الحكم الاخلاقي لدى الطفل 11

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

child3.jpg

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 32

وننتقل الآن إلى مجموعة مختلفة من الآراء يمكن أن نعتبرها من مميزات نوع ثانٍ من الأخلاق كما يمكن اعتبارها إلى حد ما مرحلة ثانية من مراحل النمو الاجتماعي للأطفال.

 

بريك Bric (8)  القصة 1 :  – ماذا فعلوا؟  – أما أحدهما فأعاده وأما الآخر فقد احتفظ به.  – أيهما أعاده؟  – ذلك الذي لم يعاقب.  – وماذا قال لنفسه؟ – إنه يكتفي أن يرجعه لأنه لم يعاقب قبلاً.             – والآخر؟  – أنه ينبغي أن يحتفظ به.   – لماذا؟  – لأنه عوقب.  ثم دق ناقوس فانصرف بريك وانقطع الحديث ربع ساعة ثم بدأنا ثانية.    – ماذا كنا نفعل قبل انقطاع حديثنا؟  – كنا نقص قصة.  – هل تذكر ما هي؟  – نعم. عن ولدين سرقا ثم عثرا بعد ذلك على قلم فأعاده أحدهما ولم يرجعه الآخر.  – أيهما أعاده؟  – ذلك الذي لم يعاقب.  – ماذا قال لنفسه؟  – إنه ينبغي أن يعيده لأن أباه سيسره ذلك.             – والآخر؟  – احتفظ به.  – لماذا؟  – لأنه لا يحب أن يدخل السرور على نفس والده.  – أي الوالدين تحب أن تكون؟  – ذلك الذي شرح.  – وأي الولدين؟  – ذلك الذي لم يعاقب.   – وماذا قال لنفسه؟  – أنه ينبغي أن يرجعه لأن ذلك يسر والده, والآخر احتفظ به.  – لماذا؟  – لأنه لا يحب أن يدخل السرور إلى نفس والده.  – وأي الوالدين تحب أن تكون؟ – ذلك الذي شرح.  – وأي الولدين؟  – ذلك الذي لم يعاقب. – لماذا؟  – لأنه حينئذ يعرف أنه يجب ألا يسرق (ما دام الموضوع قد شرح له)  – ولو عوقب فماذا يعرف؟  – ربما حاول مرة أخرى وعندئذ لا يعاقب.

 

شو Schu (8) القصة 1: الولد الذي أعاد القلم هو الذي لم يعاقب.  – ولماذا أعاده؟  – لأنهم شرحوا له (عن السرقة الأولى)  – لماذا؟  – لأن هذه طريقة أحسن لتحسين سلوكه.  – وأى الوالدين أظرف؟       – ذلك الذي شرح.  – وأيهما أعدل: الشرح أم العقاب؟  – الشرح.  – ولماذا نجد الولد الذي عوقب يعاود ارتكاب الجريمة؟  ولو أنهم شرحوا له فهل يعاود ثانية؟  – لا, لأنه قد فهم.  – وهل إذا عوقب لا يفهم أنه لا ينبغي أن يسرق؟   – لم يكن ليفهم ذلك جيدًا.  – والآن انتبه فسأغير القصة قليلاً, ولنفرض أن الأشياء قد شرحت للولدين شرحًا مناسبًا ولكن أحدهما عوقب أيضًا, أما الآخر فاكتفى بالحديث معه دون عقاب.  فأي الاثنين يعيد القلم فيما بعد؟   – ذلك الذي لم يعاقب.  – لماذا؟  – لأنه فهم الأشياء فهمًا أحسن من الآخر.  – ولماذا عاد الولد الآخر إلى ارتكاب جريمته مرة أخرى؟  – لأنه لم يفهم الأشياء فهمًا جيدا.  – لماذا؟  – لأنه أنب وشرح له في نفس الوقت.  – ألا يعاقبك أبوك؟   – إنه غالبًا يشرح.     – هل تظن أن من العدل أن يعاقب؟  – لا ليس عدلا.  – لماذا؟  – لأني أفهم أكثر حين يشرح الناس لي. – – حدثنى عن عقاب نالك يومًا ما.  – ذات يوم كنت عند جدتي وقد عوقبت هناك مع أنه لم يحدث أن عوقبت في منزلي.  – وماذا فعلت؟   – كسرت كوبًا.  – وكيف عوقبت؟   – لقد صفعوني على أذني.      – وهل يصفعك والدك على أذنك؟   – لم يحدث.     القصة 2 : نفس الأسئلة – أيهما لم يفعل ذلك مرة أخرى؟  ذلك الذي شرح له والده والآخر الذي كرر ما فعل.   – ماذا قال لنفسه؟  – إن والده سوف يعاقبه.  ولكنه لم يفعل شيئًا بعد ذلك فسأكذب.  – وأي الوالدين أظرف؟  – ذلك الذي شرح.  – وأيهما أعدل؟  – ذلك الذي شرح.

