الحكم الاخلاقي لدى الطفل 7 -27

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

bad boy.jpg

 

 

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 27

وهناك مجموعة أخرى من الأمثلة المتعلقة بسوء التصرف يجب أن نعرضها أيضًا, فهذه سوف تجرنا إلى الحقائق التي سبق أن درسناها في خلال هذا الفصل حين كان موضوع بحثنا بنوع خاص هو كيف يقيِّم الطفل أعمال سوء التصرف التي يسمع عنها في القصص الموضوعة، فالطفل في السنين الأولى يحكم على سوء التصرف غالبًا من وجهة نظر موضوعية خالصة حتى من ناحية ضرره هو.  فجاكلين أول مرة سقطت منها ففزعت جاكلين وقد وجدت صعوبة عظمى في إقناعها بأن هذه الغلطة ليست غلطتها.  ولا داعي لأن نطيل الحديث عن هذا المثال فهو حالة عادية عند الأطفال وكل منا لابد أن كانت لديه فرصة لملاحظة شيء مثله.  ثم إن هذه النقطة ينبغي أن نلاحظ أن الطفل لا يمكنه أن يميز سوء التصرف القسرى (بالصدفة) وبين سوء التصرف الذي يرجع إلى الإهمال أو قلة العناية, ففي المراحل الأولى نجد أن النتائج هي التي يعمل لها حساب.  باختصار, فإنا نعتقد أنه في السنوات الأولى نجد أن قسر الكبار لا مفر منه حتى إذا وصل إلى أقله كما في حالة جاكلين فإنه لابد أن يؤدي إلى قيام نوع من الواقعية الأخلاقية التي تتميز قليلاً أو كثيرًا تبعًا لطبيعة المنزل وللمزيج بين أخلاق الآباء والأطفال. فالواقعية التي لاحظناها فيما بعد في المستوى اللفظى هي إذن نتيجة مباشرة لهذه الظاهرة المبكرة.ولكن توجد حلقة متوسطة يجب ألا نهملها بين الواقعية الأخلاقية التلقائية في السنين المبكرة والواقعية الأخلاقية النظرية التي حللناها مثلاً ونعني بها الحكم الذي يصدره الطفل لا على أعماله بل على سلوك أقرانه.  فبالنسبة لنفسه نجده ينجح بسرعة (حوالى 3-4 حين يبدأ أول “لماذا؟” وعند بدء الاهتمام بالباعث) في التمييز بين الأخطاء المقصودة وبين النقض القسري للقانون الأخلاقي وبعد ذلك بقليل يتعلم أن يعتذر عن نفسه بحجة أنه “لم يكن يقصد”.  ولكن حيث يكون الموضوع متصلاً بأعمال من حوله فإن الأشياء تبدو ذات لون آخر مختلف.  وعلى العموم فإنا لا نذهب بعيدًا إن قلنا إن الطفل – مثلنا – يكون أشد قسوة على الآخرين منه على نفسه وسبب ذلك بسيط للغاية فسلوك الناس الآخرين يتضح شكله الخارجي في فترة طويلة قبل أن نتمكن من فهم الباعث الذي يقوم وراءه ولذلك فإننا نتعرض بسرعة لأن نقارن بين هذا الشكل الخارجي والقاعدة الموضوعية وأن نحكم على العمل بهذا المقياس الموضوعي الأصلي ولا نستطيع بغير المجهود المستمر للكرم والتسامح أن نقيِّم مثل هذا الميل وأن نحاول فهم ردود أفعال الناس في ضوء قصدهم.  ومن الواضح أن الطفل عنده هذه المقدره في وقت مبكر جدًا ولكنه واضح أيضًا خلال هذه المرحلة التي فيها يتفوق احترام القواعد على التعاون (المرحلة التي سميناها “مركزية الذات” في لعبة الكريات والتي فيها يقبل القواعد قبولاً تقديسيًا ويزاولها مزاولة مركزية الذات).  وحين نكرر هنا أن من الواضح أن الحكم من الناحية السيكولوجية يحتاج إلى مجهود في حالة أعمال الناس الآخرين أكبر منه في حالة الحكم على أعمالنا.  بمعنى آخر, فإن الواقعية الأخلاقية تستمر فيما يتعلق بسلوك الناس الآخرين مدة أطول منها في حالة سلوكنا نحن. وكل الحقائق تؤيد ذلك.

 

ونحن نسجل من بين الملاحظات الأخرى ملاحظة لإحدى الطالبات “مدام ويسفلر Ame Weissfeller وقد كتبت لنا عنها وهذه يمكن أن نجد لها شبيها عند كل طفل.

