الحكم الاخلاقي لدى الطفل 18

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

CHILD JUSTICE.jpg

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 38

ولتحقيق هذا الغرض نجد أن من الضروري أن نعرف بدقة كيف يولد الاعتقاد في العدل الحلولي في الأشياء وكيف يختفى.  أكثر من ذلك, فإن العنصر العقلي لهذه العقيدة من طبيعته أن يسهل  حل هذه المسألة من أساسها.  وهناك ثلاثة حلول لهذه المسألة :  فقد يكون الاعتقاد في العدل الحلولي فطريًا, أو قد يكون نتيجة مباشرة لتربية الآباء, وقد يكون نتيجة غير مباشرة لقسر الراشد.  فهو إذن نتيجة يشارك في إيجادها عقل الطفل تحت تأثير الناحية المزدوجة العقلية والأخلاقية.

 

والحل الأول بعيد الاحتمال, فلقد قيل إن الاستمناء يؤدى إلى الإحساس بتأنيب الضمير وإلى عقاب ذاتي في التفكير وفي العمل.  لذلك من الممكن أن نستدل على وجود ميل عند الأفراد لرؤية علامات العدل الحلولي في حوداث الحياة.  ومن الحقائق الثابتة أننا لا نستطيع أن نكرر أنه يمكن أن نلاحظ فيمن يزاولون العادة السرية وجود خوف جزائي وحال فى الأشياء لا مجرد الخوف من آثار هذه العادة على صحتهم والخوف من العقاب الذي قد يحيق بهم إلى آخره, بل إن هناك ميلا لتفسير سوء الحظ الذي يصادفهم في الحياة على أنه عقوبات جلبها حظهم العاثر.  ولكن هل يمكن أن تنمو كل هذه الاتجاهات في طفل لم يحصل بعد على خبرة العقوبة؟  نحن على استعداد لقبول فكرة أن مثل هذه الىراء تظهر مستقلة عن أي تعليمات مباشرة للراشد كما يمكن أن تظهر في أطفال مختفية عمن حولهم.  ولكن هؤلاء المحيطين بهم هم السبب الغير مباشر في هذا الاعتقاد بالعقوبات التي تنشأ بطريقة آلية من الأشياء والحقائق التي من هذا النوع تبدو لنا أكثر تأييدًا للحل الثالث منها للحل الأول.  وهناك تحريمات كثيرة مرتبطة بالناحية الجنسية وهى تفرض على ردود الأفعال السرية التي يقوم بها الطفل في هذه الناحية منذ سني حياته الأولى مما يجعلها وكأنها حقيقية.  وعلى أية حال فإنه إن أردنا أن نبرهن على الصفة التلقائية الخالصة للعقوبة الذاتية والمعتقدات المتصلة بها فعلينا أن نربي طفلاً في ظروف خاصة إن لم نبعده تمامًا عن أي علاقة اجتماعية من أي نوع.

 

أما الحل الثاني فإن فيه شيئًا كثيرًا من الحقيقة؛ فكثير من الأطفال يرون أن السقوط أو القطع يتضمن عقوبة لأن آباءهم سبق أن قالوا لهم “أنت تستحق” أو “إن هذه عقوبة لك” أو إنها من فعل الله إلى آخره.  ومع ذلك فإنه حتى إذا كانت هذه العبارات تفسر غالبية الحالات فإننا لا نظن أنها تفسرها كلها. بمعنى آخر, نحن نعتقد أن المواقف التى كثيرًا ما تحدث, والتي يعتبر فيها الطفل – بشكل تلقائي – الحادثة التى كان هو فريستها عقوبة، كما نعتقد أن هذا قد يحدث دون أن يوحي الآباء بأي شيء مشابه في مواقف أخرى, والطفل – تبعًا لهذه النظرية – نظرًا لأنه تكونت لديه عادة العقاب بفضل قسر الراشد فإنه ينسب تلقائيًا إلى الطبيعة القدرة على تطبيق نفس العقوبات.   والحل الأخير في نظرنا فيه شيء من الحقيقة.

 

فإذا تركنا الحقائق الخاصة بالاستمناء فإننا نستطيع أن نذكر عدة أمثلة تبين لنا درجة السهولة التي يتبنى بها الطفل مثل هذه الاتجاهات الفعلية :

1-     ذكر لنا أحد الأطباء النفسيين المشهورين في سويسرا الألمانية أن أوضح ذكريات طفولته هي منعه من أخذ التفاح من سلة وذلك بقفل غطائها قفلاً غير متوقع فالسلة كانت مفتوحة فوضع يده فيها ولم يكن يعتبر نفسه لصًا ولكن بمجرد أن سقط الغطاء فجأة على ذراعه شعر بأنه يعمل خطأ وأنه في الوقت نفسه قد عوقب مع أنه لم يكن هناك من شاهد هذا المنظر.

2-    وذكرى أخرى لولد كان يجمع مجموعة من الحيوانات ليكون منها مجموعة كاملة في التاريخ الطبيعي وفي الأيام التي لم يكن يقوم بشئ كان يعنف نفسه ويقوم عنده إحساس أن محصوله ردئ وأنه كذلك بسبب سوء عمله.

3-     ولقد ذكرنا قبلا (R. M. p 136) حالة الأصم الأبكم استرلا Estrella التى درسها و. جيمس W.Jammes الذي ربط بين القمر والعقوبات التي وقعت عليه.

4-    كما وصفنا أيضًا (ص82 R.M.) رد الفعل المفرد الذي قام هؤلاء الأطفال الذين اعتبروا الكابوس عقوبة لأخطاء ارتكبوها أثناء النهار.

 

وفي هذه الملاحظات التي أضفناها يمكن أن نقول إن اتجاهات الأطفال تتشكل دون أي تأثير مباشر من جانب الراشدين, فالشخص هو الإنسان الوحيد  الذي يعرف ما حدث له وهو يأخذ حذره فلا يبوح بذلك لمن حوله.   حقا لا يمكن أن نبرهن على أن الأطفال لم يسمعوا آباءهم يتحدثون عن العدل الحلولي إذ يبدو أن كل الآباء يفعلون ذلك, ولكن السهولة التي يفسر بها الطفل كل شيء بصيغ العدل الحلولي تدل على أنا هنا أمام ميل متصل بعقلية الطفل نفسه, وهذا ما نريد أن نعمله.

