الكفار أحباب الله

الكفار أحباب الله

تعليقًا على رسالة “هل حرّم الله التمييز العنصري وأباح التمييز الديني؟”, أرسل إلينا فضيلة الشيخ أحمد المُهري هذه الرسالة التي يبيّن لنا فيها أن الله يحب كل خلق الله وأن الدليل على حبه لهم هو صنعه لهم.  يقول مفكرنا الإسلامي الكبير:

“ليعلم الجميع بداية بأنني أتعلم من الأستاذ الدكتور كمال شاهين أكثر مما يتعلم هو مني.  أي أني لست بصدد تغيير أفكاره بل في صدد بيان أفكاره العلمية.  أظن بأنني كنت كعادتي غير بليغ حينما كتبت تعليقي السابق وهو أنني لم أذكر الفرق بين رب العالمين وبين رسول رب العالمين كما لم أذكر الفرق بين حب الناس جميعا والولاء للناس.  ولذلك سوف لا أعلق على تعليقات سيادته قبل أن أكمل النقص في مقالتي.

 

الله تعالى هو رب العالمين جميعا وحزب الله يعني الذين يسعون لتحقيق أهداف رب العالمين. الحزب هو المجموعة التي تسعى لتحقيق هدف واحد ولكننا لو نسبنا الحزب إلى شخص فنعني به تحقيق أهداف ذلك الشخص.  فحزب الله تعالى لا يعني حزب التحرير ولا حزب الشيوعية ولا حزب الإخوان بل يعني الحزب الذي يحقق أهداف الله تعالى في خلقه.  إن الله تعالى هو رب كل الخلق ولولا حبه لهذا الخلق لما خلقهم بيده.  لقد قال سبحانه بأن حزبه هم الغالبون وقال سبحانه بأن رسله هم الغالبون. قال تعالى في سورة المائدة:وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56). وقال سبحانه في سورة المجادلة: كَتَبَ اللَّهُ لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21). فالغالبون هم حزب الله والرسل هم الغالبون فالرسل يجب أن يكونوا من حزب الله. وقبل أن ننتقل إلى موضوع الولاية المذكورة مع تين الآيتين اسمحوا لي بأن أذكر مقدمة أخرى من القرآن الكريم.

قال تعالى في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120). وأتى سبحانه بعد تلك الآيات بنموذج حي للصحابة الكرام من الذين يعيشون بين الصحابة أنفسهم من المنافقين وهو بعد تلك الآيات: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122). فهما طائفتان من المؤمنين فشلتا في اتباع رسول الله في غزوة أحد ونسيتا بأن الله تعالى ولي الذين يجاهدون مع رسوله؛ ففرق الله تعالى بين أفراد تلك الطائفتين وبين المؤمنين الذين يتوكلون على الله. لم يتخل الله عنهم فهو سبحانه وليهم ولكنهم هم الذين تخلوا عن واجبهم. ولذلك اعتبرهم الله تعالى من الذين كفروا في نهاية القصة هكذا:لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).

 

عرفنا من قصة أحد بأن المؤمنين كانوا يحبون كل الناس ولكن المنافقين والمشركين لا يحبون المؤمنين. ولذلك أمر الله تعالى المؤمنين بأن لا يتخذوا ممن هب ودب بطانة لأنفسهم يسرون إليهم كل أمر بل يختاروا الذين يشعرون بصلاحهم من الناس فيوالونهم و يثقون بهم ويسرون إليهم.  قال تعالى في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2). لم يقل سبحانه بأنه هو أو رسوله أو المؤمنون أعداء لأولئك ولكنه قال بأنهم هم عدو الله وعدو المؤمنين.

ولذلك قلت وأقول بأن الرسول كان يحب المشركين ولولا ذلك لما آمن به أحد منهم. والواقع أن أكثر الذين آمنوا به كانوا من المشركين لأنه عليه السلام كان من حزب الله تعالى فأحب المشركين وأخلص إليهم فأحبه الطيبون منهم وآمنوا به. لكن الشرسين منهم لم يؤمنوا به. ولأعطيكم نموذجا من هذا التعامل الذي يأمر الله تعالى عباده به من نفس مركز التطوير. إن الدكتور كمال شاهين من بيننا هو نموذج طيب لحب الإنسان. فهو يحسن إلى من يسيئ إليه كما نرى كل يوم. لكن الدكتور كمال يتحمل الجفاء من الناس لحد معين فلو استمر هو بالمحبة ولم يواجه غير السخط فإن الدكتور كمال سوف يضطر لقطع العلاقة مع من يلح في مبادلة حبه بالكره. هذا هو ما يأمر الله تعالى المؤمنين بأن يعاملوا به الجاحدين.