ماد Mad (4 سنوات) قالت لأمها  – أنت تعرفين يا أماه أني جففت الأطباق.   وأضافت جا Ja (2.5 سنة)  – وأنا أيضًا.  فقالت ماد – لا. هذا ليس بصحيح.  – نعم.  – لا.  لم تجفف الأطباق.   فمن الحسن أن تدعي ذلك.  فلما قالت الأم ربما كانت جا Ja مخطئة حين ادعت أنها جففتها, أجابت ماد – لا. لم تجففها وليس جميلاً منها أن تدعي ذلك.  أنا وحدي التي قمت بذلك.

 

جا Ja : ملابسكم كلها ملطخة.   إنها ملطخة.   ماد Mad – لا.  ليس هذا بصحيح.  ليس هذا بصحيح. ليس صحيحًا.   – ماد (بغضب شديد) ليس صحيحًا.  هذا كلام لا معنى له.   أماه, إن جا Ja تقول كلامًا لا معنى له.

جا Ja ضربت ماد دون أن تقصد إيذائها فصاحت ماد Mad قائلة    – أماه, إن جا Ja فظيعة.  إنها ضربتني.  – ولكنها لم تفعل ذلك عن قصد, فهي لم تكن تريد إيذاءك.  – نعم, كانت تريد. فعلت ذلك عن قصد وقد ضربتني بشدة وآذتني بشدة.

 

وفي أثناء بحثنا عن تقييم سلوك الآخرين, كنا قد اقتربنا من الموقف المفتعل قليلاً الذي فيه يقرر الطفل الأعمال التي لم تلاحظ بطريق مباشر وإنما وصفناها له عن طريق القصة.  فإذا كانت الواقعية الأخلاقية تستمر بالنسبة للأحكام على أعمال الآخرين مدة أطول منها بالنسبة لأعمالنا فمن البديهي أن دائرتها لا بد أن تتسع حين ننتقل إلى دائرة الأمثلة اللفظية الخالصة المتضمنة في قصصنا ولكن هنا تظهر ثالثة تعقد الموضوع.  ذلك أن الواقعية الأخلاقية عند الطفل من المؤكد أنها أكثر تنظيمًاعلى المستوى النظري عنها على المستوى العملي ولذا يبدو أننا ندرس هنا شيئًا متصلاً بظاهرة جديدة مختلفة في طبيعتها أن عملية إدراك ما في الشعور الموجود ضمنًا في كل التفكير النظري ليست مجرد تكرار ما كان له أثر في أفعالنا العملية بعد فترة طويلة أو قصيرة, بل أن هناك أيضًا فوق ذلك عمليات التأجيل والتحريف متحدة مع ميكانيكية التفكير ذاتها.  ذلك أنه بمجرد أن يلي عمل ما بطريق مباشر أو تنبسط فوقه فكرة مأخوذة من عالم الواقع وتتحرر عن طريق قوة الألفاظ أو الخيال فإن العقل يخرج من مركزه مجموعة كاملة من أوهام لمرئيات سائدة وخصوصًا الأوهام اللاشعورية لمركزية الذات. ولهذا فإن الطفل من الناحية العقلية حين يحاول أن يعلل فإنه يواجه سلسلة من الصعوبات قد تغلب عليها ذكاؤه العملي منذ مدة طويلة.  وبالمثل في ميدان الأخلاق حيث يكون لديه مجرد قصص تليت عليه فهو يميل لأن يصدر أحكامًا خالية من الشفقة وتنقصها البصيرة السيكولوجية وبذلك تكون دليلاً على الواقعية الأخلاقية المنظمة قليلاً أو كثيرًا بينما هو في الحياة الواقعية لا شك أنه يشفق على أولئك الذين يعتبرهم عن بعد من كبار المذنبين.