 

كلا Cla (9) القصة 1 : – أيهما أعاده؟  – ذلك الذي شرح له والده.  – وماذا قال الآخر لنفسه؟          – يستحسن أن آخذه فإن والدى لم يرَ شيئا.  – وأي الوالدين أعدل؟  – ذلك الذي لم يعاقب.  – أيهما أعدل أن تعاقب أو ألا تعاقب؟  – ألا تعاقب.  – لو كنت الولد فماذا كنت تفعل؟  – كنت أعيده.  – ولو عوقبت؟ كنت أعيده أيضا. (!)  – أي الولدين كان أظرف في نظر والده؟  – ذلك الذي أعاد القلم.  – ولكن في العادة أي الوالدين أظرف؟  ذلك الذي يُعاقب كل يوم أو ذلك الذي لا يعاقب؟  – ذلك الذي تشرح له الأشياء.  – لماذا؟  لأنه لم يفعل ذلك مرة أخرى.  – وأيهما أحسن أن تشرح ثم تعاقب أم أن تشرح ثم تسامح؟   – أن تشرح ثم تسامح.

 

 

من هنا تتضح درجة الاختلاف في وجهات نظر هؤلاء الأطفال عمن ذكرنا قبلاً وليست هذه الردود لفظية فحسب.   طبيعي أن الاتجاه العام الذي يتجه نحوه هذا الحوار يميل لأن يعطي فكرة أن هؤلاء الأشخاص يسير خيالهم وراء تيار أخلاقي يخترق من جنة الجنات التي يعيش فيها الطيبون من الأطفال ولكن بجانب هذه الحالات أي العوامل السيكولوجية الداخلية قد تظهرها بعض الملاحظات.  مثال ذلك أن شو Schu حين حاول أن يبين أن الطفل الذي عوقب أميل من الآخر إلى أن يعاود ارتكاب الجريمة فإنه واضح أن شو يفكر في تلك الحالات الشائعة التي تتراكم فيها العقوبة فتجعل المذنب عديم الإحساس ضعيف التقدير “إن والدي سيعاقبني ولكنه لن يفعل شيئًا بعد ذلك”.   حقيقة أنه غالبًا ما نجد الأطفال يتحملون العقوبات تحملاً رواقيًا لأنهم وطدوا العزم من أول الأمر على أن يتحملوا بدلاً من أن يخضعوا للإرداة العليا وشو هذا أيضًا يقارن العقوبة التي نالته في بيت جدته بالاستجابات العادية التي يجدها عند أبيه فإنه يصعب علينا إلا أن نستعيد المقارنات التي قمنا بها جميعًا أثناء طفولتنا بين الموقف المفهوم لأحد أقاربنا والقسوة غير السيكولوجية عند آخر.    ولهذا نعتقد أن الإجابات التي درسناها هنا تتفق إلى درجة تامة مع تجارب الحياة الواقعية وهي تدل على قيام تطور معين في أحكام الأطفال على موضوع العقوبات يتمشي مع ازدياد السن.   من جهة أخرى فإن الحوار يتناول الموضوعات العامة والمعنوية مثل استخدام العقوبات (وما إذا كانت عادلة إلخ) ولذلك لا يؤدي إلى نتائج ذات أهمية كبرى ففي كل الأعمار نجد أن الإجابات تعكس آراء ما يحيط بالطفل أكثر من شعوره الشخصي في الموضوع.  أما الاختلاف في وجهة النظر فيجب أن يلاحظ بين صغار الأطفال وكبارهم بالنسبة لتبرير العقوبة, ففكرة التكفير عند الصغار مرتبطة بالضرورة مع فكرة منع العودة إلى ارتكاب الجريمة.

 

تراب Trafe (6)  – هل يجب معاقبة الأطفال؟  – نعم, فمن يكونوا سيئين فلنعاقبهم.   – ماذا تقصد بلفظ سيء؟  – معناها سيء حين يكون الأطفال سيئين.  – حين تعاقبهم.  – أمن العدل أن نعاقب؟  – نعم, لأنه إذا لم تفعل شيئًا فذلك غير عدل, أما إن فعلت فذلك عدل.  – هل من المفيد أن تعاقب؟  ولمَ تعاقب؟  – لأن  ذلك هو طريق إلزامهم الطاعة لأنهم كانوا سيئين.