 

فالاعتقاد في العدل الحلولي أصله انتقال العواطف إلى الأشياء، وهذه العواطف هي التي حصل عليها الطفل تحت تأثير قسر الراشد.  ولكن هذا لا يوضح تمامًا المعنى الأخلاقي لهذه الظاهرة, فإذا أردنا أن نوضحه فيجب علينا أيضًا أن نسأل كيف تختفى مثل هذه الاعتقادات أو, على الأقل, كيف تتضاءل أهميتها بازدياد العمر العقلى، فزيادة نقص الإجابات التي تشير إلى قيام هذه المعتقدات كلما زاد عمر الطفل هي نتيجة تستحق العناية.    فما هي العوامل التي تعمل على هذا النقصان؟

                                         

قد نعزو ذلك, بكل بساطة, إلى تزايد خبرة الطفل وتقدم قدراته العقلية.   فالخبرة تدل على أن سوء التصرف قد لا يقابله عقاب وأن الفضيلة قد لا تلقى جزاءً.  وكلما زادت قدرات الطفل العقلية كلما رأى ذلك واضحًا.  ومثل هذا الشرح ولو أنه صحيح إلى حد ما إلا أنه بسيط جدًا بحيث لا ينبغي أن نضعه في المقدمة ونعدل عما سواه.  فهذا الموضوع ليس من البساطة بحيث نسترشد فيه بالخبرة وحدها. ذلك أنه كلما حللنا السلوك القائم على الاسترشاد بالحقائق كلما بدت هذه العملية دقيقة ومعقدة؛ فالخبرة لا تتضمن الاشتراك الفعلي للذكاء وحده بل إنه لكي نقلل العوامل الفعالة التي قد تعرض تفسيرنا للخطأ فإنا بحاجة أيضًا إلى تفكير أخلاقي حقيقي, وهذه الأخلاق لا تظهر إلا في بعض أفراد أو في مواقف اجتماعية معينة.  وقد أوضح الأستاذ ليفي بريل M. Levy Bruhl توضيحًا تامًا أن الجماعات البدائية لا تتاثر بالخبرة على حين أن العقائد الحيوية للمجتمع كل مشتركة.  وإذا أمعنا النظر في الطريقة التي يستنبطها البدائيون لتبرير اتجاههم السحري عقب فشلهم المتكرر فإنه لا يسعنا إلا أن نفطن إلى معاصرينا ممن لا يتعلمون من الحقائق.

 

فإذا اخذنا العدل الحلولي وحده فكم من النفوس البسيطة لازالت ترى أنه حتى في هذه الحياة فإن أعمال الناس هي موضوع للثواب والعقاب العادل وهم يفضلون أن يفترضوا بعض أخطاء خفية لتفسير ما نال جيرانهم من سوء حظ عن طريق قبول فكرة القضاء والقدر التي يتعرض لها الجنس البشري.  وكثيرًا ما تستمطر النفوس الخيرة الرحمة لدفع البلاء بدلا من أن تفسر الحوادث مستقلة عن كل تخمين.   فمن الواضح إذن أنه حتي عند الراشدين فإن قبول نظرية العدل الحلولي أو رفضها هي مسالة لا ترتبط بالخبرة الخالصة ولا الملاحظة العلمية ولكنها تقوم على التقييم الأخلاقي والاتجاه العام.  فهي لذلك ليست مجرد خبرة بل خبرات أخلاقية من نوع معين توجه الطفل اتجاهًا دون آخر.  فما هي الخبرات التي نعنيها؟  يمكن أن نقول إنها اكتشاف النقص في عدل الراشد؛ فإذا وقع الطفل – كما يحدث كثيرًا – تحت تأثير معاملة غير عادلة من الآباء والمعلمين فإنه يكون أقل ميلاً للاعتقاد في العدل العام الآلي ونستطيع أن نذكر هنا الأزمة التي وضعها بوفيه M. Bovet في دائرة الطاعة البنيوية والتي هي  في غاية الأهمية من ناحية العقائد ولكن هذا الاكتشاف لصفة النقص في عدل الراشد هي ناحية استطرادية واحدة من الحركة العامة التي تخرج الطفل عن أخلاق القسر وتوجهه نحو التعاون.  ويبدو لنا أن هذه العملية ونتائجها بالنسبة لفكرة الجزاء هي التي يجب أن نلجأ إليها آخر الأمر لشرح التقلص التدريجي للعدل الحلولى.

 

4-       العدل الجزائي والعدل الموزع

في الفقرات الثلاث من هذا الفصل وصلنا إلى أن أهمية العقوبة التكفيرية تتناقص كلما زاد عمر الطفل وهي تصل إلى درجة أن قسر الراشد يحل محله التعاون.  والآن قد حان الوقت لأن ندرس الآثار الإيجابية للتعاون في دائرة العدل.  والقيام بهذه الدراسة يتطلب أن نحلل أولاً النزاع الذي يقوم بين العدل الموزع أو العدل المتساوي وبين العدل الجزائي.  ذلك أن من السهل – كما سنحاول بيانه فيما بعد – أن ندعي أن آراء المساواة تأخذ قوتها من التعاون وبذلك تتضمن شكلاً من أشكال العدل وهذا الشكل ولو أنه لا يعارض الأشكال الأكثر تقدمًا من العدل الجزائي (العقوبة التبادلية تعزى إلى تقدم مثل هذه الآراء) ومع ذلك فهو يعارض الأشكال البدائية للعقوبة وقد ينتهى بإعطاء الأفضلية للمساواة كلما كانت الأخيرة في نزاع مع الجزاء.

