دواعش المسيحيين ودواعش المسلمين !!

دواعش المسيحيين ودواعش المسلمين

 

55.jpg

في الخامس من نوفمبر عام 1605 أي قبل 411 عاما ألقي القبض على الجاي فوكس قبل أن ينفذ جريمته. إنه أحد أعضاء دواعش بريطانيا الذين ظهروا قبل عدة قرون من ظهور الدواعش الجدد وقطع البريطانيون دابرهم وأقر البرلمان البريطاني قانونا يلزم الاحتفال بهذه المناسبة في كل سنة. لقد نوى الدواعش البريطانيون السوء لأهل تلك الديار بسبب الخلاف المذهبي بينهم وبين البروتستانت. الكاثوليك هم من المسيحيين السنة الذين صاروا وهابيين والبروتستانت هم المسيحيون الشيعة أو هم كذلك من جهة التمثال فقط. الكاثوليك يعيشون اليوم في بريطانيا بكامل حقوقهم تحت حكم البروتستانت الذين يمثلون غالبية حكام بريطانيا. كل بريطاني يدافع عن البريطاني الآخر كما يدافع عن الإنسان أيا كان ومن أي بلد جاء وأي دين اعتنق. فاليوم أحل للبريطانيين حياة السلام والأمان؛ مطاعم المسلمين حلال على غير المسلمين ومطاعم غير المسلمين يراعون المسلمين فيقدمون لهم ما هو مباح لديهم ليضمنوا السلام والأمان لبني أوطانهم ولكل من يعيش بينهم مقيما أو زائرا.

لقد تحقق اليوم في بريطانيا طعام المسلمين حلال لغير المسلمين وطعام غير المسلمين حلال على المسلمين بفضل الله تعالى وبفضل التعاون الذي قدره ربهم بينهم. والآن دعنا ننظر كيف تمكن البريطانيون من وأد الفكرة الداعشية في المهد قبل أن ينتشر ويعم شره كل مكان. لعلنا نعرف بأن البابوية الكاثوليكية التي نسمع بها اليوم في إيطاليا والتي تترأس كل كاثوليك العام فهي أصلا بابوية أنطاكية. كما أن مرقس وهو أحد كتاب الأناجيل وهو مؤسس كنيسة الإسكندرية كان تلميذا للقديس بطرس كما يظن البعض. ولذلك فإن كل البابوات يُعتبرون خلفاء للقديس بطرس الذي يحتملون بأنه كان أحد التلاميذ الاثني عشر للمسيح عليه السلام. هو من فلسطين ثم انتقل إلى أنطاكية ثم إلى روما. فالخلافة الإسلامية ليست بقدم الخلافة البابوية أو الخلافة الرسولية لدى المسيحيين.

الذين اتبعوا موسى واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو التوراة هم الذين هادوا والذين اتبعوا عيسى واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو الإنجيل هم الذين قالوا نحن أنصار الله والذين اتبعوا محمدا واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن هم الذين حققوا دعاء إبراهيم وإسماعيل فكانوا أمة مسلمة لله تعالى. مات الأنبياء جميعا عليهم جميعا سلام الله تعالى ولهم جميعا حبنا وودنا كما مات صحابتهم بعدهم بقليل. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. قال تعالى في سورة مريم:

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60). قال الله تعالى ذلك للمسلمين لئلا يسيروا على درب الذين خلفوا بل يسيروا على درب الرسل الكرام لكن المسلمين أيضا ساروا في درب اليهود والنصارى مع الأسف. ولقد قال ربنا لبني إسرائيل كما نقرأ من سورة الأعراف:

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170).

فهل تمسك اليهود بالتوراة وهل تمسك النصارى بالإنجيل وهل تمسك المسلمون بالقرآن؟ كلا. ما الذي فعلوه وما الذي فعلناه؟ أما ما فعله السابقون فقد ذكر الله تعالى أحوالهم في القرآن في سورة المؤمنون: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53). لقد تقطعوا أمرهم بينهم في زبر وكتب حزبية فرقتهم فرقا وصار كل حزب فرِحا بما لديه ونسي بأن موسى وعيسى لم يؤمنوا بغير التوراة والإنجيل المنزلين من السماء.

