أنا والربيع العربي 2- ثورة لا ثورة جزء أول

أنا و الربيع العربي ..حلقة 2

ثورة لا ثورة الجزء الأول

هذا الأسبوع غير عادي بدأ بموجة الغبار التي اجتاحت الخليج ، وكأني أتذكر موجة الدخان التي عرقلة الحياة في أوربا ، ولأني من المصابين بالتحسس فقد تأذيت من هذا الجو . رغم ما فيه ، لكن سبحان الله ، هذا الإنسان القوي لا يستطيع شيئاً أمام هذا سوى الاختباء ..جبان …
تذكرت قوله تعالى : ((فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين (10) يغشى الناس هذا عذاب أليم (11) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) )) الدخان …
كيف يكون ذلك الدخان !!!!

وصلت إلى صديقي الجديد ، في مجلسه المعتاد ، وتلك الابتسامة لم تفارقه ، والنظرة الساحرة التي تشدك إليه ، وبعد التحية ، جلسنا .. بدأت انظر منتظراً أن يبادر هو في الكلام ، فنظر إلي هو وكأنه يقول .. نعم ! تفضل ..
تقدمت قليلاً في جلستي منحنياً للأمام ، وأنا على مقعدي ، وكل فكري يريد أن يعرف المزيد ، وخاصة عن الأحداث التي وصلت إليه اليوم في العالم العربي وفي اليمن خاصة :
– كنت أحب أن ابدأ بالسؤال البديهي .. هل ما حدث في العالم العربي ثورة ؟ وبالتحديد في اليمن ؟
ابتسم أكثر ، وكأني اخبرته بنكتة ثم قال :
– أخي الكريم .. لن أعطيك جواباً مباشراً ..فليس هذا دوري ولكن سأسعى من خلال طرحي أن تجد أنت الجواب الشافي الذي يقنعك ويقنع قراءك ..
– نعم .. اسمعك ..
– وقبلاً ..لابد أن ادخل مدخلاً مهماً معك ستعتاد عليه معي .. منه تذكي بما سبق .. ومنه تأسيساً لما يأتي :
أولاً : قوانين وقواعد لابد منها :
1- قانون التغيير : لا تعتقد يا صديقي أن الأمور تسير عشوائية وهذا ما طرحته معك سابقاً .. بل هناك قواعد وقوانين كونية من أخذ بها وسار عليها من مؤمن أو كافر يصل لما يريد ، ليس هذا متعلق بدينه أو بعبادته لله ، ولو كان ملحداً غير جازم بالله وعمل بها يسير لما سعى إليه ، الفرق الوحيد هو البركة واليسر للمسلم عن غيره، فالدنيا خلقت لبني آدم ، وله سيرت وسهلت ، وما في الكون في خدمته ما عمل بقوانينها .. قال تعالى : ((كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)) الاسراء .. ومن هنا فقد جعل الله للتغيير قانون ملزم أكان التغيير ايجابياً أو سلبياً وهذا واضح في قوله تعالى : ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))الانفال … وقوله تعالى : ((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) الانفال .. فالتغيير ايجابي أو سلبي يحدث في حياتك يبدأ من ذاتك ، فلا تنتظر أن يحدث التغيير من أثر خارجي على الأطلاق ، ولذلك فإنك لا تحاسب على مرض تمرضه ، فأنت لم تمرض نفسك ، ولكن ستحاسب على طريقة تصرفك تجاه المرض وما أصابك منه ، ذلك هو خيارك وهو ما ارتضيت أن تواجه به حياتك ، فلا تتوفع يا صديقي أن يظهر أثر التغيير لمجرد حدوث شيء ما ، إلم يكن هذا الأثر نابعاً منك ، وإيماناً بهذا الأمر ، قولاً وعملاً …
2- الإنسان هو الإنسان ، بعقله بقلبه بروحه ، مهما تغيرت الأشكال والصور يظل هو الإنسان وبالتالي ما يصنعه يتكرر بصورة أو بأخرى فيصبح دلالة وعبرة لمن ألقى السمع ، وأراد أن يتعلم ولذا قال تعالى : ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) آل عمران . فإن أردنا أن نفهم أصل الحكاية علينا بالعودة للماضي فالماضي ذكرى وعبرة ، ولا يمكن تغيير الأمس فقد حدث وما حدث انتهى ، ولو امتلكت آلة الزمن سيظل التاريخ هو التاريخ والماضي عبرة وعظة، حكمة وشهادة ، مدرسة لمن أراد الفهم والإدراك الصحيح . فلابد أن نمر في الماضي لنفهم أحداث الحاضر ..فالأمس صانع اليوم والغد صانعه اليوم ..