 

مثال آخر لنا جميعا. نحن جميعا نحب الناس جميعا ونسعى بكل إخلاص أن نهديهم طريق الحب والصلاح. ولكن ليس أحد منا يحب القتلة الفاسدين الذين يكرهون البشر ويقتلونهم مثل الدواعش وأمثالهم. أليس الدواعش بشرا ولكننا نكرههم ولن نحبهم لأنهم غالوا في الكراهية حد قتل البشر؟ هذا هو عين ما يأمرنا الله تعالى به ألا نوالي من يبالغ في معاداتنا.  نفس هذه الدواعش أحببناهم ونصحناهم ولكننا تخلينا عنهم حينما حملوا السلاح ضدنا.  فنحن أخي كمال نحب ولكن ليس لحد أن نحب القتلة لأن ذلك الحب ظلم على المؤمنين وظلم على المظلومين والأطفال الأبرياء. هذا ما قلته في المقال السابق بناء على فهمي لآيات الكتاب الكريم. فهل لا زالت الأسئلة سارية المفعول لأرد عليها واحدة واحدة أم أننا اتفقنا وانتهت المشكلة؟

 

نحن لسنا رب العالمين ولكننا حينما نؤمن به سبحانه إيمانا كاملا فإننا نسعى بأن نكون من حزبه وبما أنه سبحانه رب الكل ويساعد الكل فنحن أيضا سوف نساعد الكل ونحب الكل كما كان رسولنا وبقية رسل السلام والمحبة عليهم السلام.  لكننا لا نكشف كل أسرارنا للجميع فلسنا في أمان من مكر الكافرين لأنهم هم الذين لا يحبوننا ولسنا نحن الذين لا نحبهم.  نحن لسنا رب العالمين ولكننا بأمر ربنا نساعد أعداءنا في حدود.  ورسول الله واحد منا فهو أيضا يساعد الناس في حدود نصرته لله تعالى لتحقيق أهداف ربه.  فعل الرسول وبقية الرسل مثل ذلك حتى يتسنى لمن عاش معهم أن يفكر براحة بال ويختار طريقه بحريته. لكنهم بشر لا يحملون علم الله تعالى ولا يملكون قوة الله تعالى.  فهم تعاملوا مع البشر بحذر حتى لا يتمكن الفاسدون من مخالفيهم من القضاء عليهم لكنهم دعوهم إلى الله بكل حب وود وبكل إخلاص وساعدوهم بكل عناية.  قدموا كل مساعدة للناس مؤمنهم وكافرهم وأمر الله تعالى رسولنا بأن يعطي الزكاة للذين كفروا به تأليفا لقلوبهم لتساعدهم الزكاة على التقليل من عدائهم للمؤمنين.

 

فالولاء يعني التقارب الكامل مع الشخص حد كشف الأسرار والتضحية المتبادلة.  إن الأزواج وأتباع الهدف الواحد والأصدقاء المخلصين والآباء مع أبنائهم وبناتهم هم الذين يوالون بعضهم البعض وليس الولاء المتبادل صادقا بين المؤمنين والكافرين.  وفي النهاية فإن بيان الولاء أصبح أقل من مقدمة الولاء.  أتمنى للجميع ولي الهدى من الله تعالى”.  انتهى كلام فضيلته

 

خالص الشكر, والتقدير, والإعزاز, لمفكرنا الإسلامي الكبير, فضيلة الشيخ أحمد المُهري, على كريم رسالته.  ولي تعليق.

تثير رسالة شيخنا الفاضل سؤالاً تحكم الإجابة عليه فهمنا لكل آية في كتاب الله.  هذا السؤال هو التالي: هل يحب الله الكفار؟

لا يحتاج الأمر هنا إلى “البرهنة” على أن أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة قد ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى يكره الكفار. 

·        يظهر ذلك في عقيدة البراء والولاء لدى أهل السنة والجماعة.

·        كما يظهر في عقيدة الحب في الله والكره في الله. 