 

ومثل هذا النوع كثير الحدوث في حياة الطفل فكثيرًا ما يحدث أن الآباء والمدرسين يفضلون طفلاً على حساب غيره وعدم المساواة في المعاملة وإن كان عادلاً من وجهة النظر الجزائية إلا أنه ظالم من وجهة النظر التوزيعية, فكيف إذن يحكم الطفل عليها في مراحل حياته المختلفة؟  لهذه الغاية ألقينا على الأطفال موضع البحث ثلاث قصص, وكنا نسألهم في كل مرة عما إذا كان من العدل تفضيل الطفل الحسن السلوك.  وتبدو صعوبة هذا الحوار في أن السؤالين بالضرورة متداخلان في مثل هذه الحالات وهما السؤال عن قسوة الراشد (سؤال في الدرجة) والسؤال عن النزاع بين الجزاء والمساواة (سؤال في القاعدة).   والسؤال الثاني وحده هو المهم وإن كان يصعب التخلص من الأول.  وقد حددنا لأنفسنا التعبير الذي يتناول القصص على النحو الآتى : فالأولى منها لم تذكر أي خطأ معين وقد وضعت الصراع بين العدل الجزائي والعدل الموزع في شكل معنوي.  أما الثانية فقد عرضنا فيها أخطاء بسيطة نتيجة إهمال. وفي الثالثة والأخيرة عرضنا عقوبة تستلفت نظر الطفل لشدة قسوتها.  ورغم التباين الذي ظهر في إجابات الأطفال (الذي تدل عليه انحرافات الأعمار المتوسطة من أنواع الإجابات المرتبطة بها) فإن هذه الإجابات تتطور تبعًا لقانون ثابت نسبيًا؛ فالعقوبة عند الصغار من الأطفال تتفوق على المساواة أما الكبار فيرون عكس ذلك تمامًا.  وها هي ذي القصة الأولى.

 

كان لأم ابنتان صغيرتان إحداهما مطيعة والأخرى غير مطيعة, فأحبت الأم البنت المطيعة وأعطتها قطعة كبيرة من الكعك فما رأيك في هذا؟ وقد دلت الإحصائيات التي قامت بها الآنسة رمبرت Mlle Rambert على أن 70% من الأطفال بين 6 و9  أجازوا تصرف الأم و40% فقط ممن بين 11 و13.   وهذه الأرقام ذات قيمة من حيث دلالتها العامة فقط وها هي ذي بعض الأمثلة لأطفال وضعوا العدل الجزائي فوق المساواة.

 

باز Bar (6)   – إنه عدل, فالأخرى لم تكن مطيعة.   – ولكن هل من العدل أن تعطى واحدة أكثر من الأخرى ؟   – نعم فهذه يجب أن تفعل دائمًا ما تؤمر به.

فال Wal (7.5)   – كان يجب أن تعامل الاثنتين سواء.   وأما الخبيثة فكان ينبغى ألا تعطى شيئًا فقد كان يجب أن تكون طيبة كذلك.

جيز gis (7)    – هل كانت الأم على حق؟  – نعم, إذ يجب أن تطيع أمك دائمًا.  – وهل من العدل إعطاء إحداهما أكثر من الأخرى؟  – نعم وإلا فإنها تصبح أكثر عصيانًا ولا تعود الأم تحبها كثيرًا فهي تحب من يطيع أوامرها.

بي Be (9 و7 )  – لقد كانت على حق.  – وهل هذا عدل؟  – نعم حتى ترى الأخرى كيف تحبها لو أطاعتها وبذلك تصبح مطيعة.

فير Ver (8)  – لقد كانت على حق في أن تمنح من يعمل وفق إرادتها.  – وهل هذا عدل؟  – نعم، فلو كانتا مطيعتين لأعطت كلاً قطعة كبيرة.

جرا Gra (9.4) – كان ذلك عدلاً.  – لماذا؟  – لأنها فعلت ما أمرت به وكان ينبغى عقاب الأخرى.    – وهل من العدل أن تحب الأم واحدة أكثر من الأخرى؟  – نعم, فإن الأخرى غير مطيعة.

هرب Herb (9.10)  – إنه عدل لأن المطيعة ينبغي أن تنال أحسن الأشياء, فحين نطيع يعطينا الناس أحسن الأشياء.

بيت Pit ( 9 )  – هذا عدل, لأن المطيعين يستحقون أكثر من العصاة.  – وهل من العدل ألا تحبهما سواء؟  – نعم.

با Ba (10.5)   بنت تعتبر الأولى في فصلها, بلغ من كرم أخلاقها أن عدها الأطفال (قديسة صغيرة)    – هل ما فعلته الأم عدلاً؟  – لقد كان غاية العدل (وهزت كتفيها) لأنها زادت في منحة من تطيعها.

ديا Dea (11)   – لقد كانت الأم على حق.  – لماذا؟  – لأنها كانت مطيعة وليست الأخرى على حق في أن تأخذ ما أخذته المطيعة.

 

وها هي ذي أمثلة لأطفال وضعوا المساواة فوق العدل الجزائي :

مون Mon (6)   – هل هذا عدل؟  – لا إذ كان يجب أن يكون نصيب الاثنتين سواء.   – لماذا؟   – ….   وهل ما فعلته الأم كان عدلا؟  – لا.

 

رى Ri ( 6-7 )    – كان يجب إعطاء الاثنتين بعض الكيك.   – لماذا؟  – لأن ذلك إن لم يحدث فليس هذا عدلا.

 

سكا Sca ( 6-7 )   – أعاد القصة صحيحة, وكان يعرف أن المقياس المتضمن مقياس ضابط ولكنه أكد أن هذا عدل, فكان يجب دائمًا أن تعطي الاثنتين نصيبًا متساويًا, فمثل ذلك مثل ما يحدث في البيت حين تكون هناك قطعة من الكعك أكبر من الأخرى فإذا أخذتها لنفسي استرجعتها أمي مني.

 

با Pa (8)   – كان يجب أن تعطى كلاً نصيبًا متساويا.   وبا يعرف أن إحدى البنتين قد أعطيت قطعة أصغر من الأخرى إذ أنه ينبغى أن تكون طيبة ولكنه أصر على ضرورة المساواة في المعاملة.

