لا؟  – كان ينبغي ان يبلغ.  – وإذا أجاب أن ما يفعله ليس من عملي فهل هذا صحيح؟   – ربما يقول هذا.   – هل من المستحسن أن يقول هذا أو يذكر ما فعله أخوه؟  – نعم, إنه صحيح ومن الأفضل أن يذكر ما فعله أخوه.  – هل تعرف ما المقصود ب”الفتنة”؟  – لا.

 

شو Schu (6)  – هل كان ينبغي أن يقول نعم أم لا؟ – كان عليه أن يقول نعم لأن أباه طلب منه أن يخبره بما ارتكبه أخوه.  – وهل عليه أن يقول كل شئ؟  – إذا كان عملك في منتهى السوء فعليك أن تذكره كله.  – وإذا كان محدود السوء؟  – لا, لأنه ليس سيئًا جدا (هذا التمييز متقدم عن المرحلة الثانية)  – هل هذه فتنة؟  – لا, لأنه إذا طلب منك الحديث فليس في هذا فتنة.  –  ولو فرض أنه قال : جان يمكنه أن يخبرك بنفسه؟  أو أسأل جان فلا شأن لي بهذا.  – هل من الجميل أن تفتن عما يفعله أخوك؟  – نعم.

 

كونست Const         (7) ( بنت)  – كان ينبغي أن يقول فقد طلب منه أبوه ذلك.   – هل تعرفين معنى الفتنة؟   – هو الكلام عن أشياء.  – هل في هذا فتنة أم لا؟  – إنها فتنة.  – ألك أخوات؟  – نعم واحدة في الحادية عشرة من عمرها.  – هل تفتن عما تفعلين أنت؟  – نعم.  – أذكري لي مرة فعلت معك ذلك ولمن؟         – لأمي.  – وهل لها الحق في ذلك أم لا؟  – كانت على حق.

 

شما Schma (8)  – كان ينبغي أن يخبره.  – وهل هذا عدل أم لا؟  – عدل.  – ذات مرة قال إن هذا ليس من شأنه.  – لم يكن ذلك عدلاً لأن أباه طلب منه ذلك.  – وهل يفتن؟  – إن عليه حينئذ أن يفضي بما عنده لأن أباه قد طلب منه ذلك.

 

إن In (9)  – كان ينبغي أن يخبر. – سأقص عليها قصصًا ثلاثًا.   في الأولى . أخبرالولد فعلاً بما عنده

من معلومات.    في الثانية طلب من أبيه أن يوجه السؤال إلى أخيه نفسه.   وفي الثالثة قال إن شقيقه لم يفعل شيئا.  فأي هذه الإجابات أحسن؟  – الأولى.  – لماذا؟   – لأنه أخبر بما فعله أخوه ما دام أبوه قد طلب منه ذلك.  – أي الطرق كانت أجمل؟  – الأولى.  – والأعدل؟  – الأولى أيضا.  – هل تعرف المقصود بالفتنة؟  – التبليغ عما فعله شخص آخر.  – وهنا؟  – إنه لم يفتن فقد فعل ما طلب منه.

 

وها هى ذى حالات لأطفال عارضوا الفتنة.

تيهو Tehu (106)   – لم أكن لأبلغ الأب لأن في هذا فتنة, وإنما أقول لقد كان حسن السلوك.  ولكن لو كان ذلـك صحيحا؟  – أقول إنه كان حسن السلوك.  – ولكن أحد الأولاد قال ليس هذا من شأني.  اسأله هو نفسه.  فهل هو محق في ذلك؟  –  لا أستطيع أن أقول إن هذا ليس من شأني وإنما أقول إنه كان حسن السلوك.

 

لا La (7.5)  – ما رأيك في هذا؟ – لم أكن لأبلغ عنه لأن أباه سيصفعه.  – فهل كنت تقول شيئا؟  – لا, وإنما أقول إنه لم يفعل سوءا.  – وإن سألك أبوك؟  –  أجيب بأنه لم يفعل سوءا.

