الحكم الاخلاقي لدى الطفل 13

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

CHILD JUSTICE2.jpg

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 34

2- المسؤولية الجماعية والمسؤولية الانتقالية

لقد أهملنا مسألة من المسائل بقصد دراستها على انفراد وقد آن لنا أن ندرسها مرتبطة بالعدل الجزائي. فهل يعتبر الأطفال من العدل – بشكل عام أو في الحالات التي لا يكون فيها المذنب معروفًا – أن يعاقبوا كل المجموعة التي ينتمي إليها هذا المذنب؟  ولهذا السؤال مزدوجية من الناحية التربوية, والنفسية, والاجتماعية.  فهو مهم من الناحية التربوية لأن العقوبة الجماعية قد أخذ بها فعلاً لمدة طويلة في الفصل ورغم الاحتجاجات العديدة التي أثيرت ضد استخدامها, فإنها مازالت أكثر انتشارًا مما قد يظن. إذن, فهناك أهمية معينة ترتبط بالطريقة التي تؤثر بها هذه العادة على عقل الطفل. وتاريخ قوانين العقوبات يدلنا على أن المسؤولية قد ظلت لمدة طويلة جماعية وانتقالية ولم تصبح “شخصية” إلا منذ وقت قريب نسبيًا ومع ذلك فإن الآراء البدائية ما زالت قائمة إلى وقتنا هذا في كثير من العقائد الدينية. والأستاذ فوسونيه M.Faucornet في كتابه العظيم الذي تحدثنا عنه قبلاً والذي سوف نرجع إليه مرة أخرى، قد أوضح لنا طريقة فكرة المسؤولية الانتقالية بفكرة المسؤولية الموضوعية.  فالطفل الآن كما ذكرنا قبلاً قد أصبح يعتقد في المسؤولية الموضوعية, فهل هناك إذن ميل موازٍ ومكمل لإدراك مسؤولية كالمسئولية الانتقالية؟

 

ولكى نحل هذه المشكلة أعطينا الأطفال عددًا من القصص يدور حولها حوار وفيها مواقف تظهر فيها عادة المسئولية الجماعية.   وهذه المواقف تبدو لنا في ثلاث حالات :

1-    الحالة الأولى, وفيها لا يحاول الراشد أن يحلل الجريمة الفردية ولكنه يأخذ المجموعة كلها بجريمة ارتكبها فرد أو اثنان من أفرادها.

2-     الحالة الثانية, وفيها يرغب الراشد في عقاب المذنب ولكن الأخير لا يعلن عن نفسه والمجموعة ترفض أن تعلن عنه.

3-    الحالة الثالثة, وفيها يرغب الراشد في اكتشاف المذنب ولكن المذنب لا يعلن عن نفسه والمجموعة لا تعرفه.

 

وفي كل حالة من هذه الحالات يمكن أن نسأل الطفل عما إذا كان من العدل أن نعاقب المجموعة ولماذا.   وقد اختبرنا حوالي 60 شخصًا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة.   وهذا عدد كاف إذا لاحظنا الاتفاق النسبي في الإجابات.  والأطفال الذين اختبرناهم هنا ليسوا هم الذين عنينا بهم في القسم الأخير.  ويلاحظ لأول وهلة أن الموقف الأول وحده من بين المواقف الثلاثة التي فكر فيها هو الموقف المقابل لمواقف منها المسؤولية الجماعية في الجماعات البدائية.  ولكن من المهم طبعًا أن نحلل الموقفين الآخرين عن طريق البرهان المؤيد.   وهذه هي القصص التي استخدمناها.

 

القصة 1 :

نبهت الأم على أولادها الثلاثة ألا يستعملوا المقص أثناء غيابها، ولكن بمجرد أن ذهبت قال أولهم : “دعنا نلعب بالمقص”.  أما الثاني فذهب وأحضر بعضًا من الصحف لتقطيعها.  أما الثالث فقال : “لا, لقد قالت لنا أمنا ألا نفعل ذلك, فلن أمس المقص”.  ولما عادت الأم وجدت قطع ورق الصحف مبعثرة على الأرض, وهكذا استنتجت أن واحدًا منهم على الأقل قد استخدم المقص فعاقبت الأولاد الثلاثة.   فهل هذا عدل ؟

 

القصة 2 :