 

ومن هنا نرى أن الواقعية الأخلاقية التلقائية في السنوات الأولى بينما تتضاءل بالتدريج بالنسبة لسلوك الإنسان نفسه نجدها قد تنمو في نواحٍ أخرى أولها في تقييم أعمال الناس الآخرين وآخرها في التفكير المتصل بالحالات النظرية الخالصة الموجودة في القصص وفي التاريخ وفي الأساطير الاجتماعية بوجه عام.  وفي حالة دراسة المجتمعات البدائية ينبغي أن نضيف إلى ذلك أن هذه المنتجات الأخيرة للواقعية الأخلاقية بمجرد أن تتدعم بواسطة القسر الاجتماعي لمجموعة ككل (على العكس من القسر الأولي للراشدين على الأطفال) تصبح قادرة على أن يكون لها رد فعل على عقول الأفراد فعلاً وذلك بواسطة انعكاس سوف نفهمه قريبًا جدًا.  ولكن ما دمنا نتحدث عن الطفل وحده فيجب أن نحصر أنفسنا في النتيجة القائلة بأن الواقعية الأخلاقية لا ترتبط بشئ ذى تأثير وتلقائي في تفكير الطفل.  زيادة على ذلك, فإن هذه النتيجة تتفق تمام الاتفاق مع ما وجدناه في حالة لعبة الكريات, فكل قاعدة سواء كانت مفروضة على صغار الأطفال بواسطة كبارهم, أو على الأطفال بواسطة الراشدين, تبدأ بشكل خارجي عن العقل قبل أن تصبح داخلية فعلاً.  وفي أثناء هذه الحالة الخارجية الخالصة فإن الواقعية الأخلاقية العنيفة للغاية قد تسير جنبًا إلى جنب مع ما يبدو كأنه تطبيق لمركزية الذات غير المتماسكة.

 

والآن وقد انتهينا من توضيح هذه النقطة نستطيع أن نحاول حل مشكلة طبيعة الواقعية الأخلاقية فنأخذها من الناحية الديناميكية ثم نقسمها إلى الأقسام الحقيقية التي أشرنا إليها في مناقشاتنا السابقة. بعبارة أخرى, فإننا لن نعود نعتبر نتائج حوارنا وكأنها محتويات ذاتية ولكنا نميل إلى اعتبارها نتيجة نهائية وغير مباشرة لميل بدائي كثير الانتشار.  فهذه الواقعية الأخلاقية التلقائية التي يعتبر جزء من حديث الأطفال النظري عنها هو التفكير فقط, هذه الواقعية هي التي يجب أن ندرسها الآن حتى نضع أسسها وحالاتها.  والواقعية الأخلاقية تبدو لنا وكأنها ترجع إلى اتحاد مجموعتين من الأسباب – تلك الخاصة بالتفكير التلقائي للطفل (” الواقعية” الطفولية) وتلك المرتبطة بقسم الراشدين, ولكن هذا الاتحاد لأنه بعيد عن أن يكون عرفيًا فإنه يبدو أنه من مميزات معظم العمليات العامة في سيكولوجية الأطفال سواء من الناحية العقلية أو في الميدان الأخلاقي.  ذلك أن الحقيقة الأساسية لعلم النفس البشري هي أن الجماعة بدلاً من أن تبقي دائمًا داخل تركيب كما هو الحال في الحيوانات حيث تكون متحفزة بواسطة غرائزها فإنها في حالة الإنسان تتبلور بكليتها في الغالب خارج الفرد.  بمعنى آخر, فإن القواعد الاجتماعية كما بين دوركايم بقوة سواء كانت لغوية, أم دينية, أم قانونية, لا يمكن أن تنظم أو تحفظ بواسطة عملية وراثية بيولوجية داخلية بل عن طريق ضغط خارجي يقوم به أفراد على آخرين. ويمكننا أن نصوغ هذا الموضوع في عبارة أخرى فنقول, كما قال بوفيه فى ميدان الأخلاق, إن القواعد لا تظهر في عقل الطفل كحقائق نظرية، بل كحقائق انتقلت إليه من الكبار وعليه أن يتسق معها منذ سنواته الأولى بواسطة شكل من أشكال التوافق.  وهذا طبعًا لا يمنع من أن بعض القواعد قد يحتوى عنصرًا من المعقولات أكثر من غيرها وبذلك تكون مرتبطة بالناحية الثابتة الوظيفية العميقة للطبيعة البشرية.  ولكن سواء كانت معقولة أو مجرد موضوع استعمال واتفاق في الفكرة فإن القواعد المفروضة على عقول الأطفال بواسطة قسر الراشدين تبدأ في شكل صورة متسقة للحالة الخارجية وسلطة خالصة, ولذلك فبدلاً من أن تمر من الحالة الفردية الأولية (العنصر الاجتماعي في الأشهر الأولى هو اجتماعي بيولوجى فقط – إن صح هذا التعبير – في داخل الفرد ولذلك كان حالة فردية) إلى حالة تعاون تدريجية, فإن الطفل منذ سنته الأولى يكون فى حوزة تربية قسرية تظل مستمرة وتنتهي بأن تنتج ما سماه كلا باريد(1) Claparéde “دائرة قصيرة” حقيقية.