 

فال Fal (8)  – هل كان ينبغي أن يبلغ عنه؟   – لا, لأن فى ذلك فتنة.  – ولكن الأب طلب منه ذلك؟  كان ينبغي ألا يقول شيئًا بل يقول إنه كان ظريفًا حسن السلوك.  – هل من الأفضل ألا تقول شيئًا,  أو ألا تجيب, أو أن تقول إنه كان ظريفًا حسن السلوك؟  – أن أقول إنه كان ظريفًا حسن السلوك.

برا Bra (9)  – لقد كان سيئ الخلق الذي فتن. – ولكن الأب طلب منه ذلك, فماذا يفعل؟  – ألا يفتن.

 

مكا Mcka (10)  – كان ينبغي أن يقول إنه لم يفعل أي شيء.  – ولكن أخاه عبث بدراجة أبيه وأتلف واحدًا من إطاراتها فلم يستطع الأب أن يستخدم الدراجة فى ذهابه إلى عمله في اليوم التالي, وتأخر في العودة.  – لا بأس, فما كان ينبغي أن يبلغ.  (ثم بعد تردد) كان عليه أن يبلغ حتى توضع الأمور في موضعها في الوقت المناسب.

 

وأخيرًا, لدينا مثلان لشخصين يترددان وهما، كما هي العادة، أكثر استنارة, فقد كشفا عن طبيعة الدوافع المتناقضة التي تقوم وراء كل من وجهتي النظر في الموضوع.

روب Rob (9)  – لا أعرف. – هل ينبغي على الولد أن يبلغ؟  – من جهة فهذا عدل لأن الوالد قد طلب ذلك.  – ثم ماذا ينبغي أن يعمل؟  – ربما أفضي لأبيه بحديث كاذب لأن (وإلا) فهو فتان ولكنه كان مجبرًا على أن يقول.  – أيهما أفضل: ذلك الذي أفضى بما فعله الأخ, أو ذلك الذي كذب؟   – ذلك الذي لم يفتن.  – وأيهما أكثر عدلاً؟  – ذلك الذي أبلغ, لأن أباه أوجب عليه ذلك.

 

فا Va (3و10)  – لقد كان على حق لأن أباه طلب منه إبلاغه.  (سكت وتردد)  – هل أنت متأكد أم متردد؟  – متردد. – لماذا؟  – لأني أرى أيضًا أنه كان يمكن أن يقول شيئًا حتى لا يعاقب أخوه.  – من الصعب أليس كذلك؟  – نعم.– إذن أيهما تراه أظرف؟   – ذلك الذي لم يفعل شيئًا.  – ما أحسن شيء يمكن للإنسان أن يفعله في مثل هذا الموقف؟  – أحسن شيء ألا يقول شيئا.  – وماذا كان ينبغي أن يقول؟  – إنه كان حسن السلوك.

 