كانت هناك مجموعة من الأولاد وقد أخذوا عقب انصرافهم من المدرسة يلعبون في الشارع، فأخذوا يتقاذفون قطع الثلج فقذف أحدهم قطعته بعيدًا فكسرت زجاج نافذة، فخرج رجل من البيت وسأل عمن فعل ذلك, فلما لم يجبه أحد ذهب إلى المدرسة وشكاهم إلى ناظرها, وفي اليوم التالي سألهم الناظر عمن كسر النافذة فلم يجبه أحد.  فالولد الذي فعل ذلك أجاب بالنفي ولم يرغب الباقون في أن يدلوا عليه. فماذا يفعل الناظر؟  (إن لم يستطع الطفل أن يجيب أو أخطأ النقطة يمكن أن تضيف تفصيلات بحيث تجعل القصة أكثر وضوحًا) هل ينبغي ألا يعاقب أحدًا أو أن يعاقب الفصل كله؟

 

القصة 3 :

كان بعض الأولاد يقذفون كرات من الثلج على حائط وكان ذلك مسموحًا بشرط ألا يقذفوا الكرات على ارتفاع بعيد حتى لا يصل إلى نافذة ويكسر زجاجها.  وقد قضى الأولاد وقتًا سعيدًا فيما عدا واحد منهم كان أخرق ولم يكن ماهرًا في الرماية فانتهز فرصة عدم التفات أحد إليه وأخذ حصاة ووضع حولها ثلجًا حتى يجعل منها كرة شديدة الصلابة وقذف بها عاليًا فاصطدمت بالنافذة وكسرت زجاجها ونفذت إلى داخل الحجرة.  فلما عاد الأب شاهد ما حدث وعثر على الحصاة على الأرض ومن حولها بعض الثلج الذائب فغضب وسأل عمن فعل ذلك.  أما الولد الذي فعل ذلك فقد قال إنه لم يفعل ذلك وتبعه الآخرون في قوله ولم يكونوا يعرفون أنه وضع حصاة في كرته الثلجية.  فماذا كان ينبغي أن يفعله الأب : أيعاقب كل واحد منهم أم لا يعاقب أحدًا؟

 

القصة 4 :

في نزهة مدرسية سمح المدرس لتلاميذه أن يلعبوا في جرن بشرط أن يعيدوا كل شيء إلى الحالة التي كان عليها.  فأخذ واحد منهم جرافة وأخذ الآخر جاروفًا وذهب كل في ناحية, وقد أخذ ولد منهم عربة يد ذات عجلة واحدة وانتحى ناحية وأخذ يلعب منفردًا حتى كسرها فعاد في الوقت الذي لا يراه فيه أحد (وأخفى العربة في الجرن).  في المساء حين عاد المدرس يبحث عما إذا كان كل شيء على ما يرام عثر على العربة المكسورة فسأل عمن فعل ذلك فقال الولد الذي فعل فعلته إنه لم يفعل شيئًا، أما الآخرون فلا يعرفون من هو.  فماذا ينبغي أن يفعل؟ (هل ينبغي عقاب الفصل كله أم لا يعاقب أحدا؟)

 

وقد استرشدنا بما تتطلبه التجربة فوضعنا قصصًا في نفس الموضوعات ولكنا لم نجد داعيًا لإثباتها هنا لأن النتائج التي حصلنا عليها قليلة القيمة.  ويلاحظ أن القصص 1 ، 2 على الترتيب ترتبطان بالموقفين الأولين اللذين غيرناهما قبل قليل, أما القصص 3 ، 4 فترتبطان بالموقف الثالث.  وفيما يتعلق بالموقف الأول فإنا لم نستطع (1) أن نكتشف في أطفالنا أقل أثر للمسؤولية الجماعية رغم رغبتنا الملحة في ذلك، فالصغار والكبار على السواء يعتبرون الأم في القصة الأولى غير عادلة، إذ ينبغي أن يعاقب كل فرد بما جنت يداه وألا تعاقب المجموعة بذنب ارتكبه فرد من أفرادها.  وها هي بعض الأمثلة :

 

(رد Red 6)  : ما رأيك في هذا؟  – الولد الذي لم يلمسه كان ينبغي أن يقول عمن فعل.  – هل من العدل أو الظلم أن تعاقب الثلاثة أجمعين؟  – لا.  – لماذا؟  – لأنه قد كان هناك ولد لم يعمل شيئًا.  – وكم كان ينبغي عقابهم؟  – اثنان.

 

ستان Stan (6) : أعادت القصة على النحو الآتي : “يحكى أن سيدة ذهبت إلى السوق فأمسك أحد أولادها بمقص ومزق الآخر الورق أما الثالث فلم يفعل شيئًا.  وفي المساء عادت السيدة وعاقبت الثلاثة فهل هذا عدل؟  كان يجب أن تعاقب اثنين وألا تعاقب الآخر.