 

ونتيجة هذا نجد أمامنا ثلاث عمليات للدراسة. مركزية الذات التلقائية اللاشعورية المتصلة بالفرد كما هو، ثم قسر الراشدين ثم التعاون. ولكن هناك نقطة هامة وهي أن مركزية الذات التلقائية عند الأطفال وقسر الراشدين ليسا دائمًا على طرفي نقيض في كل النواحي يتفقان في بعض النواحي لدرجة تسمح بقيام اتفاق متناقض في الظاهر على نحو بارز.  ذلك أن التعاون وحده يستطيع أن يخرج الطفل في حالته الأولية ومركزية الذات اللاشعورية بينما نجد أن القسر يعمل بشكل مختلف ويقوي خصائص مركزية الذات (في بعض النواحي على الأقل) حتى يأتى الوقت الذي يخلص فيه التعاون والطفل في آن واحد من هذه المركزية ومن نتائج القسر.  وسنحاول تحقيق هذه العبارات بالنسبة للواقعية الأخلاقية وبعد ذلـك نقارن هذه الظاهرة بالعمليات الموازية تمامًا والتي تظهر في ميدان ذكاء الطفل.

 

وأول مجموعة من العوامل التي تعمل على توضيح الواقعية الأخلاقية إذن تقوم على واحد من مظاهر تفكير الأطفال الأكثر تلقائية وهي الواقعية عمومًا.  فالطفل واقعي, وهذا معناه أنه غالبًا في كل ميدان يميل لأن يصدر قراره كشخص خارجي وأن يضفي شيئية كما قال سلي Sully على محتويات الشعور. وعند الطفل استعداد منظم لأن يضفي الشيئية على محتويات شعوره المشتركة بين كل الناس ومن ثم جاءت قدرته على تجسيم الحقائق الاجتماعية وإسقاطها على العالم الخارجي.

 

ونحن دون أن نلجأ لفكرة مرحلة الإسقاط التي تكلم فيها بولدوين Baldwin والتي يعرفها بأنها الواقعية التامة أو عدم الفصل بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي استطعنا أن نذكر عددًا كبيرًا من الظواهر المشاهدة حاليًا من واقعية الأخلاق نفسها.  ومن المهم بنوع خاص أن نتذكر في هذه النقطة الموقف المحدود الذي يأخذه الاطفال بالنسبة للنتائج أو وسائل التفكير (انظر R.M. الفقرة 1).  فالأحلام مثلاً من الطفل يعرف أن محتوياتها خادعة فإنه يظل حتى حوالى 7-8 يعتبرها بشكل منظم وكأنها حقيقة موضوعية كشئ وكنوع من الصور النادرة التي تسبح في الهواء وتستقر أمام أعيننا, والأسماء (التي يمكن مقارنتها بالقواعد الأخلاقية في أنها مشتقة ومفروضة من الراشدين المحيطين) نفسها تشمل مظاهر للأشياء نفسها فلكل شيء اسم متحد مع طبيعته ذاتها وهو مستقر دائمًا ومقيم في الشيء نفسه.   وأخيرًا, فالتفكير نفسه بدلاً من أن يحتوى على نشاط داخلي فهو يعتبره نوعًا من القوة المادية مرتبطًا بطريق مباشر بالعالم الخارجي.

 

وفي ميدان الرسم يعرض علينا م . لوكيه M. Lucuet  تحليلاً رائعًا للظاهرة المعروفة باسم “الواقعية الفعلية”, فالطفل يرسم الأشياء كما يتصورها لا كما يراها.  ومثل هذه العادة طبعًا هي دليل أولي على قيام ظاهرة المعقولية واتساعها.  هذه الظاهرة التي تتصل بكل تفكير, والتي لها وحدها قيمة في طبيعة الإدراك الحسي.  فلكي تدرك حسيًا معناه أن تركب عقليًا, وإذا كان الطفل يرسم الأشياء كما يتصورها فمما لا شك فيه أن ذلك يرجع إلى أنه لا يستطيع أن يدركها دون أن يتصورها ولكن التخلف التدريجي من الإطلاقيات الخادعة وطرحها خارج دائرة العلاقات التي تقوم عن طريق الخبرة نفسها, هذا العمل هو نوع واقٍ من المعقولية.   فحين يرسم الطفل الأشياء كما يراها, ففي هذا دقة لأنه يخلص من فكرة أخذ الأشياء منعزلة ومن أجلها نفسها, وقد بدأ يشيد نظمًا واقعية من العلاقات تعمل حسابًا للإدراك الحسي الحقيقي الذي ترتبط به الأشياء. وعلى ذلك “فالواقعية العقلية” وإن كانت سابقة للمعقولية الحقيقية ولكنها تتضمن أيضًا انحرافًا يشمل انعزالها سريعًا جدًا ولهذا قام تحقيق المنتجات الأولى للتركيب العقلي فهو لا يزال “معقولية” بالمعنى الذي نقصده من هذا اللفظ.   بمعنى آخر, إنه غطاء سطحي لعمليات عقلية هي عمليات التثبيت غير الشرعية في كل لحظة من لحظات الحركات البنائية.

