تصحيح أخطائنا التراثية قبل يوم الحساب – 1

تصحيح أخطائنا التراثية

قبل يوم الحساب – الفصل الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

lawday.jpg

حينما نتحدث عن الغيبيات سواء المستقبلية أو السابقة أو كلما هو فعلا في الغيب فعلينا أن نفهم بأن الله تعالى قد أفصح عن بعض المسائل الغيبية في القرآن الكريم وهي كلما نعرفه عن الغيبيات. ذلك لأننا لا يمكن أن نعلم أي شيء لا نستشعره بأحاسيسنا أو بنفوسنا المدركة. فنحن نعلم بوجود الله تعالى مثلا بنفوسنا المدركة ونعلم حرارة الماء بملامسنا. هناك الكثير من المسائل الغيبية التي لا يمكن لنا اكتشافها ولكن تراثنا مليء بالغيبيات. والكل ينسب الغيب إلى رسول الله عليه السلام والرسول ليس بيننا ولم يقل لنا ربنا في القرآن بأنه سبحانه علَّم الرسول بعض المسائل الغيبية فاسألوا رسولكم؛ كما لم يقل سبحانه بأن الرسول يعلم بنفسه الغيب بل قال عكس ذلك.

قال تعالى في سورة الأنعام: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50). والوحي الذي يوحى إليه عليه السلام هو هذا القرآن وهو مأمور بتبليغه وليس هناك وحي خاص يحتفظ به لنفسه. قال تعالى في سورة الجن: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28). فالغيب الذي يوحى إلى رسولنا هو غيب له ولنا جميعا لنتبعه وهناك أرصاد ملائكية تراقب الرسول ليتم التبليغ بصورة دقيقة ودون خطأ. وإذا كان رسولنا لا يعلم الغيب من خارج القرآن فأنى لغيره أن يعلم ذلك؟

نستنتج من هذه المقدمة بأن كل الغيبيات التي قرأناها في أحاديث سلفنا وكلما سمعناه من الخطباء وأئمة المساجد ومن يسمونهم رجال الدين؛ كلها أكاذيب وملفقات لا علاقة لها بالله تعالى ولا برسوله الصادق الأمين. وبما أن هذا القرآن هو أهدى من غيره فكل ما ينقلونه عن التوراة والإنجيل من أخبار غيبية خارج القرآن فهي قد تكون إضافات إسرائيلية ولا علاقة لها بكتب السماء ولا بأنبياء الله تعالى. قال تعالى في سورة الإسراء: عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10). الآية الأولى خطاب موجه لبني إسرائيل والله تعالى يقول لهم بأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. فكيف نتبعهم ونقبل أقوالهم أو ننقل ما كتبه سلفهم فقد يكون من المحرفات اليهودية؟

وليعلم من يريد أن يعلم بأننا كمسلمين ومؤمنين بالله فإن الله تعالى الذي نتقي عذابه ونخاف من غضبه أمرنا بأن لا نتبع الظنون ونرفض كلما لا نعلمه. قال تعالى في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36). وسوف أتعرض الآن لبعض المسائل التي اشتهرت بيننا من حوادث ما قبل الحساب سواء في يوم القيامة أو قبل القيامة مما لا ذكر لها في القرآن الكريم ليرفضها المسلمون ويتقوا ربهم في الافتراء على الله تعالى.

  1. الشفاعة يوم القيامة:

