تصحيح اخطاءنا التراثية – 15 – المضاجعات الفردوسية والحور العين !

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح اخطاءنا التراثية – 15 – المضاجعات الفردوسية والحور العين !

quaran2
Holy koran

هذا البحث مطول ولا يمكن اختزاله خوفا من وقوع القارئ في الشكوك أو في أن يظن أحد بي الظنون ولذلك اضطررت إلى أن أشرح أكثر المفردات وأتمنى أن يغفر لي القراء الكرام الذين يرغبون فهم رأيي القاصر في مسألة غيبية مستعينا بالقرآن الكريم وحده في كل الغيبيات.

مقدمة حول الموروث:

دعنا نفترض ان الشيخ البخاري كان متزوجا بعكس ما هو معروف؛ وذات يوم عاد إلى بيته من سوق المواد الغذائية وقدم لزوجته كيسا من الطحين لتخبز لهما. وضعت المرأة الطحين في المنخل ولاحظت بأن الغربلة أو النخلة الأولى أسقطت نصف المطحون وبقي النصف من القشور والحجارة في المنخل. رأت المرأة بأن النصف الذي مر من المصفاة ليس طيبا فاختار منخلا أكثر دقة لم يُخرج أكثر من نصف الموجود وهو رديء أيضا ثم غيرت إلى منخل أكثر دقة فخرجت نصف الباقي وهو رديء أيضا؛ فماذا ستفعل؟

بالطبع سوف تخبر زوجها الشيخ الجليل محمد بن إسماعيل البخاري بأن هذا الطحين ليس صالحا للاستهلاك الآدمي لأنها أسقطت خلال ثلاث تصفيات سبعة أثمان الطحين وبقي ثمن الطحين وهو رديء أيضا. سوف يستفسر الشيخ الأجل عن رأيها فتقول بأن العقل يحكم بأن لا خير في هذ الطحين والعقل يحكم بأن يُرمى في المزبلة. هنا سوف يُطرق الشيخ البخاري مليا ويحدث نفسه بأنه قد لا يمر من المسائلة يوم الحساب لأنه أسقط 99% من أحاديث الرسول المنتشرة في الأوساط العلمية حتى ذلك اليوم وبقي في جعبته 1% فقط ليكتب بتلك البقية صحيحه فسوف لا يغفر له ربه ويحتج عليه بما رآه من زوجته من منطق عقلي يصعب رده.

لكن المشكلة إخواني وأخواتي في مركز التطوير وفي المودة بأن أغلب الظن أن الشيخ لم يتزوج أصلا ولم يذكر أحد من المشاهير ولدا له حتى يسمع مثل هذه المسائل المربوطة بالعقل. فلو أنه كان متزوجا أو له أولاد متطورون لرأينا صحيح البخاري اليوم عبارة عن رسالة بها 100حديث على الأكثر لا غير. كان الشيخ يكتب تحتها:

هذا ما أحتمل صدوره من رسول الله وأستغفر الله تعالى إن كنت مخطئا لأنني لم أسمع أيا منها بنفسي كما لم أسمع أيا منها من الذين أثق بهم بأنهم سمعوا مباشرة من فم الرسول عليه السلام.

توقيع

محمد البخاري

وليس صعبا أن أقول بأن المرحوم البخاري لم يسمع ضمن أحاديثه ال 600000 التي صححها أي شيء عن أبي بكر رضي الله عنه وقوله: حسبنا كتاب الله؛ ولم يسمع عن أن أبا بكر أحرق الأحاديث الصحيحة التي سمعها بنفسه من رسول الله. أو أن البخاري سمعها ولكن ذاكرة تنطوي على 600000 حديث لا يتمكن من الاهتمام بكلها بل إنه دون شك كان يرمي الأحاديث بالجملة في سلة المهملات فيضيع بينها الصحيح أيضا.

ولا أظن بأن تلك الأحاديث المائة المنخولة نهائيا كانت ستنجو من قلم سيادة المستشار أحمد ماهر في القرن الحالي! كما لا أظن بأن الشيخ المهوس الذي نشر سيادة الدكتور أحمد حسني عمر سعد خطبته في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، كان قادرا على تخيل الزوجات الهندسية في جنات الفردوس ولا تخيل الوجبات السكسية التي تطول 70 سنة حسب وهمه الماجن لو كان صحيح البخاري عبارة عن 100حديث مشكوك فقط.

وأخيرا لا أظن بأن سيادة الطبيب محمد سلامه قادر على أن ينقل هذه الأمة المهوسة التي تحضر المساجد لتستمع إلى شيوخ الفياجرا الذين يحركون الشهوات الجنسية حتى لا يصلي أحد ليتعرف على ربه بل يصلي ليزداد شهوة ويقل خوفا وتقوى من الله تعالى؛ قادر على نقلهم من المستوى الخسيس إلى المستوى الرفيع فكريا.

وهكذا كل كتب الحديث الأخرى السنية والشيعية.

والآن دعني أستجيب لطلب الزميل الفاضل المهندس عبد السلام وأختصر حقيقة الجنس في الجنة حسب فهمي المتواضع بإذن الله تعالى.

الجنس في الجنة

اشتهر بين المحدثين الرواية التي تقول بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة! فإما أن يكون أهل الجنة كلهم شبابا فيكون الحسنان سيدا رسول الله وسيدا إبراهيم وموسى وعيسى بل سيدا نوح أيضا؛ أو أن يكون أهل الجنة شيابا وعجائز فسوف يموتون كما سيموت الحسنان بعد أن يشيبوا وتنتهي شيء اسمه الجنة بنظر هؤلاء المحدثين!

لكن لننظر إلى الحديث في قالبه التاريخي المشهور. هناك أزواج كثيرة ذكروها للحسن وعدداً أقل للحسين عليهما السلام. بالطبع أن الحسن مات في نهايات الأربعين ولكن الحسين قتل قبل الستين من عمره الشريف. لكن المقصود من افتراء هذه الأحاديث غير المعقولة والسخيفة ليس لبيان أنهما فعلا سيدا أهل الجنة او سيدا شباب أهل الجنة، بل لأمر آخر كما أحتمل. ليس المقصود من الشباب هو صغر السن بل المقصود هو المراهقة والتنقل بين الفاتنات بدلا عن الصلاة والشكر لله تعالى على فردوسه والسعي للمزيد من المعرفة.

تصوروا هؤلاء الماجنين الذين ينظرون إلى الجنة وكأنها مركز للدعارة في الآخرة حيث يمضي المرء سبعين أو سبعمائة سنة يتلوها سبعون سنة يتلوها سبعون سنة وهو نائم مع نسائه وحور عينه ووصيفاتهن حتى يمضي 350000 سنة في السكس الخالص المحض!! إنهم ينسون شهوة البطون تماما لأنهم مهوسون في الجنس ويريدون إشباع غريزة لم تشبع في الدنيا. ثم بعد تلك المدة الطويلة يحضرون مائدة الأكل وسيمضون نفس الزمان في الأكل والشرب حتى يجمعوا الطاقة للسنوات ثلث المليونية المخصصة للجنس. فلو نقرأ أخبارهم حول طول الإنسان في الجنة وعرضه أيضا فسنرى بأنهم يرون البشر هناك طوالا بالأمتار السبعينية حتى يتمكنوا من تخزين الطاقة في بطونهم التي تقاس بالأطنان. لا أدري كيف يفكرون في مراحيض الجنة!!!

إنهم يصورون الرسول عليه السلام وابن عمه وسبطيه الطيبين الأخيار رجال الشهوات من النساء ليبرروا تشريعاتهم الزائفة الإباحية حول التمتع بالفاتنات في الدنيا ويعتبرون سبطي الرسول مراهقين في الجنة ليبرهنوا على صحة أحاديثهم الزائفة حول الجنس في الجنة؛ وأتحداهم أن يأتوا بآية أو مقطع من آية تفيد وجود الجنس في الجنة أو وجود الشيوخ حتى يميزوا بين الشاب والشيخ. القضية من أصلها كذب محض مع الأسف.

النوم في الجنة:

يخلو كتاب الله تعالى من أي حديث حول النوم في الجنة. ليس هناك نوم ولا غرف نوم ولا ليل ولا بحار ولا تكاثر ولا أموال ولا سيادة لغير الله تعالى في الفردوس كما لا توجد أي ذكر للنساء في الجنة. هناك جنس (بشري احتمالا) اسمه الحور أو الخيرات ولا ذكر للنكاح أو العلاقات الجنسية أو المرأة في الجنة.