 

مير Mer(6-9 )   ( بنت)   – البنت غير المطيعة كان ينبغى أن تكون مطيعة ولكن الأم كان يجب عليها أن تعطيها نفس النصيب الذي أعطته لأختها.   – لماذا؟  – حتى لا تجعل الناس متحاسدين.

 

بريس Pres (10)  – على الأم أن تحب الأخرى أيضًا وأن تشفق عليها, فقد يكون ذلك مدعاة لجعلها أقرب إلى الطاعة.   – وهل من العدل أن تعطى المطيعة نصيباً أكبر؟  – لا.

 

تيه The (7-10)  (بنت)   – كان يجب أن تجعل نصيب كل سواء.   – لماذا؟  – لأنهما ابنتاها, فكان ينبغي أن يكون حبها لهما سواء.

 

سن Son (7-10) – إن أعطت البنت الظريفة نصيبًا أكبر فإن الأخرى تصبح أسوأ مما هي.  – ولكن هل لم يكن من العدل أن تعطي المطيعة أكثر؟  – لا.  – لماذا؟  – لأنه ما كان ينبغي أن تعطيها كل شيء لمجرد أنها ظريفة.

جاكس Jax (11)  – لقد أخطأت الأم.  – لماذا؟  – كان يجب أن تعطي كلا قطعة من الكعك بنفس الحجم فربما لم تكن غلطتها أنها غير مطيعة فقد تكون غلطة الأبوين.  – لا لقد كانت غلطتها هي.   – ومع ذلك فالرأي عندي أنه كان يجب إعطاؤها نفس قطعة الكعك.

 

ديس Dis (11)  (بنت) – كان يجب أن يكون نصيب الاثنتين سواء.  –  لماذا؟  – لأن ذلك يجعلها أسوأ وأسوأ ويجعلها تحب الانتقام من أختها.  – ولماذا تنتقم؟  – لأنها أخذت قطعة صغيرة من الكعك فقط.      – وهل كان ما فعلته الأم عادلاً؟    – لا, ليس عدلاً.

 

إرى Eri (12.5)    – كان يجب أن تحب الاثنتين سواء فلا تفرق بينهما.   قد تحب المطيعة أكثر ولكن يجب ألا تظهر ذلك حتى لا تجعلهما متحاسدتين.

 

هول Hol (12.5) (بنت)  – رغم أن الأخرى لم تكن مطيعة فإنه يجب ألا تفرق بينهما بل تعاقبها بطريقة أخرى.  – لماذا يجب ألا تقيم فرقًا؟  – يجب أن يحب الاولاد سواء إذ أحيانًا تحقد عليها الأخرى.

 

ماج Mag (11-12) : (بنت)  – ليس هذا عدلاً, فربما لا يكون خطأ البنت غير المطيعة, ولذلك كان ينبغى أن تعلم لا أن يقل حبها وإلا فإنها تزداد خبثًا.

 

ديج Dej (2-13) :  – لم يكن ذلك عدلاً, بل على العكس كان ينبغى على الأم أن تكون عادلة معها فقد يؤدي ذلك إلى أن يتحسن سلوكها فربما بهذه الطريقة تزداد حقدًا وحمقًا أكثر مما كانت.  مهما كان أولادك فعليك أن تحبهم سواء.

 

بورت Port (10-13) : (بنت) – لم يكن عدلاً, فإن الأخرى وقد رأت نفسها غير محبوبة فلن تهتم بتحسين سلوكها.

 

ونوعا الإجابة يتباينان تباينًا واضحًا؛ فعند الصغار من الأطفال نجد أن الحاجة إلى العقوبة قوية لدرجة أن موضوع المساواة لا يكاد يظهر أما عند الكبار منهم فإن العدل الموزع يتفوق على الجزاء حتى بعد مناقشة البيانات المناسبة.   حقيقة أن نوعي الإجابة يمكن أن نجدهما في كل سن ولو بنسب مختلفة ولكن من الطبيعي – إذا اخذنا مجموعة التأثيرات المتوقعة – أنه في مثل هذه النقطة الدقيقة يجب أن يظهر الحكم الأخلاقي أقل انتظامًا مما هو عليه في حالة استغراقه في حقائق أخلاقية أبسط وأكثر موضوعية؛ ففي البيوت التي تكال فيها العقوبات على نطاق واسع والتي تكون فيها القواعد صارمة وتثقل كاهل الأطفال, تجد أن هؤلاء الأطفال إن لم يخرجوا سرًا عليها فإن اعتقادهم في تفوق العقوبة على المساواة في المعاملة يستمر مدة أطول.  أما العائلات الكبيرة التي تعتمد فيها التربية الأخلاقية على الأخذ بالأمثلة أكثر من اعتمادها على رعاية الآباء المستمرة فإن فكرة المساواة يمكن أن تنمو مبكرة ولهذا يصعب وجود مراحل محددة في علم النفس الأخلاقي ولذلك كان أهم ما لاحظناه هو التطور الذي تم بين السادسة والثالثة عشرة والذي تقسمه التاسعة إلى قسمين.    ذلك أن الفرق بين 70% و 40% فرق واضح وخصوصًا إذا تذكرنا أن بعد سن 12-13 فإن أفضلية العقوبة وجدت في 25% فقط من الحالات التي درسناها .

 

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

الحكم الاخلاقي لدى الطفل   – 39

وقبل أن ننتقل إلى دراسة القصتين الأخريين للاستفادة منهما دعنا نقف مرة أخرى لنرى درجة الاختلاف في اتجاهات الأطفال الذين يعطون الأفضلية للجزاء عن اتجاهات الآخرين الذين يطالبون بالمساواة التامة.  فالمجموعة الأولى من الأطفال لا تحاول أن تفهم سياق الحديث السيكولوجي؛ فالأعمال والعقوبات عندهم هي بمنتهى البساطة المادية بحيث يمكن أن تتوازن, وهذا النوع من الميكانيكية الأخلاقية وهذه المادية في العدل الجزائي تشابه تمامًا الواقعية الأخلاقية التي درسناها قبلاً, وتجعل الأطفال لا يتأثرون بالجانب الإنساني للمشكلة.

