الحكم الاخلاقي لدى الطفل 12

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

Child sorry.jpg

 

 الحكم الأخلاقي لدى الطفل   -33

هذا وقد أوضحت مدام أنتيبوف Mme Antipoff في دراستها القصيرة عن الشفقة أن الميول الانتقامية تميل لأن “تستقطب” سريعًا تحت تأثير الشفقة, ونظرًا لقدرته العجيبة على الإسقاط والتقمص الوجداني فإن الطفل يتألم مع من يتألم إذ يحس بأنه يجب أن ينتقم لسيء الحظ كما ينتقم لنفسه فهو يشعر بالسرور الانتقامي عند رؤية أي نوع من الألم يصيب المؤلف من آلام الناس الآخرين.

 

ولكنا نذهب بعيدًا إلى حد ما إن أقمنا الإحساس على مثل هذه الاستجابات وإذا تحدثنا كما فعلت مدام أنتيبوف (ص 213) عن (عمليات أخلاقية نظرية وغريزية لا تحتاج لكي تنمو إلى أي خبرة بدائية ولا إلى انتقام حالة اجتماعية مع أطفال آخرين).   وقد عنيت مدام أنتيبوف – لكي تبرهن على نظريتها –  بالحقيقة القائلة إن الميول الانتقامية تستقطب بطريقة مباشرة حول المذنب.  فقد ختمت بحثها قائلة (ص 212) إن لدينا هنا إدراكًا انفعاليًا شاملاً, أي تركيب أخلاقي أولي, يبدو أن الطفل يتملكه في سن مبكرة جدًا وهو يعينه على أن يصنع السوء وسببه والخيانة والجريمة في قبضة يده بشكل تلقائي ولذلـك نستطيع أن نقول إن ما يقوم عندنا الآن هو إدراك انفعالي للعدل ونستطيع أن نذكر ألا شيء من الملاحظات الهامة التي عرضت لها مدام أنتيبوف يمكن أن تدل على هذه النظرية.  وقد وضعت ملاحظاتها على سلوك أطفال بين 3 و 9.   ومن الواضح أن طفل الثالثة قد وقع فعلاً تحت تأثير كل أنواع مؤشرات الراشدين التي تكفي لتعليل أن عملية “الاستقطاب” ليست أكثر من عملية تمييز بين الحسن والسيء.  ودليل ذلك أن الولد يتكلم – كما تقول هي – عن هذا العمل حسن وهذا سيء, إلى آخره.  فكيف تعلم هذه الألفاظ دون أن يقع تحت تأثير أخلاقي للشخص الذي علمها له, ودون أن يقبل في الوقت نفسه مجموعة كاملة من التعليمات الصريحة والضعيفة؟  بشكل إجمالي, نستطيع أن نصوغ المشكلة على النحو الآتى : كيف تستطيع الحلول الانتقامية حتى إذا استقطبت بتأثير الشفقة أن تؤدي إلى قيام الحاجة إلى العقوبة والعدل الجزائي ما لم تتداخل العلاقة بين الأفراد لكي تنظم هذا الاستقطاب فتقضي على القسري والفردي باسم العنصر المعيارى للسلطة أو التبادل؟

 

والرأي عندنا أن الطفل حين ينتقم لبعض سيئي الحظ ممن يحس نحوهم بالشفقة فإنه في هذه الحالة لا يقوم عنده بعد إحساس بالعدل ولا فكرة عن العقوبة وكل ما عنده حالة من امتداد للميل الانتقامي, ولكن حتى إذا كان هذا الانتقام غير الغرضي ضروريًا فإنه ليس حالة كافية لنمو العدل؛ فالانتقام غير الغرضي يصبح عقوبة عادة حين تظهر القواعد وتجعل التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ واضحًا. ولكن مادامت ليست هناك قواعد فإن الانتقام – حتى الانتقام غير الغرضي – سوف لا يفرض على الفرد أكثر من حالة مشاركة وجدانية أو كراهية ولذلك يبقي قسريًا.   فالطفل لن يقوم لديه إحساس بمعاقبة المذنب والدفاع عن البريء وكل ما عنده هو مجرد محاربة عدو ودفاع عن صديق.  ولكن على العكس من ذلك فإنه بمجرد ظهور القواعد (وهى تظهر مبكرة جدًا – فإن طفل الثالثة الذي لاحظته انتيبوف مشبعًا كان مشبعًا فعلاً بها) فإنا نجد أحكامه على الذنوب وعلى البراءة ونجد “تركيبًا” أخلاقيًا للعدل الجزائي.   فمن أين جاءت إذن هذه القواعد؟

 

إن العلاقات الاجتماعية المستمرة بين الأطفال تكفي لإيجادها حتى إذا لم يتدخل الراشدون, ثم إن المشاركة الوجدانية والكراهية هما سبب كاف وعله عملية لإدراك علاقة التبادل.  ثم إنا نعتقد أن الحقيقة القائلة بأن قانون التبادل يؤدي إلى نوع معين من العقوبة قد أوفينا حقه من البحث فيما سبق أن قمنا به من تحليل, ولكن في هذه الحالة نجد أن فكرة التكفير لا يمكن أن تظهر, فبمجرد الانتقال قد يبقي عملاً غير أخلاقي وعندها تعتبر عقوبة التبادل هي الوحيدة العادلة.