والتركيب الآلي لهذه الأحكام واضح.  فهناك القانون والسلطة في جانب, فما دمت قد طلب منك أن تفضي فالإفضاء عدل.   من جهة أخرى, هناك الروابط بين الأطفال, فمن الخطأ أن تشي بطفل من أجل راشد أو, على أية حال, فما لا يسمح به أن تتدخل في شؤون جارك.   أما الاتجاه الأول فيسود بين صغار الأطفال وهو يرتبط بعوامل الاحترام للراشد التي درسناها قبلاً, أما الاتجاه الثاني فيسود بين الكبار من الاطفال لأسباب قتلناها بحثًا من قبل.  وهذا الاتجاه الثاني قد يكون أحيانًا من القوة بحيث يجعل الشخص يبرر الكذب كوسيلة للدفاع عن صاحبه.  (1)وهذا الحوار يقوم بدور أكبر من نتائجنا السابقة في بيان أوجه الاختلاف بين نوعي الأخلاق: أخلاق السلطة, وأخلاق الارتباط القائم على المساواة.   ونوع الحديث الذي استخدم مع الاطفال في هذه الناحية له قيمة عظيمة, ويستطيع الإنسان أن يقول إن المصطلحات التي استخدمها الأطفال لوصف السلوك في المدرسة تكفي للتمييز بين نوعي الاستجابة, أما التعبير الذي اتخذ نموذجًا للنوع الأول الواضح جدًا فهو “قديس صغير” ويقصد به الولد الذى يهمل رفاقه ويكتفي بأن يضع المدرس نصب عينيه.   فهو الذي يلزم جانب الكبار ضد الأطفال, إذ هو التلميذ حسن السلوك المطيع.   هذا هو السبب في أن بعض أطفال العاشرة إلى الثانية عشرة وصفوه “بأنه الولد الذى يمسك دائمًا بذيل أمه”, ” وهو ولد “وفيْ” و”فتان”.   على العكس من هذا “القديس الصغير” نجد “النوع الظريف”.  وهو الذي يقف أحيانًا ضد الأوامر ولكنه متمسك بقوة الترابط والإنصاف بين الأطفال.   فهو الطفل الذي يمنح غيره “كل ما عنده”, وهو الذي”لا يفتن”, وهو “الولد الذي يلعب مرة أخرى مع غيره في الوقت الذى يكون قد كسب كل الكرات”, وهو “إنسان عادل”, إلى آخره.

 

وهذا عمل سيكلوجي إن كان علينا أن نأخذ الناحية الأخلاقية.   ومع ذلك فإنا إذ وصلنا إلى صفة الفتنة فقد يكون من المناسب أن نثير موضوع أي النوعين سوف يتطور إلى النوع الذي نقول عنه, بصفة عامة, إنه “أفضل إنسان وأحسن مواطن”: “القديس الصغير” أم “الظريف”؟  على أساس نوع التربية القائم عندنا, فإنا نستطيع أن نقول مطمئنين إن “النوع الظريف” لديه كل فرصة لأن يبقى كما هو مدى الحياة, على حين أن “القديس الصغير” لا يمكن أن يصبح غير إنسان ضيق الأفق تسبق أخلاقه المعانى الإنسانية عنده.

 

والخلاصة التي نستخلصها من الحقائق المتقدمة يمكن أن توضع على النحو الآتي :

العدل في المساواة ينمو بازدياد السن على حساب الخضوع لسلطة الكبار ومرتبطًا بعلاقات الارتباط والتماسك بين الأطفال.   المساواة, إذن, يبدو أنها تنتج من عامل التبادل الخاص بالاحترام المتبادل, لا من آلية الواجبات التي تقوم على الاحترام من جانب واحد.


(1) قد يرجع ذلك إلى أن مثل هذه الاعترفات ليس من السهل تكوينها أو استنتاجها.   ولكنا تبعا لما نذكره فإن هذا الغش العادي -ولو أنه غير معترف به – إلا أنه لا يعتبر خطيئة, فحين كنا أطفالاً تعودنا طيلة سنين أن نقوم بواجباتنا المنزلية ونظمنا التعاونية معًا في الفصل في حدود إمكانياتنا, ولم يكن هذا العمل المستور عديم الفائدة إطلاقًا, ونستطيع أن نسترجع أشياء كثيرة تعلمناها عن طريق المنافسة مع زملائنا. ولكن من الطبيعي أن مثل هذا النوع من الأشياء يقضي على العمل الفردي إلى حد كبير, وهذه سيئة يخلو منها بصفة خاصة العمل المشترك الذي قد يتم أثناء النشاط المدرسي.

(1)  ينبغي أن نلاحظ هنا أن هذه الحالة كذب خالصة مقومة على أساس الدافع الذى يدفع إليها ، فالأفطال الذين يرون أن من الظرف أن تكذب لحماية شقيقك قد ذكروا لنا بكل وضوح أن هذا التصرف نفسه يعتبر سوءاً إذا قام به شخص دفاعاً عن نفسه هو .

#كمال_شاهين

#تطوير_الفقه_الاسلامي

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.