ثانياً : معانٍ ومفاهيم :
1- الانتفاضة في حركة عفوية شعبية غير منظمة يقوم بها الشعب معبرا من خلالها رفضه قرار أو اجراء من قبل النظام الحاكم ، وقد تهدأ أو تتصاعد تلك الانتفاضة ، وذلك يعود لتكون أو عدم تكون قيادة لتلك الموجة الغاضبة
1. الثورة : قيام الشعب عبر بقيادة موجهة من النخب أو طلائع من المثقفين لتغيير نظام الحكم بالقوة، وقد تنشأ من تحول انتفاضة شعبية لثورة شعبية . وقد تحدث الثورة نتيجة تغير في نظام بفعل الجمهور.
2. الانقلاب : يأتي غالباً من قيادات في النظام الحاكم نفسه بطريقة مسالمة أو دموية ، وغالباً وهو المألوف يأتي من قيادات عسكرية ولذا يسمى انقلاباً عسكرياً ولكن ليس بالضرورة أنه يأتي من العسكر ، ويأتي الانقلاب بتغيير جزئي أو كلي في النظام … وهو من هنا قريب من الثورة في تغيير النظام ولكنه يأتي ويبدأ من أعلى الهرم أي من النظام نفسه ، بعسك الثورة التي تبدأ دائماً من أسفل الهرم أي من الشعب وغالباً تبدأ الثورات من الانتفاضات.
3. الدولة : تشير إلى مجموعة من مؤسسات الحكم ذات سياده على أرض وسكان محددة. أوهي مجموعة النظم التي تتكون من افراد يمارسون نشاطهم على بلد أو إقليم جغرافي محدد في حدود محددة ويخضعون لنظام سياسي معين يتولى شؤون الدولة وينسق بين أنظمته لتكون كياناً واحداً ،وغالباً ما يحدث الخلط بين النظام الحاكم والدولة كنظام عام … فالنظام الحاكم هو جزء من كيان الدولة وليس هو الدولة .
2- البلاد : البلد تدل على منطقة جغرافية. أو مساحة جغرافية يتجمع فيها مجموعة بشرية عرقية أو قبلية أو مذهبية أو عشائرية أو … ينسبون لهذه البلد وقد تصبح البلد هي الدولة أو تتكون الدولة من مجموعة من البلدان أو تتكون البلاد من مجموعة من الدول .. فالقرية بلد .. والمدينة مجموعة من البلدات .. والبلاد العربية مجموعة من الدول .. الرابط الجوهري للبلد هو المحدد لها
3- الجنسية : هي الصلة بين الفرد والدولة أو النظام الحاكم فيها وليس بالضرورة دلالة على الوطنية ، لكن في أحياناً من امتلك الجنسية صار موطناً لدولة ما .
4- الوطنية : هي الرابطة التي تجمع مجموعة من الناس تجاه منطقة ما من ناحية العرق أو النسب أو المولد ، او الإقامة، وبالتالي تتغير قواعد المواطنة بتغير الدولة و لكن العرف يغلب فيها بأن من ولد وتربى في بلد ما هو مواطن فيها وينتسب إليها ولو لم يحمل الهوية أو الجنسية . ويغلب على الدول أن تضع قواعد وقوانين للمواطنة والاقرار بها لشخص ما .
5- الأمة : ترمز إلى اناس تجمعهم اعتبارات مشتركة من اصول أو تاريخ أو حضارة.
6- الشعب : هم البشر الذين يعيشون في الدولة ويقعون تحت حكم نظام الدولة فيها .
– واو .. لقد امتلأت بالمعلومات قبل أن ندخل في اطار الحديث عن الثورات العربية في الربيع العربي ..
– لقد قلت أنها ثورات يا صديقي .
– بناء على ما طرحته سيدي .. بأن الثورة تحرك شعبي يرغب في تغيير نظام الحكم فهي ثورات ، ولكنني اتعجب لكثير مما يحدث فيها ، ويقلقني أحياناً ما يدور أنها مؤامرة لتفكيك الدول العربية خدمة لإسرائيل وهذا ما حدث في تقسيم السودان .. و التدخل الأجنبي في ليبيا .. والأزمة في اليمن ..
– رويدك أخي .. رويدك .. دعنا نعد للوراء .. للوراء .. ولنقرأ التاريخ أولاً قبل أن ندخل في حكاية اليوم .. دعنا نرى الأمس ..
– نعم أني انتظر .. هل تريد أن تعود للثورة الفرنسية ..
– نعم .. ولكن سأبدأ قبلها بفترة ولنقرأ ولنربط الحكاية ..