·        كما يظهر في عقيدة “الجهاد” حيث يذهب أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة إلى أن الله فرض على حاكم الدولة المسلمة أن يخرج مرة في العام على الأقل ليدعو الكفار إلى الدخول في دين الله فإذا ما استجابوا لنا صاروا إخوانا لنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا, أما إذا رفضوا طلبنا طالبناهم بمبلغ بسيط من المال مقابل مساعدتهم على البقاء على كفرهم, فإذا ما قبلوا مساعدتنا دخلوا في ذمتنا وعاملناهم بمقتضى “عهد الذمة”.  أي فرضنا عليهم زيًا معينا, وأجبارناهم على ربط أجراس في أعناقهم حتى نعرف أنهم ذميون فنعاملهم بما يستحقون, كما أصبح من حقنا قتلهم بدون أن يقتصوا منا, إذ لا يقتل مؤمن بكافر, وقذفهم في أعراضهم وجلدهم إذا قذفونا في أعراضنا.  والقائمة طويلة ويمكن العثور عليها بالتفصيل من كتاب “أحكام أهل الذمة” لابن قيم الجوزية. 

·        كما يظهر في حال ما إذا رفضوا الدفع إذ يصبح من حقنا قتلهم, أو حرقهم, أو تنكيسهم في الآبار, أو رميهم من أعالي الجبال, وتدمير منازلهم, واستباحة نسائهم, واستعباد أطفالهم, واختصارًا للموضوع, ما يحلو لنا.

·        يظهر ذلك, كذلك, في إباحة قتل أسراهم وأكل لحومهم إذا لم يكن هناك غيرهم ما نأكله.

والمسألة, بهذا الشكل, هي أننا “نؤمن” بأن الكفار أعداء الله وأعداؤنا وأن علينا قتالهم, وإرغامهم على الإيمان بالله, وبأن محمدًا رسول الله, وبأن القرآن كلام الله وإلا قتلناهم.  هذا هو السبب في أننا عند قراءتنا لآيات القتال في كتاب الله “نتخيل” أن أمر الله بقتال الكفار لا يتعلق بحادثة “معينة” قام فيها الكفار بالاعتداء علينا وإنما هو أمر لنا بقتال الكفار لأنهم كفار.   دعني أعطي مثالًا يوضح الأمر.

 

يقول عز من قائل *قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ*  التوبة:  29

والسؤال هنا كالتالي:

هل يوجه الله خطابه هنا إلى الرسول الكريم بخصوص حادثة معينة أم أن الخطاب موجه إلى الجنس البشري إلى أن يقبض الله الأرض ومن عليها؟

 

يمكن, طبعًا, أن نفهم الآية الكريمة على أنها موجهة إلينا تطالبنا بقتال من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر, ولا يحرم ما حرم رسول الله, ولا يدين دين الحق, من أولئك الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.  يمكن, أيضًا طبعًا, أن نفهمها على أنها موجهة إلى الرسول الكريم وصحابته الأجلاء بخصوص مجموعة “بعينها” من الذين أوتوا الكتاب لا يحرمون ما حرم الله ورسوله.  أي يقطعون الطرق, وينهبون أموال الناس, ويهجمون على الآمنين.  المشكلة هنا أننا إذا فهمنا أننا “نحن” مخاطبون بهذه

 

الآية فسوف نقع في عديد من المشاكل.  من ذلك:

·        من هم أهل الكتاب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله, ولا باليوم الآخر, ولا يحرمون ما حرم الله, ولا يدينون دين الحق؟

·        ثم من أين لنا أن نعرف أنهم لا يؤمنون بالله؟  كل الذي نعرفه أنهم من “أولئك الذين أوتوا الكتاب”.  أي أنهم إما أن يكونوا نصارى أو يهودًا, أما موضوع أنهم نصارى – أو يهود – لا يؤمنون بالله فهذا شيء لا يعلمه إلا الله. 

 

وكأن الآية الكريمة تحتاج إلى معلومات لا تتوفر لدينا وإنما تتوفر لرسول الله وصحابته الكرام.   أي أن الآية ليست موجهة إلينا وإنما موجهة للرسول الكريم وصحابته الأجلاء حيث هم فقط الذين تتوفر لديهم معلومات تتيح لهم التعرف على “أولئك اليهود الذين لا يؤمنون بالله, ولا يحرمون ما حرم الله”.   