وأما نحن المسلمون فسرنا في درب اليهود والنصارى وتقطعنا أمرنا بيننا في البخاري والكافي وبقية الكتب والزبر التي ملأت مكتباتنا وقامت بتفريقنا أحزابا سنية وشيعية ويتفرع من كل منهما أحزاب فرعية أخرى. ونحن بدورنا نسينا بأن رسولنا وصحابته وكذلك التابعين ماتوا ولم يتبعوا غير القرآن والتوراة ولم يكتبوا ولم يَأْلفوا كتبا. خالفنا ربنا الذي قال لنا في القرآن مخاطبا إمامنا الأكبر في سورة الروم: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32).

وقبل أن نسعى لاكتشاف سر المشكلة دعنا ننظر إلى كيفية ظهور هذه الأفكار الحزبية بيننا نحن المسلمين. لنقرأ ذلك من نفس سورة الروم وبعد الآيات أعلاه لنرى الذي حذرنا ربنا منه ثم نلاحظ ما فعلناه. فقال تعالى بعد الآيات أعلاه: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34). هذه هي حقيقة المشكلة التي نسعى أن نعتبر بآثار الخلافة المسيحية الفاسدة ونحن نعيش اليوم الخلافة الإسلامية الفاسدة. المشكلة الكبرى بأن الناس يتقيدون بالبشر ويظنون بأن الله تعالى يسير وفق رغبات الناس. هذا هو الشرك الذي ابتلي به أتباع الأديان السماوية الثلاث كما ابتلي به كل الذين يؤمنون بالله تعالى من أتباع الأديان البشرية مع بالغ الأسف. المشكلة هي أن هذا كبير عند الله تعالى وهين عند البشر. كبير عند الله تعالى لأن خلقه سيضيعون من وراء هذه الأفكار الشيطانية وهين عند البشر لأن التعلق بالإنسان الموجود سواء كان حيا أو ميتا بمجرد الظن بأنه حي أو بأن له دورا في الحياة الأبدية، هذا التعلق أسهل من التعلق بالله تعالى الذي لا يمكن أن يراه أحد ولا يمكن أن يجلس معه أحد أو يأكل معه الطعام ويمزح معه. كل ذلك ممكن مع البشر ومحال مع الله تعالى.

يريد الله تعالى أن ينجينا من الهلكة فيرسل الرسل ليعلمونا ويرسل الكتب لنستضيء بها ونحن نتبع الشيطان دون أن ندري. ولن نهتدي إلا إذا رمينا بكل الكتب البشرية في البحر واتخذنا كتاب الله تعالى وحده وسعينا لنفهمه بوحي عقولنا. إن عقولنا لو تخلت عن غير الله تعالى فستسير بوحي الرحمن وتستلهم من ربنا الهدى. إذن هناك مشكلة كبيرة في العقل الديني ويجب علاج هذه المشكلة بموازاة سعينا لعلاج أفكارنا الدينية والاجتماعية. يجب ترك عبادة الرسل واعتبارهم إخوانا لا سادة علينا حتى نسير في درب القرآن وفي درب الإنجيل والتوراة.

القرآن يحرم طاعة غير الله تعالى ويحرم طاعة الآباء ويحرم طاعة الحكام وأولياء الأمور السياسية والعسكرية كلها إلا إذا دعونا إلى طاعة الله تعالى ورسوله. والرسول البشري ميت فالقرآن هو رسول الله اليوم وهو ما قاله أخونا محمد عليه السلام. لو دعاني أبي إلى طاعة الله تعالى فأنا أطيعه لأنه لم يأمرني بأمر شخصي حينئذ ولكن لو دعاني إلى طاعة غير الله تعالى فأنا أراجع نفسي وأنظر إلى مصلحتي وأعتبر قوله لي مقولة ناصح طيب يريد الخير ولكنني لا ولن أضمن صحة ما يدعوني إليه. فلو أخطأ أبي وسرت في طريقه فأنا لن أهتدي ولن أستحق السلام والأمان من الله تعالى. يجب أن نبعد عقولنا عن مقولات البشر كائنا من كانوا. لو كان الرسل الكرام موجودين بين يدينا لاتبعناهم دون خوف ولكنهم ميتون ولا سبيل للتواصل معهم.

