تصحيح أخطائنا التراثية – كي لا نقول أبا القاسم

تصحيح أخطائنا التراثية – كي لا نقول أبا القاسم

nickname.jpg

 

قال تعالى في سورة الأحزاب: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43). شاع بين العرب الكنية باعتبار أن كل إنسان يفتخر بإنجازاته والأبوان يعتبران أولادهم إنجازا لهم. لكن العلاقة بالله تعالى هي أعلى المفاخر لذلك الولد الذي تهتم بأن تكون أبا له. فكل إنسان يأخذ من الله تعالى الكثير دون أن يعطي شيئا لله ولكن الأب والابن يتبادلان العطاء. والآيات الثلاثة اعلاه تنطوي على مفاهيم متعددة نريد أن نختار منها البعض لأهميتها وللانتباه حتى لا نقع في الخطإ الذي وقع فيه سلفنا رحمهم الله تعالى وإيانا.

  1. شاع بين المسلمين بأن رسولنا عليه السلام أنجب أولادا ذكورا من خديجة رضي الله عنها هم القاسم وعبدالله الطاهر ومن مارية القبطية رضي الله عنها إبراهيم. والله تعالى يفند ذلك فسلفنا مع الأسف ينسى القرآن أحيانا. قال تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. وكان الرسول أبا لابنة واحدة هي فاطمة بدليل سورة الكوثر. فالله تعالى يخاطبه بأنه أعطاه الكوثر ويأمره بأن يصلي شكرا كما أظن وينحر بُدنا عقيقة لها. كما أنه تعالى يقول في آخر السورة بأن الذي كان يعيب الرسول بالأبتر فهو بنفسه أبتر. ولو صح بأنه العاص بن وائل فهو يعني بأن عمرو بن العاص ليس ابنا للعاص المعروف. ذلك يعني بأن ليس للرسول أولاد عدا تلك الفتاة الطيبة الصالحة.
  2. وشاع بين العرب أيضا أن يكنوا الآباء باسم الأبناء لو كان لهم أبناء، وأحيانا باسم البنات لو كان لهم بنات ولو لم ينجبوا فإنهم يخاطبونهم بالكنية رجاء أن يمنحهم الله الولد. وللعرب كنى متداولة لمثل تلك الحالة فيقولون لمحمد: أبا قاسم أو بو جاسم عندنا في الكويت، ويقولون لأحمد: أبا شهاب، ويقولون لحسن: أبا علي، وهلم جرا. ولعل كنية أبي القاسم لرسولنا كان بمثابة رجاء أو باعتبار الكنى العامة لبعض الأسماء. ولكنه تعالى بعد أن قال بأن محمدا ليس أبا أحد من الرجال، فإنه سبحانه لم يكتف بذلك درء لمن يمكن أن يكني الرسول بأبي فاطمة كما أحتمل؛

بل قال: ولكن رسول الله وخاتم النبيين. فكأنه تعالى يقول: هل هناك نسبة أجمل من نسبة الرسالة إلى الله العلي العظيم أو النبوة؟ إنه يحمل صفتين جميلتين أجمل وأكمل من كل الصفات والكنى وهما رسول الله وخاتم النبيين. هذه الجملة الكريمة تتضمن أمرا للصحابة بأن يقولوا له عند الاحترام: يا رسول الله ويلقبوه بخاتم النبيين ويتركوا الكنى الزائفة.