– تفضل .. لن أقاطع إلا إن راودني سؤال يحتاج لتوقف..
– نعم .. هذا جيد !! …. ما ذكرته من مفاهيم سابقة جاءت لما حدث من تغيير في التاريخ ، لم تكن أوربا اليوم هي ما تراه أنت ولكنها كانت صورة مختلفة تماماً .. ولكن دعني أسلسل لك الأحداث فتابع :
1- عاشت أورابا حروباً طاحنة تقودها الكنيسة مدعية فيها حكم الله في عباده ، فأصابت الناس فيها بالكراهية لهذه الكنيسة ولقيادتها ،حكام الدول التي يدعون مرجعيتهم لله في حكم العباد ، وسطوة الأقطاع باسم الله وبأمر الله بحسب زعمهم ، فتولدت الفئات التي تدعم التغيير ، في بطن ذلك الذل من مفكرين وهم يرون في المقابل حضارة تعلموا منها وانقادوا لها .. حضارة ارتبطت بأمة عظيمة .. حضارة الإسلام ، أخذوا .. تثقفوا ..نهلوا .. وصاغو رؤيتهم في حضارة جديدة … وبدأت أفكار ما نسميهم اليوم التنويرين .. الذين اضاءوا أفكرا الجهل في أوروبا ..
2- الجهل تفشى .. الفقر يقتات من البشر .. والظلم يغتال البراءة .. والدماء تسيل باسم الكنيسة … صورة ظلامية باقتدار .
3- بدأت شرارة الصراع بين الملكية والبرلمانية حرب أهلية دامية وسياسة في انجلترا بين الأعوام 1942 وحتى 1951م انتهت بإعدام الملك وابنه ولكن سلطة الكنيسة الموحدة لم ينته واستمر الاستبداد … حتى جاءت الثورة التي يسمونها الثورة المجيدة في 1689.. لتأتي بالملكية الدستورية ويبدأ نظام جديد ، وفكر جديد وإعلان ما عرف بمبادئ الحقوق والمظالم ..
4- ما حدث في بريطانيا ..انجلترا.. صداه لم يكن بتلك القوة التي تهز أوروبا .. فالأمر لم يتغير بصورة كلية .. كما يراه الناس .. ولكن ما حدث هو بروز الفكر التنويري .. أو دعني أوضح أكثر حتى لا يفهم خطأ .. كان عصر التنوير وما أنتجه من أفكار وضعية وعقلانية تعتمد العقل بدلاً عن الكنيسة منهجاً لها كان هذا الفكر ملهماً لعدد من الثورات الاجتماعية والسياسية شهدتها أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أسفرت عن قيام الدولة الحديثة في أوربا ونشأة أمريكا. وقد ارتكز قيام هذه الدولة على وجود بيروقراطية، وقيام جيش كمؤسسة قوية ومتمتعة باستقلال نسبي، وسيادة جو من العقلنة في التنظيم. وقد سادت في هذه الدولة أنظمة سياسية بديلة من أنظمة القرون الوسطى، بحيث قامت هذه الأنظمة بانتزاع الصفة الإلهية عن سلطة الملوك فاصلة الدين عن الدولة .. إذن البدايات الأولى كان التغيير في طريقة إدارة الدولة بالإضافة إلى بروز هذا الفكر الجديد ، وعلى رأس من نقلوا الفكر السياسي الجديد وهاجموا الكنيسة بصراحة وقوة (جان جاك روسو- مونسكيو – ..)
5- لم يكن سيبرز دور الفكر منفرداً لولا حدوث الأثر في إطارة الدولة في الرأس ، ساهم في ذلك حدوث الامتعاض والانتفاضات الشعبية العشوائية هنا وهناك .. جعلت قادة الدول أن تبدأ في أحداث التغيير في طريقة إدارة الدولة ، كما حدث في بريطانيا .. حدث في فرنسا …
6- تعلق الناس في أوربا بما يحدث في أطراف العالم ، ونشأة الدولة الجديدة في أمريكا الشمالية والتي تصل أخبارها تباعاً وكأنه قصة من ألف ليلة وليلة …
7- أوربا تبحث عن المال والخزائن خاوية ولا بنك دولي يسعفها … ولا دول نفطية تنقذها ..