والغريب هو أن الناس لا يقلدون البشر في الطب والهندسة والكيمياء بل يسعون ليحققوا بأنفسهم لكنهم وبمجرد الحديث عن الله تعالى وعن الغيب وعن الدين فإنهم يتمسكون بالبشر. إنهم في قرارة نفوسهم يعرفون بأن العقل يجب أن يتحرر حتى يبدع ويفهم الحقائق ولكنهم في الدين يلجمون عقولهم ويجعلونها تحت هيمنة السلف ورجل الدين والمعمم والفقيه وغير ذلك من تسمياتهم.

لقد خدع الشيطان أتباع موسى فصاروا فرقا وخدع أتباع عيسى فصاروا فرقا وخدع أتباع محمد فصاروا فرقا وسهل على الشياطين أن يشعلوا بيننا الحروب والفتن وتركْنا اللهَ تعالى فتركَنا اللهُ تعالى مع الأسف وخفف هدايته لنا. أراد الجاي فوكس (Guy Fawkes) الكاثوليكي المتعصب أن يدمر كل النظام في بريطانيا. لقد قام 13 من الكاثوليك بالمؤامرة فنقلوا عن طريق الجاي فوكس 35 برميلا من البارود وخزنوه في قبو مجلس اللوردات البريطاني و غطوها بالحطب وغيَّر الجاي فوكس اسمه وقام بحراسة المكان وتحمل مسؤولية إشعال الفتيل ليهرب فورا وينتقل إلى السفينة التي تنتظره في نهر التايمز ثم ينفجر مبنى مجلس اللوردات. يوم 5 نوفمبر 1605 كان هو اليوم الذي يريد الملك جيمس الأول أن يأتي ليفتح الدورة البرلمانية فيحضر معه كل أعضاء مجلسي الشيوخ (اللوردات) والعموم وكل كبار رجال الدولة وكبار العسكر وكبار رجال الدين والقضاء فيحترقوا جميعا في الانفجار.

كان الجاي فوكس ورفاقه ناوين إحياء الخلافة البطرسية في بريطانيا والقضاء على البروتستانت بالكامل. لم يفكر أولئك المجرمون الحمقاء بأنهم يضربون الدولة بكاملها ولن يتمكنوا من إعادة بناء الدولة البريطانية بعد ذلك. كانوا يريدون اختطاف ابنة الملك جيمس من زوجة جيمس الدانمركية “أنا” وهي فتاة في التاسعة لتعتلي عرش بريطانيا. لا نعلم بالضبط ديانة الوالدة ولكن المتآمرين كانوا يريدونها كاثوليكية تحكم بريطانيا بعد أن يقتلوا أباها البروتستانتي.

اعتبر البريطانيون يوم اكتشاف الجريمة قبل تنفيذها يوم عيد وسموه عيد الشكر بأن الله تعالى نجى ملكهم وأعضاء دولتهم من الاغتيال. إنهم يحيون الذكرى بالألعاب النارية باعتبار أن المؤامرة كانت نارية. يوم الجاي فوكس هو غير يوم الهالوين المعروف والمتوارث من العهود الوثنية القديمة وهما متقاربان من حيث الذكرى السنوية. اليوم معروف باسم الجاي فوكس الذي أراد أن ينفذ المؤامرة التي اشترك فيها 13 شخصا من الكاثوليك ومن بينهم بعض أركان الدولة. لقد أصدر البرلمان فيما بعد قانونا بإحياء يوم الشكر وأظن بأن القانون باق حتى يومنا هذا.

الجاي فوكس ورفاقه هم دواعش بريطانيا الذين سبقوا دواعشنا بعدة قرون. كلهم سعوا ويسعون لقتل من ليس في دينهم باسم الدين وباسم الله تعالى وباسم إحياء الخلافة البطرسية أو العباسية. كما أن الإسرائيليين اليوم أيضا متفرقون مثلنا ومثل المسيحيين. فالحاكمون هم الذين يقتلون الناس باسم الدين وباسم الله ويريدون تحقيق حلم أجدادهم بحكم المنطقة ثم حكم الأرض وتطويع البشرية لهم. والمناوئون هم الذين يرون بأن الحاكمين ليسوا على حق ولأن بني إسرائيل عصوا ربهم فليس من  حقهم أن يحكموا أي مكان بل يجب أن يعيشوا دائما محكومين حتى يوم القيامة أو حتى ظهور مسيحهم الذي لا زالوا بانتظاره.