 

دعني أبالغ – والهدف من المبالغة هنا هو توضيح الصورة.   دعنا نتخيل أن أمير المؤمنين, خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم, البغدادي, أصدر أمرًا إلى الوزير الأول بقتال من لا يؤمنون بالله, ولا باليوم الآخر, وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ, وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.  يعلم كل من يعلم شيئًا عن دولة الخلافة الإسلامية أن الوزير الأول لن يتردد ثانية في تنفيذ أوامر الخليفة.  المشكلة, على الرغم من ذلك, هي أنه لن يستطيع تنفيذ هذه الأوامر. أين, بالله عليك, يمكنك أن تجد يهودًا لا يؤمنون بالله, ولا باليوم الآخر, وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ, وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ كي يمكنك قتالهم حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.   والمسألة مستحيلة, والخطاب ليس موجها لنا وإنما موجه إلى رسول الله وصحابته الكرام.  هم, وهم وحدهم, القادرون على فهم من يقصدهم الله.  أما بالنسبة لنا فليس مطلوبًا منا قتال أحد.

 

يمكن, طبعًا, أن يذهب القاريء إلى خطأ ما أقول وإلى أن المطلوب منا هو قتال أهل الكتاب حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.  أي أن المسألة لا تتعلق بمجموعة من المجرمين يلزم التصدي لهم وقتالهم لدفع إجرامهم, وإنما تتعلق باليهود.  أي أننا يجب علينا قتال اليهود – ومعهم النصارى – حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.  والمسألة هنا سوف تأخذ منحنىً آخر أكثر تعقيدًا.  إذ سيصبح السؤال هو التالي:

كيف يطلب الله ممن آمن بالله أن يقاتل من لا يؤمن بالله إذا كان الله قد أعطى الإنسان الحق في أن يؤمن أو لا يؤمن؟  ثم ما معنى أن يقاتل المؤمنون اليهود والمسيحيين من أجل مبالغ مالية؟  يمكن أن يكون الموضوع مفهومًا لو كان المطلوب هو تحويل اليهود, والمسيحيين, وكل خلق الله إلى الإسلام, إلا أن المطلوب ليس هو التحول إلى الإسلام وإنما مبالغ مالية بصفة شهرية أو سنوية.   وموضوع أن يقاتل المسلمون أهل الكتاب وباقي البشرية فيقتل هؤلاء أولئك ويقتل أولئك هؤلاء من أجل مبالغ مالية أو سنوية موضوع لا يمكن أن يرضي الله.  ثم إن موضوع التحول إلى دين الله هكذا غصبًا هو شيء يستحيل أن يرضي الله.  يعني هذا الكلام أنك سواء نظرت إلى الأمر على أنه أمر بإرغام خلق الله على الإيمان بدين الله أو على أنه أمر بإرغام خلق الله على “الدفع”, فإنه أمر لا يرضي الله.  وعلى القاريء أن يراجع نفسه. فلا هذي تصلح ولا هذي تصلح.   الشيء الوحيد الذي يصلح هو استحالة القول بأن الله أمر المسلمين بقتال غير المسلمين حتى يؤمنوا أو حتى يدفعوا مبلغا بسيطا من المال.  ومرة أخرى, لا هذا يصلح ولا هذا يصلح.

 

راجعت جميع آيات القتال في القرآن الكريم, ولم أرَ فيها آية واحدة تطالب من آمن بالله بقتال من لا يؤمن بالله.  الأمر دائمًا هو أمر بقتال من قاتلنا, أو طردنا من ديارنا, أو اعتدى علينا.  لم أرً آية واحدة يطالبنا فيها الله بقتال الكفار لأنهم كفار وإنما يطالبنا الله بقتال من اعتدى, وأجرم, وقطع الطريق, ونهب, وسلب, مؤمنا كان أم كافرًا.  ثم اسأل نفسك: هل يمكن أن يطالب الله خلق الله أن يقاتل بعضهم البعض من أجل مبالغ شهرية أو سنوية؟  يستحيل.  هذا أمر مستحيل. 

 

يحتاج الأمر, في ختام هذه الرسالة, إلى بيان أني لم أرً آية واحدة يطالبنا فيها الله بقتال الكفار لأنهم لا يؤمنون بالله, كما لم أرً تفسيرًا واحدًا من تفاسير أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة إلا ورأى في كل آية دعوة إلى القتال والقتل.

 

مرة أخرى, خالص الشكر, والتقدير لفضيلة الشيخ أحمد المُهري على كريم رسالته.  أدعو الله أن يوافينا فضيلته بتفسيره لآيات القتال في كتاب الله.  لا أعرف من هو أقدر من فضيلته على تفسير هذه الآيات.  حان وقت فهم كتاب الله حسب مقصد الله وليس حسب مقصد أهل العلم والنظر من أهل السنة والجماعة.

وإن الحمد لله, والشكر لله, على ما آتانا وما لم يؤتنا, وما أعطانا وما لم يعطِنا.

21 مارس 2016

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.