قواعد النهضة 5 : التشريع والحرية

قواعد النهضة 5: التشريع والحرية

أهلا بكم مرة أخرى …

ما زلت معكم يا صحبتي أسعى للغوص بحثاً عن قواعد النهضة ، وهأنا أعود معكم في القاعدة الخامسة التشريع …

نعم حيث وكل مجتمع وحضارة يسعى جاهداً لإقامة حياة لهؤلاء الناس الذين يعيشون في كنف ذلك المجتمع … إنه سعي لإقامة حياة الناس وتنظيم شئونهم وتحقيق مصالحهم وأمنهم وهو بذا يحقق شرع الله في الأرض وهو إقامة العدل وتنظيم حياة الناس .

وحيث أن التشريع : مجموعة القواعد العامة المجردة الملزمة الصادرة عن المشرع أو السلطة المختصة بالتشريع في بلد معين حيث تهدف لتبين ما يجب وما يحظر والحقوق والواجبات ..

ومن هذا فكل تشريع هو حصر للحرية ….

الحرية ….إنه مسعى الناس وديدنهم …

الحرية ..

أي حرية..  نتحدث عنها ؟!

أنت حر حيثما وضعت نفسك ..حر و لن نكون حاجزاً بينك وبين ما تريد ..هذا هو النهج

لكن تذكر …أرجوك تذكر

أنت لا تعيش وحيداً فلا تعتدي بحريتك على حرية غيرك ..

كيف أوضحها … سأنقل لك مقولة مميزة للفيلسوف والمفكر الفرنسي في القرن الثامن بسوت Bossuet :

” حيث يملك الكل فعل ما يشاءون لا يملك أحد فعل ما يشاء …

وحيث لا سيد فالكل سيد … وحيث الكل سيد فالكل عبيد “

أثارتني العبارة ولذا نقلتها لكم ..لأنها تعبر عما أريد قوله :

أيها السادة الحرية الكاملة هي القدرة على احترام حرية الآخرين ….

فمتى ظننا أننا أحرار بالمطلق نحن عبيد بالمطلق …

فمتى أجاز لنفسه فلان من الناس فعل ما يريد .. أصبحت الفوضى .. وعشنا في الغابة البشرية التي يحق للمرء قتل من يريد.. سرقة ما يريد ..وليس له الحق في الصراخ إن اغتصب حقه من الآخر فهو حر أيضاَ …

ولذا فالحرية المطلقة …عبودية مطلقة للهوى … والعبودية المطلقة مفسدة مطلقة لا حدود لها سوى الموت ….

ولذا نجد كم الأفلام والروايات التي تروي فظاعة ما سيكون عند تلك النقطة من الفهم للحرية …

نعم لكل منا حريته ولذا لنا الحق في الاختيار والتمييز واختيار الطريق الذي نريد على أن :

–         لا يحق لنا أن نعتدي بحريتنا على غيرنا فنحن لا نملك الحياة والدنيا منفردين.

–         لا يحق لنا أن نعتدي بحريتنا على أنفسنا فنحن جزء من مجموعة حريصة على وجودنا بينها

–         لا يحق لنا أن نعتدي على بيئتنا فنحن نعيش فيها وغيرنا كذلك يعيش فيها .

–         لنا الحق في الدفاع عن حريتنا دون أن يؤدي ذلك لسلب حرية الغير .

ومن هنا كانت من مقومات النهضة أن يكون هناك نظام يحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان للمجتمع كاملاً …ومن هنا سنت القوانين ….

وما القوانين إلا : تلك المجموعة من القواعد العامة المجردة الملزمة التي تنظم العلاقات بين البشر في المجتمع والتي تشكل التشريع .