 

بول Bol (7) : يحكى أن امرأة كان لها ثلاثة أطفال فتركتهم وخرجت إلى السوق وأخبرتهم ألا يمسوا المقص ولكنهم بعد ذلك استعملوه.  – نعم.  – من استعمله؟  – الأول والثاني لا الثالث.  – نعم, وماذا بعد ذلك؟  – حين رجعت الأم بعد ذلك إلى بيتها وجدتهم قد استعملوا المقص فعاقبتهم.   – نعم, وكيف؟       – جعلتهم ينامون دون عشاء.  – هذا صحيح.  والآن ما رأيك في هذه الحكاية؟  – إنها جميلة.   – أمن العدل أم من الظلم أن تعاقب الثلاثة كلهم؟  – لا, الأولان فقط.  – ولمَ لا يُعاقب الثلاثة جميعا؟  – لأن الثالث لم يفعل شيئا.  – والاثنان الآخران؟  – نعم, لقد عصيا أوامرها.  – وماذا بعد ذلك؟  – لقد ناموا دون عشاء.  –  أهذا عدل؟  – نعم. لقد كانوا ثلاثة إخوة وقد عوقب اثنان أما الثالث أفلا تظنه يرغب في أن يعاقب مثلهم ؟  – لا.

 

سكريب  Scrib:  ما كان ينبغي أن يمس الأطفال المقص.  لقد كان لها الحق في أن تعاقبهم.  – هل حاولت أن تبحث أيهم ارتكب الذنب؟  – لقد عاقبت الثلاثة جميعًا ولقد كان ينبغي أن تسأل عمن أخذ المقص.  لقد قالت نظرًا لأنه لم يعلن أحد عن نفسه لذلك سوف أعاقب الجميع، وإذا لم يعلن أحد عن نفسه فإنه ينبغي أن تعاقب الثلاثة جميعًا وإلا فإنه لا يكون عدلاً, إذ يجب أن تعاقب الاثنين فقط ما داموا قد أعلنوا عن أنفسهم.   وكل الإجابات التي حصلت عليها هي من هذا النوع, فإنها تدل على أن فكرة ربط المجموعة فيما يتعلق بالمسؤولية ما زالت غريبة كل الغرابة.  وهذه النتيجة تتضح أكثر حين نلاحظ أن الأطفال دون السابعة كما سنرى فيما بعد يعتبرون كل شيء يفعله الراشد عدلاً. ولذلك كان مما يعارض هذا الميل أن تبرر للراشد في كل الأشياء وخصوصًا حالات حوارنا أن هؤلاء الأطفال يرفضون فكرة المسؤولية الجماعية.    فالواقع أن الطفل أسرع في أن يكتشف أخطاء الراشدين في ميدان الجزاء منه فى ميدان العدل, فالعقوبة المطبقة خطأ تبدو لديهم أكثر ظلمًا من عدم المساواة في المعاملة.

 

فتفكير سكريب التلقائي في ضرورة عقوبة الأطفال الثلاثة معًا إن لم يعلن الأولان عن أنفسهما ينقلنا إلى الموقف 2.   فهل تعاقب المجموعة كلها إذا لم يعلن عن نفسه وإذا رفض البريء أن يدل عليه؟  نحن الآن أمام مشكلة تختلف عن المسألة التقليدية للمسؤولية الجماعية في تطور المجتمعات ولكنها تلقي عليها ضوءًا, ذلك أن مجرد أن المذنب قد رفض أن يعلن عن نفسه ورفض رفاقه أن يدلوا عليه فإن ذلك يقيم روابط في الجماعة أرفع بكثير من الروابط التي كانت تقدم قبلاً؛ إذ يضاف إلى الروابط الطبيعية روابط تقوم على الرغبة وهي مقبولة لدى الجميع, فهل هذه الحالات هي التي يقبل فيها الطفل قاعدة المسؤولية الجماعية؟

 

 

 

 

 

 

(1)لقد قيل لنا كثيرًا إن استجواب الأطفال مع استخدام الطريقة الدبلوماسية يؤدي عادة إلى أن يقولوا ما نريده وها هو مثال على العكس من ذلـك و ××××  كثيرًا أن صغار الاطفال سوف يجيبون إجابات تطابق فكرة المسؤولية الجماعية لأننا نتوقع ذلك من الناحية النظرية.   ولكن هذه النظرية هطؤها : ولم تكن رغبتنا كافية لنوحي برأينا إلى الأشخاص الذين استجوبناهم.

 

#كمال_شاهين

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.