 

وفى الوقت نفسه فإن معظم الإجابات التى اقتبسناها كأمثلة لسيادة ميول المساواة تدل على قيام إحساس أخلاقي دقيق.  مثال ذلك أن تفضيل الأم للطفل المطيع قد يثبط همة الطفل الآخر أو يجعله حقودًا أو يؤدي إلى ثورته، وهكذا.  وكل الأدلة القوية التي أشار بريس Bres وإريEri وسن Son كافية للدلالة على أن الطفل لم يعد يلقي علينا قليلاً من الوعظ كما يفعل دعاة العقوبة ولكنه يحاول ببساطة أن يفهم الموقف فهمًا من الطبيعي أن يقوم على أساس خبرته وملاحظاته في الحياة.  هذا المعنى الذي نميز به بين التعاون هو مصدر الفهم المتبادل وبين القسر الذي هو مصدر اللفظية الأخلاقية – على أن جاكس Gax قد سار شوطًا أبعد من ذلك فرأى أن عصيان الأطفال لا يرجع دائمًا إلى خطئهم بل قد يعزى الخطأ في ذلك إلى الآباء، وإنا لنقدر وجهة النظر المقدمة في هذه العبارة حق قدرها كعلماء للنفس فإن الراشد العادي قد لا يكون قادرًا على استخدامها.    باختصار, يمكننا أن نقول إن الأطفال الذين يضعون العدل الجزائي فوق العدل الموزع هم أولئك الذين يتمسكون بوجهة نظر قسر الراشد، أما أولئك الذين يضعون المساواة في المعاملة فوق العقوبة فهم أولئك الذين في علاقاتهم بغيرهم من الأطفال، أو أحيانًا فى علاقات الاحترام المتبادل التي تقوم بينهم وبين الراشدين، قد استطاعوا أن يتعلموا المواقف النفسية وأن يحكموا علي أساس قواعد لنوع أخلاقي جديد.

 

ويمكن أن نلاحظ ملاحظة عابرة كيف أن نتائج هذا الحوار تؤيد النتائج التي وصلنا إليها في الفقرة 1 فيما يتعلق بآراء الأطفال في فائدة العقاب؛ فأكثرية الكبار ممن استجوبناهم يرون أن الطفل الذي شرحت له نتائج أعماله أقل تعرضًا للانتكاس الأخلاقي وليس الطفل الذي عوقب عقابًا شديدًا.  وبالمثل في الموضوع الذي نحن بصدده نجد أن العقوبة المنظمة يظهر أنها ضارة للأشخاص ممن لهم بصيرة نافذة في حياتهم العائلية والاجتماعية.

 

والآن ننتقل إلى القصة الثانية والغرض منها تحليل نفس المشكلة من حيث صلتها بالأعمال التافهة الخالية من كل أهمية أخلاقية:

“بعد ظهر أحد أيام العطلة أخذت أم أطفالها للنزهة على شاطئ الرون وفي الساعة الرابعة أعطت كلاً منهم رغيفًا فبدأ كل منهم يأكل رغيفه عدا الطفل الصغير فقد كان غير مكترث وترك رغيفه يسقط في الماء.  فماذا فعلت الأم؟  هل تعطيه رغيفًا آخر؟  وماذا يقول الكبار؟”.   والإجابة يمكن أن تكون على ثلاثة أنواع : ألا تعطيه رغيفًا آخر (عقوبة), أو أن تعطيه رغيفًا آخر مراعاة لصغر سنه (الإنصاف), وهو مساواة تدعو إليها الظروف.  وفي هذه الحالة بالذات الظروف هي الفروق في السن.   وقد حصلت الآنسة رمبرت Mlle Rambert على الأرقام الآتية بعد استجواب 167 طفلاً.

  العقـــاب المســـاواة الإنصــاف
ســن 6 – 9 48% 35% 17%
ســن 10 – 12 3% 55% 42%
ســن 12 – 14 صفر % 5% 95%

 

وقد قمنا باستجواب أطفال آخرين عن طريق تنويع القصة نفسها وذلك بوضعها فى إطار يقلل من عامل الإنصاف الذي يدعو إليه الفرق في السن:

“كانت الأم تتنزه في قارب صغير على البحيرة مع أطفالها وفي الساعة الرابعة أعطت كلاً رغيفًا فبدأ أحدهم يلعب في مؤخرة القارب فسقط رغيفه فماذا تفعل الأم؟  هل تعطيه رغيفًا بدلاً منه؟  أو أن يعطيه كل طفل من إخوته قطعة صغيرة من رغيفه؟   “كانت النتيجة على النحو التالي:  من 6 – 8 سنة 57% مع العقوبة – 43% مع المساواة.  وفيما بين 9 – 12 سنة نجد أن 25% مع العقوبة – 75% مع المساواة .وها هي ذى أمثلة من الإجابات التي تؤيد العقوبة :

فا Va 6.5  – ينبغي ألا يعطى أي شيء آخر لأنه ترك رغيفه يسقط.   – وماذا يقول الأخ الأكبر؟  – لم يكن مسرورًا لأن الصغير أسقط رغيفه في الماء, فقد قال إن هذا عمل سيء منه.   – وهل من العدل أن يعطى أي شيء آخر؟  – لا، إذ كان ينبغي ألا يسقط رغيفه.

مون Mon (6.5)  ( بنت )   – يجب ألا يعطى أي شيء آخر.  – لم لا؟  – لأن الأم غير مسرورة.        – وماذا تقول عنه أخته الكبيرة؟   – أن يعطى رغيفًا آخر (لاحظ المعارضة بين الاتحاد والجزاء 1).

بيل Pail (7)   – ما كان ينبغي إعطاؤه رغيفًا آخر إذ كان عليه ألا يسقط رغيفه.   – وماذا يقول الكبار إن أعطى رغيفًا آخر؟  – إنه ليس عدلاً فهو قد ألقى برغيفه في الماء ثم تعطيه رغيفًا آخر؟  – هل من العدل أن تعطيه رغيفًا آخر؟  – لا، فهو لم يكن ولدًا طيبًا.