ولذا جاء التشريع الآلهي لتنظيم تلك العلاقات و وضع الاطار الكلي الذي علينا التعامل معه وفيه ,,,  ومع التأكيد أن كل تشريع حقق تنظيم الحياة ومصالح العباد وأمانهم والعدل بينهم كما ذكرت هو يحقق شرع الله تعالى ,,

قال سبحانه : ((لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)) آل عمران

إن قاعتنا اليوم من التعقيد بمكان لسوء الفهم فيها وعدم استيعاب العديد لها ، رغم بساطتها وسهولتها ،

إنه في اللبس الحاصل بسبب تراكمات التجهيل في أمتنا ..

وسعياً للفهم والتأكيد أسعى معكم لتأكيد هذا الأمر … التشريع …

إن اطار التشريع الكلي في ديننا قائم على الأطر التالية  :

–         اعتقادي:  متعلق بأركان الإيمان وأركان الإسلام الخمسة .

–         قيمي : قائم على تكوين منظومة الأخلاق العليا للسلوك البشري . “قد مررنا به في منظومة القيم”

–         مادي وإداري:  متعلق بعمران الأرض وكل وسائل تحسين حياة البشر ومهاراتهم .” وسيأتي ذكره في قاعدة قادمة”

وقد حدد الله تعالى الأطار الأول و وضعه بصورة وضاحة أنه وحده الكفيل بالمحاسبة عليه ، ولم يجبر أحد عليه وهي حرية مكفولة كفلها الله تعالى وجعل الحرية الكاملة فيها :

قال سبحانه : ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3))الإنسان

قال تعالى:  ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ((: البقرة  256

وأما الثاني والثالث فهو متعلق بحياة الناس ومن أقامها بينهم بغض النظر عن أيمانه فقد أدى حق الله فيه .

وقد ركز الشرع الكريم في اطار تشريعه على حماية وكفالة العلاقة بين :

–         الإنسان ونفسه

–         الإنسان والآخر

–         الإنسان والمجتمع

–         الإنسان والبيئة وما يعيش فيها

وجعل ارتكاز ذلك على أن :

–         الحياة مقدسة والحفاظ عليها واجب والتطوير لها ملزم

–         حرية الإنسان بكل أبعادها مع انتهاء تلك الحرية عند بدء الحرية للآخر .

–         مصلحة الإنسان والمجتمع

–         كرامة الإنسان

–         السلوك والأخلاق

–         العدل والمساوة .

–         السلام والأمن

–         الحفاظ على البيئة ومقوماتها

ومن هذا فالحياة الدنيا خلقها الله للجميع فيها يتساوون  وعلى الجميع أن يعمل فيها وسنأتي لاحقاً في مقال آخر لذلك .. ما يهمني هنا أن الجميع فيها لهم نفس الفرص ولهم الحق في تقرير ما يريدون :

قال تعالى : ((كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) الاسراء

وقال سبحانه : ((من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15)) هود

ومن هذا فالكل يحقق شرع الله لا شك في هذا …. مادامت العدالة والمساواة وإقرار الحقوق والحفاظ على ما سبق ذكره …

ومن هنا علي التأكيد أن العدل ليس المساواة بل هو الالتزام بعدم تحيز الحاكم مع طرف ضد طرف
واعتماد معايير ثابتة ملزمة للجميع ومجردة (القوانين) أي غير مصاغة لطرف دون طرف  و التي تحقق الانصاف للأطراف دون النظر للرضا عنها…

والمساواة : تعني العدل في اقرار الحقوق والمسئوليات بما يتناسب مع القدرة المتاحة لكل فرد في المجتمع ولا تعني العدل في ان يتم التوزيع المتساوي للحقوق والواجبات..

فلا يمكن أن نسوي بين الطفل والعجوز أو الطفل والبالغ العاقل ولا العاقل بالمجنون ولا القادر بالعاجز … فالمساواة هي أن الجميع تحت سقف قواعد واحدة مجردة تعني بمعايير واضحة لا تفرق بين أبيضهم وأسودهم ولا كبيرهم ولا صغيرهم …. ولذا كانت التقوى هي المعيار الأبرز في الإسلام حيث وموضعها القلب ولا مطلع على القلوب إلا رب القلوب …

ولذا فالعدل مقياسه واحد لا فرق فيه بين مسلم أو غير مسلم ، القوامة في الإنصاف فيه لا في الميل والحب ….

قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) المائدة

وقد وضع الله تعالى لنا قواعد عليا للتحكيم فيها والعودة لها في اطار شاملاً لكل نواحي الحياة والتي عالجها الفقهاء فيما يعرف بالضرورات الخمس في الحاكمية الإسلامية وهي المناط بالحفاظ عليها :

–         الدين

–         النفس

–         العقل

–         النسل

–         المال .

وكل ما يحقق ذلك هو ضمن شرع الله …

وهناك لبس في الفهم عند الناس في اطار ماهي الحدود حيث يقفلون الباب على أن الحدود هي الموانع التي تستوجب على متجاوزها العقوبة …

وهذا الفهم صحيح وفيه سوء فهم حيث وأن الحدود هي كل الأحكام التي وضحها الله تعالى وحذر من تجاوزها … وعندما تنظر للآيات التي جاءت بكلمة الحدود تأتي في اطار الأحكام الكلية ومنها وقوله تعالى : ((تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)) البقرة

وللأسف نقف حائرين أمام أخواننا الذين يجعلون تطبيق شرع الله في اطار الحدود الجزائية ، والتي لابد منها في أي اطار قانوني ولكنها ليست هي كل أحكام الله تعالى ولكي نمر عليها فهي مؤطرة في الآتي :

–         الاعتداء على الآخر (نفس) بالسرقة

–         الاعتداء على الآخر بانتهاك عرضه برضا (الزنا ) أو عدم رضا (اغتصاب)

–         الانتهاك على العقل بتضييعه (السكر أو التخدير)

–         الانتهاك والخيانة الزوجية وتضييع النسل (الزنا للمتزوج)

–         الانتهاك على الآخر بسلب حياته (نفس)  (القتل )

–         الانتهاك على النفس بقتلها (الانتحار )

–         الانتهاك على الدين وتضييعه (الردة)

–         الانتهاك على الآخر في كل الصيغ السابقة وأكثر (الحرابة)

وعلي التأكيد على الآتي :

–         الإقرار بها : بمعنى أن يقر السارق أو الزاني بفعله الكامل فيها بكامل قواه العقلية .

–         ينتقل الحكم فيها من الحد إلى التعزير في حالة عدم إقرار الجاني ولا يتم التعزير إلا بوجود أدلة يطمئن لها القاضي ..فلو لم يقر السارق أنه سرق وأدعى أي دعوى كانت مع توفرت الأدلة التي تثبت سرقته لا يحق للقاضي القصاص منه بقطع اليد وإنما بالتعزير الذي يرتأيه بناء على الدلائل والقرائن .

–         يخرج عن ذلك القتل حيث عند عدم إقرار القاتل وبوجود القرائن والدلائل على جريمته يتحول القتل من العمد إلى الخطأ ويتم فيه العمل على قواعد القتل الخطأ .

–         لا يمكن على الإطلاق أثبات جريمة الزنا عدم القدرة على توفير أربعة شهود في وقت واحد وفي لحظة الإيلاج الكامل كرؤية الدواة تغرس في المحبرة وهو مستحيل …

–         وتدخل جريمة الاغتصاب في حد الحرابة ولها حكمها بحسب ما سببه الحكم فيها من الجلد إلى القتل .

–         الحرابة والبلطجة والاعتداء على الحياة والمجتمع لها عقوبتها الرادعة التي توزن بالفعل وتحقيق الجرم والتي ليس فيها إقرار وللقاضي والدولة الحق في ردعها بكل ما أمكنها من حزم .

–         حد الخمر والسكر هي عقوبة تعزيرية يضعها القاضي بموجب الحالة والوضع العام للبلد بما يتوجب فيها حفظ الأمن والنظام وضبطها لمنع تفشيها من الجلد إلى السجن وأغلب النصوص تؤكد أنها عقوبة تعزيرية .

