نتنياهو الأكثر كذباً والأطول حكماً

نتنياهو الأكثر كذباً والأطول حكماً

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بدخول يوم الثلاثاء الموافق 22 نوفمبر/ تشرين ثاني من العام 2016 يكون بنيامين نتنياهو هو أطول رؤوساء حكومات الكيان الإسرائيلي حكماً بصورة متوالية ودون انقطاع منذ العام 1948، إذ يكون قد مضى عليه في هذا اليوم 2793 يوماً متتالية رئيساً للحكومة الإسرائيلية، متفوقاً على دافيد بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني ورئيس أولٍ حكومةٍ فيه بعد إعلانه في مايو/آيار من العام 1948، الذي تربع على كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية ما مجموعه 2792 يوماً متتالية، وبذا يكون نتنياهو قد تجاوزه وتفوق عليه، ومن المتوقع في حال استكماله لدورته الحالية في رئاسة الحكومة حتى نهايتها في العام 2019، أن يكون هو الأكثر حكماً في تاريخ الكيان بالمجموع العام لأيام الرئاسة.

لا يخفي بنيامين نتنياهو شغفه بالسلطة وحبه للرئاسة، واستعداده للتضحية في سبيلها ومن أجل الاحتفاظ بها والبقاء على رأسها، ولعله يفاخر الآخرين بطول مدة حكمه، ويبدي اطمئنانه إلى نفسه وقدراته، ولا ينكر اعتداده بنفسه واستعداده لمواصلة المسيرة التي بدأها، ولو كان الثمن قيداً يكبل به نفسه بالتحالف مع أحزابٍ صغيرة متطلبة وكثيرة الشروط، أما زوجته فهي لا تقل عنه حباً وشغفاً، بل إنها تتلهف للبقاء، وتخاف من الرحيل، ولعل الكثير من الإسرائيليين يعرفون أن نتنياهو وزوجته يعشقان المنصب، ويحرصان عليه، ويعلنان أملهما في البقاء فيه لسنواتٍ طويلة، وليسا على استعدادٍ أبداً للتخلي عنه في هذه المرحلة.

ولهذا فإنه يفرح لإعلان جنرالٍ قوي استقالته واعتزاله الحياة السياسية، وتخليه عن مناصبه العسكرية، أو إدانة منافسٍ قوي ومحاكمته وسجنه، ولو كان حليفاً له يوماً، ويخاف من الأنباء المتداولة عن قرب عودة جنرالات الجيش المعتكفين، ونيتهم التراجع عن الاعتزال والعودة إلى الحياة السياسية، إذ يعرف نتنياهو أن الجنرالات أقدر على إزاحته من منصبه من غيرهم، وعندهم من القدرات والمؤهلات ما يهددون به استقراره وبقاءه، فلدى بعضهم ما يكفي من الرصيد العسكري والخدمة في الميدان ما يقلقه على مصيره، ولكن من حسن حظ نتنياهو أن الأفراد لا يفوزون ولا يكلفون، بل تفوز الأحزاب ويكلف رؤساؤها، وهو مطمئنٌ إلى أن حزبه الليكود كان وسيبقى الأقوى، ولن يكون في المستقبل المنظور شخصية قادرة على منافسته في رئاسة الحزب، وقد كانت هناك محاولاتٌ سابقة فشلت وجعلت منه زعيماً مطلقاً للحزب.

لكن قطاعاً كبيراً من الإسرائيليين يرون أحياناً أن “بيبو” كما يحلو لهم تسميته يكذب، بل يحب الكذب، ويرى أنه أقصر طريقٍ إلى النجاة، وأسلم وسيلة للوصول إلى الغاية، وهم يرون أن هذه الصفة تعتبر نقيصةً فيه إن مارسها على شعبه أو ضد خصومه ومنافسيه، ولكنها ميزة إيجابية وصفة حميدة إن تسلح بها لحماية كيانه، وللدفاع عن شعبه، وللتخلص من الضغوط الدولية والانتقادات العالمية، للحيلولة دون تقديم تنازلاتٍ يهودية لصالح الفلسطينيين، ويرون أن الكذب في هذه الحالة فضيلة تميزه، ولعله أجاد استخدام هذه الفضيلة، فأكثر من الكذب، ووسع استخدامه، وعدد غاياته وأهدافه.