هناك شبه كبير بين الكاثوليك والسنة و بينهم وبين حكام إسرائيل. لقد ظهر الدواعش عدة مرات من رحم الكاثوليك ومنهم هتلر و موسوليني فيما بعد كما ظهر الصهاينة من رحم المتعصبين من اليهود المتدينين. نتحدث عن أصول موسوليني وليس عن أفكاره الإلحادية فيما بعد. ويقابل السنة الشيعة وهم لا يعتقدون بالقتل بل يؤذون أنفسهم أسفا على الذين قتلوا مظلومين فهم أشبه ما يكونوا بالبروتستانت غير المتعصبين وباليهود الذين يؤمنون بعدم التعرض للسلطة وانتظار من ينجيهم. كلهم قد يتحولوا إلى قتلة عند الضرورة ولكن الذين يريدون إحياء الخلافة أكبر خطرا من الذين يكتفون بإظهار المظلومية و ينتظرون المخلصين الغائبين.

ونرى البروتستانتية في بريطانيا قد همشت عدة مرات وعادت الكاثوليكية كما أن ملوك البروتستانت كانوا يتزوجون من بنات ملوك الكاثوليك فيخلفون أبناء كاثوليك يسعون لإخفاء البروتستانت في بريطانيا ولو بالتشبث بالقتل والتدمير. لكن الحكام البروتستانت كانوا كثيرا ما يتعاطفون مع الكاثوليك دون أن نسمع عن تعاطف مشابه من الكاثوليك للبروتستانت.

وقد تخلص الغربيون عامة من هذه المشاكل حينما قرروا فصل الدين عن الدولة وهو عمل صحيح ويجب أن نسعى له نحن المسلمون أيضا. لا يجوز أن يكون دين الدولة الإسلام فالدولة لا دين لها والأفراد مؤمنون بقلوبهم ويحيون طقوسهم بدون التدخل في السياسة. لكن كيف يمكننا ذلك؟ بكل بساطة يجب دعوة الناس إلى عبادة الرحمن و حده وترك عبادة البشر. سوف تختفي آنذاك أي شيء اسمه سنة أو شيعة لأنهم جميعا يتبعون البشر وتنتهي الخلافات التي يتشبث بها أصحاب المطامع والوصوليون. البديل الوحيد هو عبادة الله تعالى الحي القيوم الذي يرزقنا جميعا والذي نسعى لكسب رضوانه وجناته والتخلص من عذاب الخزي يوم القيامة بلطفه وكرمه. سوف يتحول رجال الدين وأصحاب الفتاوى ومراجع التقليد وأصحاب العمائم عامة إلى أناس عاديين ونتخلص من مشكلة التقديس التي دمرتنا بجوار التخلص من مشكلة التفرق والتشرذم.

سوف نعيش مع بعض حياة هنيئة جميلة كما سنعيش مع المسيحيين واليهود حياة طيبة بعيدة عن العداء ولا نحارب بقية الأديان البشرية بل نسعى لكسب ودهم جميعا بأنهم بشر مثلنا. هكذا عاش رسل الله في الأرض. لم يمنعنا ربنا من أن نعايش بقية الأديان و لكن منعنا من أن نتزوج معهم أو نأكل ما يأكلون بدون التقيد بأحكامه في كتابه المنزل علينا. أنا شخصيا أمارس هذا الشيء منذ شبابي وأحب كل الناس وأصادقهم ولي أصدقاء من كل الأديان المعروفة تقريبا. أحبهم جميعا ويحبوني كلهم ويبادلوني التهاني والهدايا ولا أشعر بأي كره في قلبي ضد أي منهم. أكره القتلة من أي دين كانوا وأدعو أن يزيلهم الله تعالى من الوجود ويخلص البشرية من شرهم. كل ذلك عرفته من كتاب الله تعالى وأسعى أن أُعرِّف إخواني على مفاهيم ذلك الكتاب العظيم.

وأما في الآخرة فأرجو أن نفرق بينها وبين الدنيا. لم يقل الله تعالى بأنه سوف يُدخل غير المسلمين النار بل قال سيحكم بينهم. قال تعالى في سورة الحج:وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19). ولعل القارئ الكريم يكون منتبها بأن الله تعالى ذكر خضوع الكائنات المختلفة والمتباينة له تعالى وتقدس ليقول لنا بأن الله تعالى لا يمكن أن يتقيد بمجموعة واحدة بل من حكمته أن يترك الناس مع تباين الأفكار والعقائد والآراء وكلهم يعبدون الله تعالى ويخضعون له بشكل من الأشكال.