–         حد الردة عقوبة أخروية لا يحق لأحد القيام بها في الدنيا إلا أن يقوم المرتد بفعل يحارب فيه النظام والدولة بالقول والعمل ، مما يخرجه من اطار الفكري العقدي للمحارب المعتدي ، حيث ولو كانت جرماً يعاقب عليها الشخص في ذاته لقام بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد أرتد في عهده وفي المدينة عدد من الناس والذين غادروا المدنية ولم يأمر الرسول بهم أو بقتلهم أو بمطاردتهم ، ولذا برز الخلاف بين الشيخين ابي بكر وعمر في عهد أبي بكر حيث لم يوافق عمر أبا بكر في حربه ضد المرتدين … و أصرار أبوبكر الصديق رضي الله عنه على ذلك كان قراراً لحفظ الدولة ضد المحاربين لها في ظل أن منهم من لم يرتد بل منهم من لم يؤمن .. إنما كانت حرباً ضد اعتداء وحفاظ على الدولة الوليدة … وبذا نؤكد أن قضية حد الردة بدأت سياسية محضة واستمرت سياسية محضة وستظل كذلك والجانب الديني فيها ضئيل ولا يثار إلا لغرض سياسي فيه . … فالله تعالى الخالق الذي خلق الكون وسير فيه خلقه وهو يقول لنا أنه ((لا اكراه في الدين )) وهو ليس بحاجة لمسلم منا أو غير مسلم ….. إنما الحياة للجميع والآخرة فيها الحساب والعقاب … فلا يعي أحد منا أنه يمثل الله تعالى على أرض الله ….

وكل عقوبة يضعها القاضي والمشرع في اطار حفظ النظام هي عقوبات تعزيرية تحسب لحدها وفي وقتها وفي اطارها ؟؟؟

ومن هذا أيه الأخوة علي التأكيد أن الشريعة : هي انتظام شئون الحياة وتصريف مصالح الناس وإقامة العدل بينهم .

ولأن الله تعالى أراد لنا أن يكون لنا نظام يحكم حياتنا فلم تكن الشريعة موضحة لشكل النظام وهيكلته وإنما جعل ذلك في اطار تطور الحياة والبلاد والأدوات والمهارات، ولكنه وضع القواعد الكلية التي يستمد منها الناس تشريعهم ….

وسنجد أن الأحكام الكلية في الإسلام وضعت في أطار خمس تنويعات هي :

–         الفرض : ما هو على المسلم العاقل البالغ القيام به من تعبد لله وتقرب له كالصلوات الخمس وصيام رمضان .. وتقديم الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.. وفيه يميز المسلم عن غيره وحسابه على الله تعالى لا يعلم الخلق فيها سوى ما يرونه من صاحبها ولا يحق لأحد كان أن يحاسب الناس فيها بالقبول او الرفض لأن المسلم لا يحاسب الآخر بنيته وإنما بما يراه منه وقبول الأعمال فيها في علم الغيب والشهادة … ولذا لم يأطرها الشرع بأحكام وإنما أمر بالتعاون على اقامتها والسعي لتوفير القدرة على اقامتها وليس اجبار الناس عليها …

ومن هذا نجد:

         قال تعالى : ((الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (41)) الحج

وضوح الآية تحدد أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة هم … أما عندما ذكر فعلهم مع غيرهم حدد بوضوح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

        وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)) المائدة

ومن هنا جاءت قوة الإسلام وأتباعه … حيث جاء الوصف فيهم :

قال تعالى :  ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)) آل عمران

وقال تعالى : ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)) آل عمران

دعونا نكمل إذن :

–         المباح : وهو كل ما في الحياة ما عدا ما جاء الشارع لتحريمه بنص صريح متواتر لا يقبل اللبس أو الاجتهاد أو الاختلاف …وهي خلاف المحرمات …