ديد Ded (8)    – ما كان ينبغي أن تعطى رغيفًا آخر لأنها قد أسقطت رغيفها.   – وماذا فعلت الأم؟      – لقد نهرتها.   – وما رأي إخوتها الكبار؟  – إن هذا عدل لأنها لم تكن حذرة.

وى Wy (9)   –  يجب ألا تعطى شيئًا آخر.  – لماذا؟  – كعقوبة.

 

فالإجابات التي انحازت إلى جانب العقوبة بقصة القارب من الطبيعي أن تكون من نفس النوع.  وهاهما مثالان آخران سوف يبينان إلى أي حد يبقي المقياس غيريًا ومعتمدًا على رغبة الآباء, وذلك فى حالة أولئك الذين يقدمون الجزاء على المساواة.

شما Schma (7) – ما كان ينبغي أن يلعب في مؤخرة القارب, ويجب أن نربيه.  – إذن, ما كان ينبغي على الأم أن تفعل؟ – ألا يتقاسم إخوته طعامهم معه.  – وإذا قالت الأم إن إخوته يجب أن يقاسموه؟        – عندئذ يجب أن يطيعوا الأم.  – ولكن هل هذا عدل أم لا؟  – عدل لأنه يجب أن تفعل ما تأمرك به أمك.

 

جون Jun (9) – يجب ألا يقتسموا معه لأنها غلطته.   – ولكن إخوته قرروا أن يقتسموا معه, فهل هذا عدل؟ – لا أعرف.  – وهل هذا منهم ظريف؟  – نعم, ظريف.  عادل وظريف.  – أكثر ظرفًا أم أكثر عدلا؟   –  لو كانت أمهم قالت لهم أن يتقاسموا فهل هذا عدل؟  – نعم, حينئذ يكون عدلاً؟

 

وها هي ذي حالات لأطفال تتفوق المساواة عندهم على ضرورة العقاب. ومما لاشك فيه أنه يمكن أن يوجد في المجموعة السابقة أشخاص يتحيزون إلى جانب المساواة، فالولد يجب عقابة وإلا فإنه يأخذ رغيفين وهذا يخالف المساواة ولكن هذا التحليل للرأي مشتق فقط وهو مرتبط فقط بالعقاب، أما الأطفال الآخرون فهم يتحمسون أولاً لفكرة البحث وراء المساواة التي يضعونها فوق أي نوع من العقوبة.

سكا Sca (7)   –  يجب أن يعطى الصغير رغيفا آخر لأنه جوعان.  – وماذا يقول الآخرون؟  – يجب أن يعطى بعض الخبز لأنه لدى الكبار خبز فيجب أن يكون لديه أيضًا.

زى Zi (8) – يجب أن يعطى بعض الخبز لأن صغار الأطفال ليسوا ماهرين فلا يعرفون ماذا يفعلون.     – وهل هذا عدل بالنسبة للولد الكبير أم لا؟  – ليس عدلاً, فالولد الكبير لا الصغير يجب أن يحتفظ برغيفه.   – الكبار يجب أن يقتسموا معه.

بير Per (11) – يجب أن يعطى بعض الخبز لأن الرغيف لم يسقط نتيجة خطئه وليس من العدل أن يعطي أقل من إخوته.

أكسا Xa (12) – يجب أن يستعيد بعض ما فقد. أي أن يؤخذ منه القدر الذي أكله.  – وماذا يقول الآخرون ؟   – إن كانوا ظرفاء قالوا إنه يأخذ مثل ما أخذنا وإن لم يكونوا كذلك قالوا فليعطى حقه.

ميل  Mel (13) – ينبغي أن يقسم ما بقي عند الأطفال ويعطى نصيبه منه.   – وهل من العدل أن يعطى شيئًا آخر؟  – نعم, ولكن الطفل كان ينبغي أن يكون أكثر حذرًا.   – ماذا تقصدين بلفظ  “عدل”؟  – أقصد به المساواة بين الجميع.

 

وها هي ذي بعض إجابات أخرى حصلنا عليها من قصة القارب.   وهذه القصة تختلف عن السابقة في أن الخطأ واضح جدًا عند الطفل الذي فقد رغيفه وفي أن الطفل المخطيء ليس هو أصغر الأطفال ولذلك فهناك فرصة أكبر للانحياز إلى جانب العقوبة ضد المساواة.   ومع ذلك كانت الإجابات نفس الإجابات التي حصلنا عليها في الحالة السابقة والرغبة في المساواة بين سن 7 – 8 تعارض العقوبة التي يتطلبها الراشد.

فال Wal (7)- كان يجب أن يقتسموا ولكن الأم قالت لا.  – لقد نال حقه فقد أساء التصرف فيجب ألا يقاسموه.   – فهل هذا عدل؟  – ليس عدلاً لأنه أخذ أقل من الآخرين.  – وحين يسيء الناس التصرف فهل من العدل أن يعطوا أقل من الآخرين؟  لو أنك كنت الولد فماذا كنت تقول؟  – أن يعطى بعض الشيء.

زى Zea (8)   – كان يجب أن يقتسموا.   – هل من العدل أو الظرف فقط أن يقتسموا؟  – من العدل.      – ولكن الأم قالت لا إنها غلطته؟  – لا يهم, فأنا أرى ضرورة الاقتسام حتى إذا قالت الأم لا.  – نعم يجب أن نشاركه.

روب Rob (9)- كان يجب أن يعطى بعض الخبز ولكنه أساء التصرف.   – يجب أن يقاسموه.  – وماذا فعل؟  – لقد كان يلعب وأحيانًا تفقد نقودك بنفس الطريقة, وهذا أشد سوءًا.   – ولكن الأم قالت يجب ألا يميل نحو الحافة, فماذا كان ينبغي أن تقول هي؟  – أن يعطي بعض الشيء أم لا؟  ألا يقتسم معه؟  وماذا كان ينبغي أن يقول الآخرون؟  – أن يقاسموه لأنه ليس عدلا.