  1. هناك مسألة مهمة تغيب عن بال الكثير من المؤمنين ولننظر إلى موسى كيف يعد نفسه وأخاه لمواجهة فرعون. قال تعالى في سورة طه: هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35). يشعر موسى بأن ذكر الله تعالى مفيد ومؤيد ومساعد له فيريد أن يرى بمعيته شخصا آخر يثق به وهو يذكر الله ويسبحه ليتضاعف الذكر والتسبيح في حضرة فرعون. هذا الذكر قلبي وليس شفهيا طبعا. وحتى نتعرف على فائدة ذلك نفكر في الآية التالية من سورة البقرة: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151)فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152). لا نريد الخوض في فلسفة الذكر بل نكتفي بمعرفة أن ذكر الله تعالى بإخلاص يستتبع ذكر الله نفسه لمن ذكره. وذكر الله تعالى طبعا لا يقتصر على أن نأتي باسمه الكريم على شفاهنا ولكن استحضار الطاعة والحب والشكر لسيد الكائنات في القلب فهو الذي يستوجب استنارة القلب بضياء الرحمن عز اسمه ويستتبع المزيد من المعرفة به والدخول في رحمته والتمتع بالسلام بجواره. يريد موسى أن يشعر بالأمان أمام فرعون ويريد أن يستلهم العلم والعرفان من ربه فيطلب منه تعالى أن يجعل أخاه هارون في معيته فلو أن أحدهما لم يستحق الرحمة فالآخر يكون مرحوما حتى لا يتباطأ في الرد على فرعون كما أن هارون سيكون سندا له باعتبار طلاقة لسانه.

ولنعد إلى آيات الأحزاب حيث قال تعالى بأنه هو و ملائكته يخرجون الناس من الظلمات إلى النور وحتى يستفيضوا من ذلك المعين عليهم أن يذكروا الله كثيرا ليذكرهم الله ويسبحوه بكرة وأصيلا ليستحقوا الهدى. هناك تتحرك رحمة الرحمن باتجاههم وتقوم الملائكة المكرمون بإفاضة العلم الرباني عليهم بأمر الله تعالى. فيقول سبحانه للمؤمنين المحيطين برسول الله: إن مخاطبة الرسول برسول الله خير من مخاطبته بأبي القاسم. ذلك لأن ذكر اسم الله تعالى قد يؤثر في المرء فيلاحظ الله تعالى ويتوجه إليه ليكتسب المعرفة في قلبه. والسبب هو أن الرسول البشري عليه السلام لا يمكنه أن يؤتي العلم إلى قلوب الناس. ذلك عمل الملائكة بأمر الله تعالى ولكن الرسول ينقل القرآن ومعلوماته التفسيرية للناس فقط.

من الخير للمسلمين وخاصة للذين آمنوا من صحابة نبينا أن يهتموا بذكر الرحمن فهو الذي معنا دائما وأبدا ومن الخير لهم جميعا أن ينتسبوا للرحمن وقد سمح الله تعالى لنا جميعا أن ننسب أنفسنا عبيدا له. قال تعالى في سورة مريم: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93).

عبد الرحمن ليس نقصا بل هو عين الكمال. عبودية الإنسان للإنسان مرفوضة ولكن عبوديتنا للخالق هي عين الحقيقة. نفتخر بالعبودية له يعني نفتخر بحقيقة أننا صنائعه. الصانع المبدع الذي خلق السماوات ودبر حركات الكواكب كلها وسيّر الأفلاك وخلق الملائكة هو الذي خلقنا وهو أجدر من أي إنسان مثلنا أن يرحمنا ويهدينا ويعلمنا. خالقنا هو مالكنا ونحن عبيد حقيقيون له ولكن الذي يظلمنا ويأسرنا ويبيعنا في الأسواق فهو ليس سيدا صادقا بل هو ظالم لنا. فالذي يجلي المكرمة للإنسان هو أن تنسبه إلى الخالق العزيز. والرسل هم مظاهر الرحمة وأضواء الهدى بيننا قبل أن يكونوا آباء لبشر مثلنا. ولذلك فإن الله تعالى يحب أن نذكر عبده المصطفى بأنه عبده ورسوله ولا نناديه ولا نشير إليه بأبوة كاذبة لابن غير موجود. إنه عليه السلام ليس أبا القاسم ولكنه رسول الله وخاتم النبيين.