 

ولكن الراشد يتدخل فهو يفرض الأوامر التي تؤدي إلى قيام قواعد تعتبر مقدسة والانتقام غير الغرضي بمجرد أن تستقطب بواسطة هذه القواعد يصبح عقوبة تكفيرية.  وبهذه الطريقة يتكون النوع الأول من العدل الجزائي فإذا غضب الراشد لأن القوانين التي وضعها غير مرعية فإن هذا الغضب يعتبر عدلاً بسبب الاحترام الجانبي الذي نجد كبار السن هم موضوعه وبسبب طبيعة تقديس القانون الموضوع وإذا وجد غضب الراشد منفذًا عن طريق العقاب فإن هذا الانتقام الآتي من أعلى يبدو كأنه عقوبة قانونية أما الآلام الناشئة فهي تكفير “عادل”.   ففكرة العقوبة التكفيرية, إذن, إذا أخذناها إجمالاً يمكن أن تؤدي إلى التقاء هذين المؤثرين؛ وهما الأثر الفردي الذي هو الرغبة في الانتقام (ويشمل الانتقام المشتق وغير الفرضي) والعامل الاجتماعي الذي هو عبارة عن سلطة الراشد التي تفرض الاحترام بالنسبة للأوامر المفروضة واحترام الانتقام في حالة عصيان هذه الأوامر.    باختصار, فإن العقوبة التكفيرية هي- من وجهة نظر الطفل – انتقام قد يتشابه مع الانتقام غير الغرضي (لأنها قد تنتقم من القانون نفسه) وهي تنبع من واضعي القانون.

 

فكيف, إذن, نوضح الفرق بين النوع الأول والنوع الثاني من العدل الجزائي؟ إذا كانت الإشارات التي ذكرناها قبلاً صحيحة فإن التطور ليس أكثر من حالة خاصة لتطور عام من الاحترام الجانبي إلى الاحترام المتبادل.  فما دمنا قد درسنا في كل ميدان حتى الآن أن احترام الراشد – أو على الأقل طريقة معينة لاحترام الراشد – يتضاءل أمام علاقات المساواة والتبادل بين الأطفال (وبقدر الإمكان بين الأطفال والبالغين) فإنه عادي جدًا أن نجد في ميدان الجزاء أن آثار الاحترام الجانبي تميل إلى أن تتضاءل كلما تقدمت السن.  وهذا هو السبب في أن فكرة التكفير تفقد قوتها بالتدريج وهو السبب في أن العقوبات تميل بالتدريج لأن يحكمها قانون التبادل وحده.  وعلى ذلك فإن ما يبقى من فكرة الجزاء ليس هو الفكرة التي تقول بأن المرء يجب أن يدفع تعويضًا عن الذنب بأن يناله ألم مناسب، بل هو فكرة أن الإنسان يجب أن يجعل المذنب يعرف الطريقة التي كسر بها رابطة الاتحاد وذلك بواسطة مقاييس تتناسب مع الخطأ نفسه. ويمكننا أن نشرح الموقف فنقول إن العدل الموزع (فكرة المساواة) من المؤكد أن لها الأسبقية على العدل الجزائي, أما في البداية فقد كانت الحالة على العكس من ذلك.  وسوف نصل إلى نفس النتيجة في الفقرة 4 من هذا الفصل.

 

وأخيرًا, يمكننا أن نضيف أن فكرة التبادل تعتبر عادة في البداية كنوع من الانتقام القانوني أو قانون الأخذ بالثأر قد عبر عنه في شكل شبه رياضي وهو يميل من تلقاء نفسه نحو العفو الأخلاقي والفهم. وسوف نرى فيما بعد أنه سيأتي الوقت الذي فيه يتحقق الطفل من أنه يمكن أن يكون هناك تبادل في الأعمال الحسنة فقط، أما الآن فإن لدينا نوع من انعكاس القانون الأخلاقي على محتوياته.  أما قانون التبادل فيتضمن بعض التزامات إيجابية ناتجة من شكله نفسه وهذا هو السبب في أن الطفل بمجرد أن يقبل قاعدة العقوبة التبادلية في ميدان العدل فإن ذلك يؤدي به لأن يشعر أن عنصر العقوبة المادية لا ضرورة له حتى إذا كان باعثيًا، أما الشيء الاساسي فهو أن يشعر المذنب أن عمله خطأ ما دام مضادًا لقواعد التعاون.

 

#كمال_شاهين

#تطويرالفقهالاسلامي

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.