والسرر جمع السرير بمعنى المتكأ. وأما من يقول بأنه بمعنى المضطجع مثل ابن منظور الأفريقي ومجد الدين الشيرازي فهما لم يأتيا بشعر عربي قديم تدل على أن السرير هو المضطجع. والقرآن الكريم لم يذكر السرر بهذا المعنى إطلاقا. إن أكثر الآيات التي ذكر فيها السرر فهي مقرونة بالاتكاء وليس بالاستلقاء أو الاضطجاع.

والنوم في واقعه موت مؤقت والآخرة هي الدار الحيوان ولا يمكن تصور الموت فيها. ثم إن المرء حين النوم يفقد نفسه فهو غير وارد في الآخرة. قال تعالى في سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42).

الله تعالى يتوفى الأنفس حين الموت وحين المنام؛ فالحياة بعد النوم في الدنيا حياة غير دائمة بل مؤقتة إلى أجل مسمى لكن الحياة في الآخرة أبدية ولا يمكن تصور الموت الناقص فيها كما لا يمكن تصور الأجل المسمى هناك. إن الإصالة في الحياة الدنيا للبدن ولكنها تنقلب في الآخرة فتصير الإصالة للنفس التي خلقت من البداية من نور الله تعالى حتى لا تموت أبدا.

وبما أن التكاثر الذي هو الهدف من اللذة الجنسية في الدنيا فهو (التكاثر) عملية بدنية غير نفسية فهي لا يمكن أن تكون عملية غير دنيوية. ولو كان التكاثر نفسيا لما جاز للرحمن أن يؤاخذ الناس بشيء لأنهم ورثوا عقائدهم وأفكارهم وأعمالهم من آبائهم. بالطبع هذه مسألة فلسفية قد لا يجوز التوسع فيها هنا ولذلك أكتفي بهذه الإشارة المختصرة.

فلننتقل إلى كتاب الله تعالى مرة أخرى لنعلم حقيقة الجنس في الآخرة، بمعنى أننا نستلهم الغيب الذي لم يره أحد ولا يمكن أن يراه أحد لأن الآخرة غير موجودة إلا في غيب الرحمن وحده فكل الكائنات اليوم يحيون حياة دنيوية بمن فيهم الملائكة والأرواح القدسية. قال تعالى في سورة العنكبوت:

وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25).

أرجو أن تقرؤوا الآيات كاملة لتعلموا بأن لا شيء من الآخرة موجود فعلا وإنما نحن اليوم نعيش نشأة أولية كما عاش آباؤنا وجدودنا وكما عاش ويعيش الكائنات المدركة المكلفة في كل الكون حتى يحين وقت النشأة الثانية. كل القصص المعراجية لا يمكن توصيفها بغير الإفك الذي لا أصل له وكلها من مخترعات البشر بل من سقط الكلام ومن أسخف الكلم. حاش للرسول الكريم أن يتفوه بمثل هذه الأقاويل الباطلة. كما أن كل حديث عن القيامة وعن الفردوس وعن النار؛ كلها بلا استثناء تمثل مجموعة مبالغات سخيفة لا قيمة لها فيما عدا ما ذكره الله تعالى وحده في القرآن العظيم صريحا واضحا لا يعوزه أي تأويل أو تفسير باطني.

وبما أن الله تعالى لم يذكر اللقاءات الجنسية في الآخرة ولا ضرورة لها هناك فكل ما يقولون إفك وافتراء على رسول الله الذي لا يعلم شيئا عن مصيره ومصير قومه ولا يعلم شيئا عن الآخرة. قال تعالى في سورة النازعات: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45).

وقال سبحانه في سورة الأحقاف:

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12).

أرجو أن تقرؤوا كل الآيات الكريمة مرة أخرى ولا تقوموا بتقطيعها لتعلموا بأن لا وحي إلا القرآن وهو نسخة عربية من التوراة ومهيمنة على التوراة ورسولنا كغيره لا يعلم مصيره ولا مصير غيره وهو مثل إخوانه من الرسل. إنه ليس إلا نذيرا يبلغ ما يوحى إليه. ومعنى يبلغ الوحي يعني أنه ليس من حقه أن يخفي شيئا ليظهره الآخرون بعد وفاته بمئات السنين  فكل الرواة بلا استثناء يتحدثون من عند أنفسهم مع احترامي للجميع. ليس لأحد أن ينقل حديثا ملزما لنا عن رسول الله عليه السلام.

قال تعالى في سورة الجن: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28).

فالرسل جميعا بمن فيهم رسولنا أبلغوا كل رسالاتهم في حياتهم تحت عيون الأرصاد الملائكية من الله تعالى فكل كتاب أو حديث ظهر بعدهم فهو كذب وافتراء على الرسول. ولم يقل أحد بأن هناك كتابا خلفه الرسول غير القرآن الكريم. فلا عبرة بأحاديث الصحابة أو أحاديث أبناء الرسول أو بقية أهل بيته وهي كلها منسوبة إليهم وليست منهم. هذا لمن يؤمن بأن القرآن كتاب الله تعالى.

الحشر يوم القيامة:

ونبدأ بكيف نُخلق الخلق الدنيوي؟

قال تعالى في سورة الانفطار: يَا أَيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8). فالخلق أولا ثم التسوية ثم التركيب الجيني الذي يحدد ملامح الإنسان الجديد المصنوع من جينات أبويه.

لننظر معنى التسوية من سورة الشمس: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8). فالله تعالى يسوي النفس ولا يسوي البدن. ذلك لأنه سبحانه يجعل النفس التي تأتي صناعتها بعد خلق البدن متساوية مع ذلك البدن المخلوق من جينات الأبوين عن طريق الطبيعة وبعد المرور بمراحل التطور، ليتم التزاوج بينهما فتحب نفس كل إنسان بدن ذلك الإنسان وترتضي به.

فالخلق إذن هو تعلق الحيمن بالبويضة. قال تعالى في سورة الحج:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5).  فالله تعالى خلقنا من تراب، ثم خلقنا من نطفة (من الرجل والمرأة)؛ ثم خلقنا من علقة (تعلق الحيمن بالبويضة)؛ ثم من مضغة وتعني انفصال الجينات عن كروموزوماتها و انفصال الكروموزومات عن الارتباط بالعصوين الحاملين لمجموعتيهما فهما مختلطان تمهيدا للتكاثر؛ مخلقة وغير مخلقة فبعض جينات الأب تتنشط وتخمد مقابلها جينات الأم كما أن بعض الجينات تتنشط من الأم وتخمد مقابلها جينات الأب فالجينات القادمة من الأبوين معدة للخلق أو خامدة غير مخلقة. كل هذه العمليات مرتبطة بخلق الإنسان وتعديله جينيا. ولكن النفس تُصنع مباشرة بعد العلقة كما عرفناها من آيات سورة الانفطار وقبل التعديل الجيني. ومقصودي من تخمد هو أن النشاط سيكون للجين المقابل ولا أقصد به توقف الجين تماما.

متى نصير ذكرا أو أنثى؟

قال تعالى في سورة القيامة: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40).

يذكر الله تعالى أربع نعم اولاها لكل منا لنعلم أنه لم يخلقنا سدى والنعم هي:

كنا باعتبار نفوسنا نطفاً من الآباء (باعتبار أن الطاقة التي تخلق النفوس تأتي من الآباء لا من الأمهات والسبب هو أن الأنثى أكثر تطورا من الذكر فلو جاءت تلك الطاقة مع خلايا الإناث فإنها لا ترضى بأن تخلق الذكر لأنه تراجعٌ إلى الوراء ولكن الخلية الذكرية تصنع الاثنين لأن الذكر مثله والأنثى أكثر تطورا)

فأكرمنا الله تعالى بالتعلق ببويضات أمهاتنا فهي العلقة وهي النعمة الأولى. وههنا فرق قرآني بيننا وبين الحيوانات وخاصة الأنعام وأتمنى أن أكتب ذلك مستقبلا إلا أن زملائي يعرفون المسألة بالكامل.

