تصحيح أخطائنا التراثية إعداد الصحابة لغياب رسولهم – 2

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح أخطائنا التراثية

إعداد الصحابة لغياب رسولهم – 2

تابعوا مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي هنا :
ttps://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

covernment.jpg

 

عرفنا من سورة المجادلة الكريمة بأن الله تعالى كما يبدو لنا كان يعد المؤمنين الذين آمنوا برسول الله للعمل بالشورى في غياب رسولهم عليه السلام باعتبار قرب وفاته. بدأت السورة الكريمة ببيان أهمية النساء في المجتمع الإسلامي وكانت بطلة السورة امرأة مسلمة تعرف كيف تتحدث مع رسول الله عليه السلام كأخ أكبر وحاكم عليهم وتناجي وتشكو إلى ربها في قلبها. وفي السورة التالية لها أظن بأن الله تعالى أراد أن يحث الحكومة والمجتمع المسلم على توخي التوازن الاقتصادي في الدخل العام للأفراد. فعند الضرورة يتم توزيع الثروة العامة على المحتاجين باعتبار أن الله تعالى هو المالك وهو يحب كل عباده ويحب أن يراهم في حياة مرفهة ممتعة. كان أحد مصادر الثروة لديهم هو الغنائم الحربية. تلك هي مصدر الثروة وليست مصدر الدخل القومي أو مصدر رزق أفراد المجتمع.

لكن ذلك المصدر سوف يجف تماما بوفاة الرسول الأمين باعتبار أن الوحي سوف ينقطع ولا يمكن القتال في سبيل الله بدون وحي مباشر من الذي يريدون القتال في سبيله سبحانه وتعالى. فيجب أن يتعلم الأقوياء بأن الغنيمة ليست متاحة لهم دائما بل هناك غنيمة لا يحق لهم النيل منها. هناك معركة بين اليهود المناوئين للمسلمين والذين كانوا في حالة حرب معهم. شعر المسلمون بالخطر وأرادوا التخلص من بؤرة من بؤر الفساد بأمر الله تعالى. استعدوا للحرب ولكن الله تعالى أدخل الرعب في قلوب تلك الفرقة المجرمة من بني إسرائيل فتركوا بيوتهم وفروا بأنفسهم وما خف حمله من أموالهم تاركين المنطقة بكاملها. كانوا يعلمون ما فعلوه في المسلمين يوم ضعفهم وما نشروه من فساد بينهم ولذلك خافوا من مغبة تسلط المسلمين عليهم فهربوا. أنا لا أعرفهم طبعا ولا أعرف حقيقة القصص التي ينقلها المؤرخون الذين بدأوا كتابة تاريخ العهد النبوي بعد أكثر من قرن من وفاة رسول الله عليه السلام. لكنني أسعى لفهم كتابي السماوي فحسب. ولذلك فأنا بطبيعتي العلمية رافض لأسباب النزول وللمكي والمدني ولاختلاف القراءات وأعتبر كل ذلك وسائل لتغيير مفاهيم الكتاب العظيم بما يتناسب مع أهداف الحكومات التي أنفقت على كتابة التاريخ الملفق للإسلام.

جاء دور الغنيمة فأسرع المحاربون لجمعها وتوزيعها بينهم وإذا بأمر الله تعالى ينزل على رسوله أن لا يحق لقومه أن يعتبروا الغنيمة ملكا لهم. الغنيمة باعتبار أن أصحابها تخلوا عنها فهي فعلا للباقين هناك ولكن قانون الغنيمة يعطي الأولوية للمحاربين ويعطي قسما من مكاسب الحرب للدولة بزعامة رسول الله ليصرفها فيما يراه. قال تعالى في سورة  الأنفال: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41). قد تكون الغنيمة المشار إليها خاصة بحرب خاصة وقد تكون عامة ولكننا نعرف بأن الغنيمة لن تتحقق إلا بوجود الرسول. وفي غيابه عليه السلام لا غنيمة ولا هم يحزنون. فالله تعالى لم يقل بأن خمس الغنيمة لرئيسكم ولا لولي أمركم ولا للحاكم بل صرح بأنه للرسول.

لكنه تعالى في غنائم المعركة المشار إليها في سورة الحشر صرح بالتالي موضحا حكاية المعركة: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2). وعلى أساسه أسقط أي حق مالي لهم في تلك التركة التي تخلى عنها أصحابها بقوله الكريم: وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6). فهم لم يحركوا مراكبهم العسكرية ضد المعتدين فلا حق لهم بل الحق كله لله تعالى.