 

زيم Zim (6)     – أمن العدل أن نعاقب؟  – نعم, كل العدل.  – أمن المفيد أن نعاقب؟  ولمَ نعاقب؟ – نعم, إنه من المفيد أن نعاقبهم حين نجدهم حمقى.  إنه شيء مناسب دائمًا.

 

ميل Mail (6)   – هل العقوبة عادلة؟ – نعم, لأنها دائمًا عادلة.   – وهل هي مفيدة؟  – نعم, حين تكون سيئًا.   – وماذا تفعل؟  – إن فيها قصاص.  أما الكبار فعلى العكس من ذلك يعنون أكثر ما يعنون بالفائدة الوقائية مع تقليل فكرة التكفير إلى أقصى حد.

 

راى Rai (11 سنة)   – هل هذا من العدل؟  – نعم, لأنك تجعلهم يدركون أنه ما كان ينبغي أن يفعلوا ذلك.   – وهل من المفيد؟  – نعم, لأنك لو عاقبته مرة فلن يفعل ذلك مرة أخرى.

 

دوب Dup(11 سنة)    – هل العقوبة عادلة؟  – نعم.   – وهل هي مفيدة؟  – نعم, لأنه بعد ذلك سوف تتعاون إذ تتعلم أنه إن لم تفعل ذلك فسوف تعاقب.

 

كوى Cui( 12)  – هل هي عادلة؟  – نعم, فإنك إن فعلت خطأ فالعقوبات ليست دائمًا مناسبة إذ يجب أن تتناسب مع الخطأ.   – وهل هي مفيدة؟  – نعم, حتى لا تعود ثانية إلى ارتكاب الخطأ.

 

الآن نحاول أن نشكل نتائجنا فنجد أن من الصعوبة في الحوار في مثل هذه النقط الحساسة اصطباغ الإجابات بصبغة عبارات أخلاق الراشدين فإن النتائج التي حصلنا عليها رغم ذلك تبدو متقاربة إذ أنها تشير إلى قيام نوع من قوانين التطور في النمو الأخلاقي للطفل فإنه يبدو أنه يجب أن نميز في دائرة العدل بين نوعين من الاستجابات إحداهما تقوم على فكرة التكفير والأخرى على فكرة التبادل ولو أن ممثلي النوعين معًا نصادفهم في كل الأعمار فإنه يبدو رغم ذلك أن الحالة الثانية تميل لأن تتفوق على الأولى وأن انتخاب العقوبات هو الشيء الأول الذي يظهرها؛ فالصغار من الأطفال يفضلون الأقسى وهم يؤكدون ضرورة العقوبة نفسها.  أما الآخرون فإنهم أميل إلى الأخذ بمقاييس التبادل التي تساعد على ان تجعل المذنب يحس بأن رابطة الاتحاد قد انفصمت وأنه يجب أن تعاود الحالة سيرتها الأولى وهي تظهر أيضًا عن طريق ردود أفعال الأشخاص الذين استجوبناهم عن موضوع العودة إلى ارتكاب الجريمة.  فالصغار من الأطفال يرون أن الولد الذى عوقب عقابًا مناسبًا لا يمكن أن يعاود ارتكاب الجريمة لأنه أدرك السلطة الخارجية والقسرية للقاعدة موضع السؤال بينما نجد أن كثيرًا من كبار الأطفال يتمسكون بفكرة أن الولد الذي شرحت له نتائج أعماله – حتى ولو لم يكن قد وقع عليه العقاب – فإنه أقل احتمالاً للعودة إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى منه إن عوقب فحسب.   ونفس هذا الشئ في آخر الأمر يبدو أن الحوار القصير عن فائدة العقوبات عمومًا وصحتها مؤيدًا له, فصغار الأطفال يدخلون عنصراً تكفيريًا في كل إجاباتهم أما الكبار منهم فيكتفون بتبرير العقوبات على أساس فائدتها الوقائية. حقيقة أنه في هذه النقطة نجد أن هؤلاء الكبار من الأطفال يتمسكون بوجهة نظر تناقض تمامًا تلك التي لوحظ أنهم يتمسكون بها في الحوار الأخير ذلك أنهم هنا يحسون أن عليهم أن يدافعوا بطريقتهم الخاصة عن النظريات التي يتمسك بها بوجه عام من يحيطون بهم بينما في قصص العودة إلى ارتكاب الجريمة نجد أن الإجابات أكثر شخصية وتلقائية.