ثم تم الخلق بمعنى أن الله تعالى قام بتنشيط خليتين أحاديتين عقيمتين بالربط بينهما. قال تعالى في سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ؛ الْبَارِئُ؛ الْمُصَوِّرُ؛ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24). الخالق هو أول عملية التعلق بين الخليتين الأحاديتين والبارئ يعني الذي برأنا من مرض العقم الأولي بعد ربط الخليتين الأحاديتين ومن بعده صوَّرنا بمعنى أنه سبحانه قام بتعديل جيناتنا من حيث التنشيط والإخماد كما عرفنا أعلاه من سورة الحج. فهي النعمة الثانية.

ثم خلق لنا النفوس متساوية مع الأبدان لنحب أبداننا ما دمنا في الحياة الدنيا. وهي النعمة الثالثة.

ثم جعلنا ذكورا أو إناثا. وهي النعمة الرابعة باعتبار أن كلا منا محتاج للآخر.

فالذكورية والأنوثية مرحلة تالية لصناعة النفس. إذن النفوس ليست ملبسة بلباس الجنس فهي ليست ذكورا ولا إناثا.

متى وكيف نُحشر يوم القيامة؟

ونحن حينما نموت فإننا نترك أبداننا بكاملها في الأرض طعمة للديدان لتعود ترابا ولكننا بنفوسنا التي هي ليست ذكرا ولا أنثى ننتقل إلى عالم البرزخ بانتظار يوم القيامة لنعود إلى الأرض الجديدة بعد تدمير الكون و إعادة صناعته حين إنشاء الله تعالى للنشأة الثانية والأخيرة.

والله تعالى يزوجنا فيما بعد بأبدان نباتية جديدة. قال تعالى في سورة التكوير: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10). بعد تدمير الكون وخلق كون جديد فإن نفوسنا تزوج بالأبدان. هذا التزويج ليس خاصا بالمؤمنين كما ظنوا بل هو عام للإنس والجن. لأن النفس في حالتها الطبيعية الأولى لا تتألم كثيرا ولا تتلذذ إلا قليلا. إنها تتألم وتستمتع لو كان لها بدن. هنالك يزوج الله تعالى الأنفس بأبدان جديدة ليمكن تعذيبها أو منحها المتعة واللذة. هذه النفوس التي تزوج ليست ذكورا ولا إناثا ولم يقل الله تعالى بأنه سوف يزوج النفوس التي كانت مع أبدان ذكورية في الحياة الدنيا بأبدان ذكورية في الحياة الآخرة. فكيف يقولون بأننا هناك رجال ونساء والله تعالى لم يقل ذلك. ألا يعلمون بأن الآخرة من أعمق أعماق الغيب؟ وهنا أتركهم مع أخينا الفاضل طبيب محمد سلامه ليتحدث لهم عن الغيب وبأن الذي يعلم الغيب هو الله تعالى وحده.

وأما خروجنا نباتيا يوم القيامة أو يوم البعث في الواقع فهو مذكور في آيات كثيرة أذكر منها قوله تعالى في سورة الروم: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19). وقال سبحانه في سورة  الزخرف:وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11). وقال سبحانه في سورة ق: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11).

والمقصود من الخروج هو خروجنا نحن من الأرض بعد البعث. قال تعالى في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ (25).

لنعلم شيئا عن الحور العين.

ونبدأ بفهم ماهياتهن فهما بسيطا كمقدمة. إنهن لسن من نساء الدنيا وسيخلقهن ربهن لأهل الجنة. ولذلك فهن لسن منقولات بل هن أبكار. والبكر في العربية تعني البداية أو التباشير الأولية كتباشير الصباح. لكن استعمال البكر أو الباكر في الفتيات قبل الارتباط بالرجال فهو ليس استعمالا أصيلا. قال الراغب في المفردات:

وسميت التي لم تفتض بكرا اعتبارا بالثيب، لتقدمها عليها فيما يراد له النساء.     انتهى كلام الراغب.

فباعتبار رغبة الرجال سمين أبكارا وليس باعتبار الحالة البدنية كما تصوره العامة من الناس.

وقال صاحب المقاييس: قال الخليل: والبِكْرُ من النّساء التي لم تُمْسَسْ قَطُّ. انتهى

و بناء على رأي الخليل بن أحمد الموافق مع رأي ابن فارس في مقاييس اللغة فإن التعبير بالأبكار مساو لقوله تعالى: لم يطمثهن إنس قبلهم  ولا جان؛ بمعنى لم يمسسهن. ومعنى الطمث سيأتي أدناه.

وأظن بأنه ماهية تلك النساء لو سميناهن نساء موضحة في سورة الواقعة: وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37). ولكنهن في الواقع لسن نساء بالمعنى المتعارف بيننا ولم يصرح القرآن بأنهن نساء فعلا.

من الصعب أن نستعمل كلمة الفراش للمرأة إلا باعتبارات غير واردة في الجنة. ولذلك فإن الزمخشري فسر الآية بالفراش الحقيقي وبأن تلك الفرش مرفوعة على الأرائك. ثم ذكر رأي الذين قالوا بأن الفرش تعني النساء وقال بأن هناك دليل على احتمال صحة قولهم وهو الآيات الثلاث التالية لها. لكن الزمخشري الذي أظن بأنه يميل إلى أنها جمع فراش الجلوس، لم يربط تفسيره للآية 34 بالآيات التالية لها ربطا دقيقا بل اعتبر الفراش مضطجعا فهو للنساء اللائي أنشأهن الله. هذا الذي يجعلني أظن بأن عالما لغويا ونحويا مثل الزمخشري لم يتمكن من إقناع نفسه بالمعنى المعروف ولم يتمكن من حل المشكلة فبدأ بذكر رأيه الناقص ثم ذكر رأي الآخرين الذي يُكمل ربط الآيات ببعضها البعض ولكن الزمخشري نفسه كان يعيش الاضطراب في فهم الآيات.

ولم يشذ الطباطبائي عن المعنى الذي ظنه الزمخشري فكلاهما نقلا من الغير واستندا على ذلك الغير لربط الآيات أيضا. فالطباطبائي الذي فسر القرآن بعد أكثر من سبعة قرون من وفاة الزمخشري فإنه أيضا بقي على نفس اضطراب الزمخشري. رحمهما الله تعالى وغفر لهما ولنا جميعا.

وأما تفسيرهما لبقية الآيات فهو تفسير مطابق للتفاسير الذكورية للقرآن. سامحهما الله تعالى وغفر لهما ولكل المفسرين الطيبين ولنا جميعا.

وأما الذين استدلوا بالرواية المفتراة على رسول الله عليه السلام (الولد للفراش وللعاهر الحجر) لإثبات أن الفراش يعني الزوج فإن حديثهم مرفوض يخالف نصوص القرآن ويخالف العقل. هذا يعني بأن الرسول خالف نظام الطبيعة وأمر بظلم الطفل البريء الذي أولده أبواه الطبيعيان بإثم منهما. إن كل نظام بشري عادل يتبنى قبول الزاني والزانية للطفل الناتج عنهما إكراما للطفل وليتربى في أحضان والديه. حاش رسول الله من هذه الأحاديث الكاذبة التي تخالف كتاب ربه.

وقد حاولت أن أفسر الفراش بالزوج فعجزت ولم أكن لأتقبل تحليلات اللغويين. لا معنى أن نقول للفراش المرفوع زوجة. فالفراش باعتبار الفرش على الأرض وهو حالة الاستلقاء والمرفوع بعكس ذلك. وقد ذكر الله تعالى صيغة الجمع “فُرُش” مرتين في القرآن وهما هنا وفي سورة الرحمن السابقة للواقعة: متكئين على فرش بطائنها من إستبرق.. ولذلك استعصى على المفسرين المحققين أن يفسروا الفرش بالزوجات. لكنهم رضخوا إلى الواقع الذي شعروا به وهم غير مطمئنين كما رأينا. وهناك بعض المحققين منهم مثل القرطبي الذي لجأ إلى الأحاديث وفسر الآية بموجبها تفسيرا وهنا ضعيفا لا يتناسب مع شأنه كمفسر دقيق.

فلنقم بتحليل أكثر دقة لفهم المقصود من آيات سورة الواقعة حول السابقين وأصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة، لعلنا نعرف من خلالها شيئا عن الفرش المرفوعة وشيئا أكثر عن الحور العين.