–         الحرام : وقد جاءت النصوص الواضحة الصريحة فيه والتي حرمت من المشروبات الخمر الذي يحوي الكحول لأنه مسكر مذهب للعقل … ولذا وصف الله تعالى خمر الجنة ((لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)) الصافات .. فهي لا تحوي الكحول الغول والذي يعتدي على العقول ولا تنزف أحلامهم وأفكارهم …وعلى العموم لو حصرنا المحرمات لما زادات عن عشرات عدة يمكن للإنسان فظها وتجنبها .,

–         المكروه : ما وضعه المشروعون وفقهاء الإسلام مما ألتبس عليهم فيه فتركه فيه خير وفعله لا أثم فيه …وإنما تدل على رقي النفس وعظيم الخلق .

–         المندوب : أو السنن التي وردت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم … ومنها المندوب المتواتر كالوتر وصلاة العيدين … ومنها المندوب الحسن  كسنن الصلاة المفروضة .. ومنها المندوب بزيادة وهي كثير لا حصر لها …

وقد حذر الشارع الكريم من العبث واللعب بالتحريم والتحليل وفقاُ للأهواء والرغبات :

قال تعالى:  ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ((: الأعراف32

وهنا سمعت شخصاً يقول لي وبذا فالحشرات ليست حراماً … قلت له :

من منطلق ما سبق نعم … إلا أن النفس السليمة تأفها وتترفع عنها … فيا أخي الحبيب لم يأتي نص بتحريم البراز فهل هناك من يأكل البراز … نعم هناك من يأكله وهو في نفسه إما مصاب بعقله أو في قلبه ..شفاه الله تعالى …… دورنا هنا أن نقول أنها مكروهة لنفور النفس منها وترفعها عنها والله أعلم .

المهم ,,,

دعونا نقفز قليلاً للأمام في اطار وضع القوانين والأحكام من لهم ذلك ومن ليس لهم :

لأهمية تشريع الأحكام والقواعد الحاكمة بين الناس فقد وضعت من أول ما وضعت الدولة الإسلامية اطارها الكلي في التشريع للقوانين والأحكام وكان من أبرز من يضعون الأحكام :

–         الفقهاء : وكانت تعتمد في نصوصها على فهم الفقيه فيها ومن سنن الفقهاء التوضيح والشرح لها ..

–         الحكام : وعلى رأسهم الخلفاء وهي ملزمة عند إقرارها بين الناس والرعية .

–         القضاة : بما يرونه فيما يعرض لهم من قضايا الناس

واعتمدت تلك الأحكام في وضعها على الآتي :

–         القرآن الكريم

–         السنة النبوية الشريفة

–         اجماع الصحابة والعلماء

–         القياس على ما سبق

–         الاستحسان والمصالح المرسلة

–         العرف المستقر في البلد او المنطقة .

ومع تطور الدولة سجلت تلك الأحكام وأبرز من طور في وضع الأحكام والتعامل معها الحاكم العثماني الأشهر (السلطان سليمان القانوني ) الذي حكم قرابة الخمسين عاماً و سمي بالقانوني لكثرة ما وضع من قوانين وأحكام للناس والبلدان التي فتحها .

والناظر لأحكام وقوانين وقواعد العالم المعاصر أنها في اطارين هما :

–         القانون المدني : وهي في أغلب بلدان أوربا انطلاقاً من فرنسا والتي برز فيها ذلك القانون واستقر بصورة واضحة بعد ما يعرف بقانون نابليون والذي تطور ليعرف اليوم بالقانون المدني والذي اعتمد في قواعد على القانون الروماني وقانون الألواح الاثني عشر وبعض مكملات من قواعد الإمام مالك التي انتقلت مع فتوحات الأندلس لأوربا … والذي يبرز فيها القاضي كجزء من نظام وليس محدداً له …

–         القانون العام أو المشترك : وهو يعتمد على السوابق القضائية والعرف المستقر ، وهو من القوانين العرفية والتي تستقر مع كل حالة ، وهو ما نراه واضحاً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة … وللقاضي فيه مكانة عالية ويستعين ويستنتج القاضي فيه بهيئة محلفين للاستحسان والمصلحة .