  1. اشتهر بيننا الصلاة الإبراهيمية. هي معروفة بعبارات مختلفة ونذكر إحداها: اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فلنتساءل عن معنى هذه الصلاة وعن فائدة هذه الصلاة؟ صلاة الله تعالى على البشر تعني ما قاله الله سبحانه في الآيات التي ذكرناها أعلاه من الأحزاب وهي أن الله تعالى وملائكته يصلون علينا ليخرجونا من ظلمات الجهل إلى نور العلم. وهو نفسه معنى صلاة الله على النبي في نفس سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56). هذه الآية مذكورة بعد آية صلاة الله وملائكته على المؤمنين فلا تحتاج إلى بيان معنى تلك الصلاة. هي تعني بأن الله تعالى عن طريق ملائكته يعلم الرسول ليخرجه من الظلمات إلى النور. وبما أن الرسول هو الذي يستلم الوحي فعلى الصحابة أن يتقبلوا فهمه للقرآن باعتبار أن الله وملائكته يصلون عليه. والصلاة معناها في الحقيقة الارتباط فارتباط الله بالإنسان يزيده معرفة وارتباط الجاهل بالعالم أو العالم بالجاهل يعني الاستزادة من العلم أو منح العلم. فأمره تعالى للذين آمنوا أن يصلوا على النبي يعني أن يستزيدوا من علم النبي وقوله تعالى أن يسلموا تسليما يعني أن يتمثلوا بالتسليم لتفسير رسول الله و لأمره لأنه موحى إليه ويستقي المعرفة من الله تعالى.

لم يقل سبحانه بأنه هو يسلم على الرسول بل أمر المسلمين ليسلموا له وليس عليه. فقولنا عند ذكر اسم الرسول: صلى الله عليه وسلم؛ غير صحيح. لم يتحدث الله تعالى عن سلامه للرسول ولم يقل للصحابة: سلموا عليه سلاما بل قال: سلموا تسليما. لو ندعو للرسول بقولنا: عليه السلام؛ فهو صحيح باعتبار أن ندعو لرسولنا الذي نحبه من كل قلوبنا بالسلام والأمان. هذا دعاء معقول ولكنه ليس مفاد آية الأحزاب. والخلاصة هو جواز أن نقول للرسول: صلوات الله وسلامه عليه أو نقول: عليه السلام. وأما قولنا صلى الله عليه وسلم فهو خطأ يجب أن نتحاشاه.

وأما فائدة الصلاة والسلام على رسول الله؛ فإن الجهل المتفشي في البشر وخاصة في سلفنا الذي غبر، يظنون بأنها تحية للرسول ويظنون بأن الرسول يتأثر بتحياتهم فيتشفع لهم عند ربه. هذا وهم دون ريب. ومن يظن بأنه عليه السلام يمكنه أن يفيدنا اليوم فلا أظن بأنه مصيب. إنه ميت ولا يمكن أن يفيدنا. ولكن الحقيقة هي أننا نحتاج إلى أن نتعرف على فهم الرسول الأمين للعبادات لنأتي بمثلها فندعو الله تعالى أن يصلي عليه بالنسبة لنا لنستجلي فهم الرسول لتلك الآيات. إنه عليه السلام إمام الأمة الإسلامية والذي أسس كيانها وفتح مكة بأمر الله تعالى لتكون ملاذا للبشر في الأرض. لتكون مكة ملاذا إيمانيا نأوي إليها لنجدد العهد مع ربنا لو استطعنا إليها سبيلا. فنحن نحتاج إلى أن تعرف على كيفية أدائه للحج وللصلاة ولبقية الطقوس والعبادات الجمعية التي فرضها الله تعالى على عباده. ولذلك نصلي عليه ليفتح الله علينا ونسلم عليه لنثبت لربنا بأننا شاكرون له تعالى أن أرسل إلينا رسولا هاديا ومؤمنا قدوة لنا جميعا. فالصلاة والسلام كلاهما دعاء وليس ثناء. وسوف نتحدث مستقبلا عن كيفية تقديم الثناء للرسول الأمين عليه السلام، بإذن الله تعالى.

 

أحمد المُهري

18/2/2017 

#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.