ثم منح سبحانه تلك الأموال إلى المهاجرين الذين هاجروا بأمر الله من مكة وعاشوا ضيوفا على أهل المدينة بعد أن خسروا أموالهم وفقدوا شخصياتهم المالية والتجارية بعد تركهم وطنهم مكة فقال عز من قائل: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8). كان المهاجرون يعيشون باحترام في المدينة ولكن الله تعالى في تلك المعركة التي كانت كما نحتمل من المعارك المتوسطة أو الأخيرة في تاريخ الدعوة الرسالية، أراد أن يحقق التوازن المالي بين المهاجرين والأنصار. إنه تعالى يعلم بأن القوة المالية أساس مقوم للمجتمع والتوازن هو أساس العدالة في المجتمع. قال تعالى في سورة النساء: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5).

ذكرت الآيتين أعلاه من سورة النساء ليعلم المؤمنون بأن الله تعالى يعتبر المرأة عاقلة غير سفيهة  ويعتبر سن الزواج هو السن الذي يكون فيه الفتى والفتاة قادرين على حفظ أموالهم التي جعل الله لهم ولمجتمعهم قياما. فالمرأة تستلم قيمة الصداقة مباشرة من زوج المستقبل وتتصرف فيها وتهدي قسما منها للزوج إن شاءت، والله تعالى يقول بعدها بأن السفهاء لا يحق لهم التصرف في أموالهم لأن المال هو قوام الأمة ولو كان في حوزة طفل أو سفيه. ولذلك وزع الله تعالى المال المكتسب على فقراء مكة ليحقق التوازن بين المهاجرين والأنصار. ليعلم الإخوة والأخوات بأن الديمقراطية والانتخابات لن تتحقق ولن تؤتي ثمارها لو كان بعض المجتمع فقيرا أو كان بعضه مغصوب الحق. فلا ديمقراطية في مجتمع غير متوازن ماليا ولا شورى في مجتمع يتجاهل الذكور فيها الإناث ويعتبرون الإناث ناقصات العقول، ناقصات الحظوظ وناقصات الإيمان والعياذ بالله. كذب الذين نسبوا ذلك القول الآثم والأحمق إلى الإمام البطل علي بن أبي طالب زوج فاطمة بنت رسول الله. لا يمكن لصهر رسول الله أن يعتبر الإناث ناقصات العقول والحظوظ والإيمان.

وهو سبحانه بعد أن قرر تحقيق التوازن المالي بين الفقراء وغير الفقراء فإنه تعالى لم ينس الأنصار وذكرهم بخير فقال تعالى في نفس سورة الحشر: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10). نرى بأنه سبحانه أصدر قرارا ملزما للمسلمين بأن الغنائم للفقراء المهاجرين ولكنه سبحانه لا يريد للقانون أن يثير البغضاء والحساسيات بين القومين. إنه تعالى في تلك الغنيمة فضل المهاجرين على الأنصار فعلا ولكنه ليس تفضيلا في كل شيء ولذلك ذكر مآثر الأنصار.

تشير الجملة الكريمة: الذين تبوؤا الدار والإيمان، إلى الذين فتحوا بيوتهم لإخوانهم المهاجرين فصارت بيوتهم دارا لهم كما صارت مكانا لمكاسب إيمانية لصالحهم. فهم أرادوا الدار ليسكنوا فيه وليبتغوا فيه رضوان الله تعالى. فاستضافوا عبيد الرحمن الذين تركوا ديارهم وموطنهم في سبيل الله تعالى. ثم قال تعالى بأن الذين تبرعوا براحتهم وجزء من مسكنهم وأموالهم لصالح إخوانهم المهاجرين من قبل، فإنهم سوف لا يسأمون من ذلك القانون الذي يساعد إخوانهم المهاجرين ليقفوا على أرجلهم. آيات رقيقة طيبة تدخل الطمأنينة والبهجة في قلوب عبيده. تلك من معاني الرحمة ومن مظاهر حب الرحمن لعبيده المؤمنين. المهاجرون سبقوهم بالإيمان و هم جميعا سبقونا نحن بالإيمان فكل مجموعة منهم ومنا يستغفر لمن سبقه ويحبهم ويطلب من ربه ألا يجعل في قلبه غلا لما حبا الله تعالى به صاحبه. فلا فرق عند الله بين المهاجر والناصر والتابعي وكل مؤمن جاء في غير زمانهم. الفرق في نفسياتهم وأعمالهم والميدان مفتوح للجميع ليكسبوا رضوان ربهم الغفور الرحيم.