شمو Schmo (10)  – كان يجب أن يعطيه كل طفل قطعة صغيرة.  – وهل هذا من العدل أو من الذوق فقط؟  – في هذا ذوق كما فيه عدل أيضًا.   – وإذا قالت الأم إنهم يجب أن يقاسموه؟  – يجب أن يطيعوا الأم وإن كان ذلك ليس عدلاً.

 

والآن ننتقل إلى حالات لأطفال وإن لم يكونوا قد ألموا بالألفاظ الضرورية ولكنهم ميزوا تمييزًا قانونيًا بين الإنصاف والعدل. فهؤلاء الأطفال يرون أن العدل الخالص يقضي بالنسبة لمن أسقط رغيفه بألا يعطى شيئاً آخر لأنه أخذ نصيبه كغيره وإذا فقد ما أعطى فهذا يعنيه وحده ولكن إضافة إلى اعتبارات العدل الخالص فظروف الفرد يجب أن يعمل حسابها.    فالطفل صغير سيء التصرف إلى آخره ولذلك فإن تفوق المساواة يقضي بأن يعطى بعض الشئ.   وهذا الاتجاه الخبيث نصادفه فقط في الأطفال بين 9 إلى 12 أما قبل هذا فإن الطفل عنده هذه الأفكار ولكنه لا ينجح في التمييز بينها وبين اتجاهات العدل الخالص والبسيط.     وها هي ذي بعض الأمثلة :

ديب dep (9)   (بنت)  – يجب أن يعطى بعض الشيء.   – وماذا يقول الكبار؟  – إن ذلك ليس عدلاً فقد أعطت الأم اثنين للصغيرة وأعطت كل منا واحد.  – وماذا ينبغي أن يكون عليه جواب الأم؟ – أنها صغيرة ويجب أن تكونوا معقولين.

برا Pra :   – ما كان ينبغي أن يدع الرغيف يسقط فلا ينبغي أن يعطى غيره ولكن العدل الأكثر يقضي بإعطائه بعضًا آخر ولذلك يجب أن يعطى غيره.  – وهل هذا أكثر عدلاً أم أكثر رحمة فقط؟  – أكثر رحمة فقط لأنه ما كان ينبغي أن يذهب فيسقط الرغيف في الماء.

كامب Camp (11)  (بنت)  – كان على الولد الصغير أن يحترس ولكنه ما زال صغيرًا ولذلك يحسن أن يعطى قطعة صغيرة أخرى.  – وماذا يقول الآخرون؟ – تتولاهم الغيرة ويقولون إنه يجب أن يعطوا قطعة أخرى صغيرة أيضًا ولكن الولد الصغير يستحق أن يعطى قطعة صغيرة أخرى وذلك ما كان ينبغي أن يفهمه الأطفال الكبار.  – وهل ترين أن من العدل أن يعطى قطعة أخرى؟ – طبعًا.  فقد تولى الصغير الخجل وحين تكون صغيرًا فأنت لا تعرف كيف تتصرف.

 

والآن ننتقل إلى القصة الثالثة فنشرح الموضوع باختصار.  ولقد أكدت الإجابات النتائج التي وصلنا إليها حتى الآن, ولكن نظرًا لأن العقوبة في مثل هذه الحالة كانت قاسية بنوع خاص فإن الشعور بالمساواة سرعان ما يسود على الحاجة إلى الجزاء:   

“كانت هناك أسرة كثيرة الأولاد وكانت أحذيتهم جميعاً بالية وبها ثقوب, ولذلك طلب منهم أبوهم يومًا أن يخلعوا نعالهم ويعطوها للإسكافي ليصلحها فيما عدا واحد منهم كان قد عصي أباه ولذلك قال له : “لا تذهب إلى الإسكافي واحتفظ بالثقب في نعلك ما دمت غير مطيع”.  ولقد انقسم أطفال 6 – 7 إلى 50% مع المساواة – و 50% مع العقوبة ولكن بعد سن 8 فإن حوالي التسعة أعشار يؤيدون المساواة في المعاملة.  وها نحن أولاً نسجل مثالين ممن أجازوا مثل هذه العقوبة :

نو Neu (7) – ما رأيك في هذه العقوبة؟ – إنها عادلة.  – لماذا؟  – لأنه لم يكن مطيعًا.

فال Fal (7)  – إنها عادلة.  – لماذا؟  – لأنه كان ولدًا خبيثًا.  – هل من العدل أم من الظلم ألا يرقع حذاءه؟  – إنه عدل.  – لو كنت أنت الأب فهل تصلح حذاءه؟ – لم أكن لأصلحه. 

 

كذلك نسجل هنا بعض الأمثلة ممن تحيزوا للمساواة.

روب Rob (9)- لم يكن ذلك من العدل في شيء.  – لماذا؟  – لأن أحد الأولاد يكون حذاؤه جيدًا على حين أن الآخر يبتل قدمه.  – ولكنه لم يكن مطيعًا….. فما رأيك في هذا؟  – هذا ليس عدلاً.

نس Nus (10)- ليس عدلاً.  – وماذا ينبغي أن يفعل الأب؟ – أن يعاقبه بطريقة أخرى.