لقد كتبت بحثا مطولا يتناول كل الآيات التي ورد فيها جذر شفع وسوف أنشره قريبا. لكنني هنا سوف أتناول الموضوع باختصار من ناحية أنها غيب ملفق بلا أساس. نعلم من القرآن بأن كل البشر بلا استثناء كائنات مدركة ومريدة. فنحن ندرك بمعنى أننا يمكننا أن نصل إلى الحقيقة إلى حد كبير لو استعملنا قدراتنا الإدراكية فلا يجوز لنا أن نقلد أو نتبع الغير فقد لا يكونوا ناصحين وقد لا يكونوا مصيبين. كل الناس بمن فيهم صحابة الرسول مأمورون بالتفكر الشخصي. قال تعالى في سورة ص: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). في الآية 28 نرى الحديث حول الذين آمنوا والذين هم متقون. وفي الآية 29 التالية لها يشير إليهم ربهم بأن عليهم أن يتدبروا آيات القرآن الكريم. إنهم المؤمنون المتقون من صحابة الرسول وعليهم أن يدَّبروا آيات ربهم ولا يجوز لهم أن يقلدوا الرسول كالببغاوات. إنهم يستفيدون من فهم أخيهم رسول الله ولكنهم يسعون ليتدبروا الآيات بأنفسهم. هناك مسائل دقيقة داخل الكتاب السماوي وكل ذي علم يعرفها بطريقته الخاصة فلا جدوى لتقليد الغير. فتفسير الرسول لغير آيات الأحكام لهي تفسير جزئي يمثل فهم إنسان مثلنا لكلام عظيم هو فوق كلامه وكلام كل المدركين في كل أرجاء الكون المهيب. ألم نسمع بأن نبيين عظيمين هما إبراهيم وابنه إسماعيل فسرا منام إبراهيم بالغلط وظنا أن ربهما يأمر الأب بذبح ابنه؟ هل يمكن أن يأمر الله تعالى بشرا بأن يقتل ابنه البريء؟ هكذا يخطئ الرسل أحيانا في فهم بعض المسائل فلا معنى لاتباع الرسل الكرام في تفسيراتهم لكل القضايا. نحن نتقبل منهم رسالاتهم لأنها من الله تعالى وليس صحيحا أن نكتفي بفهمهم لغير آيات الأحكام الشرعية.

 وقد وصف الله تعالى القرآن بالمبارك بمعنى أن هناك بركات سماوية متواصلة للقرآن. وهذا ما نراه حينما نفكر في القرآن بأن المعاني في أذهاننا تتجاوز زمن الرسول وتتجاوز محيط مهبط الوحي مكة شرفها الله تعالى. وآية سورة ص تؤكد بأنها تتجاوز فهم الرسول نفسه فقد يصل بعض أصحابه إلى معاني لم يصل إليها الرسول وهذا معنى المبارك بظني القاصر.

ونعلم أيضا من القرآن بأننا مريدون مختارون في بعض أعمالنا ومختارون في كل عقائدنا؛ فمن شاء منا فليؤمن ومن شاء منا فليكفر. وكلنا يعلم بأن الإيمان أمر قلبي لا يمكن لبشر آخر أن يطلع عليه. إن كل إنسان في حقيقة أمره مسؤول بقدر علمه أمام الله تعالى وحده. وقد وضح لنا ربنا بأن علم الله تعالى بحقائق النفوس سوف يتكامل يوم القيامة وليس اليوم. قال تعالى في سورة العاديات: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11). لم يقل سبحانه بأن علمه بنفوسنا كاف للحكم قبل يوم الحساب. المسألة بهذه الدقة فأنى لغير الله تعالى أن يحكم بين عباد الله؟ من يقوى على المقارنة بين نفسيات الناس وبين ضغوطهم النفسية وهو على علم كامل بمقتضيات الزمان والمكان وموقع الفرد في المجتمع وغير ذلك من المؤثرات الخارجة عن النفس إضافة إلى المؤثرات النفسية غير الله تعالى؟ ولذلك قال سبحانه في سورة الحج:

ِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17). كل القرآن خطاب لرسول الله عليه السلام في الأساس حتى الآيات التي تخاطب بني إسرائيل فإنها تخاطبهم عن طريق الرسول الذي أبلغهم. فالله تعالى يقول لرسولنا على مسمع من كل من سمع ويسمع القرآن الكريم، بأن الذي يقدر على الفصل بين هذه الأمم المتباينة في أفكارها ومعتقداتها هو الله تعالى وحده. فجملة: إن الله يفصل بينهم؛ في واقعها تحدد الذي يمكنه الفصل بينهم بأنه الله تعالى فيجب أن نحدد فكرنا عليه سبحانه لنعلم ونفهم معاني المجموعة من آيات سورة الحج. ولنعمل ذلك الآن بإذن الله تعالى:

يقول سبحانه قبلها: مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ (16). وتعني فيما تعني بأن الذي يمكنه أن ينصر عبده هو الله تعالى وحده سواء في الدنيا أو في الآخرة. فالذي يبحث عن رضوان الله وجنات الله عن طريق غير الله فهو خائب كائنا من كان ذلك الغير. لا يمكن أن يكون غير الله تعالى بقدرة وبرحمة وبعلم الله جل جلاله. إنه وحده أرحم الراحمين وقد مارس سبحانه رحمته في الدنيا بأن أنزل آيات بينات هي القرآن بالنسبة لنا جميعا وأكد الله تعالى في هذه الآيات البينات بأن الهدى لن يتم إلا إذا أراد الله تعالى. ذلك لأن الرسل الذين هم غير الله تعالى عاجزون عن فهم مقتضيات الزمان والمكان ليتعرفوا على استحقاق من يرونه أمامهم للهدى أو عدم استحقاقه.

وقال تعالى بعد آية الفصل أعلاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18). فيؤكد لنا سبحانه بأن الكائنات كلها تسجد لله ولا تسجد لغير الله بمن فيهم بعض العصاة المختارين الذين حق عليهم العذاب؛ فلو أن الله تعالى أراد ألا يكرم أحدا غدا فمن هو القادر على أن يكرمه؟

ألا تنفي هذه الآيات الواضحة أية قدرة لمساعدة أحد من حيث الهدى ونتائج الهدى لغير الله تعالى؟ فما معنى الشفاعة المزعومة إذن؟ إنها مجرد كذب واضح على رسول الله. ولنعلم جميعا بأن لا أحد له أي دخل في الحساب كما ليس للرسول عليه السلام ولا غيره أي علم بالحساب. قال تعالى في سورة الانفطار: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19).

  1. عذاب القبر:

اشتهر بين المسلمين عامة بأن هناك عذاب في القبر. بالطبع أن الله تعالى لم يذكر شيئا من ذلك في القرآن ولا أحد يعرف عما سيحصل لخلق الرحمن بعد أن يموتوا عدا ربهم سبحانه. وأنا شخصيا أرى من العيب أن أبحث عن أمر أعرف مسبقا بأن القائل كان يجهل المسألة ولم يكن قادرا على فهم الموضوع كائنا من كان ذلك الشخص الذي بدأ بتلفيق الحقائق في أذهان المؤمنين بالرحمن  وبكتاب الرحمن عز اسمه. لكنني أناقشه إكراما لأمتي التي تعتقد بالخرافات مع الأسف.

قال تعالى في سورة يس: وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32). هذا وعد من الله تعالى بأن الجميع سيُحضرون لديه بعد موتهم. ثم يذكر سبحانه في السورة الكريمة بعض الآيات التي توضح الموت والحياة والبداية والعودة وغيرها لتكون علامة لنا بما يفعله الله تعالى في خلقه ثم يذكر لنا سبحانه ما يتساءله المرتابون: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48). والآيات التي تليها من المتشابهات التي نحتاج معها إلى بذل المزيد من التفكير العميق والدقيق لعلنا نفهم معناها. وإن تجربتنا مع مواريثنا السلفية تؤكد لنا ضعفهم في فهم المتشابهات. وليس لنا مجال في هذا المختصر لبيان فهمي المتواضع والقاصر لمعاني الآيات التالية ولكنني أذكر ما نحتاج إليه لهذا البحث فقط.