يشعر المرء بأن وراء تلك الآيات الكريمة بل وتلك السورة الكريمة سعيا ربانيا لإيجاد التوازن المالي بين الناس ولزرع المحبة والإخاء بين أفراد الأمة ليغفر كل منهم لصاحبه ويرضى بما رضي به ربه ويفضل رضوان ربه على رضا نفسه فيعم الخير والرحمة بين أفراد المجتمع. ذلك المجتمع الذي لم يمض فترة طويلة على تخلصه من الأنانيات والحروب والمناوشات وسيفقد باني نهضته بعد سنوات معدودة وعليه أن يدير نفسه بنفسه. ثم يُذكِّر الله تعالى المؤمنين بما لمسوه من كذب وحب شديد للنفس من المنافقين والمشركين ليُشعرهم بما منَّ عليهم ربهم. قال تعالى في سورة الأنفال: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64).

وقال تعالى في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105).

وبعد أن ذكر لهم سبحانه سوء أحوال وأعمال وعاقبة الذين اتبعوا الشياطين فمالوا إلى أهوائهم وتركوا مواعظ ربهم فتخبطوا وخسروا الدنيا والآخرة. بعد ذلك وعظ المؤمنين بأن يطلبوا الله تعالى في كل خطواتهم ويتركوا الأهواء فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19). يجب أن تكون النظرة وسيعة وعميقة لتلاحظ مصالح الأمة كلها في الدنيا ولتتطلع إلى العاقبة الطيبة في جوار الرحمن حيث الأبدية وحيث الفوز بالنعيم الخالد هناك أو بالغضب الدائم عليهم.

في هذه السورة الكريمة يتحدث الله تعالى عن الذين آمنوا وشعروا بالقرآن وشعروا بما يفيض عليهم كتاب السماء من خشوع وهدوء. هذا القرآن الذي أنزل على البشر لو أنزل على جبل لانهار الجبل وتصدع ودمر، فكيف بالإنسان لا ينحني أمامه إجلالا وإكراما. قال تعالى في سورة الحديد: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16). فكيف باليوم الذي أكمل الله تعالى فيه تنزيل أعظم كتاب سماوي في كوكب الأرض؟ فالقرآن نعمة خالدة أنعم الله بها على المؤمنين ونفس القرآن سوف يضر الفاسقين وسوف يضلهم ولا يهديهم.

قال تعالى في سورة فصلت: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44). وليعلم المؤمنون دون غيرهم بأن لله الأسماء الحسنى فليدعوه بها. ونرى الأسماء الحسنى الحقيقية في نهاية هذه السورة. ولنعرف عنها بعض الشيء. قال تعالى في نهاية الحشر وهي سورة التوازن بين الناس ودعوة المؤمنين ليتولوا أمر مجتمعهم بعقلانية ودون أنانية: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22). لا تعبدوا أنفسكم ولا تعبدوا رسولكم ولا تعبدوا ملوككم فالذي يستحق أن يُخضع له هو الله تعالى وحده. فلو خضعت له فأنت لا تحتاج إلى من يوصل إليه صوتك بل لا تحتاج إلى صوت ولا لغة. إنه عالم الغيب والشهادة. اعبده بحق فهو الرحمن الذي لا ينسى خلقه جميعا وهو الرحيم الذي يساعد الضعفاء من خلقه ليعيشوا في هذا الكون الوسيع بأمان وسلام.

ولا ننس بأنه: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23). لا مُلك أمام ملكه ولا مَلِك قادر أن يواجهه فهو الملك وحده. هو الملك الذي لا يشوبه شيء فهو القدوس ولا قدوس غيره. قدوس لأنه خالص نقي لا أجزاء له ولا تركيب يساعد كيانه فهو الأحد الذي كان قبل كل شيء ثم خلق كل شيء بنفسه وخلقهم ليُعرف. ومع كل القدرة وكامل القوة فهو السلام الذي يمكن لكل كائن أن يبقى ويحيا ويعيش بجواره ويطلب منه ولا يخشى غيره. قال تعالى في سورة الرحمن: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30). الذي كان ولم يكن هناك من يطلب قد خلق وملأ الكون الذي خلقه بمن يطلب. هكذا تغير الشأن فيوما لا أحد يطلب منه شيئا إذ لا أحد موجود ويوم ثان هو يوم الخلق الذي نعيشه وكل مدرك في السماوات وفي كل أرض يطلبون منه ويرفعون إليه حاجاتهم.

الإيمان يعني التوجه وراء العقيدة فهل هناك كائن يفعل كل ما يعرف بأنه حق أكثر من الله تعالى؟ فهو المؤمن الحقيقي الذي لا يتبع غير ما يعرف بأنه حق لأنه هو الحق المطلق جل جلاله. إنه قادر على أن يحيط بكل شيء ويهيمن على كل شيء ويرى كل شيء ولا يفرق بين خلقه كيفما كانوا وأنى كانوا فهو المهيمن كمال الهيمنة. وبما أنه مهيمن ذو قوة فهو الغالب دون أن يُغلب فهو العزيز. وهو المستبد الذي لا يتبع أحدا بل يتبع حكمته وعلمه ومنطقه فهو الجبار وكل شيء أمامه خاضع. إنه ليس كمثله شيء فلا يجوز له أن يتواضع لأحد ولا يناسبه إلا الكبرياء فهو المتكبر بحق.