تحليل عام لآيات سورة الواقعة:

  1. ليس الحور العين مخصصا للسابقين بل هن لجميع أهل الجنة. كما أن الولدان المخلدين لا ينفردون في خدمة السابقين بل يخدمون كل أصحاب الجنة. قال تعالى في سورة الدخان:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55).

وقال تعالى في سورة الطور: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (24).

  1. قد يقول قائل بأن الله تعالى خصص الحور العين للسابقين وخصص الفرش المرفوعة لأصحاب اليمين وهم دون السابقين. لكنه سبحانه لم يفرق بينهم في سورة الدخان أعلاه. وقد يقول قائل بأن الولدان المخلدين خاص بالسابقين وليس لأصحاب اليمين خدم مثلهم. لكنه سبحانه ذكر الغلمان الموصوفين باللؤلؤ المكنون وهو وصف مشابه للحور العين الذين وصفهم الرحمن في سورة الرحمن، ذكرهم في سورة الطور للذين ألحقهم الله تعالى بالذين آمنوا فهم اتبعوا آباءهم الذين تركوا الشرك واتبعوا دعوة رسول الله. هؤلاء التابعين هم دون مستوى الذين اختاروا الإسلام بداية دون ريب. فليس أيا منهما مخصصا للسابقين.
  2. السابقون هم قسم من أصحاب اليمين لأن أصحاب الجنة هم جميعا من أصحاب اليمين. قال تعالى في سورة المدثر: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ (40). فلن يدخل الجنة أحد إلا إن كان من أصحاب اليمين.
  3. ولو نمد الطرف بدقة إلى التقسيم الثلاثي في سورة الواقعة فسوف نلاحظ بأن السابقين هم من أصحاب الميمنة. قال تعالى فيها: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11). نراه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أزواج فبدأ بأصحاب الميمنة ولم يبدأ بالسابقين ثم ذكر أصحاب المشئمة وهم المجموعة المقابلة لأصحاب الميمنة. ثم ذكر السابقين فكأنه سبحانه ذكر الثاني ثم الثالث ثم الأول وهو غير منسق. أضف إلى ذلك أن التقسيم الثلاثي هنا خاص بسورة الواقعة وليس تقسيما قرآنيا عاما. فالناس والجن يوم القيامة إما مؤمنون وإما كافرون وبعبارة أخرى إما أنهم أوتوا كتابهم بيمينهم أو بشمالهم.
  4. التقسيم الثلاثي الذي نراه في سورة الرحمن فهو تقسيم للكرة الأرضية وليس لأهل الجنة والنار. فجهنم أرض واقعة في وسط تلك الكرة بطبيعتها لتكون أكثر حرارة من غيرها وتحيط بها منطقتان متوسطتان معتدلتان هما لأهل الجنة كما تحيط بالمنطقتين المعتدلتين منطقتان أكثر ظلاما منهما وهما واقعتان في ما يمكن تعريفهما بأقصى الشمال وأقصى الجنوب وهما لأهل الجنة أيضا. ذلك التقسيم مشابه لأرضنا الفعلية من حيث الحرارة والبرودة ومن حيث الضياء والظلام. هذا النوع من التقسيم متناسب مع الجن والإنس لأنهما لا يريان المحيط مثل بعض. فمشرق الجن هو مغرب الإنس ومغرب الإنس هو مشرق الجن. بمعنى أن الجن يرون في الظلام والإنس يرون في الضياء فهناك مشرقان ومغربان من حيث الجن والإنس. ولذلك قال سبحانه في سورة الرحمن المشتركة بين الجن والإنس: خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18).

وبما أن الجن ليسوا من ساكني العمارات مثلنا فإن الله تعالى لتقريب ذهنهم وضح بأن هناك خيام وأن هناك حور مقصورات في الخيام ليتناسب معهم تماما ومعنا أيضا.

  1. إذن هناك خلط بين المسائل لو نريد أن نذهب وراء سورة الواقعة بالطريقة التقليدية. لو أردنا القول بأن آية إنا أنشأناهن إنشاء تعود إلى الفرش المرفوعة لفصلنا خلق الحور العين عن خلق الفرش المرفوعة حسب تصورهم. والواقع أنهما غير مختلفتين فالحور العين للجميع و الأبكار للجميع أيضا. والله أنشأ جميعها إنشاء. فعلينا ألا نعيد ضمير المفعول في أنشأناهن إلى الفرش المرفوعة بل نعيدها إلى الحور العين ليستقيم المعنى. والفرش المرفوعة هي مقابل السرر الموضونة وكلاهما مشابهان لآية الرحمن هذه: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54). فالفرش التي يتكئون عليها هي عين الفرش المرفوعة. إنها مرفوعة على الكراسي ليتكئوا عليها إذ لا منام في الجنة. لا يمكن أن يشعر المرء بالتعب في الجنة ليخلد إلى النوم. لكنهم يتكئون على السرر للتمتع والتلذذ. إنهم يتحدثون معا على سرر متقابلين ويقطفون معها الثمار الدانية قطوفها ليمرحوا.
  2. وأما الفصل الذي نراه بين السابقين وأصحاب اليمين فهو ليس فصلا حقيقيا بل هو بيان لبعض أصحاب اليمين الذين يفوقون البعض الأكبر علما ومعرفة بالله تعالى وإيمانا وإخلاصا للقدوس جل جلاله. وتقربهم إلى الله تعالى ليس تقربا ماديا بل تقرب معرفي. إنها في الواقع تقريب من ربهم إلى معرفته سبحانه باعتبار سعيهم الحثيث للتعرف على القدوس بما يتناسب مع شأنهم كبشر. والذي يقربهم هو الله تعالى نفسه ليعطي كل ذي حق حقه كما وعد عز اسمه.
  3. ولو نلاحظ وصف الحور العين أو الجنس الآخر في سورة الرحمن فنلاحظ بأن الله تعالى يتحدث عن وسط الأرض ثم جنتين عن يمين وشمال هما المنطقة المعتدلة ثم جنتين عن يمينها وشمالها هما المنطقة الباردة نسبيا والقليلة الضياء ليتناسب مع ما يحبه الجن. لكننا نراه سبحانه حينما يصل إلى وصف الجنس الآخر فإنه يترك التعبير الثنائي ويأتي بلفظ الجمع. وجنى الجنتين، فيهما من كل فاكهة، فيهما عينان، فيهما فاكهة ونخل. وفي المقابل: فيهن قاصرات الطرف، كأنهن الياقوت، فيهن خيرات حسان، لم يطمثهن إنس. ذلك لأن الجنس الآخر كلها متشابهة ولفظ الجمع باعتبار الجنتين المعتدلتين والجنتين المدهامتين معا فهن أربع جنات. فيعني في الجنائن الأربعة كل الأوصاف المخصصة للجنس الآخر.

فلو نلاحظ كل ما ذكرناه فسوف يكون التفسير التالي للآيات الغريبة في سورة الواقعة قابلا للإمعان. على أننا سوف نسعى لفهم كل التعابير والمصطلحات المستعملة لما وضحهن الله تعالى كإناث باعتبار أفعال وضمائر التأنيث في مقابل أهل الجنة الذين هم جميعا ذكور سواء كانوا في الدنيا نساء أو رجالا. ولعلنا نقبل بأن هناك سببا في عدم بيان القرآن للمسألة بوضوح كامل كما فعله في مسألة الوضوء أو الطلاق أو مسائل الشرك بالله أو تحريم الزنا. لعلنا نقبل بأن أكثر المؤمنين بالله أو كل العامة منهم يتوقعون تواجد نفس الحياة الجنسية التي تمتعهم في الدنيا لأنهم يشعرون بالكثير من اللذة فيها. إنهم محرومون اليوم من لذة العلم ومن لذة فهم القرآن فلا يشعرون إلا بالجنس؛ والقرآن يسعى لتزيين الآخرة التي هي من أجمل ما يتصوره الجن والإنس فعلا، يسعى لتزيينها في عيون هؤلاء الذين يمثلون الغالبية العظمى من المؤمنين بالله بغض النظر عما نراه على بعضهم من صبغات علمية هي ليست علمية في الواقع.