 

ونظراً لأن الطفل واقعي في كل الميادين فليس من المستغرب إذن أن نجده من أول الأمر “يحقق” أو حتى “يحيل إلى حقيقة” القوانين الأخلاقية التي يطيعها, فحرام أن تكذب, أو تسرق, أو تتلف الأشياء, إلى آخر مثل هذه القوانين الكثيرة التي يراها كأشياء قائمة بذاتها, مستقلة عن العقل, وبالتالى مستقلة عن ظروف الفرد وبواعثه.  فهذا هو المكان الذي تستدعي فيه الحقيقة الأساسية القائلة بأن الطفل نظرًا للواقعية العامة لتفكيره التلقائي فإنه حتى سن 7- 8 تجده دائمًا يعتبر فكرة القانون كأنما هي قذيفة تلقائية وأخلاقية.  حقًا, قد حاولنا أن نبين (أنظر R.R.et C.P.) أنه حتى سن 7- 8 لا يقوم عند الطفل أي قانون منفرد خالص للطبيعة, فإذا تحركت السحب بخفة حين تهب الرياح ذلك لا يرجع فقط إلى الاتصال الضروري بين حركة الرياح وحركة السحب بل يرجع أيضًا, وبصفة مبدئية, إلى أن السحب “يجب” أن تجري حتى تأتينا الأمطار أو الليل, إلى آخره.   وإذا كان القمر لا يضئ إلا ليلاً والشمس إلا نهاراً فليس ذلك راجعًا فقط إلى الترتيب المادي الذي يدعة إلى هذا الانتظام بل إن ذلك يرجع بادئ الأمر إلى أن الشمس “لا يسمح لها” أن تسير ليلاً, ذلك أن الأجسام السماوية ليست سيدة نفسها ولكنها خاضعة ككل الكائنات الحية إلى قواعد تسيرها.  وإذا كانت القوارب تطفو فوق سطح الماء بينما ترسب الحجارة في القاع فإن ذلك لا يحدث لمجرد أسباب متصلة بوزنها بل إن سبب ذلك أن الأشياء يجب أن تكون كذلك خضوعًا لأمر هذا الكون.  وباختصار فإن الكون تخترقه القواعد الأخلاقية.  والنظام الطبيعي غير منفصل عن الالتزامات الأخلاقية والقواعد الاجتماعية, وليست هذه الالتزامات تعتبر أهم من هذا النظام بل إنها أبعد من ذلك, وكل ما في الموضوع أن ليس هناك اختلاف بين الفكرتين.  ففكرة الانتظام الطبيعي هي فكرة أولية مثلها في ذلك الانتظام النفسي أو الأخلاقي ولكنا لا نستطيع أن نرى أحدهما مستقلاً عن الآخر فمن الطبيعي إذن أن نجد أن القواعد الأخلاقية ينبغي أن تستبقي شيئًا طبيعيًا حولها كالأسماء التي هي أجزاء من الأشياء أو ظاهرة رئيسية بل وحالة ضرورية من حالات الكون فما أهمية القصد إذن؟  إن مشكلة المسؤولية هي بكل بساطة أن نعرف ما إذا كان القانون محترمًا أو قد انتهكت حرمته, فكما أننا إذا غيرنا قدمنا بدون إهمال فسقطنا على الأرض بسبب قانون الجاذبية فكذلك العبث بالصدق حتى ولو كان من غير قصد فإنه يسمي كذبًا ويستحق العقاب فإذا ظل الخطأ غير ملاحظ فإن الأشياء نفسها سوف تتولي عقابنا (أنظر الفصل التالي الفقرة 3).

(1)Claparé , Psychologie de l’ cnfant 7e ed , P. 502.

#كمال_شاهين

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.