فمن يذهب إلى غيره أو يوسط أحدا بينه  وبين ربه فهو يشرك بالله وما أكثر الذين يؤمنون بالله إلا وهم مشركون. إنهم مشركون عن جهل وعدم علم بربهم ولا يعرفون ربهم مع الأسف فسبحان الله عما يشركون.

وبما أن القرآن موجه أصلا للإنسان ومشاركة الجن معنا ليس في كل القرآن ولذلك يحدثنا ربنا في نهاية آيات الهيمنة بأنه خالقنا فيقول سبحانه: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24). مشكلة البشر بأنهم يجهلون بأن الله تعالى هو الذي لا إله إلا هو ولذلك وضح لنا سبحانه ما فعله فينا لعلنا نعلم بأن له ما في السماوات والأرض. بدأ سبحانه بعملية خلق الإنسان. فحينما يرتبط الحيمن الذكري بالبويضة الأنثوية فإن الخلق يتحقق. بمعنى أن هناك إنسان جديد هو أنا لكل فرد منا، إنه يُخلق خلقا خاصا به. كيف يتم عملية الخلق؟ نحن اليوم نعلم بأن البويضة و الحيمن هما خليتان أحاديتان عاجزتان عن التكاثر فهما عقيمتان.

العقم مرض انتاب البويضة لأنها خلقت تحمل كروموزومات حواء لوحدها فكيف تتكاثر. و الحيمن كان جزءا من خلية قادرة على التكاثر ولكن الله تعالى فصلها فصلا كاملا فصار عقيما. أراد الله ذلك ليخلق منهما إنسانا جديدا. هناك برأ الله تعالى كليهما من داء العقم فصارا بالمشاركة الجديدة قادرين على التكاثر مع أنهما ليسا من إنسان واحد بل من إنسانين. فهو تعالى البارئ الذي شفا خليتي أبوينا من العقم فصارا منتجين بفضل ربنا.

وبعد أن صارت المجموعتان من الكروموزومات منتجتين بعد أن شكلا خلية واحدة فإن الله تعالى يريد أن يخلق منهما شخصا ليس هو الأب وليس هو الأم بل شخص ثالث أقوى منهما. ولذلك فإنه سبحانه قدر أن تتنشط الجينات الأقوى لفرض سيطرتها على الجينات الأضعف وهكذا المجموعات الجينية الموسومة بالكروموزومات. فالطفل الجديد يُصنع من الجينات الأقوى من جينات الأبوين لتصير الخلية جاهزة للتصوير. تقوم الخلية بأمر الله تعالى بعد ذلك بتصوير نفسها للتكاثر. فالله تعالى هو المصور الذي ساعد وقدر أول تصوير للكائن الجديد. أليس معنى ذلك بأنه تعالى خلق كل شيء فأحسن خلقه. قال تعالى في سورة التغابن: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3).

وقال تعالى في سورة غافر: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64). وقال تعالى في سورة السجدة: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (7). وفي ختام الآية الكريمة بل ختام سورة الحشر الكريمة وضح لنا تفسيريا بأنه هو الذي لا إله إلا هو بقوله: يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

فما هو أدوارنا وما هو أدوار آبائنا وأمهاتنا في إنشاء كياناتنا البدنية حتى نخضع  لرغباتنا ونطيع أبوينا؟ أما نفوسنا فالله تعالى وحده خالقها بروح منه ولا دخل للأبوين في إنشائها. والشيطان الرجيم يشير إلى خلقنا المادي حين قال لربه كما في سورة النساء: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119). علمنا بأن لأبوينا دورا في إنشاء أبداننا وهذا الدور بسيط جدا ولكننا نسمح للشياطين أن يتدخلوا فينا أحيانا فنغير ما بيدنا من سمات الخلق. هكذا يغير بعض الناس خلق الله بأمر ووسوسة الشياطين.

ولذلك علينا بأن ننسى أهواءنا ونتبع أوامر ربنا ونترك الأنانيات ونحب خلق الله تعالى ونسعى لتوحيد صفوفنا في خدمة الرحمن ونحقق بأمر ربنا التوازنات المالية والاجتماعية والسياسية لنعيش بسلام وأمان كما علمنا ربنا وكما علم صحابة نبينا الأمين عليه السلام.

أحمد المُهري

22/4/2017

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.