ألف: الصيحة التي نراها في الآية التالية 49 وفي الآية 53 بعدها هي نفس الصيحة وليستا صيحتين والسلف لم يفكر فيهما مليا مع الأسف. والآية هي: مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49). ليست هناك صيحة قبل موت الأفراد والحديث عن أمر جمعي وليس عن أمر فردي كما تظننوا. ليس لدينا في الدنيا اختصام حول الموت فكلهم يتقبلون الموت ويؤمنون به لأنهم يرونه بين أهلهم بصورة مستمرة. فالصيحة إذن صيحة كونية كما أحتمل لبيان تغيير مستقبلي كامل في النظام الكوني. فهم يختصمون اليوم في ذلك النظام المستقبلي الذي سينتج من الصيحة. وأنا أتقبل احتمال بعض المفسرين بأن هناك صيحتان فهما فعلا صيحتان بفواصل زمنية تتجاوز 18 بليون سنة كما أظن. لكن الصيحتان في هذه الآيات توضحان الصيحة الثانية وليست الأولى.

ب: وأما قوله الكريم بعدها: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50). عدم الاستطاعة هنا باعتبار عدم وجود الأهل وانتفاء الأنساب انتفاء كاملا فالحديث عن مستقبل بعيد جدا. قال تعالى في سورة المؤمنون: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103). الآيتان 99 و100 تتحدثان فعلا عن لحظات الموت حيث لا يُسمع منهم أي رجاء لأن موعد الاختبار يكون قد انتهى. وليس وراءهم إلا فاصلة زمانية وليست مكانية تفصلهم عن الحياة الفعلية حتى يوم البعث حيث تُقام القيامة بعدها. والبعث في القرآن يعني التحفيز باعتبار أن الله تعالى يقوم بتحفيز النفس الإنسانية لتخلق لصاحبها بدنا جديدا، والعلم عنده سبحانه.

ج: تنقطع الأنساب بعد الموت مباشرة لأن علاقاتنا مع آبائنا وأمهاتنا هي علاقات بدنية فيزيائية ترتبط بصناعة جيناتنا المميزة لنا من جينات الأبوين. فإذا متنا فإن البدن الفيزيائي تنهار شيئا فشيئا في فترة قصيرة جدا ولا سبيل لإحيائها إلا بأن يمنحنا ربنا بدنا جديدا هو ليس مصنوعا من جينات أبوينا الذين انحدرنا منهما. وآية المؤمنون لا تتحدث عن لحظة زوال الأنساب بل تتحدث عن أننا حينما نعود إلى مشاعرنا الجديدة فلا أنساب بيننا. نحن نموت ونفقد كل شيء عدا نفوسنا ثم نُحشر من جديد في أبدان جديدة لا علاقة لها بأبدان آبائنا وأمهاتنا فنحن أفراد مستقلون تمام الاستقلال. أرجو ملاحظة أن الله تعالى لم يتحدث عن زمن زوال الأنساب بل يتحدث عن نوع حشر خلقي جديد بلا نسب. ولذلك قال تعالى بعد ما مضى في سورة يس:

د. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51). هذه هي النفخة الثانية التي بها يتم توسيع الكون الجديد بعد الانفجار الكوني الثاني المستقبلي لبناء كون جديد قادر على البقاء الأبدي بصورة طبيعية. والنفخة الأولى هي نفخة تتم بعد حوالي 5 بلايين سنة كما أحتمل لتدمير الكون وليس لتعميره. والأجداث تعني القبور فعلا ولكنها ليست القبور الفعلية. ألا ترون بأن هناك أفراد يموتون بلا قبور وهناك أفراد يموتون حرقا أو يحرق أهلهم أجسادهم بعد الموت. فالأجداث هي أجداث جديدة في الأرض الجديدة وليست في أرضنا هذه. هي أجداث لجميع أفراد البشر وليست لجمع منهم.