 

ووجهتا النظر هاتان اللتان نعتقد أنا قد استطعنا فصل كل منهما عن الأخرى طبيعيتان لأنهما ترتبطان بحقائق واقعية مرتبطة بنوعي الأخلاقيات التي تتبعنا آثارهما إلى حد بعيد في سلوك الأطفال وأحكامهم. ففكرة التكفير ترتبط طبعًا بالأخلاقية الغيرية, والواجب الخالص والبسيط.   فالشخص يحتوي قانونه الأخلاقي على قواعد مفروضة عليه من الرغبة العليا للراشدين, والأطفال الكبار يرون بالتبعية أن عصيان الأطفال من الطبيعي أن يثير حنق كبارهم وهذا الحنق لابد أن يأخذ شكلاً محسوسًا فيفرض على المذنب آلامًا “تعسفية” جزاء له. وهذا العمل من ناحية الكبار قانوني في نظر الأطفال ما دامت علاقة الطاعة قد اعتدي عليها وما دامت الآلام التي فرضت متناسبة مع الخطأ الذي ارتكب.  وأي عقوبة أخرى غير مفهومة من وجهة نظر الأخلاق والتي تقوم على السلطة.   ونظرًا لأنه ليس هناك تناظر بين صاحب الأمر والمأمورية فإن الذي يحدث هو أنه حتى إذا كان الأمر يفرض على الأخير بمجرد عقوبة “باعثية” (تبادلية بسيطة . نتائج العمل إلخ) فإن الطفل لا يرى شيئًا سوى العقوبة التكفيرية. (1)من جهة أخرى فإن العقوبة التبادلية ترتبط بالتعاون والأخلاق الذاتية.  حقيقة أنه من المستحيل أن نرى كيف أن العلاقة بين الاحترام المتبادل التي هي أساس التعاون يمكن أن تؤدي إلى قيام فكرة التكفير أو تجعلها قانونية.   وعلى العكس من ذلك, فإن من السهل أن نرى كيف أن التأنيب (الذي هو أصل في كل عقوبة أيًا كانت) يمكن في حالة التعاون أن يكون مصحوبًا بمقاييس محمودة لكي تشير إلى قيام كسر في رابطة التبادل أو لكي تجعل المذنب يفهم نتائج أعماله.

 

فلو سمحنا إذن بوجود هذه الصلة القريبة بين وجهتي النظر المتصلتين بالعدل الجزائي وبين نوعي الأخلاق اللذين ميزنا بينهما حتى الآن, فكيف نشرح تكوين كل منهما ومصيره؟   أما عن النوع الأول فإنا نعتقد أنه رغم تعمقه إلى حد ما في جذور ردود أفعال الطفل الغريزية فإنه قد أخذ شكله إلى حد ما عن طريق قسر الراشد.  ويجدر بنا إن أردنا أن نفهم فهمًا دقيقًا فكرة التكفير أن نحلل تحليلاً دقيقًا هذا المركز السامي الذي تتبؤه العلاقات الاجتماعية فوق وجهة النظر التلقائية للفرد.   فمن الميول الغريزية أن نذكر أولاً وقبل كل شيئ ميول الحقد والشفقة فكلا منهما ينمو مستقلاً عن ضغط الراشد.   أما ردود الأفعال الدفاعية والعدوانية فإنها تكفي لتوضيح كيف أن الفرد يؤلم غريمه دفاعًا عن نفسه ومن هذا يصل إلى درجة أن يتألم استجابة لكل إساءة.   فالانتقام إذن معاصر للعمليات الدفاعية الأولية ومن الصعب أن نقول مثلاً ما إذا كانت نوبة الغضب التي تعتري طفلاً عمره بضعة أشهر هي مجرد علامات على حاجته لمقاومة غير مستحبة وهى تتضمن عنصرًا من عناصر الغضب.  وعلى أية حال فإنه بمجرد ظهور اللكم (والأطفال يفعلون ذلك في سن مبكرة وخارقة للعادة ومستقلين عن تأثير الراشدين) فإنه يصعب أن نقول متى تنتهى الحرب لا متى يبدأ الانتقام. (1)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(1) علينا أن نشكر ناظرات بيت الأطفال لتوضيح عبارتنا التالية، فقد ذكروا لنا أن صغار الأطفال (4 – 6) لا يرون شيئًا سوى العقوبة التكفيرية بمقاييس تبادلية. أما الحالة الأخيرة فلا تفهم حتى حوالي سن (7 – 8) في المتوسط.

(1)H. Ant’poff ” Observa’ions sur la compassions et le sens de la Justice ” arch, de Psychol, tXXl , P. 208 1928

 

#كمال_شاهين

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.