دوامات التدين

دوّامات التديُّن

 

WHIRLPOOL.jpg

تابع صفحة مركز #تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

 

أرسلت إلينا فضيلة الأستاذة الدكتورة هالة كمال هذا المقال الذي كتبه الدكتور يوسف زيدان.

 

يقول سيادته

إن معني الدين يختلف بطبيعة الحال عن مفاهيم التدين.  فالدين أصل إلهي والتدين تنوّع إنساني، الدين جوهر الاعتقاد والتدين هو نتاج الاجتهاد؛ ومع أن الأديان كلها تدعو إلي القيم العلياالتي نادت بها الفلسفة (الحق الخير العدل الجمال) فإن أنماط التدين أخذت بناصية الناس إلي نواحِ متباعدة ومصائر متناقضة، منها ما يوافق الجوهر الإلهي للدين ويتسامي بالإنسان إلي سماوات رحيبة، ومنها مايسلب هذا الجوهر العلوي معانيه ويسطِّح غاياته حتي تصير مظاهر شكلية، ومنها ما يجعل من الدين وسيلة إلي ما هو نقيض له.

 

ما هي قصة التوراة والتلمود؟

حسبما اتفق عليه كثير من المؤرخين والباحثين، فإن التوراة دوّنها (عزرا الكاتب) إبّان القرن الخامس قبل الميلاد، وحكي فيها عن بدء الخليقة ووقائع حياة آباء الأنبياء من أمثال إبراهيم ويعقوب الذي غاب الله (إيل) فصار اسمه (إسرائيل)! وكانت كتابتها في أورشليم القدس بعد انتهاء السّبي البابلي الذي قام به (نبوخذنصّر)   أما التلمود فقد دوّنه (يهوذا هنّاسي) في بدايات القرن الثالث الميلادي، وكان أحبار اليهود (الحاخامات) قد بدءوا تدوين التلمود قبل ذلك بعشرات السنين، وتحديدًا بعد سقوط أورشليم وتخريب الهيكل علي يد الإمبراطور الروماني إيليانوس الذي محاها وبني بدلًا منها مدينة سميت باسمه (إيليا) حتي جاء الإسلام فأسماها العرب (بيت المقدس) 

وفي إيليا كتب أحبار اليهود مسودّات التلمود ثم جاء يهوذا فنقّح ما كتبوه واستكمله فكانت تلك المباحث الستة التي تُعرَف باسم التلمود؛ وهي الشريعة اليهودية (الشفاهية) في مقابل الشريعة اليهودية (المكتوبة) لأنه وفقًا للاعتقاد اليهودي، فإن موسي التوراتي جاء بالشريعة علي وجهين:

مكتوبة (التوراة)

وشفاهية (التلمود)

واليهود الأرثوذكس شديدو التعلّق بالتلمود

 

ما الأرثوذكسية؟

هي كلمة يونانية الأصل تعني لغةً (الاستقامة) واصطلاحًا (الإيمان القويم) وهي تستعمل في التراثيات القديمة للتفرقة بين الأرثوذكس الذين يرون في أنفسهم أصحاب الدين الصحيح والإيمان القويم، ويرون مخالفيهم في العقيدة (هراطقة).  وعلي المنوال ذاته تري الجماعات اليهودية السّلفية (الأرثوذكسية) ذاتها، وتري الجماعات الإسلامية الأرثوذكسية (السّلفية) ذاتها!  فتأمّل هذا التقابل، وتذكر الرواية التي تُروي أن النبي قال:

“لتتبعُنّ سنن من كان قبلكم….”

 

ويبدو أن الفكر الديني (الأرثوذكسي) عمومًا يتعلق عادةً بالنص (الثاني) من نصوص الديانة.

التوراة في اليهودية هي النص الأول الذي يضم أسفار موسي الخمسة (التكوين/الخروج/اللاويين/العدد/التثنية) ولأنبياء أُخَر؛ أمثال إشعيا وإرميا وغيرهم، ومن مجموع هذه الأسفار 

يتألف (العهد القديم) الذي يقدّسه اليهود والمسيحيون معًا، لكنهما ينفصلان من بعد ذلك في تقديس المسيحيين للأناجيل وتقديس اليهود للتلمود.

وقد تمت كتابة المشناة بالعبرية الكلاسيكية.

 

أقسام التلمود:

———–

ينقسم إلي المشناة (المثناة) التي تضم المباحث الستة:

– سِفْر (كتاب) الزروع

– ~      ~     الأعياد

– ~.     ~.    النساء

– ~.     ~.    الأضرار

– ~.     ~.    المقدسات

– ~.     ~.    الطهارات

والتشابه بين هذا التقسيم وما ورد فيما يسمي (كتب الصحاح والأسانيد) واضح..

 

أما القسم الثاني من التلمود فهو (الچمارا) التي تضم الاجتهادات الفقهية والمناقشات التي دارت حول القسم الأول، وقد تمت كتابة الچمارا بالآرامية، وهي اللغة التي كانت سائدة في فلسطين أيام مجيء المسيح، وبها كان يتكلم..

 

والعجيب هنا أن العرب الأوائل عرفوا التلمود (المشناة) منذ زمن بعيد، بل من قبل ظهور الإسلام؛ فقد ورد في كتب التاريخ الإسلامي المبكرة أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وجد جماعة من الصحابة يكتبون الأحاديث النبوية في رقاع (قطع من الجلد) فثار عليهم وصاح فيهم: “أمثناة كمثناة أهل الكتاب؟”

وأمرهم بمَحو ما كتبوه وإتلافه، خشيةً منه علي المسلمين أن تشوِّش هذه (الأحاديث الشفوية) أفكارهم وتصرفهم عن الوحي المكتوب (القرآن).

وفي قول الخليفة عمر (المثناة) ترجمة عربية دقيقة للكلمة العبرية (المشناة) التي تعني في أصلها:

الكتابة الثانية أو النَّص الثاني بعد التوراة، وهو ما جري في ثراثنا الديني بعد ذلك، حين اعتُبِرت الأحاديث النبوية هي (المصدر الثاني) للتشريع!

بعد القرآن (المصدر الأول) .. فكان حالنا مصداقًا لرواية:

 “لتتّبعُن سنن من كان قبلكم، شبرًا فشبر وذراعًا بذراع، حتي إذا دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه. قالوا اليهود والنصاري يا رسول الله؟ قال: فمن؟”

 

ولعل ذلك النزوع الأرثوذكسي (السّلفي) يعود في المقام الأول إلي:

– خصوصية النَّص الثاني وارتباطه بهذه الجماعة أو تلك و

– التحديد الدّلالي و

– صرامة المعاني في النصوص الثواني (التلمود/تراث الآباء/الحديث الشريف)؛ الأمر الذي يناسب حِدة وصرامة النزوع السلفي الأرثوذكسي، ويحميه في الوقت ذاته من التماهي مع غيره من الاتجاهات الدينية في هذه الديانات الثلاث، التي أري أنها في واقع أمرها (ديانة واحدة) ذات تجلّيات ثلاثة..

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.