8- حروب ..صراعات .. الكل يترقب وماذا بعد؟
9- العيون كلها على فرنسا1789م …الانتفاضة تتحرك في المدن .. تسمع الأخبار الواردة ..ليس هناك انترنت .. ولا فضائيات .. بأمر الملك تشارلز السادس عشر يجتمع مجلس الطبقات .. يحاول أن يهدأ الموقف الناس في الشوارع .. الثورة تصل إلى باريس …. الشوارع مكتظة ..تتحول فرنسا لملكية دستورية .. ولا تنته الحكاية .. ويستمر المد الثوري .. والمظاهرات مستمرة .. ينفض مجلس الطبقات .. تتكون الجمعية الوطنية .. أناس عن يمين المجلس متعصبون لإنهاء الحكم الملكي .. أناس عن يسار المجلس يدافعون عن حكم الملك .. وهنا يبرز التيار السياسي اليساري واليميني المتشدد .. وينتصر الأغلبية .. وصوت الوسط يختفي … صوت اليمين يعلو..ما أن يسمع الناس الخبر تبدأ الفوضى .. نهب لممتلكات النبلاء … حرق .. سلب .. لا شيء يوقف الطوفان … يأمر الملك الجيش بأن يتصدى للشعب .. يخرج الجيش ..الشعب بحاصر القصر… الجيش ينظر .. إنهم اخوانهم .. آباءهم .. أبناؤهم …فينقلب الجيش مع الشعب … وتبدأ الثورة تتصاعد .. القلة من يدافع عن الملك أو الملكية… يعدم الملك وكل أسرته … بصورة قاسية .. لا رحمة .. لقد تغيرت فرنسا للأبد … مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة تأتي من قلب الثورة وتلعن للعالم..
10- نشوة النصر التي فاحت رائحتها بقوة عبر أوربا لتصدم بقية الأنظمة .. بدأت القوى الخارجية المؤثرة تحاول التأثير لمنع انتشار حمى الثورة الفرنسية في عموم أوربا .. ليبدأ التدخل الإقليمي في فرنسا لمنع انتشار حمى الثورة والجمهورية ..
11- هل يستحق الأمر تدخل العالم لوقف المد الثوري .. من وجهة نظرهم نعم !! .. لأن فرنسا وحكامها الجدد أنفسهم جعلوا من أنفسهم حملة لراية الثورة .. وداعمة للشعوب ضد حكامها …. وجاء نابليون ليؤكد هذا في سعيه لنقل ثورة فرنسا ومجدها للعالم … و ليبدأ عهد جديد من الملكية في فرنسا .. بتدخل من أكثر الدول ملكية وهي النمسا .. وكذا تحالف قوي سمي بالحلف المقدس بين ألماني وايطالي ورسيا يهدف للسيطرة على مد الثورة ..قاد هذا إلى حروب وصراعات ي أوربا وخارجها … لتعود الملكية إلى فرنسا … بصورة أو بأخرى … وذلك بعد هزائم نابليون.. ومازال تحت الرماد جمراً ..
12- الإرهاق .. الجوع .. التعب .. يجتاح أوربا .. ولا جديد .. الناس في همومهم .. هل هناك من تغيير …
13- 1848-1849 هذا التاريخ سيعرف بربيع الأمم : موجة من الثورات تجتاح أوربا بدأت من بلدة صغيرة اسمها صقلية ، لتنطلق شرارة الثورة الثانية في فرنسا لتقلب الشوارع التي كانت تبدو هادئة ولتبدأ عهد الجمهورية الثانية ، ولتتغير أوربا بأكملها .. وبصورة لم تحدث في الثورة الأولى لفرنسا .. فالعقل والفكر تغير .. والجاهزية هنا أفضل منها بالأمس ..
– لا إله إلا الله … وكأنك تحكي لي ثورة مصر ضد الملكية وما حدث نتيجة لهذا في العالم كله والعالم العربي خاصة .. وثورة تونس التي كانت الشعلة الأخيرة التي أوقدت الثورة المصرية في 25 يناير 2011 والتي صارت معياراً ومنهجاً لأي ثورة سلمية .. وأثرها ما زال يرتقي ويؤثر في العالم كله والعالم العربي خاصة ..ولكن هذا كله يجعلني أقف لحظات مع ما حدث في اليمن من 3 فبراير والانتفاضة التي تحركت في الشوارع في 11 فبراير 2011 بعد إعلان تنحي مبارك في مصر .. والتي كنت أظنها بمعياري ثورة .. وبمعيار ما سمعته الآن كانت انتفاضة لم تنمو وتتشكل … فقد تحولت فجأة لانقلاب سياسي من أطراف سياسية اعتمدت على حركة الشارع .. في 21 مارس 2011 … هل يعني هذا أن الثورة لم تكتمل في اليمن .. ؟؟؟
– ..دعنا نعد الحديث ونفكر قبلاً …..
وللحديث بقية …
أحمد مبارك بشير
27/3/2011م

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.