قال تعالى في سورة طه: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55). تعني الآية الكريمة بأن الله تعالى خلقنا من جنس الأرض وهو التراب. خلقنا بدنيا من تراب الأرض التي أنبتت ثم تحولت بعض الخلايا النباتية إلى خلايا حيوانية. ويعيدنا إلى التراب أيضا ولكنه تراب جديد. هكذا ندخل جميعا في أجداث جديدة تمهيدا لصنعنا مباشرة من خلايا نباتية جديدة ثم خروجنا من الأرض الجديدة بأبدان مغايرة لأبداننا الدنيوية. وقد تم شرح خوف إبراهيم عليه السلام من الخروج الجديد من التراب الجديد.

هاء: والآن نصل إلى بيت القصيد. قال تعالى بعدها في نفس سورة يس: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52). من بعثنا من مرقدنا يعني بأنهم كانوا رقودا بعد الموت حتى يومهم ذاك. والحديث فعلا عن غير المؤمنين لأن هناك نوع رقود مختلف للمؤمنين ولا مجال لشرحها هنا. يكفينا معرفة بأن غير المؤمنين كانوا رقودا ولم يتعرضوا لعذاب في القبر كما ظن قليلو العلم. فالله تعالى هنالك يرد على سؤالهم: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. يعني بأن ما ترونه اليوم في يوم البعث هو ما وعده الرحمن وصدق الذين أرسلوا إليكم.

ثم يقول سبحانه بعدها: إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54). يعود سبحانه إلى نفس الصيحة التي ذكرها في الآية 49 من سورة يس ليوضح لنا بأن تلك الصيحة هي الصيحة التي تعيدهم إلى الحياة الكاملة بعد الموت ليروا جزاء أعمالهم.

والعقل يحكم بعدم وجود جزاء قبل يوم الحساب ولكن الوضاعين اختلقوا لنا عذاب القبر. وهل الإنسان نائم في القبر حتى يعذبه الله تعالى. نحن نموت وننفصل عن أبداننا ولا نعرف أين يأخذوننا في فضاء الله تعالى ولكن أبداننا الفيزيائية تُدفن في القبور حتى يمنع من تسرب الروائح الكريهة التي تسبق اندثار اللحوم والعظام في الأرض. قال تعالى في سورة المائدة: فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31).

لقد سمى الله تعالى بدن الأخ المؤمن الصالح بالسوءة لأنه سوف يُنتج روائح كريهة تؤذي الأحياء ولذلك علَّم الأخ غير الصالح ليدفن بدن أخيه في الأرض. مشكلة البشر أنهم يظنون بأن الناس موجودون في قبورهم فيزينون قبور أحبابهم ويصنعون عليها الأضرحة والقبب ويزورونها ويسعون للتحدث إلى من في القبر حسب زعمهم. فهل رسول الله عليه السلام نائم في قبر بدنه في أرض يثرب مثلا؟ ما ذا يفعل الرسول تحت التراب؟ ألم يخرج عليه السلام من بدنه ولذلك صلى المسلمون على بدنه الشريف ودفنوا البدن بلا نفس في القبر الترابي ليتحلل في التراب؟ صلوا على البدن الذي حمل نفس رسول الله عليه السلام 63 عاما لكنهم لم يصلوا على نفس رسول الله التي فارقتهم لحظة الموت ليعيش بجوار ربه. لقد خاطبوا النفس عن طريق البدن الميت وشهدوا لصاحب النفس بأنه مؤمن وقالوا بأن ذلك الميت سوف انتقل إلى جوار ربه. فهل البدن ينتقل أم النفس؟

لو كان عذاب القبر واقعيا لكان فردوس القبر واقعيا أيضا. وكيف يتحول القبر إلى فردوس؟ هذه من الأساطير البالية التي اختلقها أتباع الشياطين ليلعبوا في دين الله تعالى. لو أصبح القبر فردوسا أو نارا فما معنى الحساب في يوم القيامة؟

فعذاب القبر كذب وافتراء مشابه لفرية الشفاعة.

انتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني وسنتحدث فيه عن شبهة نزول عيسى بإذن الله تعالى.

أحمد المُهري

22/5/2017

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.