ولكن الإسرائيليين الذين يعيبون في نتنياهو ميله للكذب على الشعب، وتخليه عن المسؤولية، وتراجعه عن العهود، وعدم التامة بالوعود، وحرصه على عدم إغضاب الشركاء أو إزعاج الحلفاء، وخضوعه المذل لابتزازاتهم، واستسلامه لشروطهم، رغم أنه يعلم أنه بانحيازه إليهم يغضب قطاعاً آخر من الشعب ويهين كرامته ويعارض رغبته، وهم بالمقارنة مع الأحزاب الدينية والقومية يشكلون أغلبية ضمن إطار الأقلية.

فإن آخرين يرون أنه متقلبٌ في سياسته ومترددٌ في قراراته، ويداه ترتعشان دائماً وإن بدا إذا تحدث أنه حازمٌ وصارمٌ، وأنه يتحل المسؤولية عن كثيرٍ من الخسائر أو الإخفاقات التي تعرض لها الجيش والحكومة، ولعل بعض المنافسين له يشيعون عنه أنه السبب في عجز الجيش عن الحسم أو الردع، نظراً لتأخره في القرار، أو تضييع الفرص بسبب إطالة الدراسة والاستشارة، وأنه كان يتعمد إخفاء بعض التقارير، وتبسيط بعض التحديات التي قد تواجه الجيش، الأمر الذي أدى إلى الاستهانة وعدم الجدية في تقدير الأخطار، ولكن هذه الانتقادات لا تعدو أن تكون أكثر من زوبعاتٍ في فنجان، لا تطول مدتها ولا تتفاعل آثارها.

أما نتنياهو الحريص على السلطة والحالم بالبقاء، والمطمئن إلى قوته والواثق باستقرار حكمه واستمرار سياسته،  فإنه لا يحب الانتقاد، ويكره التعليقات التي تمسه بسوء، أو تتناوله بتهكم، ويبدي ميلاً لمحاسبة الذين يتطاولون عليه لولا أن القانون يمنعه، وتقاليد الكيان لا تسمح له، ولهذا فهو يحاول دون جدوى أن يقصي زوجته المثيرة للجدل عن حياته السياسية، ويسعى لأن تكون بعيده عن مكتبه في رئاسة الحكومة، لكن الواقع يحول دون رغباته، إذ ترافقه في السفر وتظهر صورها معه في مناسباته، وترصد وسائل الإعلام ملاحظاتها، وتحفظ تدخلاتها، بينما تتابع الشرطة مشترياتها وفواتيرها، وينتزعون منها الهدايا الرسمية والعطايا الدولية، وإن أبدت حرصاً على الاقتناء، أو رفضاً للتسليم والإعادة، فإن الشرطة لا تتأخر في التحقيق في أي مخالفةٍ تصل إليها عن طريق شكوى أو اتهامٍ.

لهذا يكاد يجمع الإسرائيليون اليوم على شخص بنيامين نتنياهو في هذا المنصب، رغم وجود معارضين له في الحكم والسياسة، ولكن هذا الاختلاف معه والمعارضة له، لا تنفي أنه أصبح زعيماً إسرائيلياً، وكما يحلو للبعض تسميته، طالوت إسرائيل الجديد، وهذا الاختلاف لا يخلق منافساً له أو بديلاً عنه، هذا بالإضافة إلى أنه أصبح زعيم الحزب الأقوى والأكثر تمثيلاً في الكنيست الإسرائيلي، بعد تراجع كاديما وتآكل حزب العمل، وخسارة إسرائيل بيتنا وغيرها من الأحزاب التي كانت تشكل ثقلاً سياسياً في الكنيست، الأمر الذي يجعل من نتنياهو الزعيم السياسي الأكثر بروزاً والأشد تأثيراً، لكن أفاعي الجيش باتت تتحرك، وعقاربه قد تخرج من أوكارها، فهل ينجو نتنياهو من لذغها أو نفثها، وهل يسلم من سمها وألمها.

 

بيروت في 24/11/2016

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.