وكل دولة تضع لنفسها في اطار تطورها الحضاري القانون الأعلى أو الدستور الحاكم على شرعية القوانين ، والدستور واللفظ فيه بمعنى ( صاحب الحق ) من المنقول الفارسي : وهو يعني النظام الأساسي أو المبادئ العامة التي تحقق العلاقة بين السلطات والعلاقة بين الدولة والشعب وتبين الحقوق والواجبات ….

ورغم ذلك يظل هناك سوء فهم في أو وجهات نظر في كل ذلك فوضعت الدول لنفسها شارحاً وفهماً للدستور عبر سن القوانين ومراقبة احكام تلك القوانين واستناده للدستور عبر ما يعرف بالمحكمة الدستورية ..

ومن ذلك نجد أن الأحكام في الإسلام والتي أساسها الشرع الكريم القرآن والسنة .. تقترب كثيراً من آلية القانون المشترك … وللأسف فنجد أننا نؤطر الإسلام في إطار القانون المدني الفرنسي مع وجود قوة لنا باستخدامنا لقوة الأحكام في الإسلام … هذا من جانب

أما من يحق له وضع القوانين والأحكام ، وبناء على ما سبق فلابد أن يكون للدولة دور في ذلك عبر شكلين أساسيين في الإسلام وبحكم التطور العام للدولة اليوم وهو :

–         مجلس للتشريع أياً كان شكله واسمه (مجلس أمة ،نواب ،شعب )

–         مجلس الإفتاء (مساند ومساعد للأول وليس بديلاً عنه كراي للاستحسان وتوسيع دائرة القياس والحصول على الإجماع )

وأن أول من وضع أساس لتسيير تلك الأحكام هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصور مبادئ أولية عرفت بوثيقة المدينة … التي حدد فيها العلاقة بين المسلمين بعضهم البعض والمسلمين وغيرهم في المدينة …

ومما سبق أيها السادة أخرج معكم بالآتي :

–         لابد أن تنشئ الأمم في تطورها دستورا حاكما ينظم العلاقة بين السلطات ويوضحها ويوضح و الاطار العام للحاكمية في الدولة والحقوق والواجبات الكلية … وما إلى ذلك .

–         لابد من وجود مجلس للتشريع والتقنين للقوانين وفق منهجية المصالح وضمن حدود عدم اباحة الحرام أو تحريم الحلال دون التدخل في قدسية الفروض التعبدية والعمل على توفير ما يلزم فيما ذكرنا آنفاً

–         لا يمكن أن نكتفي بوجود شخص يفتي برأيه الفرد في حياة الناس وشئونهم الدينية ويصبح مرجعية مطلقة فالحكم لله تعالى لا ينافس فيه أحد فلا يحق لأي كان الادعاء أنه يحكم بأمر الله ، ولذا لابد من مجلس للإفتاء يشمل توجهات العلماء المختلفة من علوم دين ودنيا … ينظر وينصح ويناقش أمور الناس وحياتهم ويقدم النصح للمجلس التشريعي فيما يمس وينبني عليه عمل وأحكام أمة .

كما تطورت الأمم علينا أن نبني في ذلك تطورنا …الذي يهدف لقاعدة بناء التشريع الذي يحقق لهذه الأمة نهضتها وليس التشريع القائم على أحكام لا وجه لها سوى رأي فلان وقول علان ….

أرجو أن يكون الفكر قد استنار فالنهضة لا تنبي بأحلام وإنما يتبع  الحلم عمل ..فهيا للعمل

والله ولي الهداية والتوفيق

والقواعد لم تنته هنا .. ولنا لقاء قريب ان شاء الله

أحمد مبارك بشير

25/5/2013

divers_droit_436100200

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.