 

وهكذا نجد انه مهما تنوعت قصصنا فإن الإجابات دائمًا واحدة.    ففي حالة الصراع بين العدل الجزائي والموزع نجد الصغار دائمًا إلى جانب العقوبة أما الكبار فيتجهون إلى جانب المساواة في المعاملة.  والنتيجة دائمًا هي هي سواء كنا نبحث في العقوبات التكفيرية المحدودة, كما في القصص 1 – 3, أو في العقوبة التي هي نتيجة العمل, كما في القصة 2.   ونستطيع دون دخول في الشرح أن نلاحظ فوق ذلك تلك الحقيقة القائلة بأن إجابات الأطفال عن الحوار، أي تفكيرهم النظري، يتأخر دائمًا كما في حالة الأخلاقية الموضوعية عامًا أو عامين عن استجاباتهم في الحياة الواقعية, أو, بمعنى آخر, عن شعورهم الأخلاقي الفعلي.   فطفل السابعة, مثلاً, الذي يعتبر العقوبات التي ذكرناها في قصصنا عدلاً, لاشك  في أنه سيعتبرها غير عادلة إذا طبقت عليه أو على أصدقائه.  فالحوار, إذن, يحرف الحكم الأخلاقي بالضرورة ولكن الموضوع هنا كما كان قبلاً هو أن يعرف ما إذا كانت النتائج التي يوصلنا الحوار إليها تأتى  متخلفة عن الحياة الواقعية أم أنها لا ترتبط بأي شيء مما في الخبرة. ونحن نعتقد كما في حالة الأخلاقية المادية أن المسألة مختلفة, وأن نتائجنا ترتبط فعلاً بما يمكن ملاحظته في الحياة الواقعية وإن كانت تنفصل عنها بفترة تخلف.   وبالإجمالي نستطيع أن نقول إنه إذا كانت العقوبة لها اليد الطولى في السنوات الأولى فإنها بالتدريج تفسح المجال للمساواة مع نمو إدراك الطفل.

 

فماذا وراء هذا التطور؟  من الواضح أن المساواة سوف تسود على العقوبة عن طريق التبادلية ما دامت الأخيرة مشتقة منها.  أما فيما يتعلق بالعقوبة التكفيرية فليس لدينا من جديد نضيفه إذ من المستحيل أن نرى كيف أن مثل هذه الفكرة يمكن أن تظهر لولا تأثير الراشد.   وليس هناك فكرة الصحيح والخطأ ما تتضمن الثواب و العقاب.   بمعنى آخر فإنه يعزى إلى عوامل التداعي الخارجية وحدها ارتباط عواطف حب الغير وحب الذات مع توقع الثواب والعقاب.   وإذا كان الأمر كذلك فكيف تظهر هذه الروابط إن لم تُعزَ إلى تلك الحقيقة القائلة بأنه منذ بدء الحياة نجد أن سلوك الطفل يخضع لعقوبات الراشد.

 

ولكن إذا كان الأمر كما ذكرنا فكيف نبحث وراء الحقيقة القائلة إن العدل الجزائي – وهو صاحب السلطان في كل حالات النزاع مع العدل الموزع خلال سنوات الطفل الأولى – يمكن أن تتلاشي أهميته بازدياد العمر الزمني للطفل.  من الصعب أن نؤكد أن الخوف من العقوبات في سن العاشرة أقل منه في سن السادسة.  حقيقة الأمر,وعلى العكس من ذلك تماما, نجد من سن السابعة إلى الثامنة وما بعدها أن العقوبات المدرسية تضاف إلى عقوبات الأسرة.  وحتى إذا كانت العقوبات أقل حدوثاً في هذه السن منها في سن الرابعة أو الخامسة فإنها, من جهة أخرى, قد أصبح لها تأثير يجعلها أكثر قابلية للضغط على عقل الأطفال.  على ذلك, فإن الإحساس بالعدل الجزائي ينبغي أن يزداد كلما زاد عمر الطفل, وأن يكون من القوة بحيث يطغى على الرغبة في المساواة كلما ظهرت.   فلماذا لا يحدث ذلك؟  من الواضح أن ذلك يرجع إلى تدخل عامل جديد, فالرغبة في المساواة أبعد ما تكون عن أن تأخذ شكلاً واحدًا في كل الأعمار بل يبدو أنها, على العكس من ذلك, تزداد قوة كلما تقدم النمو الاخلاقي.  ولهذه المسألة حلان : فقد تكون المساواة كالعدل الجزائي من ثمرات احترام الطفل للراشد, فبعض الآباء كثير الإرتياب فيما يتعلق بالعدل فهو يلقن أطفاله إحساسًا دقيقاً بالمساواة.   وهكذا نجد أن العدل الموزع ما هو إلا وجه آخر لقسر الراشد.   ولكن ربما كانت الحالة هي أن فكرة المساواة بعيدة عن أن تكون نتيجة مباشرة لضغط الآباء والمدرسة وإنما تنمو أساسًا أثناء تبادل الاستجابات بين الأطفال, ويكون ذلك أحيانًا على حساب الراشد وغالبًا ما يكون الولد الظالم هو الذي عليه أن يتحمل وزر ما عمل.   يعمل هذا على جعل الإنسان على دراية بقوانين المساواة.   من الصعب, على أية حال, أن نرى كيف أن مثل هذه الفكرة قد يكون لها قيمة حقيقية عند الطفل قبل أن تقوم علاقة بينه وبين نظرائه سواء في البيت أو في المدرسة.  أما العلاقة بين الطفل والراشد فلا تؤدي إلى قيام المساواة.   وما دامت المساواة لا تنشأ إلا من العلاقة التبادلية بين الأطفال فإن نموها يجب أن يتأخر عن التطور في التعاون بينهم.

 

نحن لا نستطيع حتى الآن أن نقرر اختيار نظرية من بين هاتين النظريتين.  فالتحليل الذي سوف يتلو هذا قد وضعناه لتسهيل اتخاذ هذا القرار, وإن كانت الحقائق التي عرضناها تؤيد الحل الثاني فقد لاحظنا أن مؤيدي العدل الجزائي ليسواهم عادة أكثر علماء النفس نفورًا فهم أقرب إلى أن يكونوا معتذرين منهم أخلاقيين أو سيكولوجيين.  أما مؤيدو المساواة, فعلى العكس من ذلك, قد برهنوا على قيام إحساس دقيق بالتميز الأخلاقي لديهم وهذا الإحساس يظهر أنه في الغالب نتيجة التفكير في سوء التصرف الأخلاقي للراشد.  على أية حال, اتضح مقدار القوة التي يميز بها الأطفال بين أسباب العدل وقوانين السلطة ولكن هذا كله ليس إلا مجرد تخمين وعلينا أن نتابع تحليلنا للعدل الموزع والمساواة بين الأطفال.

#كمال_شاهين

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.