كما أن القرآن لا يريد أن ينحرف بعض أهل العلم عن حقيقة الآخرة وعن حقيقة اللذائذ المادية فينأون عنها إلى أن الجنة والنار ليستا حقيقيتين بل هما لتقريب الأذهان نحو اللذة المعنوية والعذاب المعنوي. ولذلك نرى الحديث عن الفواكه والظلال وبقية المأكولات صريحة جدا ولكن الحديث عن المتعة الجنسية مغلفة. فكل واحد يتراءى له بأن الجنس موجود في الجنة. ولنكن واقعيين بأن بعض أهل الفضل الذين يتشبثون ببيان الجنس هناك قد يكونوا في شك منه ولكنهم لا يرون أمامهم طريقا أخرى لتشجيع مريديهم وأتباعهم على السعي للرضوان وكسب الجنان غير الحديث عن الجنس.

ومن المضحك المبكي أنني كنت أستمع ذات مرة إلى إحدى التلفزيونات الإسلامية ورأيت الشيخ المتحدث مع الناس برعاية امرأة تدير بحثه من إدارة التلفزيون قد بالغ في وصف الحور العين بالطريقة التقليدية. هناك انبرت المرأة المذيعة لتسأل الشيخ: وما هو نصيب النساء من الجنس في الجنة؟ كان السؤال جريئا وشجاعا وأعجبت بقدرة المرأة المحجبة على توجيه هذا السؤال الشجاع لشيخ في حكومة دينية متطرفة. طرق الشيخ قليلا بما يتناسب مع البرامج فلم يهتد إلى جواب لكنه قال للمرأة (على استحياء): هناك للنساء أيضا أزواج، إن أزواج الدنيا هم لهن وللحور العين. سكتت المرأة وبدت علامات عدم القناعة بل الشعور بالظلم بادية على استمرارها في إدارة المناقشة إدارة أضعف من البداية.

قلت في نفسي بأن هذه المذاهب الدخيلة في الإسلام والتي غطت على حقيقة هذا الدين القويم تحتاج إلى تقييد المرأة تحت الأستار المظلمة حتى لا تتكلم وإلا فإن فقههم الذكوري البائس أضعف من أن يصمد أمام أول سؤال جريء يوجه إليهم. لا يكتفون بظلم النساء في الدنيا بل يتوقعون أن يستمر هذا الظلم طيلة الأبدية!!!

معذرة من هذه المقدمات الطويلة والتي رأيتها ضرورية.

ثم إن آيات النعم للمجموعتين في سورة الواقعة مشتركة بينهما في الواقع؛ فليس الطلح المنضود والسدر المخضود خاصة بالطبقة الثانية من أصحاب اليمين فيما ينفرد السابقون بالتمتع بالفواكه الأخرى. كما أن النساء المنشآت إنشاء ليست خاصة أصحاب اليمين والحور العين ليست خاصة السابقين بل إنهن يحملن كل الأوصاف الموزعة بين المجموعتين. فكل الحور العين منشآت وكل العُرب الأتراب حور عين.

على هذا الأساس فإن قوله تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء، يعود إلى الحور العين المذكورة في الآيات السابقة الخاصة بالسابقين في الظاهر. إنها لا تعود إلى الفرش المرفوعة التي تمثل الكراسي المفروشة ليسهل الاتكاء عليها في مقابل السرر الموضونة المشبكة بالذهب والمخصصة فعلا للسابقين. والسابقون هم من أصحاب اليمين أيضا ولكن لهم خصوصيات ترفع شأنهم عن بقية زملائهم في جنات النعيم. فلو كانت الأبكار حظا لصالح أصحاب اليمين فليست الثيبات من حظ السابقين بل كلهن أبكار!

فالحور العين هن حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ولقد أنشأهن الله إنشاء فجعلهن أبكارا عربا أترابا. وأما معنى الحور العين فهو مشكلة أخرى.

معنى الحور العين:

لا أذكر بأنني رأيت شعرا عربيا من قبل الإسلام يصف النساء الجميلات بالحور أو بالحور العين. لكننا نأخذ معنى البيض أو البياض للحور باعتبار الآيتين التاليتين من سورة الصافات: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49). كما لا أظن بأن المقصود من البيض المكنون هو خباء المرأة فهي وصف لنساء الدنيا وليس لنساء الآخرة. ذلك لأن الشهوات من النساء هي من خواص الدنيا بنص القرآن. فلا يفيدنا شعر امرئ القيس حول البَيض لفهم الآية والتي يقول فيها:

وبيضة خدر لا يرام خباؤها     تمتعت من لهو بها غير معجل

تلك وصف دنيوي محض أراد الشاعر أن يثبت للمستمع قدرته على إغواء الفتيات وهن محميات في بيوتهن. فالمقطع الثاني من صدر البيت بيان للمقطع الأول بمعنى أن بيضة الخدر تعني التي لا يرام خباؤها. ليس هناك أي إغواء في الآخرة فاستعمال البيض المكنون لغرض آخر غير مرتبط بالخباء أو ببيضة الخدر.

وأما قاصرات الطرف التي وصفها الله تعالى بعدها بالعِين فقد تكون بمعنى الحور. فتفسير الإخوة المفسرين بأن قاصرات الطرف تعني اقتصارهن على النظر إلى أزواجهن تفسير بعيد عن الحياة الفردوسية. يقول سبحانه قبل تين الآيتين واصفا أحوالهم هكذا: عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47).

الجلسات مكشوفة والحديث عن أنهم مجتمعون معا وليسوا منفردين في غرف النوم. فلو ننظر إلى الجلسات المشتركة بين الرجال والنساء في المجتمعات الغربية اليوم فهي أشبه بالمجالس الفردوسية برأيي. ليس مسموحا لنا أن نشاكلهم في مجالسهم وليس مسموحا لنا أن نشاركهم فيها لأننا نعيش الحياة الدنيا. الخمور هي ضرورة هذه المجالس والله حرمها في الدنيا لسببين أساسيين كما أظن: هما زوال العقل و احتمال تحريك الشهوات الجنسية. والله تعالى لم يقل بوجود الجنس في الآخرة لعدم ضرورتها حيث لا تكاثر هناك كما قال بأن الغول أو زوال العقل غير محتمل هناك. والسبب بسيط لأن النفس سوف تكون مسيطرة سيطرة كاملة على البدن فلن يتأتى لما يؤثر في البدن أن يؤثر في النفس أيضا ومركز التعقل هو في النفس وليس في خلايا المخ كما أظن والعلم عند المولى سبحانه.

ليس هناك نكاح ولا زواج من نوع زواج الدنيا ولا جنس حتى يقتصرن بالنظر إلى أزواجهن. إن المرأة ههنا طالبة فرد والرجال طلاب جمع. يمكن ملاحظة ذلك في جلساتكم المشتركة خاصة لو كانت غير دينية. سترون بأن الأزواج الإناث ينظرن فقط إلى أزواجهن ولكن الرجال يسرقون النظرة إلى أزواج الآخرين. ليس هناك قصد ريبة دائما ولكن المسألة طبيعية محضة. إن الرجل بطبيعته يرى بأن إشراك امرأة أخرى في حياته لا يؤثر في النسل والمرأة بطبيعتها ترى عكس ذلك والنتائج المحتملة تحدد نوعية النظرتين برأي علماء الفن فأنا ناقل لما يقولون ولست مجتهدا في هذه الجزئية.

وليس بيدنا أي دليل بأن أهل الجنة يتنعمون بتعدد الزوجات. هذا مجرد ادعاء خارج عن نطاق كتاب الله تعالى. إن قوله تعالى: وزوجناهم بحور عين، تدل على حورية واحدة لكل فرد ونحتاج إلى دليل لإثبات الثانية. إن طبيعة الزواج هو جعل الفرد مزدوجا وليس جعل الفرد مجموعة. بمعنى أن يصير الواحد اثنين وليس بمعنى أن يصير الواحد أكثر من اثنين. أليس هذا معنى الزوجية؟ فلو أراد تعدد الزوجات لقال وزوجناهم بحور عين ثم زوجناهم بحور عين ثم زوجناهم بحور عين. هكذا يمكن تفسير ثلاث أزواج (زوجات) لكل فرد. ونحن وجدانا حينما نقول بأننا نريد تزويج ولدنا فإننا نقصد إعلام المخاطب بأن ولدنا عازب نريد أن نختم العزوبة لديه فنجعله متزوجا. لكننا لو أردنا الزوجة الثانية فلا نكتفي بالقول الأول بل نقول نريد أن نزوج ولدنا زوجة ثانية.