الذين كفروا لا تعني الذين ولدوا غير مسلمين. إنها تعني الذين عرفوا الحق وسعوا لإنكاره وتغطيته. لعل غالبية أهل الأرض يسلمون لو عرفوا الحق ولكن الله تعالى لم يقدر لهم ذلك لأسباب يعرفها ربنا ولا نعرف منها إلا قليلا. والعبرة في الآية الثانية بأن الله تعالى يفصل بينهم. ذلك يعني بأننا من واجبنا أن نترك ذلك الأمر لله وحده ولا ننتظر أي شيء اليوم فيوم الفصل موعود وهو يوم القيامة. لا يوجد يوم خلاص للبشرية في الأرض لا المسيح يخلص الناس ولا المهدي المنتظر ولا هم يحزنون. كلها تخرصات باطلة لا نراها في كتاب الله تعالى ولا قيمة لأن نصف جمعا من البشر يفسرون كتاب السماء كما يروق لهم. القرآن عربي وإذا لم يصرح بشيء فهو تخرص فاقد للقيمة.

سنلاحظ أن الفصل يتم يوم القيامة وليس اليوم ولم يقل الله تعالى بأنه سوف يدخل الجميع النار بل قال بأنه يدخل الذين عاندو الحق النار. عاش نوح أخا للمشركين من قومه وعاش هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام إخوانا مع أقوامهم الذين كانوا مشركين يعبد أكثرهم الأصنام. الرسل كانوا يحبون الناس جميعا ولذلك آمن بهم ذووا النفوس الطيبة من البشر. لن تجد في القرآن أية إشارة إلى الحكومات الدينية ولم يذكر التاريخ مع فساده بأن أيا من الرسل الكرام أقام حكومة دينية. الحكومات الدينية فاسدة ولا ارتباط لها بالدين بل أوجدها أصحاب المطامع ليخدعوا بها الشعوب ويتحكموا في رقاب الناس باسم الدين وباسم الله تعالى.

مشكلة العقل البشري أن أصحاب هذه العقول ينسون بأن الله تعالى هو الذي خلق كل شيء وخلق كل الناس وهو الذي لا زال يخلق أبناء لكل أصحاب الديانات ولكل الملحدين. العقل البشري موجه توجيها شيطانيا بفعل البشر أنفسهم الذين اتبعوا الشهوات ويجب السعي لتوجيهه توجيها ربانيا ليسير في الدرب الصحيح وتنتهي كل مشاكلنا. كل الأحكام غير القرآنية تمثل فايروسات شيطانية باسم الدين وكل من يظن بأن الإنسان يفوز إذا أحب بشرا طيبا فهو في ضلال. لن يفيدنا حب الطيبين ولن يفيدنا تشريعات غير منزلة من السماء. نحن نحب كل الطيبين لو كنا طيبين مثلهم ونكره من لم يظلمنا ولم يسئ إلينا لو كنا فاسدين. يجب أن نكره الظالمين الذين يؤذون الناس فقط ولا نكره الذين لا يدينون بديننا. هكذا نسير في درب الأنبياء ونكون فعلا من حزب الله تعالى الذي يساعد كل الناس بغض النظر عن دينهم وثقافتهم.

البريطانيون يحتفلون بيوم التخلص من المتعصبين الذين دحرهم الله تعالى ولم يوفقهم للقيام بمؤامرتهم الدنيئة باسم الدين فهل سيقوم المسلمون والعرب بالاحتفال السنوي بيوم التخلص من الدواعش وهدم الدولة العباسية الفاسدة التي بنوها باسم الإسلام في العراق و سوريا؟ لقد قتلوا أمتنا وهدموا بيوتنا ودمروا مدننا، أفلا يجب علينا أن نعتبر يوم الخلاص منهم يوم نعمة من الله تعالى فنشكر ربنا ونقيم الاحتفال السنوي حتى لا يفكر أحد بأن يحيي الخلافة العباسية الفاسدة باسم الدين في المستقبل؟

أتمنى ذلك وأحيي الجميع وأدعو لي ولهم بالتوفيق

أحمد المُهري

2/11/2016

#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.