ثم إن قاصرات الطرف هنا باعتبار خطورة زواج المرأة برجلين حماية للنسل ولكن لا نسل في الجنة حتى يهتم الله تعالى بهذا المعنى هناك. لكننا حينما نتعمق في حيثيات الجنة فسنعرف المعنى بدقة أكثر. فلننتقل إلى الأوصاف الأخرى للحور العين لنعرف ضرورة أمر آخر مرتبط بهن وخارج عن إرادة أهل الجنة.

وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52). من سورة ص.

فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58). من سورة الرحمن.

فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72). من سورة الرحمن.

وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23). من سورة الواقعة.

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33). من سورة النبأ.

إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37). من سورة الواقعة.

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49). من سورة الصافات.

إنا أنشأناهن إنشاء:

إن أهم وصف موضح في الآيات هو أنهن منشآت إنشاءً. لقد أنشأهن الله تعالى بمعنى أنه سبحانه لم يخلقهن ضمن نظام التطور الطبيعي كما خلقَنا فهن كائنات غير مختارة ولا تحمل هويات شخصية مثلنا. والإنشاء تعني بأن الهندسة المستعملة في إيجاد الشيء أكبر وأهم من المواد المستعملة وهذه طبيعية بالنسبة لكائنات يحملن صفات بشرية لتتزوجن مع البشر. ثم يستنتج سبحانه بأنهن أبكار باعتبار أن الله أنشأهن إنشاء (فجعلناهن). فهن مخلوقات أولية ولسن مخلوقات منقولة من الحياة الدنيا كما أن الله أنشأهن بذلك الشكل ويعني بأنهن غير متطورات بل مخلوقات بذلك الشكل الموصوف بداية.

وأما العُرُب:

فالإعراب معناه البيان والتوضيح. فلان أعرب عن نفسه يعني أعطى معلومات عن نفسه، سكوتها يعرب عن الخجل، الثيب يُعرب عنها لسانها (منقول من الرسول عليه السلام)، وهلم جرا. فبما أن تلك الفتيات إن صح التعبير منشآت إنشاء فهن على شكل واحد يصعب التمييز بينهن. لو نلاحظ في حياتنا الدنيا فإن الشبه والتماثل هو الذي يميز كل شيء عنا نحن البشر بما فيها المواد. فالحيوانات من كل نوع متشابهة والنجوم متشابهة والبحار متشابهة والصخور متشابهة بأفرادها لا بأنواعها. ولكن أفراد البشر يحملون جنسيات مميزة لكل فرد منهم. هذه الخاصية تحتاج إلى بيان آخر ليس في هذا المختصر. وكما قال بعض أهل الفضل وهو المرحوم أحمد زكي كما أظن: وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه. فبما أنهن أتراب فلا يمكن التمييز بينهن ولكنهن يميزن أزواجهن بأنفسهن لأن الأزواج بشر منقولون من الدنيا إلى الآخرة فهم (البشر المنقولون) ليسوا على شكل واحد. فهن يعربن عن أنفسهن لأزواجهن ليعرف كل زوج زوجه.

الأتراب:

يوضح القرآن بأنهن أتراب بمعنى متشابهات كأنهن من طينة واحدة حسب تعبيراتنا.

قال الراغب في المفردات: أي: لدات، تنشأن معا تشبيها في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر، أو لوقوعهن معا على الأرض، وقيل: لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معا.

وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: الأول، التّراب وما يشتقّ منه، والآخر تساوي الشّيئين.  

إلى أن يقول:

وأمّا الآخر

فالتِّرب الخِدْن، والجمع أترابٌ.          انتهى كلام أرباب اللغة.
وقد وضح ابن فارس في مقدمة الكلام بأن مقصوده من الخدن هو المساوي.

فالأتراب إذن تعني المشابهات المماثلات باعتبار أنهن منشآت إنشاء. ونحن في هذه النشأة نستعمل الأتراب للائي في نفس السن أو للمماثلات من حيث الصفات والحيثيات. قال الشاعر:

قالت لترب معها جالسة       أخيتا هذا الذي أراه من

قالت فتى يشكو الهوى متيما     قالت لمن؟ قالت: لمن قالت لمن

فتان الفتاتان تِربان جالستان معا و واضح من حديثهما بأنهما مراهقتان.

ولكن السن غير مهم في الجنة فالناس جميعا في الآخرة يتطورون بدَنيا إلى حد ثم يقفون عند ذلك الحد طيلة الأبدية. والعلم عند الله تعالى.

الكواعب:

ليس هناك أي إشكال أن تكون الكاعب ناهد الثدي. فالصدر جزء من جمالها وليس الصدر وسيلة التكاثر. والله تعالى لم يستعمل كلمة تدل على الرضاعة بل استعمل كلمة تدل على اللطافة والجمال. لا ضير في أن يكن كواعب والكعب تعني النشوز والارتفاع؛ وارتفاع النهد مطلوب إلى حد ومظهر من مظاهر جمال الأنثى. والتصريح بالأتراب بعد الكواعب تدل على أن أثدائهن متجانسة ومتشاكلة من حيث القياس واللون كما أظن والعلم عند الله تعالى. والحديث عن كؤوس الخمر بعد الكواعب في سورة النبأ قد يؤكد معنى الثدي الناهد. ومما لا شك فيه بأن هناك نوعا من المس اللذيذ بينهم ولكن لن يصل إلى الحركات الجنسية الدنيوية دون أدنى ريب.

وأنا أظن بأن المس بين الجنسين في الآخرة أكثر وأعمق لذة من المس الجنسي في الدنيا. أقول ذلك لأنني أرى عددا غير قليل من المؤمنين محرومون من الجنس في الدنيا مثل النبيين يحيى وعيسى وغيرهما، فكيف نتصور جنة بلا جنس في حين أن الناس في الدنيا لا يهتمون بشيء من حيث اللذة أكثر من الارتباط الجنسي؟ إذن هناك في الفردوس ودون أدنى ريب لذة جنسية ناتجة عن المس ولكن من غير النوع الذي نراه ونلمسه في الدنيا. أظن بأننا لو غفر الله تعالى لنا وأدخلنا نعيم الفردوس فسنرى بأن يحي وعيسى وبقية المؤمنين المحرومين من الجنس في الدنيا، نرى بأنهم سوف لا يشعرون بأي نوع من الحرمان في الآخرة بل بالعكس. سوف يضحكون علينا نحن الذين تمتعنا بالجنس الدنيوي وظننا بأن الشهوات من النساء هن أهم لذة في الحياة.

الفرق بين الغلمان والحور العين:

لقد فرق القرآن بينهما بأوصاف تناسب الذكور للولدان وبأوصاف تناسب الإناث للحور العين. من تلك الأوصاف نعرف بأن الغلمان أو الولدان المخلدين سوف يُخلقون لتقديم الخدمة لأهل الجنة وليس للمس والتلذذ بالمحادثة والمغازلة مع أهل الجنة. لا يمكننا أن نتصور الآلات الجنسية في الجنة كما لا يمكن أن نتصور الوظائف الأخرى لتلك الآلات التي نراها في الدنيا. أعني بأننا لا يمكن أن نتصور المراحيض في الجنة ولا ندري بالضبط كيف يتخلص كل فرد من الفضلات إلا في حدود التخرصات. لكن الغلمان المخصصين للخدمة لا يملكون النهاد الطيبة المتناسبة مع المس المتاح لأهل الجنة.

كما أن الغلمان ليسوا مخصصين للأشخاص بل هم خدم خاص بالتشريفات وتقديم الكؤوس لأهل الجنة ولكن كل حورية مخصصة لشخص واحد في الجنة فهما يتزوجان بتقدير ربهما.

وأما الأوصاف المشتركة بينهما وهو مماثلة اللؤلؤ المكنون المصرح بها للنوعين في كتاب الله تعالى فهو باعتبار التالي كما أحتمل والعلم عند المولى جل شأنه.

لقد صرح القرآن بأن تشابه الولدان المخلدين باللؤلؤ المكنون مماثل لتشابههم مع اللؤلؤ المنثور ولم يصرح باللؤلؤ المنثور للحور العين. فأحتمل بأن السبب في ذلك هو أن اللؤلؤ المنثور ليس خاصا بفرد دون فرد بل هو عام لمن ينظر إليه والغلمان أو الولدان المخلدون لخدمة أهل الجنة فاللؤلؤ المنثور يتناسب معهم. لكن كل شخص منحه الله تعالى الفردوس فهو ينفرد بحورية تنفرد بالتعايش معه فهما زوجان. هنالك لا يصح أن يسميه الله تعالى لؤلؤا منثورا بل يكتفي بخاصية اللؤلؤ المكنون.

وأما السر في هذه الخاصية هو تتابع الشعور بالجمال للناظرين. فاللؤلؤ المكنون يفتح صاحبُه صندوق اللؤلؤ كل مرة ليستمتع بجماله وليكتشف كل مرة خاصية جديدة في اللؤلؤ المكنون ليزداد متعة بتكرار النظر إليه. فلو لم يكن الغلمان والحور كاللؤلؤ المكنون فإن أهل الفردس سوف يفقدون الشعور باللذة إلى جمال صنع ربهم بعد فترة من البقاء في الجنة.

لكن التمييز بين الحور والغلمان هو في البيض المكنون الذي وصف الله تعالى به الحور ولم يوظفها لتوصيف الولدان المخلدين. وأكرر مرة أخرى بأن الولدان المخلدين ليسوا للزواج مع الحور العين ولا مع الإناث كما يظن البعض. أولئك لا يأتون بدليل من القرآن بأن البشر المنقولين يُبعثون ذكورا وإناثا.  فالولدان المخلدون شأنهم شأن كل شيء جميل آخر في الجنة. وأرجو أن ننتبه بأن الجمال شيء والجنس أمر آخر فلا نخلط بينهما.

قال تعالى في سورة الصافات: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49). البيض جمع البيضة فلو كان المكنون صفة لها لقال سبحانه مكنونة أو مكنونات باعتبار أن الصفة من التوابع. إذن يتعلق المكنون بكلمة غير موجودة في الآية الكريمة ونحتاج أن نفكر فيها لنكتشفها. وقال البعض بأن البيض المكنون باعتبار سلامتهن مستشهدين بالبيت التالي للفرزدق:

خرجن إلي لم يطمثن قبلي      وهن أصح من بيض النعام

والواقع أن شعر الفرزدق كما أظن يعني بأنهن كن مبتعدات عن الاختلاط الجنسي بالرجال متخذات العزلة مبدأ كبيض النعام المعزول عن الأعين حتى تعرفن علي فلم يرفضنني مع كثرتهن ووحدتي. وهو لم يقل البيض المكنون بل اكتفى ببيض النعام باعتبار أن النعامة تعزل بيضها. لكن شعره مفيد لنا. نعرف من شعره بأن بيض النعام مكنون أي مستور ولا نحتاج أن نعرف شيئا آخر عنه.

فالمكنون ليس صفة للبيض ولكنه بيان لعمل تقوم به النعامة. وهنا أيضا قد يكون المكنون بيانا لما يكنه أهل الجنة لهم من إكرام لما يرونه لديهم من الحسن والبهاء ولما يلمسونه من أعمالهم من لطف وفتوة وحضور للخدمة بالنسبة للغلمان باعتبار اللؤلؤ المكنون وأما بالنسبة للحور فاستعدادهن لتمتيع أزواجهن بالمس والنظر وبقية أنواع الطرب كالغناء والرقص.

لنتعرف على معنى الطمث.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدلُّ على مسِّ الشيء. قال الشَّيباني: الطَّمْث في كلام العرب المسُّ، وذلك في كلِّ شيء. يقال: ما طَمَث ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال: وكلُّ شيء يُطمث.   انتهى.

وذكر معنى المس للطمث كل من الجوهري في صحاح اللغة، وابن منظور في لسان العرب، و مجد الدين الشيرازي في القاموس المحيط. كما لم يبتعد الراغب عن نفس المعنى في المفردات ولكن ليس بوضوح الباقين.

إلا أنهم جميعا قبلوا الطمث بمعنى دم الحيض والجماع. ولا أظن ذلك إلا بسبب المفسرين الكرام الذين فسروا الطمث الذي ورد في القرآن مرتين فقط وهما في سورة الرحمن بالارتباط الجنسي مقرونا بالدم. وتفسيرهم باطل برأيي لأن الجن موجود طاقوي لا نراه فكيف تطمث نساؤهم أو يتم الارتباط الجنسي بينهم مع الدم في بدايتها كما هو الحال مع الإنس؟ لا يمكن أن يكون لهم دم قطعيا ولو كانوا كذلك لكانوا موجودات فيزيائية ذوي أبعاد وما كانوا ليخفوا عن أعيننا. ويظن بعضهم بأنهم هم الذين يريدون إخفاء أنفسهم عن عيوننا ولو أرادوا أن نراهم لرأيناهم، وهو كلام في غاية السخافة. على كل حال فإن ادعاءهم ليس قرآنيا والجن موجود غيبي بالنسبة لنا ولا دليل في القرآن على أنهم ذوو أبعاد فكل كلامهم في هذا الشأن يمثل ادعاءات بشرية باطلة صدرت ممن لا علم لهم بالجن.

نحن نعرف عنهم بعض الشيء عن طريق القرآن وسوف نتحدث معا في المستقبل بإذن الله تعالى ولكنهم لا يمكن أن يظهروا على أعين الناس سواء أرادوا أو لم يريدوا. وقد استدل صاحب الكشاف على طمث نساء الجن (بمعنى الحيض) بآيتي سورة الرحمن. إنه رحمه الله تعالى لم يفكر في أن الجن موجودون معنا بنص القرآن ولكننا لم نر منهم دما. الدم شيء مادي ذو أبعاد فأين دماء الجن؟

ومن الصعب أن نتعرف على كيفية انتقال معنى المس إلى معنى دم الحيض. فلو كان الطمث يعني دم الحيض فجملة لم يمسسهن تعني لم يدمهن حيضيا أحد وهو معنى بعيد عن العقل. ولنفترض بأن تفسيرهم صحيح ومعنى الآيتين هو بأن نساء الجنة غير ممسوسات مسا جنسيا بواسطة رجال الجن والإنس من قبل، فما الفائدة من ذكر ذلك؟ سوف يقولون باعتبار أنهن أبكار والله تعالى يريد بيان ذلك لأهميته عند أصحاب الشهوات. ثم هم بأنفسهم يقولون بأن نساء الدنيا أجمل وأهم من الحور العين باعتبار أنهن مررن بالاختبار والتزمْن التقوى والخضوع الاختياري لله تعالى فهن أعلى درجة من الحور العين. فمن منطلق التفسير الشهواني لكتاب الله تعالى مع الأسف فإن القرآن بهاتين الآيتين يبين رفعة الحور العين على نساء الدنيا المؤمنات فكيف تكون نساء الجن والإنس أرفع من الحور العين وتكون الحور العين أرفع من نساء الجن والإنس في الجنة؟!

والحقيقة أن ليس البعثُ حشرا أنثويا ولا ذكوريا في الآخرة فكلنا جنس واحد والحور العين مخلوقات أخروية لا فضل لها على أحد والله تعالى يريد أن ينفي المس الجنسي وغير الجنسي في الآخرة. فقوله تعالى لم يطمثهن يعني لم يمسسهن مسا جنسيا أحد من الجن أو الإنس ليقول بأنهن طاهرات من دنس الجنس الذي هو من ضرورات الدنيا. ويقول سبحانه في وصفهن في سورة آل عمران:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15). فلا توجد في الجنة حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة لأنها جميعا  متاع الدنيا. والأزواج المطهرة لكل أهل الجنة وهم جنس واحد وهن مطهرات من أي مس شهواني دنيوي لأنه مس حيواني.

يخلو القرآن من أي مديح للمس الجنسي المعروف في الدنيا لأن ذلك مس حيواني مشابه لشرب الخمر حيث يسكر الرجال والنساء سكرا جنسيا وهو غير ممدوح عند الله سبحانه ولكنه ضرورة. إن الله تعالى يكتفي بإباحة المس الجنسي في الدنيا ولم يمدحه أبدا في كتابه الكريم. قال تعالى في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6). ومثلها في سورة المعارج.

ولعل السبب في ذكر الجن والإنس معا هو أن الجن يرتبط ارتباطا جنسيا للتكاثر ولكننا لا نعرف كيفية ذلك إطلاقا والله تعالى يريد القول بأن نساء الجنة مطهرات من كلا نوعي الارتباط. ذلك لأن الشهوات الجنسية غير متاحة في الجنة إطلاقا. والأزواج المطهرة هن اللائي لم يتعرضن لأي مس شهواني دنيوي إنسي أو جني وتلاحظون بأن الله سبحانه لم يصف أصحاب الجنة بأنهم مطهرون فليعلم أولو الألباب!

ولعل السبب في وجاهة المسيح في الدنيا والآخرة هو أنه لم يتزوج جنسيا مع امرأة وكذلك موسى الذي حافظ على طهارته بعد التعرض المباشر لنور الله تعالى في طور سيناء فهو كان وجيها فقط عند الله وليس قبله  كما أظن والعلم عند الله تعالى.

قاصرات الطرف:

هناك شعر منسوب إلى امرئ القيس وهو:

من القاصراتِ الطَّرْفِ، لو دَبَّ مُحْوِلٌ         من الذَّرِّ فوقَ الإِتْبِ منها لأَثَّرا

امرئ القيس شاعر ماجن مستهتر ما اهتم بحرمة النساء أبدا. وحاشيته وأقرانه مثله فهم ليسوا مهتمين بحرمة الزوجية حتى يصفن عفاف النساء. وحينما يتحدث عن بيضة الخدر فإنه يقصد فتاة غير رخيصة ولا يقصد امرأة عفيفة كما تراءى للشارحين المحترمين الذين شرحوا أشعار امرئ القيس في العهد الإسلامي. أرجو أن تتصوروا مجون شعره الفاسد في بيضة الخدر:

وبيضة خدر لا يرام خباؤها      تمتعت من لهو بها غير معجل

فعن أي خباء يتحدث امرئ القيس في شعره؟ وهكذا شعره الذي استشهد به بعض اللغويين لإثبات أن القاصرات الطرف كان تعبيرا عربيا جاهليا غير مقتصر على القرآن. وقد فسروا القاصرات الطرف في شعر الملك الضليل امرئ القيس بأنهن المتحببات إلى أزواجهن اللائي يقصرن نظرهن عليهم… هذا برأيي غير صحيح. يريد امرئ القيس وصف جمال القاصرات الطرف ونعومتهن بحيث لو سقط ذر قديم محول على الشفوف التي لبسنها لأثرت في جلدها. (المحول: الذي مر عليه حول، الإتب ثوب رقيق كالشفوف). إنه ليس في صدد الحديث عن شرف المرأة بل في صدد إثبات أنه كشاب وسيم قادر على إغراء الإناث اللائي يعشن في بيوت الملوك.

لا أظن أبدا بأن قاصرات الطرف تعني اللائي يقصر نظرهن إلى أزواجهن. هذا النوع من الوصف مناسب للدنيا حيث الجنس وخطورة فساد النسل وليس من ثقافة الآخرة. هناك خمور ومرح وفرح وحبور مسموح بها وليس للعفاف معنى في ذلك العالم. لا أظن إلا أن قاصرات الطرف والحور العين والبيض المكنون كلها أوصاف الجمال والنعومة ولكن من الصعب أن نصل إليها بعد قرون من لخبطة المفسرين وتبعية أرباب اللغة لأخطائهم. رحمهم الله تعالى وإيانا وغفر لهم ولنا. لكنهم لم يخدموا اللغة العربية كما يجب كما لم يخدموا القرآن كما يتناسب مع شأن الكتاب العظيم.

بالطبع أن تفسير بعضهم للبيض المكنون ببيض النعام وباعتبار الصفار مستلهمين من شعر امرئ القيس التالية لهو تفسير بديع ومقبول، والشعر هو:

كبيض المقاناة البياض بصفرة       غذاها نمير الماء غير المحلل

فقاصرات الطرف قد تفسر معنى الحور العين. واسمحوا لي أن أنقل شعرا آخر من نفس امرئ القيس لعله يساعدنا على النظرة البشرية المحضة للمرأة قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية. قال امرئ القيس واصفا عشيقته التي تُخفي وجهها ثم تبديه للإثارة:

تصد وتبدي عن أسيل وتتقي     بناظرة من وحش وجرة مطفل

الأسيل يعني الخد والناظرة تعني العين ووحش وجرة تعني احتمالا غزلان منطقة وجرة والمطفل يعني الغزال الصغير والذين ظنوا بأنها البقرة فالبقرة الطفلة.

هذا الشعر جاء بعد البيت السابق الذي قاله الشاعر في وصف صدر عشيقته. فهي احتمالا كلها تعابير تدل على قيام المرأة بإثارة الرجال عن طريق الإخفاء ثم الاظهار ولا تدل على اقتصارهن على أزواجهن كما أحتمل والعلم عند الله تعالى.

نستخلص مما مضى وبعد أن رأينا بأن لا ذكر للنساء ولا للمرأة ولا للنكاح في الجنة بأن الحور العين هو اسم لجنس خاص من البشر الذين سيُخلقون خصيصا لأهل الجنة. ونعلم بأن هناك غلمان مخلدون وهم مختلفون عن الحور العين. فالغلمان للخدمة وليس لشيء آخر والذين ظنوا بأنهم فتيان لنساء الجنة فهم ليسوا مصيبين. قال تعالى في سورة الطور: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (24). فلم يقل سبحانه غلمان لهن حتى لو فرضنا بأن النساء يُحشرن نساء وهو غير صحيح كما وضحت.

وأنا شخصيا أفضل أن أقول بأنني أجهل بالضبط معنى الحور العين. فلو كان سلفنا يناقشون الموضوع بدون التفات إلى الأحاديث لكان هناك احتمال أن يتعرفوا على معنى الحور العين حسب فهم الذين أنزل عليهم كتاب السماء.

كل ما أعرفه بأن حار يحور يعني دار يدور أو عاد يعود والدوران أقرب إلى معنى الحور العين. وأعرف بأن اللؤلؤة كرة شبيهة ببيض النعام من حيث اللون وهي داخل صدفة. وأعرف بأن اللؤلؤة مكنونة وليست مكنونا  وبأن بيض النعام مكنون أيضا. وأعرف بأن “حور مقصورات في الخيام” لا تعني حور محبوسات  في الخيام كما ظن السلف. لم يتمكن السلف من الخروج من المفاهيم الدنيوية وأرادت تطبيق الآخرة على الدنيا مع الأسف.

وحينما أجمع تعابير الحور العين، مقصورات في الخيام، قاصرات الطرف، خيرات حسان، أصل إلى أن الحور اسم لذلك النوع من البشر الخاص. هن لم يخلقن بعد ولا يمكن وصفهن بدقة ولذلك نرى الكتاب الكريم يشير إليهن بتعابير ملفتة للنظر وموحية بأنهن نوع خاص من البشر وبأن ليس لهن ارتباط بأوصافنا الدنيوية. والتعابير الدالة على الخفاء باعتبار أنهن خافيات على أذهاننا الدنيوية تماما. فحينما نراهن إن غفر الله لنا ذنوبنا فكأننا أخرجنا لؤلؤة من الصدفة بعد أن صبرنا زمنا طويلا في شوق رؤية الخلق البديع للبديع العظيم عز اسمه.

وأنا أجهل فعلا المقصود من العين و من قاصرات الطرف إلا أنها أوصاف جمالية قد نصل إليها مستقبلا إن شاء الرحمن.

أعتذر كثيرا من الإطالة ولكن الحور العين يستحققن الاهتمام وصرف الوقت من أجل فهمهن. والأهم من كل شيء هو أننا بصدد بيان مسائل غيبية ذكرها ربنا المتعالي فنحتاج إلى الصبر والتعاون مع بعض لعلنا نفهم أكثر مما ذكرت. ولذلك فإنني متشوق لأسمع من الإخوة والأخوات ما يزيدني علما بالحور العين، ولكنني أرفض الأوهام وأرفض التبعية للأحاديث.

وفي الختام فلعل بعض الإخوة والأخوات الذين استعدوا لصرف الوقت على هذه المقالة الطويلة شعروا في النهاية بأن أخاهم المُهري يُخفي شيئا لم يُظهره عن الحور العين. لو حصل لكم ذلك فهو صحيح فإلى بيان الحور العين في المستقبل بإذن الله تعالى. والحمد لله رب العالمين.

أحمد المُهري

3/3/2014

#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/pg/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.